مقالات

أزمة الأرز المصري: الزراعة الذكية مناخيًّا تقدم الحلول

نشرت بتاريخ 15 أبريل 2024

تستهدف الزراعة الذكية مناخيًّا زيادة الإنتاجية.. والتكيف مع تغير المناخ.. والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

هدير الحضري

عانى المزارعون المصريون من تغيُّر
ظروف الزراعة على نحوٍ جذري

عانى المزارعون المصريون من تغيُّر ظروف الزراعة على نحوٍ جذري


François ANCELLET/Gamma-Rapho via Getty Images Enlarge image

في محافظة الشرقية، يعيش وائل السيد -53 عامًا- في قريته "ميت أبو عربي"، التي تبعد عن العاصمة المصرية "القاهرة" أكثر من 100 كيلومتر، وخلال سنوات عمله مُزارعًا، عانى "السيد" من تغيُّر ظروف الزراعة على نحوٍ جذري، خاصّةً في الآونة الأخيرة.

كان "السيد" يستخدم الطرق التقليدية في الزراعة حين كانت مصر تحظى بظروف مناخية معتدلة، لكن بعدما دمرت التغيرات المناخية القواعد، انضم إلى الجلسات الإرشادية بالمدارس الحقلية في قريته، وتعلم ممارسات جديدة للتكيف مع الظروف المناخية الجديدة، وفرت له بالتوازي الوقت والجهد والمال.

زرع "السيد" بذور الأرز قصيرة العمر والمقاوِمة للجفاف، واستخدم "الري بالتنقيط" لتوفير المياه، فازدادت الأفدنة التي يزرعها، واقتصرت دورة زراعة الأرز على 120 يومًا بدلًا من 150، كما تضاعفت إنتاجية الفدان وزرع مزيدًا من المحاصيل كالذرة والبرسيم في العام نفسه، وفق تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست".

ويُعد الأرز غذاءً رئيسيًّا للمصريين، إذ تعتبر مصر أكبر منتج للأرز في منطقة الشرق الأوسط، بما يمثل 1.25% من إجمالي الإنتاج العالمي، لكن زراعته تواجه تحديات متزايدة.

ما هي الزراعة الذكية مناخيًّا؟

تندرج الممارسات التي طبقها "السيد" تحت مفهوم "الزراعة الذكية مناخيًّا"، وهو نهج يستهدف استخدام النظم الزراعية لدعم الأمن الغذائي في ظل تغيُّر المناخ من خلال ثلاثة أهداف رئيسية هي: زيادة الإنتاجية، والتكيُّف مع تغير المناخ، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويحظى نهج الزراعة الذكية مناخيًّا بأهمية كبيرة في ظل معاناة العالم من أزمة مياه واضحة؛ إذ تَستخدم الزراعة 70% من المياه العذبة المتاحة.

وتوقعت دراسة أعدها فريق بحثي مصري- صيني مشترك بعنوان "آثار تغير المناخ على غلات الأرز في دلتا نهر النيل في مصر" أن تشهد جميع المحاصيل المصرية انخفاضًا في إنتاجيتها وزيادةً في احتياجات الري، وهو ما يعني زيادة الضغوط على إنتاج الأرز.

وتوضح الدراسة أن "مصر التي تنتج الآن 60% و40% فقط من احتياجات البلاد من الغذاء والحبوب على التوالي، مضطرة بحلول عام 2050 إلى زيادة إنتاجيتها الزراعية بنسبة 70٪ لتلبية احتياجات سكانها، ويتطلب هذا الضغط الشديد لزيادة الإنتاج الزراعي توفير كميات أكبر من المياه، وهو ما يمثل تحديًا رئيسيًّا لمصر التي تعتمد على نهر النيل لتلبية 97٪ من احتياجاتها المائية".

ويتفاقم تحدي المياه مع بناء سد النهضة الإثيوبي وزيادة حدة التغيرات المناخية التي قد تؤدي إلى تصحر حوالي 1.7 مليون هكتار من الأراضي المزروعة، وانخفاض غلة المحاصيل، وزيادة متطلبات الري، إضافةً إلى توقعات زيادة عدد السكان من 95 مليون نسمة في عام 2017 ليصل إلى 115 مليون نسمة بحلول عام 2030.

وتضيف الدراسة: إن فهم التأثيرات المناخية على محصول الأرز أمرٌ بالغ الأهمية لتعزيز الإنتاج الغذائي الحالي وزيادة القدرة على التكيف في المستقبل، خاصةً في ضوء ضمان الأمن الغذائي ومواجهة تحديات تغيُّر المناخ في مصر.

الإدارة الزراعية السليمة

يوضح السيد أحمد محمد الصادق -المدرس بقسم هندسة النظم الزراعية والحيوية بجامعة دمياط، والباحث الرئيسي في الدراسة- أن "فريق البحث رصد وجود ارتفاع كبير في درجات الحرارة مع انخفاض كبير وقوي في متوسط هطول الأمطار السنوي على منطقة دلتا نهر النيل، خاصةً خلال خمسينيات القرن الحادي والعشرين وتسعينياته، وهذا من شأنه أن يقلل في المستقبل من إنتاجية المحاصيل الإستراتيجية مثل الأرز في منطقة الدلتا".

تندرج الممارسات التي يطبقها بعض المزارعين
المصريين تحت مفهوم الزراعة الذكية مناخيًّا

تندرج الممارسات التي يطبقها بعض المزارعين المصريين تحت مفهوم الزراعة الذكية مناخيًّا


Hadeer Elhadary Enlarge image

يقول "الصادق" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": اعتماد ممارسات الإدارة السليمة -مثل زراعة أنماط وراثية عالية التحمُّل للحرارة، وتعديل مواعيد الزراعة وأنماط الري، وتعزيز تسميد ثاني أكسيد الكربون- قد تكون حلولًا مقترحةً لمواجهة تأثيرات تغيُّر المناخ على محصول الأرز في مصر.

ويتابع: من المهم اتباع نهج الزراعة الذكية مناخيًّا، الذي يتضمن بعض التقنيات مثل "الروبوتات" و"الحصاد الآلي" والتقنيات البيولوجية والكيميائية للمساعدة في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ذات المصدر الزراعي والتكيُّف مع تغيُّر المناخ ومكافحة الأعشاب الضارة ومسبِّبات الأمراض، وتتضمن الزراعة الذكية مناخيًّا أيضًا استخدام البيانات الضخمة التي تحدد اتجاهات المناخ وتقدم تنبؤات أكثر دقةً حول التغيرات المناخية، واستخدام أجهزة الاستشعار الدقيقة.

ووفق ورقة بحثية نُشرت في كتاب "تأثير التغير المناخي على الزراعة والأمن الغذائي في مصر"،  فإن المساحة المزروعة بالأرز في مصر تبلغ الآن حوالي 650 ألف هكتار، أي حوالي 20% من إجمالي المساحة المزروعة.

محاولات للتأقلم

تحاول مصر التأقلم مع هذه التحديات بأكثر من طريقة؛ إذ أعلنت وزارة الزراعة المصرية تدشين مشروعات تستهدف توسيع الرقعة الزراعية عبر استصلاح الصحراء إلى أكثر من 3.5 مليون فدان، بالتوازي مع دعم الأنظمة الزراعية القائمة للتكيف مع  التغييرات المناخية، من خلال عدة ممارسات من بينها استنباط أصناف جديدة، وزيادة الاعتماد على التقاوي المحسَّنة، وترشيد استخدام المياه عبر تطبيق نظم الري الحديثة.

يقول أشرف محمد المغازي -رئيس البحوث بمركز البحوث والتدريب للأرز بسخا، التابع لمعهد بحوث المحاصيل الحقلية- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": لدينا مجموعة من أصناف الأرز تتحمل نقص مياه الري، وبعضها نستخدمه منذ أكثر من 20 سنة، مثل "جيزة 178" و"هجين مصر1"، وتم تطوير أصناف مثل "سخا 104" و"سخا 107" و"جيزة 179" حتى حصلنا على أحدث الأصناف "سخا سوبر 300"، الذي يتحمل نقص مياه الري حتى 10 أيام أو 12 يومًا، أي أنه يحتاج إلى الري مرةً واحدة خلال هذه الفترة.

مزارعات مصريات
مزارعات مصريات
Enlarge image

يضيف "المغازي": تشمل الزراعة الذكية مناخيًّا أيضًا استحداث أساليب جديدة في الري، مثل الزراعة الجافة، والزراعة على المصاطب التي توفر المياه، والري بالتنقيط، إضافةً إلى استخدام الأسمدة الحديثة المصنَّعة بتقنية النانو تكنولوجي لتوفير الأسمدة ذات التكلفة العالية، وبالتالي تحقيق فوائد على مستوى البيئة وصحة الإنسان التي تتأثر باستخدام الأسمدة التي تحتوي على مواد كيماوية، أو بتناول بقاياها الموجودة في الغذاء.

ويتابع: "على سبيل المثال، قد يصيب نبات الأرز بعض الآفات أو الأمراض، مثل التبقع البني ومرض اللفحة الذي يسبب خسائر فادحة في المحصول قد تبلغ 80 %، ويتمثل الحل في تحسين واستنباط سلالات حديثة تكون مقاومة أو متحملة لهذه الآفات لوقاية النبات منذ البداية، وبالتالي تجنُّب الخسائر البيئية والصحية الكبيرة.

تكلفة بيئية أقل

ووفق دراسة  نشرتها دورية نيتشر، فإن "الإدارة المتكاملة لنظام التربة والمحاصيل، وإنتاج محاصيل الأرز والقمح والذرة بتكلفة بيئية أقل، مما يساعد إلى حدٍّ كبير في تقليل إنتاج غازات الاحتباس الحراري".

يقول محمد أبو السعود -وكيل الإرشاد والتدريب بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تستهدف الزراعة الذكية مناخيًّا تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية والتكيف مع التغيرات المناخية، مما يعني تطبيق حلقة كاملة تخطط لكل ما يتعلق بعملية الإنتاج الزراعي.

يضيف "أبو السعود": التحدي الرئيسي يتمثل في تعلُّم المزارعين لكيفية تطبيق نهج الزراعة الذكية مناخيًّا تطبيقًا صحيحًا لتجنُّب الأخطاء، فعلى سبيل المثال إذا استخدام المزارع "الري بالتنقيط" دون التحكم في كمية المياه فستكون الطريقة حينها مشابهةً لـ"الري بالغمر" الذي يستهلك الكثير من المياه.

ويتابع: هناك خطوات عديدة يشملها تطبيق الزراعة الذكية، منها تحديد الاحتياجات المائية الخاصة بالنبات من حيث الري لتوفير المياه والطاقة والأسمدة، وتحديد احتياجات كل منطقة من حيث الأصناف القابلة للزراعة فيها، وحماية النبات من الأمراض المتوقعة من خلال نظام للتنبؤ بالأمراض ، وكل ذلك يؤدي إلى تقليل الموارد المستخدمة وتعظيم الإنتاجية.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.120