مقالات

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بتوابع الزلازل وشدتها

نشرت بتاريخ 20 نوفمبر 2023

يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي المُدربة على تمييز الهزات الأرضية من فيض هائل من البيانات أن تقدر عدد توابع الزلازل على نحو أفضل من نماذج توقعات الزلازل التقليدية.

ألكسندرا ويتزي



Stefano Montesi/Corbis via Getty Enlarge image

بدأ علماء الزلازل أخيرًا في إحراز تقدم نحو تحقيق واحد من أصعب الأهداف منالًا، وأكثرها امتلاءً بالتحديات: ألا وهو استخدام تقنيات تعلُم الآلة لتعزيز دقة التنبؤات بالزلازل.

فمؤخرًا، أفادت ثلاث ورقات بحثية بابتكار نماذج تعلم عميق من نماذج تعلُم الآلة، تتفوق في أدائها على أحدث النماذج التقليدية للتنبؤ بالزلازل 1-3. وعلى الرغم من أن نتائج هذه الأبحاث أولية ولا تتحقق إلا في عدد محدود من السيناريوهات، مثل تقدير احتمالية وقوع التوابع الزلزالية بعد اندلاع "زلزال هائل"، فهي تمثل خطوة فريدة نحو تحقيق هدف طال انتظاره، وهو تسخير قوة تعلُم الآلة للحد من مخاطر الزلازل.

حول ذلك، يقول مورجان بيج، اختصاصي علم الزلازل من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، والذي لم يشارك في هذه الأبحاث: "يغمرني حماس كبير لأننا بصدد هذا الحدث أخيرًا".

 شتان بين توقعات الزلازل وتوقعات الطقس!

إليك ما لا تتنبأ به توقعات الزلازل: هي لا تتوقع حدوث زلزال بقوة معينة في موقع معين وفي وقت معين. فلا تتنبأ، على سبيل المثال، بحدوث زلزال يوم الثلاثاء الساعة الثالثة مساءً. والفكرة القائلة بأن العلماء قادرون على التوصُل إلى مثل هذه التنبؤات الدقيقة فُندت. بدلًا من ذلك، تساعد تحليلات إحصائية علماء الزلازل في فهم الاتجاهات العامة للهزات الأرضية، مثل عدد الهزات الارتدادية أو توابع الزلازل المتوقعة في الأيام أو الأسابيع التالية لوقوع زلزال كبير. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هيئات مثل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) تصدر التنبؤات بالهزات الارتدادية لتحذير الأشخاص في المناطق المنكوبة التي دمرتها الزلازل بالفعل من أية توابع زلزالية محتملة.

وللوهلة الأولى، يبدو تحسين دقة توقعات الزلازل من التطبيقات التي تملي البداهة محاولة السعي إليها باستخدام تقنيات التعلم العميق4. وتبلي هذه التقنيات بلاءً حسنًا عند استيعاب وتوليد كميات كبيرة من البيانات لاستخدامها للتنبؤ بالخطوات التالية في نمط معين. فعلم الزلازل غني بالبيانات المستمدة من قوائم الزلازل التي تحدث في جميع أنحاء العالم. وعلى النحو الذي تتدرب به نماذج القوالب اللغوية الكبيرة في برامج الذكاء الاصطناعي على ملايين الكلمات للتنبؤ بالكلمات المحتملة التالية، يُتوقع أن يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالتنبؤ بالزلازل على بيانات قوائم الزلازل للتنبؤ باحتمالية وقوع هزات في أعقاب زلزال.

بيد أن الباحثين واجهوا صعوبات في استخلاص دلالات اتجاهات الزلازل من جميع البيانات المسجلة لها5، إذ يندُر وقوع الزلازل الهائلة، كما أن الوقوف على النواحي المقلقة في الهزات الأرضية ليس بالسهل.

مع ذلك، على مدى بضعة أعوام مضت، اتجه علماء الزلازل إلى استخدام تقنية تعلم الآلة للكشف عن الزلازل الصغيرة التي لم تُرصد في سجلات الزلازل. وقد أضافت هذه الزلازل بيانات إلى سجلات الزلازل الحالية ودعمتها بمادة جديدة تفتح الباب أمام جولة جديدة من عمليات التحليل بهذه التقنية.

وحاليًا، تستعين هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في تنبؤاتها بالزلازل على نمذجة حاسوبية تعتمد على المعلومات الأساسية الخاصة بشدة الزلازل السابقة ومواقعها للتنبؤ بالهزات التي قد تقع لاحقًا. بينما تستخدم الأبحاث الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها نهج الشبكات العصبية، الذي يعمل على تحديث حساباته في كل خطوة تحليلية للوقوف بدقة أكبر على الأنماط المعقدة لاندلاع الزلازل.

التدريب على توقع الهزات الأرضية

في الورقة الأولى1، اختبر اختصاصي علم الجيوفيزياء كيليان داشر-كوزينو وفريقه البحثي، في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، دقة تنبؤات نموذج تعلم الآلة الذي ابتكروه بتدريبه على بيانات قائمة بآلاف الزلازل التي ضربت جنوب كاليفورنيا بين عامي 2008 و2021. ولدى التنبؤ بعدد الهزات الأرضية التي قد تحدث على مدار أسبوعين متتاليين، تفوق نموذجهم على النموذج القياسي المستخدم عادة. علاوة على ذلك، قدم النموذج أداءً أفضل في الوقوف على أقصى قوة للزلازل المحتملة؛ ما من شأنه أن يجعل أحداث اندلاع الزلازل الكبيرة أقرب إلى التوقعات.

كذلك طوَّر اختصاصي علم الإحصاء التطبيقي صامويل ستوكمان، من جامعة بريستول بالمملكة المتحدة، تقنية توقع مماثلة تستخدم تعلم الآلة، أحرزت مستويات أداءً جيدة عندما دُربت2 على بيانات قوائم زلزال ضرب وسط إيطاليا بين عامي 2016 و2017، وألحق أضرارًا بالعديد من المدن. ووفقًا لستوكمان، "يبدأ نموذج تعلم الآلة في تحقيق أداء أفضل" عندما يخفض الباحثون قوة الزلازل المدرجة في مجموعة بيانات التدريب.

وفي جامعة تل أبيب في إسرائيل، قاد اختصاصي علم الفيزياء يوهاي بار-سيناي فريقًا بحثيًا طوَّر نموذج تعلم آلة ثالثًا يعتمد على نهج الشبكات العصبية3. وعند اختبار أداء هذا النموذج بتدريبه على بيانات الهزات الأرضية المسجلة في اليابان على مدار 30 عامًا، حقق هو الآخر أداءً أفضل مقارنة بالنمذجة المستخدمة عادة في توقعات الزلازل. ويرى بار-سيناي أن هذا العمل البحثي قد يتيح فهمًا متعمقًا للفيزياء الأساسية للزلازل. وهو ما أعرب عنه بقوله: "تنعقد آمالنا على فهم المزيد عن الآليات الأساسية للزلازل، وأسباب حدوثها، والعوامل المحددة لشدتها

مستقبل توقعات الزلازل

تعقيبًا على الورقات البحثية الثلاث، تقول ليلى مزراحي، اختصاصية علم الزلازل من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، إن النماذج الثلاثة جميعها تُعد "واعدة بدرجة ما". فتضيف أنها لا تعِد بشكلها الحالي بتحقيق طفرة في المجال، بيد أنها تظهر إمكانية إدخال تقنيات تعلم الآلة في التنبؤ بالهزات الأرضية بشكل يومي.

ومن جانبه يوضح ماكسيميليان فيرنر، اختصاصي علم الزلازل من جامعة بريستول وهو عضو في فريق ستوكمان البحثي، أن هذه النماذج "ليست حلاً سحريًا بالتأكيد". لكنه يضيف أن تعلم الآلة سيصبح تدريجيًا جزءًا من التقنيات التي تصدر التنبؤات الرسمية بالزلازل على مدى السنوات المقبلة، نظرًا لقدرته الكبيرة على التصدي لدراسة مجموعات البيانات الضخمة الخاصة بالزلازل، والتي بدأ انتشارها يتزايد.

ووفقًا لبيج، من المرجح أن تبدأ هيئات مثل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في استخدام نماذج تعلم الآلة بجانب عمليات النمذجة التنبؤية التي تستخدمها عادة، لتتحول بعدئذ بالكامل إلى نهج تعلم الآلة إذا ثبت تفوقه. فضلًا عن ذلك، من الممكن أن تؤدي هذه التطورات إلى تعزيز دقة تنبؤات الزلازل مع وقوع التوابع الزلزالية في الوقت الحالي بشكل لا يمكن التنبؤ به، يعطل حياة الأفراد لعدة أشهر، كما حدث في إيطاليا. كما يمكن استخدام نماذج تعلُم الآلة تلك لتحسين دقة التوقعات بعد وقوع الزلازل الكبيرة النادرة، مثل الزلزال الذي ضرب المغرب في سبتمبر الماضي بقوة 6.8 درجة وأسفر عن مقتل الآلاف.

مع ذلك، يحذر داشر-كوزينو من الاعتماد أكثر مما يجب على هذه النماذج الجديدة الفاخرة، فيقول: "في نهاية المطاف، الاستعداد لمواجهة الزلازل هو الأهم. ولا مجال للتوقف عن التحقق من امتثال المباني لقوانين البناء، أو للاستغناء عن معدات التأهب للزلازل، لمجرد أننا صرنا نملك نموذجًا أفضل للتنبؤ بالزلازل".

تحديثات وتصحيحات

• تصحيح بتاريخ 28 سبتمبر 2023: أخطأت نسخة سابقة من هذا المقال في كتابة اسم ماكسيميليان فيرنر وأخطأت في كتابة الحرف الأول من اسم المؤلف الرئيس في المرجع 5.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.251


References:

1.     Dascher-Cousineau, K., Shchur, O., Brodsky, E. E. & Günnemann, S. Geophys. Res. Lett. 50, e2023GL103909 (2023).

2.     Stockman, S., Lawson, D. J. & Werner, M. J. Earths Future 11, e2023EF003777 (2023).

3.     Zlydenko, O. et al. Sci. Rep. 13, 12350 (2023).

4.     Mousavi, S. M. & Beroza, G. C. Science 377, eabm4470 (2022).

5.     Mancini, S. et al. J. Geophys. Res. Solid Earth 127, e2022JB025202 (2022).