من واقع تجربة مؤرِّقة: ما العمل إذا قوبلت أطروحتك بالرفض؟
12 November 2024
نشرت بتاريخ 12 سبتمبر 2023
يسعى الباحثون إلى البت فيما إذا كانت سلالة « «BA.2.86 المليئة بالطفرات ليست مدعاة للقلق، أو قادرة على الانتشار عالميًا.
يسابق الباحثون الوقت للبت فيما إذا كانت سلالة شديدة التحور من فيروس كورونا، ظهرت في ثلاث قارات، مدعاة للقلق، أم أنها صنعت الكثير من الجلبة الفارغة بلا داع.
تجدر الإشارة إلى أن عدة مختبرات كانت قد اكتشفت السلالة الأسبوع الماضي، وأطلقت عليها اسم ««BA.2.86. ورغم أنها تبدو شديدة الندرة، فهي شديدة الاختلاف عن السلالات المتحورة الأخرى الآخذة في الانتشار وتحمل العديد من الطفرات في بروتينها الشوكي، الذي تركز عليه بالدرجة الأولى هجمات الجسم المناعية المضادة لفيروس «سارس-كوف-2».
وفي الوقت الراهن، يرى كثير من الباحثين أن اكتشاف هذه السلالة، يذكر ببدايات ظهور سلالة «أوميكرون» المتحورة Omicron في أواخر عام 2021، عندما لاحظ علماء في جنوب إفريقيا سلالة غريبة التكوين، أخذت في الانتشار سريعًا على مستوى العالم. ويؤكد على هذا الشبه، آدم لورينج اختصاصي علم الفيروسات والأمراض المعدية من جامعة ميشيجِن في آن آربور، الذي اكتشف مختبره شخصًا مصابًا بسلالة ««BA.2.86، والذي أضاف في ذلك الصدد: "هذا الموقف يستحضر نوعًا ما سابقة مشابهة".
أدى توالي موجات انتشار مرض «كوفيد-19»، وطرح جرعات التطعيم المُعززة المضادة له إلى تشكُل مناعة عالمية لفيروس «سارس-كوف-2»، باتت اليوم أقوى وأوسع نطاقًا من أي وقت مضى. من هنا، لا يتوقع غالبية العلماء أن يكون لسلالة « «BA.2.86التأثير نفسه الذي أحدثه ظهور سلالة «أوميكرون». تعقيبًا على ذلك، يقول لورينج: "ثمة أسباب وجيهة تدفع إلى الاعتقاد بأن الوضع لن يشبه موجات سلالة «أوميكرون»، ولكنه سيكون مماثلًا لبدايات ظهور هذه السلالة".
وفي هذا التحقيق الإخباري تسعى دورية Nature إلى الوقوف على آخر ما وصل إليه العلماء حول سلالة ««BA.2.86، وما يسعون إلى معرفته عنها.
ما الذي نعرفه عن السلالة ««BA.2.86؟
اعتبارًا من 21 أغسطس الماضي، عُزيت ست حالات إلى السلالة المتحورة ««BA.2.86 في أربع دول، وهي إسرائيل، والدنمارك والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد صنفت منظمة الصحة العالمية في مدينة جنيف السويسرية السلالة على أنها تحت الرقابة. تعقيبًا على ذلك، يقول لورينج: "ظهور حالات أخرى شبه مؤكد".
ويبدو أن السلالة ««BA.2.86 تنحدر من إحدى سلالات أوميكرون الفرعية المعروفة باسم «BA.2»، والتي كانت قد سببت ارتفاعات كبيرة في أعداد الحالات في أوائل عام 2022. غير أن البروتين الشوكي للسلالة ««BA.2.86، والذي يستخدمه فيروس «سارس-كوف-2» لغزو الخلايا يحمل 34 طفرة مقارنة بالسلالة «BA.2». وقد رُصد عدد كبير من طفرات البروتين الشوكي في من أصيبوا بعدوى فيروس «سارس-كوف-2» طويلة الأمد، ويرجح أن السلالة ««BA.2.86 نشأت من إحدى حالات العدوى المزمنة تلك، بحسب ما يفيد جيسي بلوم، اختصاصية بيولوجيا الفيروسات التطورية من مركز فريد هتشِنسون للسرطان، في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية.
لم يتابع العلماء تطورات السلالة ««BA.2.86 عن كثب؟
بظهور سلالة «أوميكرون»، أخذ تطور فيروس «سارس-كوف-2» يسلك منحى متوقعًا بعض الشيء؛ إذ ظهرت سلالات متحورة جديدة نجحت في إشعال الفاشيات، منحدرة من السلالات الآخذة في الانتشار، بعد أن طرأت عليها بعض الطفرات المهمة التي مكنت هذه الفاشيات. على النقيض، تختلف السلالة ««BA.2.86 اختلافًا كبيرًا عن سلالات كورونا الأخرى واسعة الانتشار، وتذكرنا بسلالة «أوميكرون»، وسلالات بداية الجائحة «ألفا» Alpha، و«دلتا» Delta.
حول ذلك، يقول آشيش جِها، الباحث المتخصص في الصحة العامة من جامعة براون في مدينة بروفيدانس بولاية رود آيلاند الأمريكية، والمنسق السابق لجهود التصدي لجائحة «كوفيد-19» في البيت الأبيض: "بقدر ما بدت سلالة «أوميكرون» غريبة وغير متوقعة، تبدو السلالة ««BA.2.86 كذلك أيضًا".
الكثير من الطفرات التي طرأت على سلالة ««BA.2.86، حدثت في مناطق من البروتين الشوكي. وهي مناطق تستهدفها هجمات الأجسام المضادة الفعالة في درء أو تحييد العدوى، بحسب ما يفيد بلوم الذي نشر دراسة أولية عن السلالة الأسبوع الماضي. من هنا، ثمة احتمال قوي لأن تتمتع السلالة بالقدرة على مراوغة الأجسام المضادة المُحيدة للعدوى التي تنتج من إصابة الجسم سابقًا بعدوى الفيروس وحصوله على جرعة تطعيم معززة.
كذلك من السمات التي تجعل السلالة جديرة بمتابعة العلماء بترقب لها، التوزيع الجغرافي لانتشارها. فجميع ما اكتُشف من حالات الإصابة بها لا تبدو متصلة بعضها ببعض، بما في ذلك ثلاث حالات من الإصابة بها، رُصدت في بقاع مختلفة من الدنمارك. يدل هذا على أن السلالة واسعة الانتشار إلى حد ما، بحسب ما يفيد بلوم. الذي أضاف: "لا شك أنها قد أخذت في الانتشار بعض الشيء". كذلك صرحت وكالة الأمن الصحي للمملكة المتحدة بحدوث إصابة بالسلالة لدى شخص لم يسافر مؤخرًا، وهو ما "يدل على درجة من الانتشار المجتمعي للسلالة في المملكة المتحدة"، على حد تعبير الوكالة.
ما الذي يسعى الباحثون لاكتشافه؟
تعكف حاليًا المختبرات على مستوى العالم على مسوح استقصائية لعينات المرضى ومياه الصرف بهدف تكوين فكرة عن مدى انتشار السلالة ««BA.2.86. وهو ما يوضحه لورينج بقوله: "تستهدف محاولاتنا الوقوف على مقدار ما يوجد من السلالة". فإن اتضح أن عدد الحالات الجديدة التي تأكدت إصابتها بالسلالة غيض من فيض، فهذا ينذر بأن السلالة قادرة على منافسة غيرها من سلالات «سارس-كوف-2» الآخذة في الانتشار، بما في ذلك سلالة « «EG.5الأكثر شيوعًا، لتسبب ارتفاعًا هائلًا في عدد حالات العدوى بالفيروس.
وقد صرحت مختبرات علم الفيروسات في الدنمارك والمملكة المتحدة بأنها تعكف على محاولة عزل السلالة « «BA.2.86من عينات المرضى. وهذه الجهود والأبحاث التي تستخدم نماذج آمنة من فيروس «سارس-كوف-2»، تُعرف باسم الفيروسات الزائفة، من شأنها أن تساعد الباحثين على قياس قدرة السلالة على الإفلات من الأجسام المناعية المضادة المحيِّدة للعدوى، والتي تنتج عن الإصابة السابقة بالفيروس أو تلقي تطعيم سابق ضده.
ويفيد بلوم بأنه يتطلع بالأخص إلى استكشاف مدى قدرة السلالة «BA.2.86» على مراوغة الأجسام المناعية التي تحفزها الإصابة الحديثة بعدوى سلالة باسم ««XBB.1.5، لأن أحدث جرعات التطعيم المعززة المضادة لـ«كوفيد-19» تستند إلى التسلسل الجيني للبروتين الشوكي بهذه السلالة الأخيرة. ويعلل بلوم لرغبته تلك بقوله: "حال انتشار عدوى بسلالة مثل ««B.A.2.8.6، أعتقد أننا سنكون بحاجة إلى النظر في تحديث اللقاحات".
هل تُعد السلالة ««B.A.2.8.6 مثار قلق؟
يجيب بلوم عن هذا السؤال بنبرة قاطعة مؤكدة قائلًا: "لا أحسب أن المسألة يجب أن يُنظر إليها بعين القلق على الإطلاق. فالسيناريو الأرجح أن هذه السلالة ستتلاشى تدريجيًا، وفي غضون شهر لن يذكر سوى أشخاص مثلي أنها وُجدت".
وبحسب ما يضيف بلوم، حتى إن أصبحت السلالة سريعة الانتشار، وثبتت قدرتها على مراوغة الأجسام المناعية -– وهو ما يبدو محتملًا بناءً على الطفرات في بروتينها الشوكي – فثمة أشكال أخرى من الحماية المناعية المحتمل أن تقينا من الإصابة الجسيمة بعدوى هذه السلالة.
ويقول جها بأن على العلماء أن يتابعوا عن كثب السلالة، غير أنه يرى أن احتمال تفوُق خطرها على خطر السلالات الحالية أو تسببها في اضطرابات كالتي أحدثتها فاشيات «أوميكرون»، هو احتمال "ضئيلة للغاية"، بفضل المناعة واسعة النطاق التي تشكلت ضد الفيروس.
ختامًا، نقول إن ظهور هذه السلالة باغت العلماء، وأثبت أن فيروس «سارس-كوف-2» لا يزال يملك في جعبته حيلًا قد يرغب العلماء في اكتشافها. بيد أن لورينج يقول: "سنرى إن كانت أهمية هذه السلالة تتعدى هذا الظهور المفاجئ أم لا، من حيث تأثيرها على الصحة العامة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.162
تواصل معنا: