رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 14 مايو 2024
المؤلف الرئيسي للدراسة عمر الحلفاوي: نتائج الدراسة إضافة لترسانة المضادات الحيوية التي يُمكن استخدامها لمكافحة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية
داخل صيدلية كبرى بمحافظة القاهرة، وقف أب يحمل طفله البالغ من العمر 3 سنوات، والذي يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة لم تنجح معه الأدوية التقليدية، لذا توجه الأب إلى الصيدلية بحثًا عن مضاد حيوي يسهم في علاج أعراض الطفل.
تلقَّى الطفل 4 جرعات -لم يصفهم الطبيب- من مضاد حيوي شائع الانتشار، إلا أن الحمى لم تزُل، ومرةً أخرى ذهب الرجل للصيدلي الذي طالبه بالتوجه إلى مستشفى الحميات المتخصص في علاج تلك الأعراض.
في المستشفى الذي يقع شرقي العاصمة المصرية، أجرى الأطباء فحص "مزرعة بكتيرية" للطفل، ووجدوا أن البكتيريا المُصاب بها الطفل مُقاوِمة لمعظم المضادات الحيوية، ولحسن الحظ، وجد الأطباء نوعًا واحدًا من المضادات الحيوية الفعالة ضد العدوى، وبعد 3 أسابيع من العلاج المكثَّف، عاد الطفل مُعافىً إلى منزله.
إلا أن حظ الطفل لا يملكه آخرون؛ فالبعض يُصاب ببكتيريا "خارقة" لا تستجيب للعلاج، ووفقًا لنتائج دراسة نشرتها دورية لانسيت، ارتبطت نحو 4.95 ملايين حالة وفاة بمقاومة مضادات الميكروبات في عام 2019، مع 1.27 مليون حالة وفاة تعزى مباشرةً إلى مقاومة مضادات الميكروبات.
لكن دراسة جديدة قد تسهم في تغيير جزء من هذا الوضع الكارثي الذي دفع منظمة الصحة العالمية لوصف مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية بالتهديد الأكبر للبشرية.
وتكشف الدراسة التي تركز على بكتيريا "المكورات الرئوية" -وهي أحد مسببات الأمراض سلبية الجرام ذات الأولوية المشهورة بمقاومتها للأدوية- عن تآزر غير متوقع بين البوليامينات الطبيعية والأزيثروميسين، وهو مضاد حيوي من المضادات الحيوية الماكروليدية تُستخدم عادةً ضد البكتيريا إيجابية الجرام.
ووجدت الدراسة أن البوليامينات تعمل على حساسية المكورات الرئوية للأزيثروميسين، مما يعزز فاعليتها ضد هذا العامل المُمْرض الصعب.
البكتيريا موجبة الجرام وسالبة الجرام
تختلف البكتيريا سالبة الجرام وإيجابية الجرام في بنية جدار الخلية؛ إذ تمتلك البكتيريا سالبة الجرام طبقةً رقيقةً من مادة تُعرف باسم "الببتيدوغليكان" محصورة بين الغشاء الداخلي والخارجي، ويحتوي الغشاء الخارجي على عديدات السكاريد الدهنية.
وتُظهر البكتيريا سالبة الجرام -عادةً- مقاومةً أكبر للمضادات الحيوية مقارنةً بالبكتيريا إيجابية الجرام بسبب العديد من العوامل الهيكلية والكيميائية الحيوية المرتبطة بجدار الخلية والغشاء الخارجي للبكتيريا سالبة الجرام الذي يعمل كحاجز هائل يمنع العديد من المضادات الحيوية من اختراق الخلية.
كما يحتوي الغشاء الخارجي على قنوات تُعرف باسم "بورين" تنظم دخول الجزيئات، وتساعد البكتيريا على استبعاد بعض المضادات الحيوية بشكل انتقائي.
وغالبًا ما تمتلك البكتيريا سالبة الجرام مضخات التدفق التي تضخ المضادات الحيوية بشكل فعال إلى خارج الخلية، مما يقلل تركيزها وفاعليتها داخل الخلايا، هذه العوامل مجتمعةً تجعل علاج الالتهابات التي تسببها البكتيريا سالبة الجرام أكثر صعوبة، وتتطلب تطوير إستراتيجيات علاجية جديدة لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية بشكل فعال.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة "عمر الحلفاوي"، الذي يعمل في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بكلية العلوم بجامعة ريجينا الكندية: "إن نتائج الدراسة تُشير إلى إمكانية استخدام المضادات الحيوية المخصصة لعلاج البكتيريا موجبة الجرام في علاج البكتيريا سالبة الجرام، ولا سيما الكلبسيلة الرئوية التي تُعد من أكثر البكتيريا تهديدًا للحياة البشرية".
التأثير التآزري للبوليامينات
البوليامينات مركبات عضوية ضرورية للعمليات البيولوجية المختلفة وتشارك في العديد من الوظائف الخلوية، بما في ذلك نمو الخلايا وانتشارها وتمايزها، وتشمل بعض البوليامينات الأكثر شيوعًا الموجودة في الخلايا مواد هي بوتريسين، وسبيرميدين، وسبيرمين.
وتؤدي تلك المركبات أدوارًا حاسمةً في تثبيت الحمض النووي، وتخليق البروتين، ومسارات إشارات الخلية؛ إذ تتفاعل مع الأحماض النووية والبروتينات والأغشية، مما يؤثر على بنيتها ووظيفتها.
وفي البكتيريا، تُعتبر البوليامينات مهمةً للحفاظ على سلامة الخلية، وتنظيم التعبير الجيني، والاستجابة للضغوط البيئية، لكنها في الوقت ذاته قد تكون متورطةً في التسبب في الأمراض البكتيرية، لأنها يمكن أن تؤثر على تعبير عامل الفوعة والتفاعلات بين المضيف ومسببات الأمراض.
يقول "الحلفاوي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يمكن استخدام تلك المواد الكيميائية للقضاء على البكتيريا.
وتؤدي البوليامينات أدوارًا مختلفةً في تعديل الاستجابات المناعية، مما يؤثر على وظائف المناعة الفطرية والتكيفية؛ إذ تنظم البوليامينات إنتاج السيتوكينات الالتهابية، التي تعتبر ضروريةً لتنظيم الاستجابات المناعية في أثناء العدوى، كما يمكنها إما تعزيز الالتهاب أو قمعه اعتمادًا على السياق المحدد ومسارات الإشارة المعنية.
نتائج واعدة
يقول "الحلفاوي": في حالة العدوى يفرز الجسم البشري كمياتٍ أكبر من البوليامينات، وأحد أهداف تلك الدراسة فحص التفاعل بين البكتيريا والبوليامينات في حالة وجود تركيزات عالية منها في الخلايا في أثناء العدوى.
ووجد الباحثون أن وجود البوتريسين -وهو أحد أنواع البوليامينات- يَزيد من حساسية بكتيريا الكلبسيلة الرئوية للأزيثروميسين، مما يعزز فاعليته ضد البكتيريا سالبة الجرام.
من جهته، يقول "دان كين"، أستاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية في جامعة هارفارد، وغير المشارك في الدراسة: "إن تحديد فئة جديدة من المواد التي تتآزر مع المضادات الحيوية خطوة مهمة إلى الأمام في السعي لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية، ويجب مواصلة البحث والابتكار في تطوير عوامل جديدة مضادة للميكروبات".
وقد لوحظ هذا التآزر في كلٍّ من سلالات تلك البكتيريا المقاومة للأدوية والمفرطة الضراوة، مع زيادة حساسية الأزيثرومايسين -وهو مضاد حيوي لا يعمل أصلًا على ذلك النوع من البكتيريا سالبة الجرام- بشكل ملحوظ في 78 من أصل 100 عزلة سريرية تم اختبارها.
وتوفر الدراسة نظرة ثاقبة لآلية العمل الأساسية؛ إذ تكشف أن البوتريسين يعمل عن طريق نفاذية الأغشية الخارجية والداخلية للبكتيريا سالبة الجرام، وبالتالي تسهيل دخول الأزيثروميسين.
يقول "الحلفاوي": من خلال تسخير التآزر بين البوليامينات والأزيثروميسين، قد نتمكن من توسيع نطاق هذا المضاد الحيوي لمواجهة تحدي مقاومة مضادات الميكروبات.
الأهمية السريرية
تفرَز البوليامينات في الجهاز المناعي، لكننا لا نستطيع التحكم بالضبط في الجرعة الفعالة، لذا أجرى الباحثون مجموعةً من الاختبارات لعدد من البوليامينات الاصطناعية، وتوصلوا بالفعل إلى أربعة أنواع من البوليامينات المصنعة الأفضل بكثير من الطبيعية.
يقول "الحلفاوي": طورنا إستراتيجيةً علاجيةً لها مفعول كبير للقضاء على البكتيريا بشكل كامل من خلال استخدام عائلة كاملة من المضادات الحيوية الفعالة ضد مجموعات البكتيريا موجبة الجرام للعمل ضد البكتيريا سالبة الجرام.
وتحمل هذه النتيجة أهميةً سريريةً كبيرة، وقد توفر علاجًا بديلًا -أو مساعدًا- مطلوبًا بشدة للعدوى التي يسببها هذا العامل الممرض، وتعمق الدراسة فهمنا لفسيولوجيا البكتيريا وآليات مقاومة المضادات الحيوية، خاصةً في كيفية استجابة البكتيريا للضغوطات مثل المضادات الحيوية في الظروف الفسيولوجية الأقرب إلى مواقع العدوى.
ولتلك العائلة -عائلة الماكرولايد- مميزات كبيرة؛ إذ يسهل تعاطيها عن طريق الفم، إضافة إلى أن سُميتها منخفضة للغاية، علاوة على كونها واسعة الانتشار ورخيصة السعر.
يضيف "الحلفاوي": استخدام تلك الآلية ورفع فاعليتها إستراتيجية مهمة جدًّا، خاصةً في وجود النقص للمضادات الحيوية سالبة الجرام، وتُعد إضافةً لترسانة المضادات الحيوية التي يُمكن استخدامها في مكافحة ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.148
تواصل معنا: