أخبار

بلدان العالم تتجه إلى منع التدخين

نشرت بتاريخ 23 أبريل 2024

صارمة هي الإجراءات التي تتخذها بعض الدول ضد تدخين التبغ والسجائر الإلكترونية.. ويرى علماء أن القوانين من شأنها إنقاذ آلاف الأرواح، وتوفير مليارات الدولارات.

كاريسا وونج

انخفضت أعداد المدخِّنين حول العالم خلال العقود القليلة
المنصرمة. 

انخفضت أعداد المدخِّنين حول العالم خلال العقود القليلة المنصرمة. 


Credit: Debbie Bragg/Everynight Images via Alamy

تُزمع بلدان عدّة، تتوزَّع في شتى أنحاء العالم، فرض قيود غير مسبوقة على تدخين التبغ والسجائر الإلكترونية، لا سيَّما في فئة النشء والمراهقين.

ففي السادس عشر من أبريل الجاري، أيَّد البرلمان البريطاني واحدةً من أكثر الخطط طموحًا في هذا المضمار، ترمي إلى إخراج جيل "بلا تدخين" بحلول عام 2040، عن طريق منعهم بقوة القانون من شراء السجائر. وبذا، اقترب هذا المقترح خطوةً أخرى من اكتسابه صفة القانون. يأتي ذلك بينما تشنُّ الحكومات البريطانية والأسترالية والفرنسية حملةً على تدخين ما يُعرف بالسجائر الإلكترونية (vaping). هذه السياسات الجريئة التي تتبنَّاها الدول الثلاث، وإن كانتْ لا تستهدف من عموم المدخنين إلا أقلية، كما يقول الباحثون، إلا أنها كفيلة بمنع الأمراض، فضلًا عن إنقاذ الأرواح، وتوفير مليارات الدولارات التي تُنفق على خدمات الرعاية الصحية.

واصفًا الخطة المزمع تنفيذها في المملكة المتحدة، ذكر دنكان جيليسبي، الباحث المتخصص في الصحة العامة بجامعة شيفيلد البريطانية، أنها ربما تكون "الخطة الأعلى تأثيرًا والأكثر فاعلية في كل ما طُبِّق من خطط الصحة العامة على مر التاريخ". كان ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين، هو مَن تقدَّم بهذا المقترح. وتأمل الحكومة في أن تسهم القيود على التدخين، إلى جانب المزايا الصحية المقدَّمة للمواطنين، في خفض مستويات المواد الكيميائية السامَّة التي تنبعث من السجائر الإلكترونية عند تدخينها، وتنتثر في البيئة المحيطة.

أجيال بلا تدخين

الحديث عن الأضرار الصحية الناجمة عن التدخين ليس بالأمر الجديد؛ فقد أصبحت هذه الأضرار – وعلى مدى عقود – حقيقة راسخة لا سبيل إلى إنكارها أو المراء فيها. ومشكلة التدخين الأساسية تكمن في أنه يرفع مخاطر الإصابة بالأمراض، ومنها السرطان، وأمراض القلب، والسكري. ومع زيادة الوعي بهذه المخاطر الصحية، شهد العالم انخفاضًا في معدلات الوقوع في براثن هذه العادة المميتة خلال العقود القليلة الماضية (انظر: انقشاع الدخان).

المصدر: منظمة الصحة العالمية

أي انخفاض في معدلات التدخين يعني توفيرًا للأموال وتخفيفًا للعبء المُلقى على كاهل الأنظمة الصحية، على حد قول أليسون كومار، التي تعكف على دراسة سياسات مكافحة التدخين بمنظمة الصحة العالمية، ومقرُّها مدينة جينيف السويسرية. وتشير تقديرات المنظمة إلى أن التدخين يكلِّف العالم 1.4 تريليون دولار سنويًا، يذهب في الإنفاق الصحي ونقص الإنتاجية. تقول كومار: "كل مرض من الأمراض المرتبطة بالتدخين يزيد من العبء المُلقى على المنظومة الصحية دونما داع".

وفقًا للخطة المقترحة في المملكة المتحدة، والتي أُعلن عنها لأول مرة في أكتوبر الماضي، سوف يُمنع من شراء السجائر أي شخص من مواليد عام 2009 وما بعده. معنى ذلك أن الأشخاص البالغين من العمر 15 عامًا أو أقل خلال العام الجاري سوف يُحال بينهم قانونًا وبين شراء السجائر داخل حدود الدولة. واعتبارًا من عام 2027، سوف يُرفع الحد الأدنى للعمر المسموح عنده باقتناء منتجات التبغ من 18 عامًا بمعدَّل عامٍ واحد كل سنة؛ أي أن هذا الحد الأدنى سوف يُزاح في عام 2028 إلى 20 عامًا. وتأمل الحكومة في أن تُفضي هذه الاستراتيجية إلى خلق جيل بلا تدخين. تأتي الخطوة البريطانية على غرار تشريع مشابه أعلنت عنه نيوزيلندا في 2021. غير أن الحكومة النيوزيلندية عدلت عن خطتها المزمعة نظرًا للحاجة إلى الأموال المحصَّلة من مبيعات منتجات التبغ للمساهمة في تعويض الاقتطاعات الضريبية، قبل أن تعود لتؤكد الشهر الماضي عزمها على منع السجائر الإلكترونية التي تُستعمل لمرة واحدة (وحيدة الاستعمال).

نمذجة المدخنين

السياسات التي تتبنَّاها المملكة المتحدة تدعمها دراسة قائمة على النمذجة، نُشرت في ديسمبر الماضي، تتنبَّأ بتأثير تلك الخطة المقترحة في معدلات التدخين بمرور الوقت. وانتهى النموذج «المتشائم» إلى أن السياسة ربما تؤدي إلى خفض معدلات التدخين بين الأشخاص البالغين من العمر 14 إلى 30 عامًا من 13% في عام 2023 إلى نحو 8% في 2030. وبحلول عام 2040، ستنخفض هذه النسبة إلى ما لا يزيد على 5%. وفي السيناريو المرجعي، ستبلغ نسبة المدخنين 8% بين البالغين من العمر 14 إلى 30 عامًا. أما في السيناريو «المتفائل»، فيُتوقع ألا تزيد نسبة المدخنين في هذه الشريحة العمرية، الذين يشرعون في التدخين في عام 2040، على 0.4% (انظر: خطة المنع). ومما تشير إليه توقعات هذا النموذج أنه بحلول عام 2075، ستكون هذه السياسة قد أنقذت عشرات الآلاف من الأرواح، ووفّرت 11 مليار جنيه استرليني (ما يعادل 13.7 مليار دولار أمريكي) من الأموال التي تُنفق في القطاع الصحي بُغية الحيلولة دون الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين.

وصف آلن جالاجر، الباحث المتخصص في سياسات مكافحة التدخين في جامعة باث بالمملكة المتحدة، هذه التوقعات بأنها عالية الجودة، وتتكئ على أدلة علمية رصينة.

ومع ذلك، فلم يسبق لدولةٍ أن وضعت سياسة ترفع السن القانونية لشراء السجائر على هذا النحو – والزمن وحده هو الكفيل بأن يكشف لنا التأثيرات الفعلية لهذه السياسة، على حد قول كومار.

حظر السجائر الإلكترونية

تتجه الدول أيضًا إلى مجابهة تدخين السجائر الإلكترونية، تلك العادة التي ظهرت في عام 2010 تقريبًا، واستشرت بين فئة المراهقين والشباب دون السن القانونية. ينظر الكثيرون إلى السجائر الإلكترونية باعتبارها بديلًا صحيًّا محتملًا للفافات أو سجائر التبغ، والحق أن هذا التصوُّر تدعمه أدلة علمية معتبرة. أما ما إذا كان تدخين السجائر الإلكترونية في حد ذاته يعود على الصحة بالضرر على المدى البعيد أم لا، فيبقى أمرًا خلافيًا، والأدلة العلمية عليه غير حاسمة.

المصدر: الحكومة البريطانية

تقول كارولين باجلولي، التي تدرس أمراض الجهاز التنفسي بالمركز الصحي التابع لجامعة مكجيل في مونتريال بكندا: "النتائج، وإن لم تكن على أعلى درجة من الوضوح، تُلمح إلى تسبُّب تدخين السجائر الإلكترونية في إتلاف الرئتين وبعض أعضاء الجسم الأخرى".

تتكون السيجارة الإلكترونية من عبوة أو علبة صغيرة مملوءة بسائل يحتوي عادةً على النيكوتين، وعامل تسخين لتحويل السائل إلى غاز أو هباء جوي (إيروسولات)، ومبسم لاستنشاق الدخان الناتج، عادةً ما يكون مضافًا إليه نكهة فاكهة أو حلوى. وعلى الرغم من أن السجائر الإلكترونية تخلو من التبغ وأكثر المواد الكيميائية السامة في السجائر التقليدية، يبقى أن النيكوتين في حد ذاته مادة ضارة. فهو يرفع ضغط الدم، ويزيد احتمالات الإصابة بأمراض القلب والرئتين، فضلًا عن أنه يعوق نمو الدماغ في مرحلتي الطفولة والمراهقة. زد على ذلك أنه قد يؤدي إلى إحداث قصور في الانتباه، والذاكرة، ومهارات التعلُّم.

تتضمن الخطة البريطانية حظر السجائر الإلكترونية التي تُستخدم لمرة واحدة، وفرض قيود على النكهات التي تحبِّب هذه السجائر إلى الصغار والمراهقين، وكذلك وضع ضوابط وحدود للإعلانات التي تروّج لها. وبحسب مسح أجرته جمعية خيرية معنية بشؤون الصحة العامة، تحمل اسم «العمل على التدخين والصحة»، ومقرُّها العاصمة الإنجليزية لندن، يستخدم غالبية المدخنين في فئة المراهقين والشباب في بريطانيا العظمى السجائر الإلكترونية وحيدة الاستعمال، لا السجائر القابلة لإعادة الشحن والملء. وسوف يبقى هذا النوع الأخير من السجائر الإلكترونية مصرَّحًا بتداوله.

سياسات عالمية

من جانبها، تنتوي الحكومة الفرنسية حظر السجائر الإلكترونية وحيدة الاستعمال في وقتٍ لاحق من العام الجاري؛ وهو المقترح الذي أيَّده البرلمان الفرنسي بالإجماع في ديسمبر الماضي. وفي عام 2021، فرضت أستراليا قيودًا على تداول السجائر الإلكترونية، بحيث لا تُباع إلا لمن يحمل تصريحًا طبيًا أو روشتّة تبيح له استخدامها كوسيلة للإقلاع عن التدخين. ويقول بيتر هاجيك، باحث علم النفس بجامعة كوين ماري في لندن: "ثمة ما يشبه الإجماع على أن تدخين السجائر الإلكترونية لن يتسبب على الأغلب إلا في نزر يسير من أخطار التدخين على المدى البعيد". وكان هاجيك قد قاد دراسة1 انتهت إلى أن تدخين السجائر الإلكترونية، مع توخِّي اعتبارات الأمان، ساعد نساءً حوامل على الإقلاع عن التدخين.

على أن تدخين السجائر الإلكترونية بصورة غير قانونية لا يزال آخذًا في الانتشار بين شباب أستراليا الذين تقل أعمارهم عن السن القانونية (18 سنة)، وفقًا لدراسة أجراها المعهد الأسترالي للصحة والرفاه؛ ما دفع الحكومة إلى تشديد القواعد المفروضة على تداول هذه السجائر. يقول توني بلاكلي، عالم الأوبئة بجامعة ملبورن في أستراليا: "هذه الصرامة في السياسات من شأنها أن تفضي إلى محاصرة موجة استشراء تدخين السجائر الإلكترونية في فئة الشباب، ومن ثم خفض منسوبها".

يُضاف إلى ذلك أن النكهات المُضافة إلى سوائل السجائر الإلكترونية تحتوي على مذيبات من قبيل البروبيلين جليكول والجلسرين. وكانت جهات عدة، من بينها المؤسسات المعنية بالرقابة على الدواء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد أباحت استعمال هذه المواد الكيميائية فمويًا. إلا أن دراسات أُجريت على الحيوانات تشير إلى أن استنشاق هذه المواد قد يؤدي إلى الإضرار بالأنسجة، وحدوث التهاب يرفع خطر الإصابة بالأمراض التنفسية وأمراض القلب2. تقول باجلولي: "واقع الأمر أننا لا نعرف الكثير عن تأثير تسخين هذه المواد، وتحويلها إلى ذلك الدخان الذي يستنشقه المدخنون".

أما الشيء الذي يعرفه الباحثون، فهو أن التسخين في السجائر الإلكترونية يمكن أن يُطلق مواد ثقيلة، يستنشقها الشخص مع الهباء الجوي أو الدخان الناتج. وتقول باجلولي إن هذه المواد الثقيلة ترتبط بزيادة أخطار الإصابة بأمراض القلب والأمراض التنفسية.

بقيت الإشارة إلى أن العلماء، كما يبدو جليًّا، يؤيدون فرض قيود صارمة على تدخين التبغ والسجائر الإلكترونية تأييدًا جارفًا. وتنادي باجلولي بضرورة إجراء الدراسات التي من شأنها الكشف عن التأثيرات الصحية طويلة المدى لهذه السياسات. تقول: "يُؤمَل أن تسهم الدراسات بمختلف أنواعها، وكذلك النماذج المختلفة، بالإضافة إلى تجربة النتائج على البشر، في رسم صورة أكثر اكتمالًا".

 

* هذه ترجمة للمقالة المنشورة بدورية Nature بتاريخ 17 أبريل 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.127


1. Pesola, F. et al. Addiction 119, 875–884 (2024).

2. Traboulsi, H. et al. Int. J. Mol. Sci. 21, 3495 (2020).