عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 18 أكتوبر 2023
الإنجاز يقرِّب الأطباء من هدف إجراء الاختبارات السريرية لزراعة كلى الخنازير المعدلة وراثيًّا في البشر
نتيجة مرض خطير في القلب من شأنه التسبب في موت حتمي، أصبح لورانس فوسيت، البالغ من العمر 58 عامًا، ثاني شخص في العالم يُزرع في جسمه يوم 20 سبتمبر 2023 قلب خنزير معدل وراثيًّا.
أُجريت هذه العملية بعد أقل من عامين على خضوع ديفيد بينيت (57 عامًا) لأول عملية من نوعها في العالم لزراعة قلب خنزير معدل وراثيًّا في جسم إنسان مطلع 2022، لكن "بينيت" توفي بعد حوالي شهرين من العملية.
وفي خطوة جديدة تمهد الطريق أمام إجراء مزيد من عمليات نقل أعضاء الخنازير إلى البشر، تمكّن باحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد -بالتعاون مع شركة (eGenesis) الأمريكية- من زرع كُلى من خنازير معدلة وراثيًّا في قرود المكاك.
ووفق دراسة نشرتها دورية "نيتشر" (Nature)، فإن هذه العملية أبقت قرد المكاك على قيد الحياة لأكثر من عامين (758 يومًا)، وهو أكبر معدل بقاء لحيوان رئيسي تلقَّى كُلية تمت تنميتها داخل جسم خنزير.
خطوة على الطريق
يقرب هذا الإنجاز الأطباء خطوةً أخرى من هدفهم المتمثل في إجراء الاختبارات السريرية لكلى الخنازير المعدلة وراثيًّا لزراعتها في البشر، لمواجهة النقص الشديد في الأعضاء البشرية المنقذة للحياة عبر استخدام الأعضاء الحيوانية بدلًا منها.
أجرى الباحثون مجموعةً كبيرةً من تعديلات الجينوم التي تمنع الجهاز المناعي للمتلقي من مهاجمة الأعضاء الجديدة، وتعمل على تحييد الفيروسات الكامنة في أعضاء المتبرع، وهي خطوات حاسمة لتهيئة أعضاء الخنازير للاستخدام البشري.
تقول "وينينج تشين"، عالِمة الأحياء الجزيئية في شركة "إي جينيسيس"، والمشاركة في الدراسة: إن هذه التعديلات الجينية تجعل العضو المعدل وراثيًّا آمنًا ويدعم الحياة".
وأضافت في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تعمل شركة "إي جينيسيس" على تطوير برامج لتروية الكبد خارج الجسم، بالإضافة إلى زراعة القلب.
وحتى الآن تدرس "إدارة الغذاء والدواء الأمريكية" ما إذا كانت ستوافق على التجارب البشرية الأولى لزراعة الأعضاء غير البشرية أم لا.
تقول "تشين": نتواصل على نحوٍ مستمر مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ونتطلع إلى العمل معها بشكل بنَّاء لدفع مَن نرشحه لزراعة الكلى نحو العيادة، وتمثل هذه النتائج خطوةً كبيرةً نحو هذا الهدف.
زراعة الكُلى
منذ سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، أصبحت زراعة الأعضاء البشرية من متبرع إلى متلقي علاجًا للفشل الكلوي، لكن معظم المصابين يموتون بسبب انتظار الحصول على عضو متبرع مناسب لهم.
وهناك أكثر من 100 ألف أمريكي على قائمة الانتظار للخضوع لعمليات زرع أعضاء، بينهم نحو 88 ألفًا ينتظرون زراعة كلى، ويبلغ متوسط فترات الانتظار للحصول على كلية ما بين 3 إلى 5 سنوات.
ويأمل العلماء أن توفر عمليات زرع الأعضاء الحيوانية في أجسام البشر -وتُسمى "الطعوم المغايرة"- حلًّا للنقص المزمن في التبرع بالكلى، وإنقاذ العديد من الأرواح.
تعديلات جينية
يعمل الباحثون منذ عقود على إمكانية استخدام أعضاء حيوانية في عمليات الزرع، لكن العقبة الرئيسية تتمثل في كيفية الحيلولة دون رفض جسم الإنسان الفوري للعضو المزروع.
وخلال الدراسة الجديدة، أجرى الباحثون تعديلات على جينوم الخنزير، وأجروا عملية زرع ناجحة لكلى من خنزير مُهندَس وراثيًّا إلى نماذج قرود المكاك (مجموعة من الرئيسيات غير البشرية تتميز بالعديد من السمات الشبيهة بالإنسان).
وتركزت التعديلات الجينية على إزالة بعض جينات الخنازير وإضافة جينات بشرية، بهدف جعل أعضاء الحيوانات أكثر أمانًا للاستخدام البشري؛ إذ أدخل الباحثون 69 تعديلًا جينيًّا على الخنزير المتبرع بالكلى.
وأدت هذه التعديلات إلى إزالة 3 من مستضدات "الجليكان"، التي يُعتقد أنها تُحفز الجهاز المناعي للجسم على رفض المزروع، ويمكن للجهاز المناعي التعرف عليها، وتؤدي دورًا حاسمًا في العمليات البيولوجية المختلفة، بما في ذلك الاستجابات المناعية.
قام الباحثون بزيادة التعبير عن 7 جينات محورة بشرية، بهدف تقليل عداء الجهاز المناعي للرئيسيات، وتعطيل جميع نسخ جين الفيروس الارتجاعي بالخنازير، وهي نوع من الجينات ينشط في الخنازير ويجعلها تنتج فيروساتٍ جديدةً مثل الفيروسات القهقرية، ما قد يسبب مشكلاتٍ صحيةً للبشر الذين يخضعون لعملية زرع أعضاء من الخنازير.
وأدخلوا جينات بشرية للمساعدة في منع رفض الأعضاء، أما التعديل الجيني فقد أدى أيضًا إلى القضاء على الفيروسات القهقرية الضارة المحتملة والموجودة في جينوم الخنازير.
وأثبتت النتائج أنه بالاشتراك مع العلاج المثبط للمناعة، وفرت عملية الزرع بقاءً على المدى الطويل للقرود؛ إذ عاش 8 من أصل 15 قردًا تلقوا كلى خنزير معدلة وراثيًّا لمدة 176 يومًا أو أكثر، واستمر قرد واحد لفترة أطول بلغت 758 يومًا بعد عملية زرع الكلى.
أما القرود التي حصلت على كلى الخنازير التي لم تكتسب الجينات البشرية فلم يكن حالها جيدًا تقريبًا؛ إذ عاشت مدةً متوسطها 24 يومًا.
وخلص الباحثون إلى أن هذه النتائج تثبت إمكانية استخدام أعضاء الخنازير في عمليات زرع الأعضاء البشرية في المستقبل، وتقترب هذه التقنية من الاختبارات السريرية.
سر الخنازير
تُعد الخنازير أكثر الحيوانات المانحة الواعدة نظرًا لتوافر التكنولوجيا اللازمة لتعديل الجينوم الخاص بها، وقصر فترة حملها، ونموها السريع إلى حجم متوافق مع الإنسان، والتشابه التشريحي بين أعضائها وأعضاء البشر.
لكن التغلب على رفض جهاز المناعة البشري لأعضاء الخنازير مثَّل تحدِّيًا لأكثر من 40 عامًا، وفي السنوات القليلة الماضية، شجعت تقنية التحرير الجيني (كريسبر/كاس 9) والعلاجات المثبطة للمناعة تجارب البقاء على قيد الحياة باستخدام "الطعوم المغايرة".
يقول محمد محيي الدين، أستاذ الجراحة ومدير برنامج زراعة الأعضاء القلبية بكلية الطب بجامعة ميريلاند، الذي أشرف على عمليتين لزراعة القلب من الخنازير إلى الإنسان: "قمنا بالفعل بعمليتي زرع قلب خنزير في الإنسان، وتحاول هذه المجموعة أن تفعل الشيء ذاته بالنسبة للكلى".
وعن أهمية نتائج الدراسة الجديدة، أوضح "محيي الدين" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" أن "الباحثين استخدموا مزيجًا من التعديلات الجينية والتثبيط المناعي لإطالة عمر الكلى المنقولة من الخنازير مدةً طويلةً من الزمن، وقد تُقنع هذه النتائج إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالسماح بإجراء التجارب السريرية لزراعة الأعضاء".
ويتابع: إذا أصبحت عملية زراعة أعضاء الخنازير في الإنسان أمرًا روتينيًّا، فستكون هناك أعضاء متاحة عند الطلب، لكن هناك خطرًا بعيدًا لانتقال المرض من الحيوان إلى متلقي العضو، وحتى الآن لم يتم التعرف على مثل هذا المرض.
تجارب متواصلة
في سبتمبر الماضي، أعلن فريق في مستشفى "لانجون" التابعة لجامعة نيويورك الأمريكية نجاحه في جعل كلية خنزير معدّل وراثيًّا زرعها في جسم إنسان بحالة موت دماغي تواصل العمل لمدة قياسية بلغت شهرين.
وعمل هؤلاء الباحثون على نوع مختلف من الخنازير المعدلة وراثيًّا، وأجروا 10 تعديلات جينية، بدلًا من 69 تعديلًا أجراها الفريق بالدراسة الحالية، كما أجروا عددًا من عمليات زرع الطعوم المغايرة في السنوات الأخيرة، منها أوّل عملية زرع لكلية خنزير في جسم إنسان في العالم في سبتمبر 2021.
لكن كل تلك التجارب لم تدم سوى لوقت قصير، أما التجربة التي أُجريت هذا الصيف فدامت 61 يومًا فقط.
يقول عادل قرقار عبد الله -أستاذ جراحة المسالك البولية والتناسلية بكلية الطب بجامعة أسيوط- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": التجارب التي أُجريت على البشر المتلقين لأعضاء الخنازير غير مبشرة حتى الآن، والنتائج على المدى البعيد ربما تكون غير مُبشرة أيضًا؛ لأن رفض الجهاز المناعي للإنسان للكلى موجود بنسبة كبيرة.
الشرق الأوسط
تنشط عمليات زراعة الكلى من متوفين في بعض الدول الشرق الأوسط، وأبرزها إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، وفق دراسة نُشرت في 2022.
وخلال عام واحد، أجريت 8772 عملية زرع كلى للمرضى البالغين والأطفال في منطقة الشرق الأوسط، ما يجعل إجمالي معدل زراعة الكلى لكل مليون نسمة سنويًّا 10.9 (يتراوح من 1.2 في اليمن وباكستان إلى 39.7 في تركيا).
ومن بين هذا العدد، كانت 1399 عملية زرع من متبرعين متوفين، وكان لدى إيران أعلى نسبة لزراعة الكلى من متبرعين متوفين بنسبة 64.2% من إجمالي عمليات زرع الكلى.
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.204
تواصل معنا: