مقالات
Interview

محمد ثروت حسن.. روعة التعلم على يد اثنين من حائزي "نوبل"

نشرت بتاريخ 12 أكتوبر 2023

الفيزيائي المصري محمد ثروت حسن لـ"نيتشر ميدل إيست": علمني فيرنيس كراوس أنه لا يوجد مستحيل.. وألهمني أحمد زويل بأن أهتم بالنقاط البحثية الأكثر تأثيرًا في حياة البشر

سمر أشرف

 انضم الدكتور محمد ثروت حسن إلى المجموعة البحثية الخاصة
بالدكتور أحمد زويل في جامعة كالتك

 انضم الدكتور محمد ثروت حسن إلى المجموعة البحثية الخاصة بالدكتور أحمد زويل في جامعة كالتك


Mohammed Tharwat Hassan Enlarge image
ارتبط اسم العالِم المصري محمد ثروت حسن بعلم "الأتوثانية"، وبكونه خليفة العالِم الراحل أحمد زويل، الحاصل على نوبل في الكيمياء عام 1999 لأبحاثه في مجال كيمياء الفيمتوثانية.

عمل "حسن" مدة أربع سنوات في المجموعة البحثية الخاصة بـ"زويل" في جامعة كالتك الأمريكية، وبعد حصول مشرفه في مرحلة الدكتوراة فيرينس كراوس على جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام، أصبح "حسن" العالِم الذي تتلمذ على يد اثنين من الحاصلين على جائزة نوبل.. فكيف بدأت رحلته؟ وماذا تعلم من تلك العقول الفذة؟

تخرج "حسن" في قسم الكيمياء بكلية العلوم في جامعة الفيوم، وحصل على درجة الماجستير من المعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، ونال درجة الدكتوراة في فيزياء الأتوثانية عام 2013 من معهد ماكس بلانك بألمانيا تحت إشراف "فيرينس كراوس"، قبل أن ينضم إلى المجموعة البحثية الخاصة بالدكتور أحمد زويل في جامعة كالتك كباحث ما بعد الدكتوراة.

يعتبر "حسن" نفسه محظوظًا بتعلمه على يد "زويل" و"كراوس"، لكن الحظ وحده لم يكن كافيًا كي يشق طريقه بعد ذلك.

بعد كثير من الجد والاجتهاد، وجد "حسن" مساحته الخاصة بين كبار العلماء بعد أن بدأ العمل أستاذًا في الفيزياء وعلوم الليزر بجامعة أريزونا الأمريكية عام 2017، وأسس مجموعته البحثية هناك، وجعلت منه أبحاثه أحد رواد فيزياء الأتوثانية.

التقت "نيتشر ميدل إيست" العالِم محمد ثروت حسن من أجل مشاركة تجربته وخبراته ونصائحه لشباب العلماء.

بدايةً، هل توضح لنا الفرق بين الفيمتوثانية والأتوثانية؟ ولماذا حصدت الأولى جائزة نوبل في الكيمياء بينما حصدت الثانية جائزة نوبل في الفيزياء؟

كل الأجسام من حولنا تتحرك بمقياس زمني معين، سواءٌ أكانت أجسامًا صغيرة مثل السيارات والقطارات التي تتحرك بمقياس عدد من الكيلومترات في الساعة، وحتى كوكب الأرض الذي يتحرك دورة كاملة حول نفسه كل 24 ساعة، الفيمتوثانية هي مقياس زمني يساوي جزءًا من مليون مليار جزء من الثانية. 

وكلما كان الجسم أصغر، كانت حركته أسرع، فنجد أن الجزيئات تتحرك في سرعة "البيكوثانية" وهي جزء من تريليون جزء من الثانية، أما الذرات داخل الجزيئات فتتحرك بسرعة الفيمتوثانية وهي جزء من مليون مليار جزء من الثانية، ويركز علم الكيمياء على الجزيئات والذرات والتفاعلات بينها، لذلك حصل الدكتور "زويل" على جائزة نوبل في الكيمياء لدراسته علم الفيمتوثانية.

 أما إذا تحركنا بسرعة أكبر ودخلنا داخل الذرة فسنجد جسيمات أصغر تتحرك بسرعة أكبر، وهي الإلكترونات، تتحرك الإلكترونات في زمن الأتوثانية، وهو جزء من مليار مليار جزء من الثانية، وهي سرعة عالية جدًّا تجعل الذرات تبدو وكأنها لا تتحرك مقارنةً بالإلكترونات.

إذًا الفيمتوثانية والأتوثانية هي مقاييس زمنية، تصف الفيمتوثانية حركة الذرات والتفاعلات الكيميائية، أما الأتوثانية فتصف حركة الإلكترونات التي تتحكم في الخواص الفيزيائية للمادة، لذا حصل كلٌّ من بيير أجوستيني، وفيرينس كراوس، وآن لويلييه على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023؛ لدورهم في توليد نبضات ضوئية تُقاس بوحدة الأتوثانية.

هل مهدت أبحاث الدكتور زويل الطريق لأبحاث الأتوثانية؟

تُعتبر أبحاث "زويل" وأبحاث "كراوس" سلسلة متصلًا بعضها ببعض، ولكن ما توصل إليه كلٌّ منهما يمثل اتجاهًا مختلفًا مبنيًّا على تقدم تكنولوجي مختلف، ما توصل إليه "زويل" اعتمد على أبحاث رصد حركة الجزيئات والذرات التي أجراها في أواخر الثمانينيات، ومبني على التقدم التكنولوجي في صناعات الليزر في زمن الفيمتوثانية، بينما كانت بداية التفكير في تطوير ليزر الأتوثانية في عام 1993.

يستهدف
يستهدف "حسن" ارتباط اسمه بتصوير حركة الإلكترونات باستخدام ميكروسكوب الأتوثانية في الزمان والمكان معًا
Mohammed Tharwat Hassan Enlarge image

لتحويل الفيمتوليزر إلى أتوليزر، لا بد من تحويل الفوتونات المكونة للفيمتوليزر إلى فوتونات عالية الطاقة وأصغر في الحجم وسرعتها أكبر بكثير، وهي عملية تُعرف باسم "التوليد التوافقي العالي" (HHG)، التي طورتها العالِمة آن لويلييه.

ويمكن القول إن علم الأتوثانية هو تطوير لتكنولوجيا الفيمتوثانية، فكلما كانت الفوتونات الضوئية أعلى في الطاقة يصبح المدى الزمني الخاص بها أسرع، ومن خلال تضخيم تردد فوتونات الفيمتوليزر وطاقتها نحصل على نبضات ليزر في زمن أقصر وهو الأتوثانية بحيث يمكن استخدامها في رصد الإلكترونات ودراستها.

ما الدور الذي أداه "كراوس" تحديدًا ليستحق الفوز بجائزة "نوبل"؟ وهل أسهمتَ في الأبحاث التي أهلته للحصول على الجائزة في وقت عملك معه؟

حصل العلماء الثلاثة على جائزة نوبل في الفيزياء هذا العام من أجل قدرتهم على التخليق المعملي لنبضات الضوء في زمن الأتوثانية، وهو ما حدث في عام 2001، وذلك بعد أن طورت "لويلييه" التوليد التوافقي العالي، فقد أثبتت أن ليزر الضوء المرئي يمكن تحويله إلى ليزر ذي طاقة أعلى من خلال مضاعفة تردده، ولكن الليزر الذي أنتجته لولييه كان متواصل النبضات التي يجب فصلها كي يتم استخدامها في التجارب البحثية لرصد الإلكترونات؛ حتى لا تختلط الإشارات القادمة من كل إلكترون.

بعد ذلك قام كلٌّ من "أوجستيني" و"كراوس" -بشكل مستقل- بفصل نبضات ليزر الأتوثانية واستخدامها في رصد حركة الإلكترونات، لم يحصل العلماء الثلاثة على جائزة نوبل في ذلك الوقت لأن أهمية اكتشافهم لم تكن واضحةً بما يكفي، وكان لا بد من تطوير ما توصلوا إليه حتى نصل إلى تطبيقات علمية واضحة لإسهاماتهم البحثية.

انضممت إلى مجموعة "كراوس" البحثية في عام 2009، وواصلت العمل على ما توصل إليه من خلال استخدام نبضات الليزر المنفصلة التي طوروها في زمن الأتوثانية ولكن على المواد في صورتها المتعادلة وليس المتأينة؛ فعملية التوليد التوافقي العالي هي عملية معقدة جدًّا وتمكِّننا من متابعة حركة الإلكترونات في شكلها المتأين فقط.

نال حسن

نال حسن" درجة الدكتوراة في فيزياء الأتوثانية تحت إشراف "فيرينس كراوس"


Enlarge image

عندما بدأت العمل مع "كراوس" كان هدفي دراسة حركة الإلكترونات في المادة في صورتها المتعادلة وليس المتأينة، وهو ما توصلت إليه من خلال تحويل ليزر الضوء المرئي في زمن الفيمتوثانية إلى ليزر أتوثانية دون اللجوء إلى التوليد التوافقي العالي، وذلك باستخدام "جهاز التخليق الضوئي" الذي طورته تحت إشراف "كراوس"، مما أتاح العمل على مجالات وتطبيقات بحثية أكثر بشكل غير مسبوق وقتها.

هل ما زلت تعمل مع "كراوس" أم أصبحت تعمل بشكل مستقل مع مجموعتك البحثية في جامعة أريزونا؟

في جامعة أريزونا، بدأت العمل بشكل مستقل واتخذت اتجاهًا بحثيًّا منفصلًا قليلًا عما يعمل عليه "كراوس"، ولكنه يعتبر كل الخريجين من معمله عائلة عالم الأتوثانية، ويحرص على التواصل معنا باستمرار، وقد تواصلت معه منذ شهر تقريبًا وأخبرته بتوقعي حصوله على نوبل.

وأرى أنه ليس من الضروري أن تسير على خطى مشرفك، ولا بد أن تكون لك بصمتك الخاصة وإسهاماتك المميزة في فريقك البحثي من خلال ما تعلمته، من الحماقة أن تقرر منافسة مشرفك في مساحة تميُّزه، بل يجب أن تجد مساحةً تتميز فيها.

لماذا توقعت حصول "كراوس" على نوبل في الفيزياء لهذا العام؟

تذهب الجائزة كل عام إلى مجال مختلف، وكل خمسة أعوام تذهب إلى المجال نفسه، وهذا العام هو العام المتوقع فيه أن تكون الجائزة في علم البصريات، لذا توقعت حصوله على جائزة هذا العام، حتى إنني حضَّرت رسالة بريد إلكتروني لتهنئته قبل إعلان الجائزة بعدة ساعات.

ما أحدث الإنجازات التي توصل إليها فريقك البحثي في مجال الأتوثانية؟

منذ تأسيس فريقي البحثي، استهدفت ارتباط اسمي بتصوير حركة الإلكترونات باستخدام ميكروسكوب الأتوثانية في الزمان والمكان معًا؛ إذ سيساعد ذلك على إيجاد تطبيقات أخرى لعلم الأتوثانية، سواء في مجال الكيمياء أو الهندسة أو علوم المواد.

وبشكل شخصي، أرغب في التركيز على التطبيقات في مجال الكيمياء والأحياء؛ لأنني أعتقد أن هذين الاتجاهين يمكن أن يكون لهما تأثير كبير في حياة الناس، وأحدث ما توصلنا إليه هو رصد حركة الإلكترونات في مادة الجرافين، ولا يزال البحث قيد النشر. 

كيف ترى مستقبل فيزياء الأتوثانية؟

هناك عدة اتجاهات تطبيقية لعلم الأتوثانية، وأتوقع أن يحصد ذلك العلم جائزة نوبل أخرى خلال عشر سنوات من أجل تطبيقاته، وتشمل التطبيقات الكيميائية تطوير البطاريات والخلايا الشمسية بشكل صديق للبيئة.

وتشمل التطبيقات البيولوجية التحكم في حركة الإلكترونات داخل الجزيئات البيولوجية، ما قد يمكِّننا من تطوير أدوية جديدة، وكذلك التحكم في حركة الإلكترونات داخل الأنظمة البيولوجية، ومن خلاله قد نتمكن في غضون سنوات قليلة من تطوير أجهزة طبية مصنوعة من ألياف حيوية تُزرع داخل الجسم لتنظيم نبضات القلب على سبيل المثال.

ويمكن استخدام بكتيريا الكابل، وهي بكتيريا خيطية تقوم بتوصيل الكهرباء من خلال نقل الإلكترونات لمسافات طويلة ودراسة حركة الإلكترونات بداخلها، من أجل محاولة تطوير إلكترونيات بيولوجية، كما يمكن تصنيع أسلاك نانوية من الحمض النووي ودراسة حركة الإلكترونات فيها من أجل تطوير أجهزة الحمض النووي.

ما الذي تعلمته من "زويل" و"كراوس"؟

التتلمذ على يد أساتذة حاصلين على نوبل ميزة كبيرة تتيح لك التعلم من أفضل العقول، علمني "كراوس" أنه لا يوجد مستحيل، وأن أطور الأدوات البحثية التي تمكِّنني من الوصول إلى اكتشافات علمية جديدة، وألا أجعل سقف طموحي مقتصرًا على ما هو متاح فقط، وعلمني "زويل" أن تكون لديَّ رؤية مستقبلية لتحديد النقاط البحثية التي من الممكن أن يكون لها تطبيقات مهمة وتأثير قوي على حياة الناس.

ما العوامل التي يمكن أن يختار صغار الباحثين مشرفيهم على أساسها؟ وهل الأبحاث المنشورة للمشرف كافية لتقييمه؟

هناك عدة عوامل يمكن الاختيار على أساسها؛ فالنشر العلمي مهم، ولكنه ليس العامل الوحيد، يمكن أن تبحث عن الطلاب السابقين لهذا المشرف، وما الذي تعلموه في معمله، وأين أصبحوا، وهل تطوروا وصاروا أسماء معروفة في المجال نفسه أم لا، الخطط البحثية الخاصة بالمشرف، وتوافقها مع ميولك وأهدافك، وكيف ستستفيد من مجموعته البحثية، هي معيار مهم كذلك.

أنصح الباحثين بالحرص في اختيار مشرفيهم؛ لأن العلاقة بين المشرف والباحث -خاصة في مرحلة الدكتوراة- تؤثر في مسار الباحث تأثيرًا كبيرًا، ويجب أن يقتنص الباحثون الفرص، وألا يسعوا للحصول على درجة علمية أو شهادة معينة فحسب، بل يجب أن يكون سعيهم إلى التعلم واكتساب المهارات البحثية بشكل أساسي.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.201