أخبار

البصمة الكربونية للأنشطة العلمية: كيف يمكن خفض الانبعاثات الناتجة عن الدراسات الصحية؟

نشرت بتاريخ 19 سبتمبر 2023

مؤسسة «ويلكم» تحدد أكثر من 140 مبادرة يمكن الأخذ بها لجعل البحث العلمي في المجالات الصحية أكثر استدامة، وأخفَّ وطأةً على البيئة.

لي لي توزر

مختبرات كثيرة تنتج كميات كبيرة من المخلفات
البلاستيكية التي تُستخدم مرة واحدة
مختبرات كثيرة تنتج كميات كبيرة من المخلفات البلاستيكية التي تُستخدم مرة واحدة
Ore Huiying/Bloomberg via Getty Enlarge image
تنفيذ سلسلة من الممارسات المستدامة في مجال الدراسات الصحية من شأنه أن يسهم في تقليل البصمة الكربونية الثقيلة للأنشطة العلمية – هذا ما انتهى إليه تقرير صادر بتكليف من مؤسسة تمويل الأبحاث الصحية «ويلكم» Wellcome.

بات جليًّا أن الأزمة المناخية تمثل خطرًا متناميًا على صحة البشر. ومع ذلك، نجد أن الأبحاث الصحية نفسها تسهم في هذه الأزمة، وتزيدها استفحالًا، من خلال ما تستهلكه من وقود، وما تنتجه من مخلفات. كانت دراسة1، منشورة في عام 2011، قد قدَّرت كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تجربة إكلينيكية واحدة بنحو 180 طنًّا في العام الواحد، ما يعادل كمية الغاز المنبعثة من أنشطة 35 شخصًا مقيمًا في المملكة المتحدة في العام. ويُعد التبريد في المختبرات، وتخزين العينات في درجات حرارة منخفضة، من أكثر الأغراض استهلاكًا للوقود في هذا المجال؛ ذلك أن الدراسات الصحية عادةً ما تتطلب حفظ المواد لفترات طويلة في برَّادات وثلاجات. ومشكلة ثانية، هي مشكلة المخلفات البلاستيكية: تشير التقديرات إلى أن مختبرات الأبحاث حول العالم أنتجت في عام 2015 نحو 5.5 مليون طن من المخلفات البلاستيكية، ما يمثل حوالي 2% من النفايات البلاستيكية إجمالًا.

تقول تاليا كابلان، مديرة الأبحاث بمؤسسة «ويلكم» في لندن: "يبدو أننا قد تساهلنا مع كثير من الممارسات في مجالي الرعاية الصحية والأبحاث الصحية تحت ذريعة الحفاظ على صحة الناس".

يقدِّم تقرير «ويلكم»، الصادر في الثاني من أغسطس الجاري، حصرًا للمساعي التي يبذلها الباحثون المتخصصون في المجالات الصحية حول العالم، في محاولةٍ لخفض استهلاك الوقود، وتقليل حجم المخلفات. وقد حدَّد التقرير مجموعةً من مبادرات الاستدامة، عددها 146 مبادرة، وقسَّمها إلى ثماني فئات، منها الشبكات المهنية، والحملات، وأدوات القياس، وبرامج الاعتماد.

من الأمثلة على ذلك، جمعية «فيوتشر إيرث» Future Earth، وهي شبكة تضم باحثين من شتى أنحاء العالم، تهدف إلى تشجيع الجهود الرامية إلى تحقيق الاستدامة، عن طريق إطلاق المبادرات، والتعاون مع مؤسسات التمويل، ورفع الوعي في أوساط الباحثين. ومثالٌ ثان، هو «برنامج تقييم كفاءة المختبرات» (LEAF)، الذي يكافئ المختبرات المشارِكة بشهادات ذهبية أو فضية أو برونزية حسب تقييم مستوى الاستدامة الذي يحققه المختبر. وعلى مدار عامين من التجربة، نجح البرنامج في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 23 مختبرًا بالمملكة المتحدة وأيرلندا بواقع 648 طنًّا. وقد وصل عدد المؤسسات التي يتعامل معها البرنامج إلى 85 مؤسسة في 16 بلدًا.

مخاوف متزايدة

تقول أليسون هانتر، خبيرة موارد كفاءة المختبرات بكلية لندن الإمبراطورية، إن الوعي بمسألة الاستدامة يتزايد بين جموع الباحثين يومًا بعد يوم. ومما جاء في تقرير «ويلكم» أن غالبية المبادرات الهادفة إلى تحقيق الاستدامة إنما تصدُر عن جهودٍ فردية، يبذلها آحاد الباحثين المهتمين بهذه القضية اهتمامًا حقيقيًا. ومما يُذكَر أيضًا أن جميع المبادرات المحدَّدة في التقرير، بغير استثناء تقريبًا، هي مبادرات تطوُّعية. ولكن هانتر تشير إلى أنه حتى إذا رغب الأفراد في الاستثمار في ممارساتِ عملٍ أكثر استدامة، فهذا لن يُغنيهم عن الحاجة إلى تنسيق وموارد.

وذكرت هانتر أن أوروبا، مثلًا، ليس فيها نظام موحَّد يمكن الاستناد إليه في تحديد الثلاجات الأكفأ في استهلاك الطاقة. ولمّا كان الأمر كذلك، فإن الباحثين يجدون صعوبة في تحديد حجم استهلاكهم من الكهرباء، ومن ثم في معرفة كيفية خفض هذا الاستهلاك، اللهم إلا بتحديد الزمن للحصول على قياسٍ دقيق للاستهلاك. وزادت هانتر على ذلك بقولها إن قياس الطاقة التي تستهلكها كلُّ جهاز داخل المختبر على حدة سوف يستغرق وقتًا.

يوجِّه التقرير نداءً إلى مؤسسات البحث العلمي، ومنها الجامعات ومؤسسات نشر الأبحاث وجهات التمويل، لتقديم دعمٍ أكبر إلى مبادرات الاستدامة. ويعكف عدد من مؤسسات التمويل في المملكة المتحدة على صياغة اتفاق يستهدف ترسيخ ممارساتٍ بعينها في مجال البحوث الصحية، على أن تكون ممارساتٍ كفؤة، وطويلة الأمد، ومستدامة. وتقول كابلان إن مؤسسة «ويلكم» سوف تسترشد بهذا التقرير في صياغة سياسة البيئة والاستدامة لديها، ليأخذ بها الحاصلون على مِنَح المؤسسة، وهي السياسة المزمع صدورها بحلول نهاية العام الجاري.

وعلَّقت كابلان على ذلك بقولها إنه "ليس بالتحدي السهل ولا البسيط". وعلى ذلك، فهي تأمل أن يُتخذ من تقرير «ويلكم» نقطة انطلاق نحو مزيدٍ من الأدوات والممارسات التي يمكن الاتكاء عليها في إحداث التحوُّل المنشود نحو بحث علمي أكثر استدامة، وأخفَّ وطأةً على البيئة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.164