أخبار

تصميم "فيسبوك" يعرقل جهود مكافحة المعلومات المغلوطة

نشرت بتاريخ 17 سبتمبر 2023

تتبَّع الباحثون انتشار المعلومات المغلوطة حول لقاحات "كوفيد-19".. وأكدوا ضرورة تطوير بنية "فيسبوك" لمساعدة المستخدمين في العثور على المعلومات الصحيحة

محمد السيد علي

بذلت إدارة فيسبوك جهودًا كبيرةً لإزالة كثير من المحتوى المضاد للقاحات خلال
جائحة كوفيد-19

بذلت إدارة فيسبوك جهودًا كبيرةً لإزالة كثير من المحتوى المضاد للقاحات خلال جائحة كوفيد-19


Public Domain Enlarge image
مع انتشار المعلومات الخطأ عبر الإنترنت خلال جائحة "كوفيد-19"، أعلن عددٌ من منصات التواصل الاجتماعي عن سياسات وممارسات استهدفت مكافحة انتشار المعلومات المغلوطة، فهل نجحت تلك الجهود؟

في محاولة للإجابة عن السؤال السابق، كشفت دراسة نشرتها دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) أن "سياسات التضليل بشأن لقاح "كوفيد-19" التي تتبعها فيسبوك -أكبر منصة للتواصل الاجتماعي في العالم- لم تكن فعالةً في مكافحة المعلومات الخطأ".

وأوضحت الدراسة أن "جهود فيسبوك تم تقويضها بسبب خصائص التصميم الأساسية للمنصة"، مشيرةً إلى أنه "تم تصميم فيسبوك لبناء مجتمعات تتمحور حول الأشياء التي يهتم بها الأشخاص، ولعمل ذلك، تستخدم المنصة العديد من الخصائص المختلفة، بما في ذلك صفحات المعجبين التي تروِّج للعلامات التجارية ومشاهير المجتمع، مما يمكّن مجموعةً صغيرةً نسبيًّا من المؤثرين من الوصول إلى جماهير كبيرة".

يقول الباحثون: يمكن لهؤلاء المؤثرين تشكيل مجموعات مصممة بشكل واضح لبناء مجتمعات تتبادل المعلومات فيما بينها، بما في ذلك كيفية الوصول إلى المعلومات الخطأ أو أي محتوى آخر خارج المنصة، كما يمكن لأعضاء المجموعة -وخاصةً مسؤولي المجموعة (الذين غالبًا ما يكونون منشئي محتوى الصفحة)- الاستفادة من خوارزميات ملف الأخبار على فيسبوك للتأكد من أن هذه المعلومات متاحة لمَن يهتمون برؤيتها.

ووجد الباحثون أنه على الرغم من أن إدارة فيسبوك بذلت جهودًا كبيرةً لإزالة الكثير من المحتوى المضاد للقاحات خلال جائحة "كوفيد-19"، إلا أن التفاعُل العام مع هذا المحتوى الخطأ لم ينخفض عن الاتجاهات السابقة، بل زاد في بعض الحالات.

والمعلومات المغلوطة (Misinformation) هي معلومات خطأ أو غير دقيقة، أي فهم الحقائق على نحوٍ خطأ، أما المعلومات المضللة (Disinformation)، فهي معلومات كاذبة تستهدف تحريف الحقائق عمدًا بنية تضليل الرأي العام.

يقول ديفيد بروناتوفسكي، الأستاذ المشارك في الإدارة الهندسية وهندسة النظم في جامعة جورج واشنطن، وقائد فريق البحث: "تعمل المعلومات الخطأ عبر الإنترنت على تعزيز عدم الثقة بالعلوم، وتقويض الصحة العامة، وخلال جائحة كورونا، بدأت منصة فيسبوك في إزالة المعلومات الخطأ عن اللقاحات، واستهدف بحثنا تقييم مدى فاعلية هذه السياسات".

يضيف "بروناتوفسكي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تشير نتائجنا إلى أن سياسات فيسبوك ربما تكون قد خفّضت عدد المنشورات المضادة للقاحات، ولكنها لم تؤدِّ إلى انخفاض مستدام في التفاعل مع المحتوى المضاد للقاحات، ويبدو أن نسب المعلومات الخطأ داخل المنصة وخارجها زادت.

وتابع: يبدو أن مسؤولي الصفحات المناهضة للقاحات ركزوا بشكل خاص على الترويج للمحتوى الذي تجاوز تحديثات سياسات الإشراف على فيسبوك، وكانت النسبة الأكبر للزيادات مرتبطةً بموضوعات تَنسب -على نحوٍ خطأ- الأحداث السلبية الشديدة والوفيات إلى لقاحات "كوفيد-19".

ويحذر الباحثون من أن "المعلومات الخطأ عبر الإنترنت تُضعف الثقة بالأدلة العلمية والتوصيات الطبية، وتؤدي إلى تعثر جهود الصحة العامة"، مضيفةً أن "المعلومات الخطأ التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى إثارة قلق واسع النطاق تجاه جائحة كوفيد-19، وإلى انخفاض معدلات تلقِّي اللقاحات، ومثلت ضغوطًا كبيرةً على صناع القرار ومسؤولي قطاعات الصحة".

درس الباحثون 300 ألف منشور احتوت على كلمات مثل "لقاح" و"تلقيح" و"لقاحات"، فضلًا عن تتبُّع تداعيات إطلاق أداة "كراود تانجل" (CrowdTangle) التي استهدفت متابعة ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحليله ومساعدة مدققي الحقائق على رصد المنشورات التي تحتوي على معلومات مغلوطة.

يقول الباحثون: بالرغم من الحلول اللينة التي اتخذتها وسائل التواصل الاجتماعي مثل التحذيرات التي أطلقتها منصات "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب" للحد من انتشار المعلومات الخطأ، إلا أنها واصلت انتشارها على نطاق واسع عبر الإنترنت، ما يدفع العديد إلى التشكيك في فاعلية هذه التدخلات في ظل تزايُد إقبال المستخدمين على مشاهدة المحتوى الذي يحظى بتفاعلات كبيرة ومشاركته، ولذلك، فإننا لا نعدُّ سياسات فيسبوك فعالة إلا إذا أدت إلى تقليل التفاعل مع المحتوى المضاد للقاحات مقارنةً باتجاهات ما قبل اتباع مثل هذه السياسات.

يقول "بروناتوفسكي": يمكن تشبيه بنية "فيسبوك بتصميم مبنى المطار على سبيل المثال؛ إذ يتم تصميم المطار لنقل الأشخاص من البوابات وإليها بسهولة وأمان، وإذا لم تكن هذه المباني مصممةً لتحقيق التوازن بين السفر والترفيه والسلامة والأمن، فقد يتعرض المسافرون للأذى بشكل روتيني.

ويتابع: إذا فكرنا في بنية فيسبوك بالطريقة نفسها فسنجد أن تصميم فيسبوك يتيح للأشخاص بناء مجتمعات تتيح تبادل المعلومات بسهولة حول أي موضوع، لكن هذه البنية هيأت للأفراد –في الوقت ذاته- فرصة العثور على المحتوى المضاد للقاحات ومشاركته (عن طريق التعليقات والإعجابات وردود الفعل العاطفية مثل الحزن والحب والغضب وما إلى ذلك)، ما يستوجب البحث عن سبل لتغيير تلك البنية من أجل تحقيق توازن بين حق مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول إلى المعلومات وتجنب نشر المعلومات الخطأ.

ويرى "بروناتوفسكي" أن مصممي منصات وسائل التواصل الاجتماعي قادرون على تعزيز الصحة والسلامة العامة من خلال العمل بشكل تعاوني من أجل تطوير مجموعة من "قواعد البناء" لمنصاتهم التي تسترشد بالأدلة العلمية، ومساعدة مستخدمي فيسبوك على التواصل بشأن الاهتمامات المشتركة والعثور على المعلومات الصحيحة وتجنب المعلومات الخطأ.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.172