مقالات

إعصار"دانيال" لن يكون الأخير

نشرت بتاريخ 14 سبتمبر 2023

الفيضانات تطارد "درنة" حتى النهاية وتهدد أرضها بـ"التصحر" ومواقعها الأثرية بـ"الضياع"

هاني زايد

توصيات بتقدير عمق الجريان السطحي وما قد يسببه من فيضانات
محتملة

توصيات بتقدير عمق الجريان السطحي وما قد يسببه من فيضانات محتملة


AFP via Getty Images Enlarge image
على مدى 82 عامًا، تعرضت مدينة "درنة" -الواقعة على بُعد 800 كيلومتر من العاصمة الليبية "طرابلس"- لخمسة فيضانات، أخطرها فيضان عام 1986، الذي ألحق أضرارًا كبيرة بالمنشآت الهيدروليكية القائمة المتمثلة في سدي "بومنصور" و"البلاد".

لكن الكارثة التي تعرضت لها المدينة من جرَّاء إعصار "دانيال" ليلة الإثنين 11 سبتمبر الجاري كانت الأسوأ؛ إذ خلَّفت وراءها آلاف القتلى والمفقودين، فضلًا عن اختفاء أحياء كاملة من تلك المدينة الواقعة على سواحل البحر المتوسط والتي طالما عُرفت بـ"لؤلؤة برقة".

تحذيرات متتالية

على الرغم من حجم الدمار الذي خلَّفه إعصار "دانيال"، إلا أنه لم يكن مفاجئًا في ظل التحذيرات المتتالية من خطورة الفيضانات المتكررة على وادي مدينة درنة؛ إذ حذرت دراسة أجراها "عبد الونيس عاشور" -أستاذ علم المياه في جامعة عمر المختار- من أن "منطقة وادي درنة معرضة لمخاطر الفيضانات، ما يستوجب اتخاذ إجراءات لصيانة السدود القائمة؛ لأن النتيجة ستكون كارثيةً على سكان وادي درنة والمدينة بأكملها في حالة حدوث فيضان ضخم، وكذلك إيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي بحيث لا يكون ضعيفًا وحتى لا يسمح للتربة بالانجراف، بما يضمن الحد من ظاهرة التصحر".

وأكدت الدراسة خطورة الوضع في حوض وادي درنة، مؤكدةً أنه "لو تكرر فيضان عام 1959 بالحجم نفسه فقد يتسبب في انهيار أحد السدين (بومنصور والبلاد)، مما يجعل سكان الوادي ومدينة درنة عرضةً لخطر الفيضان بصورة كبيرة، إضافةً إلى الآثار الأخرى التي تسببها الفيضانات والمتمثلة في انجراف كميات كبيرة من التربة، مما يقلل من سماكتها مع مرور الزمن ويجعلها غير صالحة لنمو النباتات، ويعرض المنطقة لخطر للتصحر".

الجريان السطحي

يُعد هطول الأمطار والجريان السطحي مكونًا هيدرولوجيًّا مهمًّا في تقييم الموارد المائية، وتتوافر العديد من الطرق لتقدير الجريان السطحي الناتج عن هطول الأمطار، لكن طريقة SCS-CN هي الطريقة الأكثر شيوعًا والأكثر استخدامًا، وهو النهج الذي استُخدم في الدراسة لتقدير حجم الجريان السطحي لحوض وادي درنة، كما جرت معالجة خرائط التربة وتصنيفها إلى مجموعات تربة هيدرولوجية.

ويُعتبر الجريان السطحي نتيجة تساقط الأمطار من المكونات الهيدرولوجية المهمة في تقييم الموارد المائية، ويُقصد به "مجموعة الأودية والسيول والمجاري المائية سواء الدائمة منها أو الموسمية، ويعتمد الجريان السطحي على عدة عوامل، منها التضاريس، وكمية الأمطار الساقطة، والتربة، والغطاء النباتي، وطبيعة التكوينات الجيولوجية للمنطقة".

وتتوافر العديد من الطرق لتقدير الجريان السطحي من الأمطار، ومع ذلك تظل طريقة حفظ الترب الأمريكية SCS-CN وصيانتها الأكثر شيوعًا واستخدامًا لتقدير حجم الجريان، وتتعامل مع متغيرات عديدة، منها استعمالات الأرض ونوعية التربة وکمية الأمطار المتساقطة، وتم تطبيق هذا النهج بالتكامل مع نظم المعلومات الجغرافية لتقدير حجم الجريان السطحي لحوض وادي درنة، وفق الدراسة التي نشرتها مجلة "جورنال أوف بيور آند أبلايد ساينسس" (JOPAS) العام الماضي 2022.

40 عامًا من الرصد

ووفق الدراسة، تمت معالجة خرائط التربة وتصنيفها إلى مجموعات ترب، وتم تقدير متوسط حجم الجريان السطحي السنوي في منطقة الدراسة لمدة 40 سنة خلال الفترة من عام 1960 وحتى عام 2000، بـ138.51 مليون متر مكعب، كما تم تقدير حجم الجريان السطحي لعاصفتين مطريتين بناءً على فيضان أكتوبر من عام 1945، وأواخر نوفمبر من عام 1986؛ إذ بلغ متوسط هطول الأمطار 145.7 و64.14 ملم على التوالي، وتبيَّن من الحسابات أن حجم الجريان السطحي المتشكل في أثناء فيضان عام 1945 بلغ 53.36 مليون متر مكعب، بما يمثل 40% من حجم الجريان السنوي، بينما بلغ فيضان نوفمبر 1986 حوالي 14.8 مليون متر مكعب من المياه، وهي قيمة مقاربة لما تم تسجيله من قِبل الهيئة العامة للمياه آنذاك.

وأوصت الدراسة بأهمية تقدير عمق الجريان السطحي وما قد يسببه من فيضانات محتملة، مؤكدةً أن ذلك من أهم الأسباب التي يمكن أن تقلل من هذه المخاطر والتي أدت إلى تصميم وإنشاء سدين من النوع الركامي في حوض وادي درنة أوائل السبعينيات في القرن الماضي، الأول سد "بومنصور" بسعة 22.5 مليون متر مكعب، والثاني سد "البلاد" بسعة تخزينية 1.5 مليون متر مكعب.

المواقع الأثرية

لا تتوقف المخاطر التي تتعرض لها المدن الممتدة على طول الساحل الليبي عند حدود "الأرض" و"البشر" في وقتنا الحالي، بل تمتد ضاربةً في عمق التاريخ ذاته؛ إذ حذرت دراسة نشرتها دورية "بلوس وان" في إبريل الماضي من أن "زيادة تآكل الساحل في برقة تهدد المواقع الأثرية بالتلف أو الضياع".

آثار التآكل
في الوقت الحاضر في أبولونيا

آثار التآكل في الوقت الحاضر في أبولونيا


Westley et al., 2023, PLOS ONE, CC-BY 4.0 (https://creativecommons.org/licenses/by/4.0/)

Enlarge image

وأوضحت الدراسة، التي أجراها فريق بحثي بجامعة "ألستر" في المملكة المتحدة، أن "الساحل الشرقي في ليبيا -والذي يمتد من خليج سرت إلى الحدود الحالية بين ليبيا ومصر- لديه تاريخ طويل من الاحتلال البشري، مما يجعله مضيفًا للعديد من المواقع الأثرية المهمة، وغالبًا ما يتم تجاهُلها في الدراسات، ومع ذلك، يتعرض الساحل أيضًا لمعدلات عالية من التآكل، مما يهدد بتلف العديد من هذه المواقع المهمة أو حتى اختفائها".

وحدد الباحثون تآكلًا واسعًا للشاطئ بالقرب من مواقع أبولونيا وبطليموس وتوكرة، بالإضافة إلى زيادة معدلات التآكل في السنوات الأخيرة، والتي ربما تكون مرتبطةً بأنشطة بشرية مثل تعدين الرمال والتعمير.

وتشير النتائج إلى أن "معدلات تآكل الساحل الحالية تمثل بالفعل مشكلةً كبيرةً لهذه المواقع، ومن المتوقع أن تزداد في المستقبل مع المزيد من الأنشطة البشرية وارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة التغيرات المناخية، مما يضع هذه المواقع في خطر التلف التدريجي وفقدان المعلومات التاريخية الثمينة".

ويوصي الباحثون بـ"ضرورة وجود خطط لتخفيف تأثير هذه المشكلة؛ لحماية هذه المواقع، بالإضافة إلى زيادة الوعي بالعوامل التي تؤدي إلى تفاقُم تآكُل الساحل".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.171