رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 19 يوليو 2024
تُعد أسواق الطيور الحية جزءًا لا يتجزأ من العادات الثقافية، بغض النظر عن آثارها على الأمن البيولوجي
الثلاثاء ليس يومًا عاديًّا في حياة "أم محمود"، فهي تنتظره طوال الأسبوع، لتُحضر بضاعتها فجرًا إلى سوق الطيور الحية بمنطقة المنيب بمحافظة الجيزة الواقعة غرب العاصمة المصرية "القاهرة".
وخلف ثلاثة أقفاص، افترشت السيدة الأربعينية الأرض لتبيع الحمام والبط والأرانب والدجاج لزبائنها الذين يقصدونها لانخفاض أسعارها نسبيًّا مقارنةً بمحلات بيع الطيور الحية بالمنطقة.
لا تعتقد "أم محمود" -التي رفضت ذكر اسمها صراحة- أن عملها يمثل خطورةً على صحتها، لكنها واحدة من بين عشرات البائعين البسطاء بأسواق الطيور الحية التي تقام أسبوعيًّا في عدد من الأحياء والقرى بالمحافظات المصرية بدايةً من القاهرة مرورًا بالدلتا وانتهاءً بالصعيد.
ومنذ ظهور سلالة أنفلونزا الطيور شديدة الإمراض في مصر عام 2006، حدثت فاشيات متعددة وبقي الفيروس متوطنًا في مصر حتى 2017، وبذلت مصر جهودًا كبيرةً لكبح المرض بمساعدة منظمة "الفاو"، شملت تطعيمًا جماعيًّا للدواجن وإعدام أكثر من 40 مليون طائر، ورغم ذلك، تم الإبلاغ عن نحو 359 إصابة بشرية بالمرض.
وفي 2017، ظهرت سلالة (H5N8) واستمرت حتى عام 2021، الذي شهد ظهور الفيروس الفرعي المعروف باسم (H5N1 2.3.4.4b) في مصر والعالم، وفق دراسة نشرتها "نيتشر" (Nature) بمشاركة "رابح الشيشيني"، المؤلف المشارك في الدراسة والباحث في علوم الفيروسات بالمركز القومي للبحوث في مصر.
بؤر ساخنة
تُعتبر أسواق الطيور الحية بؤرًا ساخنةً لانتشار فيروسات أنفلونزا الطيور، وتوفر بيئةً مناسبةً لتكيُّف تلك الفيروسات وتحوُّلها الجيني، ما يزيد من قدرتها على الانتقال إلى البشر، وفق دراسة نشرتها دورية (Current Opinion in Virology) بقيادة "تشان فو-جاسبر" الباحث بكلية "لي كا شينج للطب".
وفي السياق، كشفت دراسة جديدة، قادها باحثون بالمركز القومي للبحوث في مصر ونشرتها دورية (npj Viruses) رؤى مهمة حول ديناميكيات انتقال فيروسات أنفلونزا الطيور في مصر.
وأجرى الفريق مراقبةً نشطةً لفيروسات أنفلونزا الطيور بـ4 أسواق للطيور الحية تقع في مدن بلطيم ودمياط وبورسعيد ورشيد، من نوفمبر 2021 إلى مارس 2023؛ حيث تُباع الطيور البرية حيةً بجانب الدواجن المنزلية في ظل تدابير لا تراعي الأمن البيولوجي، مما يزيد من خطر الاتصال بينهما.
وفحص الباحثون 3971 عينةً من الدواجن والطيور البرية والمصادر البيئية، وكانت 692 منها (17.4٪) إيجابيةً لفيروس أنفلونزا الطيور، وأظهرت الدواجن نسبة انتشار أعلى (42.2%) مقارنةً بالطيور البرية (34.4%)، كما أن العينات البيئية، بما في ذلك الماء (30.8%)، والأسطح (17.2%)، والهواء (18.2%)، كانت إيجابيةً أيضًا لأنفلونزا الطيور.
أنواع فرعية
حددت الدراسة أنواعًا فرعيةً من فيروس أنفلونزا الطيور، تتضمن سلالاتٍ شديدة الضراوة مثل (H5N1) و(H5N8)، تنتشر بين الدواجن والطيور البرية والعينات البيئية، مؤكدةً "ضرورة تنفيذ تدابير الأمن البيولوجي والمراقبة النشطة".
"تمثل أسواق الطيور الحية خطرًا واضحًا لانتقال الأنفلونزا الحيوانية المنشأ، لكن هذا الخطر يصعب التخفيف منه"، وفق أميش أدالجا، خبير الأمراض المعدية في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي في بالتيمور بالولايات المتحدة، معلقًا على النتائج.
يضيف "أدالجا" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": في العديد من أنحاء العالم، تُعد أسواق الطيور الحية جزءًا لا يتجزأ من العادات الثقافية، بغض النظر عن آثارها على الأمن البيولوجي.
من جهته، يؤكد مجدي بدران -استشاري الحساسية والمناعة، وعضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة- أن انتقال فيروسات أنفلونزا الطيور إلى البشر لا يزال نادرًا، لكن العدوى قد تحدث عند استنشاق جزيئات الفيروس، أو دخوله الفم، أو العين، أو الأنف بعد الاتصال الوثيق وغير المحمي بالطيور المصابة.
يقول "بدران" لـ"نيتشر ميدل إيست": تشمل الفئات الأكثر تعرضًا للإصابة بالفيروس العاملين في مزارع الدواجن، والمسافرين إلى المناطق المتضررة، والمتعرضين للطيور المصابة، ومَن يتناولون الدواجن أو البيض غير المطبوخ جيدًا، والطواقم الطبية، والمخالطين للمصابين من الأسرة.
الأمن البيولوجي
يُعرف محمد أحمد علي -مدير مركز التميز العلمي لفيروسات الأنفلونزا، بالمركز القومي للبحوث في مصر، والمشارك في الدراسة- مفهوم السلامة البيولوجية بـ"الممارسات الإدارية التي تستهدف تقليل انتقال وانتشار الأمراض إلى الحيوانات أو البشر".
يقول "علي" في تصريحات لــ"نيتشر ميدل إيست": يجب فصل أنواع الدواجن المختلفة والطيور البرية، والتأكد من أن الطعام والماء خاليان من فيروسات أنفلونزا الطيور وغير ملوثين ببقايا الطيور البرية، ويجب أن تتم عملية الذبح في حاويات محددة يتم تعقيمها كيميائيًّا، وجمع مياه الصرف الصحي في أسواق الطيور الحية وتحييدها.
مراقبة مستمرة
من جهته، يرى عبد الستار شعوط -مدير مديرية الطب البيطري بمحافظة بورسعيد- أن أكثر الإجراءات فاعليةً لمنع انتشار أنفلونزا الطيور هو منع تداول الطيور الحية وتشجيع التجار على بيعها مذبوحةً ومبردة، لتجنُّب احتكاك المواطنين بالطيور الحية في الأسواق.
وأضاف "شعوط" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يُجري الطب البيطري مراقبةً مستمرةً للفيروس بأخذ عينات من مزارع الدواجن قبل وصولها إلى الأسواق، ومنع بيع الطيور إلا بعد التأكد من خلوِّها من الفيروس، ويتم شن حملات متابعة لسلامة عملية ذبح الطيور والتخلص من الفضلات بشكل آمن في المحلات، إضافةً إلى حملات مفاجئة على أسواق الطيور الحية وأخذ عينات عشوائية من الطيور التي تباع في الشوارع، مع تسجيل بيانات البائعين للمتابعة في حال ثبوت إيجابية العينات.
وأكد "شعوط" أن تنفيذ بروتوكولات السلامة البيولوجية يتطلب تعاونًا من الطب البيطري ومسؤولي الأحياء، للتأكد من تطبيق المحلات والعاملين بها لإجراءات السلامة البيولوجية.
وللوقاية من الفيروس، ينصح "بدران" بتجنُّب التعرُّض للطيور المريضة أو النافقة، وتجنُّب ملامستها مباشرة، وغسل اليدين بانتظام، خاصةً بعد التعامل مع الطيور أو مخلَّفاتها، وطهي الدواجن والبيض بشكل جيد قبل تناولها، واستخدام الكمامات عند التعامل مع الطيور.
ويُوصي "بدران" مربي الدواجن بمراقبة صحة الطيور بشكل دوري، وتطبيق إجراءات الحجر الصحي والعزل للطيور المصابة، بالإضافة إلى تطهير الأماكن والأدوات بانتظام، وتنفيذ عمليات إعدام للطيور المصابة لمنع انتشار الفيروس.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.223
تواصل معنا: