رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
منظمة الصحة العالمية: النساء أكثر عرضة للإصابة بالعدوى المقاومة للعقاقير
نشرت بتاريخ 10 يونيو 2024
بحسب مراجعة بحثية أجرتها المنظمة، الإقرار بتأثير النوع الجنسي في احتمالية التعرض للممرضات ضرورة يتعين على مزيد من الدول الأخذ بها.
بحسب مراجعة بحثية عالمية أجرتها منظمة الصحة العالمية (WHO)، يُحتمل أن تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بحالات العدوى المقاومة للعقاقير، مقارنةً بالرجال. وهو جانب مغفل من جوانب الخطر المتنامي لظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات. إذ وجد تقرير المراجعة البحثية أن أكثر من 70% من الدول لا يقر بأوجه التفاوُت بين الجنسين في الخطط الوطنية للتصدي لحالات العدوى المقاوِمة للعقاقير.
وتجدر الإشارة، إلى أنه خلال الشهر الماضي، أضافت المنظمة أربعة مُمرضات إلى قائمتها للبكتيريا المقاومة للعقاقير، وهي بكتيريا تُعدها المنظمة شديدة الخطورة لصحة الإنسان. وتساعد هذه القائمة، التي نُشرت أول مرة عام 2017، الدول على رسم ملامح خطة عملها للتصدي لظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات (AMR). وتنجم هذه الظاهرة عن فرط استخدام المضادات الحيوية أو إساءة استعمالها، ما يؤدي إلى اكتساب البكتيريا مقاومة لهذه الأدوية من خلال طفرات تطرأ على حمضها النووي.
وقد استند تغيير القائمة هذا على مدى شيوع العدوى بهذه الممرضات البكتيرية، وشدة فتكها، ومدى سهولة تجنب العدوى بها بإجراءات مثل غسل اليدين، والحجر الصحي والتطعيم. فأضافت المنظمة ثلاثة أنواع من البكتيريا المكورة العقدية التي تسبب طيفًا من الأمراض - من أمثلتها نمط من الالتهاب الرئوي وعدوى شبيهة بالإنفلونزا، قد تغدو فتاكة في حالات الإصابة الشديدة - كما أدرجت نوعًا مستعصي العلاج من البكتيريا السُلِّية (انظر الشكل "مقاومة ميكروبية خطيرة للعقاقير"). إذ ترتبط بكتيريا المكورة العقدية بعبء كبير من الأمراض، لا سيما في الدول الفقيرة، والسلالة المسببة للسل يصعُب اكتشافها ويكبد علاجها تكلفها باهظة.
تفاوُت بين الجنسين
وتشير المراجعة البحثية التي تتقصى تأثيرات النوع الجنسي إلى أن النساء، في البيئات شحيحة الموارد بالأخص، قد يكنّ أكثر عرضة من الرجال للإصابة بحالات العدوى المقاومة للعقاقير، بسبب عوامل عدة، من بينها الحاجة إلى مستلزمات النظافة الشخصية المرتبطة بالطمث وتقسيم العمل المتأثر بالنوع الجنسي. وهذا التحليل الذي أسفرت عنه المراجعة البحثية يُتوقع أن يتمخض عن صياغة أول تقرير للمنظمة حول الكيفية التي يمكن بها لصناع السياسات التصدي لأوجه التفاوت بين الجنسين في الجهود الساعية إلى مواجهة هذا الخطر العالمي. ويعتزم نشر التقرير في يوليو المقبل.
وفي استعراض للتقرير خلال الشهر الماضي بمؤتمر الجمعية الأوروبية لعلم الأحياء الدقيقة الإكلينيكي ودراسات الأمراض المعدية في مدينة برشلونة الإسبانية، قالت زلاتينا دوبريفا، المسؤولة الفنية المنوطة بملف مقاومة المضادات الميكروبية في منظمة الصحة العالمية بجنيف في سويسرا: "غالبية خطط العمل الوطنية على الأرض لا تأتي على ذكر تأثير الجنس أو النوع الجنسي، ناهيك عن مراعاة هذا الجانب في تصميم الإجراءات التدخلية الرامية إلى التصدي لمقاومة المضادات الميكروبية".
وأضافت: "النوع الجنسي يؤثر في احتمالية التعرض للعدوى، وفي احتمالية الوقاية منها، وفي طلب الرعاية الصحية لها وفي التداوي منها، كما يؤثر في أنماط وصف الأدوية العلاجية". ويذكر هنا أن منظمة الصحة العالمية أجرت المراجعة البحثية بالتعاوُن مع باحثين من مختبر «جلوبال استراتيجي لاب» Global Strategy Lab في ولاية تورونتو الكندية.
في هذا الإطار، تقول ديبشيكها باثيجا، التي تدرس العوامل المؤثرة في مشاركة النساء وإنتاجيتهن في بيئة العمل مدفوعة الأجر في الهند، والتي قدمت إفادة بالرأي لفرق عمل منظمة الصحة العالمية ومختبر «جلوبال استراتيجي لاب» حول آلية إعداد التقرير، وهي من مؤسسة «ون هيلث تراست» One Health Trust في مدينة بنغالورو الهندية: "تُعد دراسة تأثير النوع الجنسي ضرورة ملحة، إذ إنه أحد أهم المحددات الاجتماعية التي تشكل الصحة العامة وأوجه التفاوت في الصحة". من هنا، تضيف: "هذا عمل بحثي رائع، ويأتي في الوقت المناسب".
عوامل عديدة
حلل فريق الباحثين في التحقيق نتائج 130 دراسة نُشرت باللغة الإنجليزية بين عامي 2000 و2023 تركز على النوع الجنسي وظاهرة مقاومة المضادات الميكروبية. وقد ركز حوالي 20% من هذه الدراسات على إفريقيا، في حين ركزت نسبة تبلغ تقريبًا 15% منها على جنوب شرق آسيا.
ووجد الفريق البحثي أنه في المناطق الفقيرة، يعرِّض نقص الوصول إلى المياه النقية النساء والفتيات لاحتمالية أكبر للإصابة بعدوى الجهاز البولي المقاومة للعقاقير، مقارنة بالرجال، نظرًا لاحتياج النساء والفتيات لمستلزمات النظافة الشخصية المرتبطة بالطمث. وفي هذه البيئات، كثيرًا ما يقع على عاتق النساء والفتيات جلب الماء، وإعداد الطعام، والعمل بالمزارع وهو ما يعزز احتمالية تعرضهن للممرضات في الطعام والشراب مثل بكتيريا الإشريكية القولونية المقاومة لعدد من المضادات الحيوية، سواء من تلك التي تُعطى للبشر أو التي تحتويها أعلاف الحيوانات.
كذلك تُعد النساء أكثر عرضة للإصابة بحالات العدوى المقاومة للعقاقير في العيادات والمستشفيات، لأنهن يمضين عادة وقتًا أطول بهذه الأماكن مقارنة بالرجال. فعلى مستوى العالم، تشكل النساء نسبة قوامها 70% من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ويتحملن عادة مسؤولية اتخاذ القرارات المتصلة بتطعيمات أطفالهم وصحة هؤلاء الأطفال.
كذلك فإن ارتفاع نسبة التعرض للعنف الجنسي بين النساء عنها بين الرجال تجعلهن أكثر عرضة لخطر العدوى المنقولة جنسيًا المقاومة للعقاقير. وفي بعض المناطق، تحرم العادات الثقافية النساء من الاستقلال المادي ومن سلطة اتخاذ القرار، وهو ما يحد من فرصهن في الحصول على العلاج من العدوى. كما أنه يعزز احتمالية لجوئهن إلى تشخيص مرضهن بأنفسهن واستخدام علاجات غير مناسبة تسمح ببقاء الميكروب واكتسابه مقاومة للعقاقير.
بيانات شحيحة
رغم العوامل العديدة التي تجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بحالات العدوى المقاومة للعقاقير، ليس من المعروف ما إذا كانت هذه الحالات أكثر شيوعًا بين النساء منها بين الرجال. ومرد ذلك، بحسب ما تفيد دوبريفا، هو أن العديد من الدول لا تجمع البيانات حول الجنس والنوع الجنسي عند رصد ظاهرة مقاومة المضادات الميكروبية.
ويُعد ملء هذه الثغرة المعرفية ضروريًا في التصدي لانعدام المساواة بين الجنسين، حسبما تضيف دوبريفا، التي تردف قائلة في هذا الصدد: "عند إجراء الدراسات البحثية، هناك حاجة إلى الإبلاغ بصفة مستمرة عن الهوية الجنسية للمصابين [وعن نوعهم الجنسي إن أمكن] وإلى جمع البيانات، لأن الإحجام عن ذلك يهدر فرصًا".
وتأمل دوبريفا أن تسفر المراجعة البحثية وتقرير منظمة الصحة العالمية سالفي الذكر عن رفع الوعي بضرورة مناقشة أوجه التفاوت بين الجنسين في اجتماع سبتمبر المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة حول ظاهرة مقاومة المضادات الميكروبية. ويهدف هذا الاجتماع إلى حث الدول على تبني التزامات قوية على صعيد التصدي للخطر العالمي الذي تشكله ظاهرة مقاومة المضادات الميكروبية. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ تبني المنظمة لخطة عمل عالمية للتصدي لظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات في عام 2015، وضعت أكثر من 170 دولة خططًا لمواجهة الظاهرة، وإن كانت جميعها غير ملزمة قانونًا.
وتؤيد نتائج المراجعة البحثية الباحثة في مجال مقاومة المضادات الميكروبية تشاريتي ويافي أكينتين من مركز كوماسي للبحوث التعاونية في مجال طب المناطق الحارة في غانا، والتي شاركت في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلم الأحياء الدقيقة الإكلينيكي ودراسات الأمراض المعدية، وعقَّبت على نتائج المؤتمر قائلة: "لم يخطر ببالي قط أن النوع الجنسي ومقاومة المضادات الميكروبية يتداخلان معًا".
نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ الخامس من يونيو عام 2024
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.180
تواصل معنا: