رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 27 نوفمبر 2023
الوقود الأحفوري يزيد موجات الحر القاتلة.. والفقراء والأقليات والمجتمعات المهمشة الأكثر تضررًا
على مدى العقود الماضية، تصاعدت حدة المخاوف من تداعيات التغيرات المناخية على سلامة البشر وصحتهم، في ظل ارتفاع وتيرة الكوارث الطبيعية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمناخ مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير، وما يتبعها من انتشار الأمراض.
وارتبط تزايُد أيام موجات الحر وأشهر الجفاف بمعاناة 127 مليون شخص إضافي من انعدام الأمن الغذائي المعتدل إلى الشديد في 122 دولة في عام 2021، مقارنةً بالفترة بين عامي 1981 و2010.
وزادت احتمالية انتقال حمى الضنك عن طريق الزاعجة المصرية بنسبة 28.6%، وأدى تلوث الهواء المنزلي إلى 140 حالة وفاة لكل 100 ألف في 62 دولة في عام 2020 بسبب استخدام الوقود الملوث.
أضرار لا رجعة فيها
وفي لمحة مثيرة للقلق بعالم يزداد حرارة، توقّع تقرير دولي أن تشهد معدلات الوفيات الناجمة عن موجات الحر الحادة ارتفاعًا قدره 4.7 أضعاف بحلول عام 2050، في حال لم تُتَّخذ إجراءات فعلية لمواجهة التغير المناخي.
وتعرَّض الأفراد بين عامي 2018 و2022 لـ86 يومًا من الحرارة المرتفعة المُهددة للصحة في المتوسط، وتزايدت الوفيات المرتبطة بالحرارة بين السكان فوق 65 عامًا بنسبة 85% خلال 2013-2022، مقارنةً بـ1991-2000، وفق تقرير "الصحة وتغير المناخ".
وكشف التقرير الذي تنشره سنويًّا مجلة "ذي لانست" الطبية" -ضمن "لانسيت كاونت داون"، وهو تعاون بحثي دولي يراقب بشكل مستقل تأثيرات تغير المناخ على الصحة- أن موجات الحر القاتلة ليست سوى خطر صحيّ واحد من بين مخاطر كثيرة ناتجة عن الاستخدام المتزايد للوقود الأحفوري.
ومن هذه المخاطر تزايُد موجات الجفاف التي تعرّض ملايين الأشخاص لخطر المجاعة، والتسبُّب في تنقّل البعوض إلى مسافات أبعد ونقلها أمراضًا معدية، ومعاناة الأنظمة الصحية لمواجهة هذا العبء.
تقول مارينا رومانيلو -المديرة التنفيذية لـ"لانسيت كاونت داون"، وقائد فريق البحث- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يؤكد تقريرنا لهذا العام ضرورة الاستجابة التي تركز على الصحة، في عالم يواجه أضرارًا لا رجعة فيها ناجمة عن تغير المناخ.
وأضافت: إذا وصلنا إلى سيناريو ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين بحلول منتصف القرن، فسنواجه تحديات ضخمة، أبرزها زيادة بنسبة 370% في الوفيات المرتبطة بالحرارة، وزيادة بنسبة 36% في احتمالية انتقال عدوى حمى الضنك.
وبالرغم من هذه التحذيرات، فإن الشركات والحكومات والبنوك تواصل الترويج لاستخدام الوقود الأحفوري، مما يجعل تحقيق مستقبل صحي بعيد المنال.
خطوات عملية
وضع التقرير خطواتٍ عمليةً لتأمين مستقبل صحي ومزدهر للجميع، أبرزها الإلغاء التدريجي لجميع التدفقات المالية لقطاع النفط والغاز، وإعادة توجيهها لأنشطة تعزيز الصحة، وزيادة فرص الحصول على الطاقة المتجددة الآمنة والنظيفة.
من جهته، يقول حسن أبو بكر -أستاذ المكافحة البيولوجية بجامعة القاهرة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ارتباط الارتفاعات المستمرة في درجات الحرارة بزيادة الوفيات عملية شديدة التعقيد، وعبارة عن حلقة مفرغة يصعب معها تحديد السبب والنتيجة، لكنها تقود في النهاية إلى انتشار المجاعات والآفات، ما يعرض الشعوب لأزمات غذائية عنيفة.
وأوضح أن الحرارة المرتفعة ستؤدي إلى خلل هائل في التنوع البيولوجي للكائنات البحرية، ما يؤثر على إمدادات السلسلة الغذائية البحرية، وأهمها الأسماك التي ستتراجع أنواعها وكمياتها، وبالتالي ستتأثر معدلات الصيد، وتتأثر معها سلسلة طويلة من فئات البشر المختلفة التي تتغذى عليها.
الفقراء الأكثر تأثرًا
كشف التقرير أن سكان البلدان الفقيرة -وهم في كثير من الأحيان الأقل مسؤوليةً عن انبعاثات غازات الدفيئة- يتحملون وطأة الآثار الصحية، لكنهم الأقل قدرةً على الحصول على المال والتقنيات التي تساعدهم على التكيف مع العواصف القاتلة وارتفاع منسوب مياه البحار وموجات الجفاف.
تقول "رومانيلو": الفقراء والأقليات والمجتمعات المهمشة هم الأكثر تضررًا من تغيُّر المناخ، لأسباب منها ندرة الموارد والدعم للتكيف على نحوٍ مناسب مع المخاطر المتزايدة.
وتضيف: رصدنا تبايُناتٍ إقليميةً في الأضرار الصحية، فعلى سبيل المثال، شهد ما متوسطه 10% من الأراضي ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهرًا واحدًا على الأقل من الجفاف سنويًّا في الفترة من 1951 إلى 1960، وارتفعت هذه النسبة إلى 71% في الفترة 2013-2022، ما يمثل مخاطر متعددة على الصحة أبرزها تهديد إمدادات المياه وإنتاجية المحاصيل وزيادة خطر حرائق الغابات والهجرة القسرية.
ويعلق وحيد إمام -أستاذ العلوم البيئية بجامعة عين شمس في مصر- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" بأن "موجات الحر تؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالإجهاد الحراري والسكتة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية".
طرق التكيف
وعن أكثر الطرق فاعليةً للتكيف مع التأثيرات الصحية لتغير المناخ، تقول "رومانيلو": يجب تصميم حلول تناسب الاحتياجات المحلية وتشمل جميع الأنظمة التي تحدد المخاطر البيئية وترتبط بالملامح الصحية للبشر، مثل الأنظمة الغذائية وقطاعات النقل والصرف الصحي والتصميم الحضري، والانتقال إلى الطاقة المتجددة، وخفض الانبعاثات في جميع القطاعات.
تضيف "رومانيلو": التحدي الأكبر الذي يواجه جهود التكيف اليوم هو ندرة الموارد المالية، لذلك من المهم الوفاء بالوعد السنوي بتقديم 100 مليار دولار للدول النامية لدعم جهود التكيف، وإنشاء صندوق للخسائر والأضرار يدعم البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل للتعامل مع مخاطر التغيرات المناخية.
وتعتمد المجتمعات الأكثر ضعفًا على الوقود الملوِّث للهواء، ولا تزال 92% من الأسر تعتمد على الخشب أو الروث للطهي والتدفئة (مقارنةً بـ7.5% في الدول الغنية).
وفي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثلت مصادر الطاقة المتجددة النظيفة أقل من 0.5% من إجمالي إمدادات الطاقة المولدة في 2020، ما يكشف الاعتماد الدائم على الوقود الملوث، والتعرض لتلوث الهواء الضار، وفق "رومانيلو".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.261
تواصل معنا: