مقالات

غسل اليدين "فرصة ضائعة" لتقليل عبء أمراض الجهاز التنفسي

نشرت بتاريخ 9 مايو 2023

دراسة تؤكد أهمية غسل اليدين وتوفير البنية التحتية الأساسية لإمدادات المياه والصابون في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل مثل مصر

محمد السيد علي

Sean Horsburgh on unsplash 

دفعت جائحة "كوفيد-19" حكومات العالم إلى التوصية باتباع إجراءات الصحة العامة، بما في ذلك غسل اليدين بالصابون لمكافحة العدوى؛ إذ جذبت الجائحة انتباهًا غير مسبوق بعدما أدت إلى وفاة نحو 18.2 مليون شخص في الفترة ما بين 1 يناير 2020 وحتى 31 ديسمبر 2021، وفق تقديرات دراسة سابقة نشرتها دورية "ذا لانسيت"، وهي تقديرات زادت كثيرًا عن عدد وفيات "كوفيد-19" المبلغ عنها في الفترة ذاتها، والتي بلغت 5.94 ملايين حالة وفاة.

لكن هذا الزخم انخفض مع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًّا بالرغم من مسؤولية التهابات الجهاز التنفسي الحادة عن حوالي 2.5 مليون حالة وفاة في عام 2019، وحدثت 83٪ من هذه الوفيات في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل.

غسل اليدين

يُعد غسل اليدين بانتظام أحد أبرز إجراءات مكافحة العدوى لمنع انتشار أمراض الجهاز التنفسي، خاصةً بعد لمس الأسطح أو الأشياء التي قد تكون ملوثةً برذاذ الجهاز التنفسي، أو بعد لمس الأشخاص المصابين بأعراض تنفسية، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية (CDC).

وفي هذا السياق، أجرى فريق بحثي دراسةً استهدفت رصد تأثير التدخلات التي تعزز غسل اليدين بالصابون على عدوى التهابات الجهاز التنفسي الحادة في عدد من البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، ومن بينها مصر.

وكشفت الدراسة التي نشرتها دورية "ذا لانسيت" أن غسل اليدين بالصابون يقلل من التهابات الجهاز التنفسي الحادة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل بنحو 17%، ويمكن أن يساعد في منع العبء الكبير لأمراض الجهاز التنفسي.

وأضافت أن "غسل اليدين بالصابون يُعد بمنزلة فُرصة ضائعة لتقليل عبء أمراض الجهاز التنفسي، وهو سلوك لا يجب اتباعه في زمن الأوبئة فقط، بل في الأوقات العادية أيضًا".

يقول إيان روس، الأستاذ المساعد بقسم مكافحة الأمراض بكلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي في المملكة المتحدة: تقدر الأمم المتحدة أن 1.8 مليار شخص يفتقرون إلى صنبور المياه في منازلهم أو فنائهم، وتُظهر نتائجنا ما يمكن تحقيقه من خلال العمل الحكومي المستمر لتعزيز غسل اليدين وضمان الوصول الشامل إلى البنية التحتية الأساسية لإمدادات المياه والصابون.

يضيف "روس" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يرصد البحث التأثير الذي يمكن أن يُحدثه غسل اليدين بالصابون في أثناء الأوقات العادية على عبء أمراض الجهاز التنفسي، ويوفّر تقديرات مُحدّثة لفاعلية غسل اليدين بالصابون في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل في مكافحة كلٍّ من التهابات الجهاز التنفسي الحادة، والتهابات الجهاز التنفسي السفلي والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، وهذه التقديرات مهمة من أجل التقييمات الحديثة للعبء المنسوب إلى المرض.

التهابات الجهاز التنفسي

يطلَق مصطلح التهابات الجهاز التنفسي على العدوى البكتيرية أو الفيروسية التي تؤثر على أنسجة الجهاز التنفسي وخلاياه مثل الشُّعب الهوائية والرئتين، وتحدث التهابات الجهاز التنفسي العلوي في منطقة أعلى الرئتين، وتحديدًا في جوف الأنف والبلعوم والحنجرة، وتُسبّب أمراضًا مثل نزلات البرد، والتهابات الجيوب الأنفية، والتهاب اللوزتين، والتهاب الحنجرة.

أما التهابات الجهاز التنفسي السفلي فهي عدوى شديدة تحدث في منطقة أسفل الرئتين، وتحديدًا في القصبة الهوائية والشعب الأولية والرئتين، وتسبب أعراضها الحادة أمراضًا مثل التهاب الشعب الهوائية، والالتهاب الرئوي، والتهاب القصيبات، ومرض السل، ويمكن أن تكون الأعراض أقل حدة، وتُسبّب السعال الجاف، والحمى، وسيلان الأنف، وفق الدراسة.

تحليل تلوي

للوصول إلى نتائج الدراسة، أجرى الفريق تحليلًا تلويًّا لنتائج 26 دراسة بحثت تأثير التدخلات التي تعزز غسل اليدين بالصابون في المنزل أو المدرسة أو أماكن رعاية الأطفال، على المراضة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة، في بلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، وتضمنت هذه الدراسات 161 ألفًا و659 مشاركًا من جميع أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بين أوائل العقد الأول من القرن الـ21 وحتى 25 مايو 2021.

والتحليل التلوي هو تحليل يُطبّق الطُّرُق الإحصائيّة على نتائج عدة دراسات قد تكون مُتوافقة أو مُتضادّة، وذلك من أجل تَعيين توجُّه أو مَيل لتلك النتائج أو لإيجاد علاقة مُشتركة مُمكنة فيما بينها.

وبشكل عام، كانت التدخلات التي تعزز غسل اليدين بالصابون مسؤولةً عن الحد من المراضة، أو العبء، من التهابات الجهاز التنفسي الحادة بحوالي 17٪ مقارنةً بمَن لم يتوافر لهم غسل اليدين، كما خفضت هذه التدخلات عبء التهابات الجهاز التنفسي العلوي بنسبة 26%، والتهابات الجهاز التنفسي السفلي بنسبة 22%.

يقول "روس": تعزيز تدابير غسل اليدين على نطاق واسع يساعد في تقليل عبء التهابات الجهاز التنفسي الحادة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل خارج سياق الجائحة، وهذه النتائج يمكن أن تكون قابلةً للتطبيق أيضًا في البلدان ذات الدخل المرتفع.

تنشيط المناعة

من جهته، يقول أحمد جعفر حجازي -أستاذ المناعة بالمركز القومي للبحوث في مصر- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": هناك ميكروبات نافعة توجد على الجلد وفي الجهاز التنفسي للإنسان، وتقاوم هجوم الميكروبات الغازية الضارة للإنسان، والحفاظ على عادة غسل اليدين، بالإضافة إلى المضمضة والاستنشاق بالماء، يقلل بقوة المحتوى الميكروبي الضار على الجسد وفي الجهاز التنفسي، ويجعل الغلبة للبكتيريا النافعة في مناطق نفوذها، ويجعلها تنشط لتدافع عن الإنسان ضد هجوم الميكروبات الغازية الضارة، وبالتالي فهي أداة فعالة لمحاربة أمراض الجهاز التنفسي، التي تنشأ بالأساس نتيجة العدوى الفيروسية أو البكتيرية.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.45