من واقع 50 ألف فحص دماغي: إليك خمسة أنماط لشيخوخة الدماغ
03 October 2024
نشرت بتاريخ 11 يناير 2024
استخدم المهندسون الغربيون نماذج غربية لتشييد المباني دون مراعاة لطبيعة الخليج الجغرافية وخصوصيته وتراثه العمراني
أحدث اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في دول الخليج تحولاتٍ سريعةً في مناحي الحياة كافة، وعلى رأسها أنماط العمارة والسكن، خاصةً بعد السبعينيات.
وتسببت الزيادة المفاجئة في أسعار النفط في طفرة التصنيع التي اجتذبت هجرة العمالة من الخارج، وأصبح المواطنون أكثر ثراءً وأكثر خصوبة، مما أدى إلى ارتفاع عدد السكان.
ووفق دراسة نشرتها دورية "إينرجي أند بيلدنجز" (Energy and Buildings)، فإن هذه التحولات الكبيرة أعقبتها تحولات في أنماط السكن؛ إذ انتشرت المباني السكنية، أفقيًّا وعموديًّا، لاستيعاب الزيادة السكانية، والمستوطنات الريفية إما تم تحويلها إلى مراكز حضرية أو تقلص حجمها بشكل كبير.
كما أدت الثورة الحضرية ذات النموذج الغربي إلى ارتفاع البصمة البيئية لبلدان المنطقة نتيجة الاستهلاك الكثيف للطاقة.
ووجدت الدراسة أنه من بين الدول الأكثر اكتظاظًا بالسكان -مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- كان إجمالي استخدام الطاقة مرتفعًا، في حين أن البلدان الأصغر ذات المستويات الأعلى من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي -مثل الكويت وقطر والبحرين- كان لديها استخدام أعلى للطاقة للفرد.
وعلى الرغم من كونها أصغر دولة في المنطقة وأقلها سكانًا، كان نصيب الفرد من استخدام الطاقة في البحرين أعلى من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وهو ما أرجعه المؤلفون إلى عدد من العوامل مثل "نمط الحياة والمناخ السائد وتصميم المباني".
طفرة أسعار النفط
يقول لطفي عزاز، أستاذ العمران ونظم المعلومات الجغرافية في جامعة المنوفية: "بعد حرب السادس من أكتوبر عام 1973 وبروز دور النفط العربي، ارتفعت أسعاره ارتفاعًا كبيرًا، وأحدث ذلك تأثيرات اقتصادية واجتماعية جذرية، ومن أبرز هذه التأثيرات تبنِّي دول الخليج للأساليب المعمارية والمواد وتقنيات البناء الغربية؛ إذ تمت دعوة مهندسين ومعماريين غربيين لإعادة تصميم بعض المدن الخليجية وتخطيطها من جديد".
يضيف "عزاز" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": استخدم المهندسون والمخططون الغربيون نماذج غربية في السكن، ولم يراعوا الطبيعة الجغرافية للمكان وخصوصيته وتراثه العمراني، واستبدلوا بالمنازل ذات الفناء التقليدي مساكن ذات طراز غربي.
ويتابع: ترتفع درجة الحرارة في دول الخليج بشدة في فصل الصيف، بحيث يصعب على الناس العيش من دون أجهزة تبريد، لكن السؤال، كيف عاش هؤلاء الناس قبل وصول أجهزة التبريد؟ الإجابة في مواد البناء المستجلبة من البيئة، والتي صُنعت أساسًا من الطين أو الرمل، لذلك لا تمتص الحرارة كما هو الحال في الكتل الخرسانية المستخدمة حاليًّا، كما أن تصميم البيوت نفسها اختلف، فلم تراعِ التصميمات الجديدة فتحات التهوية التقليدية أو الأفنية القديمة.
أدى الاعتماد على الأساليب الغربية إلى التخلي عن سنوات من الخبرة المتراكمة في البناء مع التقاليد المستجيبة للمناخ والثقافة المحلية، وحلت محلها أنماط غربية غير مناسبة لجغرافية المكان، فعلى سبيل المثال، كانت معظم المنازل الإماراتية المشيدة بين عامي 1990 و2000 ذات أسقف مائلة مبنية بسبب مظهرها الجمالي -فقط- بدلًا من أن تكون هناك ضرورة مماثلة لتلك الموجودة في بلدان الشمال الأوروبي حيث تساقط الثلوج بكثافة.
وتشير الدراسة إلى أن السكان المحليين في المنطقة قبل 40 عامًا كانوا يستخدمون إستراتيجيات التبريد السلبية، أي استخدام السمات المعمارية المحلية مثل مجارف الرياح، والساحات، والمشربيات، أو مواد البناء المحلية، المتضمنة الطوب والطين والحجارة، للتعامل مع درجات الحرارة القصوى.
ومع التحسينات التكنولوجية والتغريب، فإن حوالي 65% من إجمالي الطاقة السنوية في المباني السكنية الفردية يتم استخدامها بواسطة أجهزة التبريد في دول مجلس التعاون الخليجي، وفق دراسة سابقة.
تصميمات مستوردة
يقول "شاهين أكين"، طالب الدكتوراة في برنامج البيئة الصناعية التابع للجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة: "وجدنا أن أنماط الفلل داخل المنطقة هي المسؤولة إلى حدٍّ كبير عن غالبية استخدام المواد والطاقة في المباني السكنية، وهذا أمرٌ مثيرٌ للقلق؛ نظرًا لأزمة المناخ المقبلة".
يضيف "أكين" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": صممنا نماذج مختلفة للمباني السكنية في المناطق والمدن من خلال جمع البيانات من العديد من المصادر التاريخية، وتم تصميم النماذج لتمثيل الخصائص النموذجية في ضوء المصادر المجمعة المتاحة.
أجرى الباحثون عمليات محاكاة للطاقة، وسجلوا 153 نمطًا مختلفًا لاستخدام الطاقة والمواد في دول مجلس التعاون الست.
يقول "أكين": شرعت دول الخليج في استخدام المواد الحديثة ذات كثافة الانبعاثات العالية والجوانب الحرارية الضعيفة مثل الخرسانة، عن طريق استبدال الخشب والطين والحجر المتوافر محليًّا، كما أصبح تصميم المباني أكبر، مما أدى إلى استخدام مزيد من المواد للبناء والطاقة لتكييف المباني في المقابل، ويمكننا رؤية مثل هذه الاتجاهات في دول الشرق الأوسط الأخرى أيضًا، ولكن مع النفط، أصبحت وتيرة التحول أسرع بكثير مما يُتوقع.
وأوضح الباحثون أن الفيلات المبنية حديثًا، والتي تحتوي على مساحة معيشة أكبر من الضروري، كانت الأكثر استهلاكًا للطاقة، ولكن كان هناك استثناء واحد مثير للدهشة؛ إذ وجد الباحثون أنه على الرغم من أن عمان لديها نسبة عالية نسبيًّا من الفيلات في مخزونها من المباني، إلا أن نصيب الفرد من استخدام الطاقة أقل بكثير من دول الخليج الأخرى.
يقول "أكين": تختلف عمان عن الدول الأخرى؛ لأنها تميل إلى التمسك بالعادات الثقافية للماضي، مع الأنظمة التي تعزز العمارة الإسلامية، ويرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف التطلعات السياسية والاقتصادية لكل بلد خليجي.
من جهته، يقول أمير جوهر -المحاضر في التخطيط الحضري في جامعة "ويست أوف إنجلاند"- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": استوردت دول الخليج المنتج وليس المنهج الغربي في إنشاء المدن، لذلك يلاحظ وجود دفايات في المنازل رغم عدم الحاجة إليها نظرًا للحرارة المرتفعة؛ إذ نسخ المخططون الغربيون المنازل الغربية ذات الأسقف المثلثة والدفايات والمداخن، ونفذوها في دول الخليج، ويتكلف هذا التصميم مبالغ باهظة واستهلاكًا كثيفًا في الطاقة لأغراض التكييف والتبريد.
تطوير النموذج المحلي
لم تتناول الدراسة الجديدة الحلول المناسبة لمشكلة الاستهلاك الكثيف للطاقة في دول الخليج العربي، لكن "أكين" يرى أن النتائج يمكن أن تساعد في تطوير السياسات والمبادئ التوجيهية للحد من استخدام الطاقة في المباني في دول مجلس التعاون الخليجي.
ويضيف: يجب أن تركز الأبحاث المستقبلية حول مواد البناء وأنظمتها المستدامة على تطوير مواد وأنظمة مقاومة للمناخ وبأسعار معقولة وسهلة النقل والتركيب، مع الأخذ بعين الاعتبار العبء الاقتصادي واللوجستي لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، وأن تنفيذ تدابير الحفاظ على الطاقة في المباني السكنية في دول الخليج يمكن أن يقلل استخدام الطاقة بنسبة 70%.
بدوره، يؤكد "جوهر" ضرورة تبنِّي سياسات تتيح إعادة خلق نموذج مناسب للعمارة المحلية الخليجية، واستفزاز العقل المعماري لإنتاج بيئة عمرانية مشيدة تتسق مع الواقع الجغرافي، من خلال النظر إلى النماذج القديمة وأخذ النماذج الموجودة في البلدان ذات المناخات المشابهة بعين الاعتبار لإنتاج نموذج جديد يخص المنطقة.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.19
تواصل معنا: