مقالات

النوموفوبيا.. وباء جديد يتحكم في الطلاب العرب

نشرت بتاريخ 21 سبتمبر 2023

يعتمد طلاب الجامعات في الدول العربية اعتمادًا كبيرًا على الهاتف المحمول.. و70٪ منهم يشعرون بالغضب حين يستيقظون في الصباح ولا يستطيعون تحديد مكان هواتفهم

محمد منصور

النوموفوبيا هو الخوف غير العقلاني من الانفصال عن الهاتف الذكي أو الجهاز المحمول

النوموفوبيا هو الخوف غير العقلاني من الانفصال عن الهاتف الذكي أو الجهاز المحمول


Getty Images

Enlarge image
في عصر تهيمن عليه الهواتف الذكية والاتصال المستمر، ظهر "رهاب فقدان الهاتف المحمول" (النوموفوبيا)، الذي بات بلاءً جديدًا يمثل علامةً فارقةً في عصرنا.

 

وتؤثر تلك الحالة المستمدة من "رهاب عدم استخدام الهاتف المحمول" على عدد متزايد من الأشخاص الذين يخشون البقاء من دون أجهزتهم المحمولة؛ إذ أصبحت تلك المشكلة فائقة التدمير للحياة اليومية.

 

و"النوموفوبيا" هو الخوف غير العقلاني من الانفصال عن الهاتف الذكي أو الجهاز المحمول، وهو أكثر من مجرد كلمة طنانة جذابة، فهي حالة نفسية تتميز بأعراض مثل القلق والذعر والضيق عندما يكون الشخص غير قادر على استخدام هاتفه أو حتى عندما يعتقد أنه فقده، وقد تمت صياغة هذا المصطلح لأول مرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أصبحت الهواتف المحمولة مدمجةً على نحوٍ متزايد في روتيننا اليومي.

 

ولا يُعد صعود اضطراب "النوموفوبيا" مفاجئًا في عالم اليوم؛ إذ أصبحت الهواتف الذكية امتدادًا لأنفسنا، فتلك الأجهزة لم تعد مخصصةً للاتصالات فقط، فهي بمنزلة المنبهات والتقويمات والكاميرات وأدوات الترفيه لدينا، بعد أن أتاحت لنا إمكانية الوصول الفوري إلى المعلومات والشبكات الاجتماعية، مما يجعلنا نشعر بالتواصل والتحكم.

 

الوطن العربي

 

والآن، ووفق دراسة نفذها فريق بحثي عربي، فقد أصبحت ظاهرة "النوموفوبيا" شائعةً في الوطن العربي بعد أن رصد الباحثون وجود اعتمادية كبيرة على الهاتف المحمول بشكل شائع بين طلاب الجامعات في الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط.

 

وأشارت معظم الدراسات إلى أن انتشار ذلك المرض يحدث بشكل رئيسي بين الشباب، ولذلك، استهدفت هذه الدراسة تقييم مدى انتشار "النوموفوبيا" بين طلاب الجامعات في خمس دول في الشرق الأوسط.

 

شارك في هذه الدراسة 5720 طالبًا جامعيًّا، منهم 2813 طالبًا من الجامعات المصرية، و1509 طلاب من المملكة العربية السعودية، و766 طالبًا من الأردن، و432 طالبًا من لبنان، و200 طالب من البحرين، وكان متوسط الوقت اليومي المقدر الذي يقضيه المستخدمون في استخدام الهاتف المحمول هو 186.4 دقيقة.

 

وأعد الباحثون استبانةً مكونةً من 20 سؤالًا استهدفت تقديم معلومات حول أنماط استخدام الهاتف المحمول؛ إذ ركزت الأسئلة الثلاثة الأولى على طول الوقت الذي يقضيه المستخدم على الهواتف المحمولة على مدار السنة، ومتوسط مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدم على الهواتف المحمولة كل يوم، والغرض من الاستخدام.

 

وصُممت الأسئلة الأخرى وفق "التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات المتعلقة بالصحة-10" (ICD-10) بهدف رصد الرغبة الشديدة التي تجتاح المشاركين فيما يتعلق باستخدام الهواتف المحمولة، وضعف قدرتهم على التحكم في تلك الرغبة، ومدى شعورهم بالميل إلى الانسحاب، وانخفاض المتعة، والاستخدام الضار للهواتف المحمولة.

 

وقد لوحظت أعلى درجة اعتماد على الهاتف المحمول لدى طلاب الجامعات من مصر، وأدنى درجة اعتماد على الهاتف المحمول لدى طلاب الجامعات من لبنان.

 

وكانت معايير الاعتماد الأكثر شيوعًا عبر عينة الدراسة هي ضعف التحكم (55.6٪)، وكان المعيار الأقل شيوعًا هو الاستخدام الضار (25.1٪)، وكانت الإناث، وأولئك الذين أبلغوا عن تعرضهم لمشكلة القلق أو استخدام علاج للقلق، أكثر تعرضًا لخطر تطوير الاعتماد على الهاتف المحمول بنسبة 15% و75% على التوالي.

 

تأثير الجنس والعمر

 

يقول عبد الله ناصر، أستاذ الصيدلة الإكلينيكية المساعد في جامعة "الإسراء" الأردنية، المؤلف الأول للدراسة: كان هناك اختلاف إحصائي واضح بناءً على الجنس؛ إذ إن الإناث أكثر تعرضًا لذلك النوع من الإدمان، كما أن صغار السن لديهم درجة أكبر من الاعتمادية، كما يختلف التأثير تبعًا للتخصص الجامعي؛ إذ ترتفع نسبة الإصابة برهاب فقدان الهاتف المحمول بين طلاب التخصصات غير الطبية.

 

ورغم أن الدراسة لم تتطرق إلى مدى تأثر الأداء الأكاديمي بتلك الظاهرة، إلا أن "ناصر" يقول في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إنه "من المتوقع أن يؤدي ذلك النوع من الرهاب إلى تفاقُم مشكلات الصحة العقلية الحالية للطلبة".

 

وبالنسبة لمعدل استخدام الأجهزة الخلوية اليومي بين الطلاب –أي الوقت الذي يقضيه الطالب وهو يتفحص هاتفه المحمول- فقد تعدى 3 ساعات يوميًّا.

 

يقول "ناصر": كان أعلى معدل للاستخدام بين طلاب دولة البحرين بعدد 4 ساعات تقريبًا، في حين كان أقل معدل للاستخدام بين طلاب مصر بعدد ساعتين و40 دقيقة تقريبًا.

 

عواقب سلبية

 

يمكن أن تؤدي "النوموفوبيا" إلى عواقب سلبية على الصحة العقلية والعلاقات والإنتاجية؛ فغالبًا ما يؤدي الاستخدام المفرط للهاتف إلى اضطراب أنماط النوم، وانخفاض التفاعلات الاجتماعية وجهًا لوجه، وانخفاض الإنتاجية في العمل أو المدرسة، وفق الدراسة.

 

أما أحد الجوانب الأكثر إثارةً للقلق في "النوموفوبيا" فهو احتمال وقوع حوادث بسبب استخدام الهاتف المشتت؛ فعلى سبيل المثال، أصبحت الرسائل النصية في أثناء القيادة سببًا رئيسيًّا للحوادث على الطريق.

 

وفي عام 2021، كان هناك 5.2 مليارات مستخدم فريد للهواتف الذكية، وهو ما يمثل نسبةً مثيرةً للقلق تبلغ 66.6% من سكان العالم، ومن بين هذا العدد، كان هناك 4.66 مليارات مستخدم للإنترنت يمثلون 59.5% من سكان العالم، و53.6% من سكان العالم مستخدمون نشطون لوسائل التواصل الاجتماعي.

 

وفي الشرق الأوسط، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في السعودية 95.7% (عدد السكان 35.08 مليونًا)، و99% في البحرين (عدد السكان 1.72 مليون)، و78.2% في لبنان (عدد السكان 6.8 ملايين)، و57.3% في مصر (عدد السكان 103.3 ملايين)، و66.8% الأردن (عدد السكان 10.24 ملايين)، وفق تقديرات الدراسة.

 

وبلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي النشطين 79.3% و87% و64.3% و47.4% و61.5% من السكان في المملكة العربية السعودية والبحرين ولبنان ومصر والأردن على التوالي.

 

قضية صحية عامة

 

تقول الدراسة إن "رهاب النوموفوبيا يجب أن يصبح قضيةً صحيةً عامةً تستحق التعاون"، مضيفةً أنه "بالمقارنة بالأرقام العالمية، باستثناء مصر، فإن نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي النشطين تجاوزت الأرقام العالمية، ومن ثم فإن نسبة 24.2% من المستخدمين الذين يعانون من رهاب النوموفوبيا أمرٌ مثيرٌ للقلق".

 

أُجريت الدراسة في الفترة بين سبتمبر 2021 ويناير 2022 بجامعات في الأردن ولبنان ومصر والبحرين والمملكة العربية السعودية باستخدام استبانة ورقية وإلكترونية، وكان المشاركون في الدراسة طلابًا جامعيين من أي مجال دراسي وعلى أي مستوى، وأبدوا استعدادًا للمشاركة الطوعية.

 

ولم يتم جمع المعلومات الشخصية للمشاركين في الدراسة، بل تم جمع معلومات ديموجرافية وسؤال المشاركين عن أنماط استخدامهم للهواتف المحمولة.

 

وأكد معظم الطلاب أن استخدام الهاتف المحمول يساعدهم في التغلب على الحالة المزاجية السيئة (مثل الشعور بالنقص والعجز والشعور بالذنب والقلق والاكتئاب وما إلى ذلك)، كما أكدوا أيضًا أنهم يشعرون بالغضب في الصباح إذا لم يتمكنوا من تحديد موقع هاتفهم المحمول، وينزعجون أو يصرخون إذا طلب منهم أحد التقليل من استخدام الهاتف المحمول.

 

المزاج السيئ

 

قال نحو 77٪ من الطلاب إنهم يفقدون الاحساس بالوقت حين يبدأون في الاستماع للموسيقى أو مشاهدة الأفلام على هواتفهم النقالة، وقال نحو 70٪ منهم إنهم يشعرون بالغضب حين يستيقظون في الصباح ولا يستطيعون تحديد مكان هواتفهم.

 

وذكر نحو 55.5٪ من الطلاب أن هواتفهم المحمولة تساعدهم على تخطي المزاج السيئ؛ في حين أكد نحو 50٪ منهم أنهم لا يستطيعون التوقف عن استخدام هواتفهم المحمولة، وأكد حوالي 47٪ منهم أنهم يتوقعون أن استخدام الهاتف المحمول أصبح إدمانًا، بينما قال 46٪ منهم إنهم يُعيدون الاتصال بالأشخاص الذين اتصلوا بهم ولم يُجيبوا.

 

وأشار 40٪ من الطلاب إلى أن استخدام الهاتف المحمول قلل من عدد مقابلات الأشخاص وجهًا لوجه، وقال نحو 39٪ منهم إن استخدام الهواتف المحمولة انعكس سلبًا على علاقاتهم الاجتماعية، بينما ذكر 34٪ منهم أنهم يشعرون بالغضب حين يُحاولون تقليل استخدامهم للهواتف المحمولة.

 

والبشر اجتماعيون بطبيعتهم، والعلاقات الشخصية ضرورية لصحتهم، وقد يكون للعيش في عالم افتراضي آثاره في عدة جوانب؛ فقد وثقت العديد من الدراسات الآثار السلبية للاستخدام المفرط للهواتف الذكية على مجموعة متنوعة من العوامل الصحية، بما في ذلك اضطراب النوم والقلق والاكتئاب والتغيرات في تنظيم الجينات والصداع والاضطرابات السمعية والبصرية، والإرهاق، وفقدان الذاكرة، والمشكلات السلوكية، ونقص الانتباه.

 

من جهتها، تقول "أليسا سايفو" -الباحثة في قسم علم النفس بجامعة "ريرسون" الكندية، وغير المشاركة في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن الهواتف الذكية تُعد بلا شك جزءًا مهمًّا من الحياة العصرية، إلا أنه من الضروري إيجاد توازُن بين البقاء على اتصال وقطع الاتصال من وقت إلى آخر، لقد أصبحت النوموفوبيا علامةً على أننا بحاجة إلى إعادة تقييم علاقتنا بالتكنولوجيا وإعطاء الأولوية لرفاهيتنا.

 

تضيف "سايفو": النوموفوبيا وباء حديث يؤثر على الملايين في جميع أنحاء العالم، وبينما نواصل التنقل في العصر الرقمي، من المهم أن نكون على دراية بتأثيره وأن نتخذ الخطوات اللازمة للتأكد من أن هواتفنا تعمل على تحسين حياتنا بدلًا من التحكم فيها.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.176