«زويل» وأثره في إرساء دعائم النهضة العلمية في مصر
08 October 2024
نشرت بتاريخ 21 نوفمبر 2023
التوسع الحضري السريع.. وتزايُد عدد السكان.. وتجريف الأراضي الزراعية فضلًا عن الاتجاه نحو التصنيع.. قد تسهم في تفاقم مشكلة تلوث الهواء في القارة
على مدار الخمسين عامًا الماضية، عانت بلدان القارة الأفريقية من التدهور السريع في جودة الهواء، مما جعل مدنها من أكثر مدن العالم تلوثًا، أصبحت مستويات تركيز الجسيمات الملوثة الآن أعلى بخمسة إلى عشرة مستويات من تلك التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع مع النمو السكاني وتسارُع التصنيع، وفقًا لنتائج دراسة جديدة.
في الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في دورية Nature Geoscience، ناقش باحثون مستويات تلوث الهواء في أفريقيا، وأشاروا إلى أنه لم يُبذل الكثير لمحاولة مكافحة جودة الهواء المتدنية، إذ تم إنفاق 0.01٪ فقط من التمويل العالمي لتلوث الهواء، في أفريقيا.
معدلات تلوث مرتفعة
يوضح المؤلف المشارك في الدراسة "فرانسيس بوب" -أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة برمنجهام البريطانية- أن القارة تشهد أسوأ معدلات تلوث الهواء في العالم؛ إذ أصبحت تركيزات الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء والتي يبلغ قطرها حوالي 2.5 ميكرومتر أكثر شيوعًا في بلدان القارة.
تحدد منظمة الصحة العالمية متوسط التعرض السنوي طويل الأمد للجسيمات الدقيقة الأقل من 2.5 ميكروجرام، بـ5 ميكروجرامات لكل متر مكعب من الهواء، ويزيد هذا المتوسط في حالة التعرض لملوثات دقيقة يصل حجمها إلى 10 ميكروجرامات، ليصبح المتوسط السنوي للتعرض طويل الأمد لهذه الجسيمات 15 ميكروجرامًا لكل متر مكعب.
إن عوامل مثل التوسع الحضري السريع، وتزايُد عدد السكان، وتجريف الأراضي الزراعية فضلًا عن الاتجاه نحو التصنيع، قد تُسهم في تفاقم مشكلة تلوث الهواء في القارة وما يترتب عليها من آثار صحية ضارة، يقول "بوب" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن مصادر التلوث وأنماطه توضح أن تلوث الهواء في أفريقيا هو قضية عالمية، "ومعالجة هذه القضية تتطلب جهودًا جماعيةً من الدول الأفريقية، وحلولًا مصممةً إقليميًّا وتعاونًا عالميًّا".
فضخامة حجم القارة وتنوع بيئاتها الطبيعية والظروف الاجتماعية والاقتصادية في كل إقليم من أقاليمها، يجعل من الصعب التعامل مع مشكلة تلوث الهواء في دول القارة بالطريقة نفسها، إذ تتفاوت مستويات التلوث تفاوُتًا كبيرًا بين الشمال والجنوب ووسط وشرق وغرب القارة.
ووفقًا للباحث فإن مستويات التلوث في غرب القارة وجنوبها ترجع بالأساس إلى عمليات تعدين الفحم بغرض توليد الطاقة، كما هو الحال في جنوب إفريقيا، ما ينتج عنه زيادة تركيزات غازات الدفيئة وثاني أكسيد النيتروجين، كما يسهم استغلال النفط الخام في نيجيريا -غرب القارة- في زيادة انبعاثات الكربون الأسود، أما إقليم شمال إفريقيا، فيرى "بوب" أن مصادر تلوث الهواء فيه ترتبط بالعواصف الرملية والترابية، نظرًا لجفاف الإقليم، فضلًا عن الأنشطة البشرية.
تشير دراسة نُشرت في سبتمبر من العام الماضي إلى أن الأنشطة البشرية يمكن أن تكون سببًا مباشرًا لأكثر من 90٪ من تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتحدى الدراسة التي نُشرت في مجلة "كوميونيكيشنز إيرث أند إنفيرونمنت" الفرضيات القائمة بشأن أسباب الجسيمات الدقيقة والهباء الجوي في هواء الإقليم، خاصةً في البلدان الأكثر تأثرًا بهذه الملوثات، مثل الكويت ومصر.
ورغم أنها تعتبر الغبار هو السبب الرئيسي في زيادة الملوثات في شمال إفريقيا، فإن دراسة أخرى نُشرت في يونيو 2022 في مجلة "نيتشر ساستينابيليتي" تشير إلى دور النشاط البشري بوصفه أحد أهم أسباب التلوث، وتتمثل أخطر الملوثات التي رصدتها الدراسة في: الغبار، والكبريتات، والنترات، والكربون العضوي، والكربون الأسود.
مصادر التلوث في شمال إفريقيا
يقول "أحمد قناوي" -أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد في جامعة المنصورة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن الصورة العامة لإقليم شمال إفريقيا لا تختلف عن غيره من أقاليم العالم من ناحية مصادر الملوثات وتأثيراتها، "ترتبط مصادر التلوث البشرية تحديدًا ارتباطًا طرديًّا بمستويات التصنيع، والنمو الاقتصادي، والكثافات السكانية، وتأتي المدن الكبيرة في الإقليم في مقدمة المناطق الأكثر تلوثًا، كالمجمعات الحضرية للقاهرة الكبرى، وطرابلس في ليبيا، والجزائر العاصمة ووهران في الجزائر، والدار البيضاء في المغرب، وغيرها من المدن الكبيرة في الإقليم".
إن شمال أفريقيا إقليم له خصوصيته الجغرافية؛ إذ يُعد هو المصدر الأول لذرات الغبار الصحراوي في العالم كله، وذلك في شكل عواصف ترابية ورملية متكررة على مدار العام، بعض هذه العواصف يكون تأثيره مقتصرًا على بلدان الإقليم والبعض الآخر يتجاوز هذه الحدود بمسافات كبيرة قد تصل إلى غابات الأمازون، وجنوب ووسط أوروبا، وجنوب غرب آسيا، تساعد المساحات المكشوفة التي تغطي الإقليم على نشاط هذه العواصف، خاصةً مع قلة الغطاء النباتي أو عدم وجوده، وهشاشة الأراضي الصحراوية، واقتصار الكتل العمرانية على بيئات ساحلية هامشية.
ويذكر "قناوي" أن تلوث الهواء يسبب عددًا من التأثيرات الضارة، مثل أمراض الجهاز التنفسي كالربو، والتهاب الشعب الهوائية، خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن، وبما أن معظم دول شمال إفريقيا ترتفع فيها نسب سكنى المناطق الريفية أو البدوية، يمثل الوصول إلى الخدمات الصحية تحديًا كبيرًا لجزء كبير من هذه المجتمعات المحلية، "يجب ألا نُغفل التأثيرات الاقتصادية لتلوث الهواء، نتيجة انخفاض عدد ساعات العمل وتدنِّي مستوى الإنتاجية، خاصةً للسكان في البيئات الصناعية أو القريبة منها"، وفق قناوي
سياسات التخفيف من تلوث الهواء
يؤكد "بوب" -المؤلف المشارك في الدراسة- أن مواجهة تلوث الهواء يجب أن تتضمن مراقبةً مستمرةً للهواء عبر شبكة من أجهزة الاستشعار من أجل بناء صورة تفصيلية لتغيرات تلوث الهواء وتتبُّع التقدم، والاستثمار في الطاقة النظيفة، وتحسين إدارة النفايات الصلبة لمنع حرق النفايات، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للحد من الانبعاثات الصادرة عن قطاع النقل، وتحسين توفير وسائل النقل العام واعتماد معايير أعلى للانبعاثات بالنسبة للوقود والمركبات المستوردة.
الاقتراحات نفسها يراها "قناوي"، الذي يضيف أهمية إصدار التشريعات البيئية الملائمة وتفعيلها للحد من الملوثات، وتخطيط استخدامات الأراضي بطريقة فعالة تسمح بالوصول إلى الحدود الدنيا من الملوثات.
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.253
تواصل معنا: