أحدث الأبحاث

"توي 1853 ب".. كوكب أكثر كثافةً من الفولاذ

نشرت بتاريخ 9 سبتمبر 2023

كثافة الصخور في كوكب "توي 1853 ب" تفوق كثافة الصلب.. ويرجح الباحثون أنه نشأ نتيجة تصادُم مجموعات من الكواكب المتوسطة والصغيرة معًا

شادي عبد الحافظ

محاكاة
لتأثير كوكب

محاكاة لتأثير كوكب "توي 1853 ب"


Jingyao Dou Enlarge image
منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها العلماء رحلة الكشف عن كواكب تدور حول نجوم غير الشمس، كانت هناك دائمًا مفاجآت مدهشة.

ومن بين تلك المفاجآت ما سجلته دراسة نشرتها دورية "نيتشر" مؤخرًا، عن كوكب جديد يُدعى "توي 1853 ب" (TOI-1853 b)، الواقع على مسافة تبلغ حوالي 544 سنة ضوئية من الأرض، وهو تقريبًا بحجم كوكب نبتون.

يقول فيليب كارتر -الباحث من قسم الفيزياء بجامعة بريستول، والمؤلف المشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": لدينا أدلة قوية على تصادمات عنيفة بين الأجسام الكوكبية في نظامنا الشمسي، مثل وجود القمر الأرضي، وأدلة جيدة من عدد قليل من الكواكب خارج نظامنا الشمسي، وهذا الكوكب هو أحد المكتشَفات غير العادية في نطاق الكواكب التي تدور حول نجوم غير الشمس، فوزنه يساوي ضِعف وزن أي كوكب بالحجم نفسه، ما يجعله أكثر كثافةً من الفولاذ.

للتوصل إلى تلك النتائج، استخدم العلماء بيانات من "القمر الصناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة" "تيس" (TESS)، التابع لوكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا)، والذي أُطلق في 18 إبريل عام 2018، ويضم مجموعةً من الكاميرات واسعة النطاق لإجراء مسح لنحو 85٪ من السماء.

القمر الصناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة
القمر الصناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة
Credit: NASA's Goddard Space Flight Center Enlarge image

كما استخدم الباحثون بيانات "أرشيف ميكولسكي للتلسكوبات الفضائية" (MAST)، وهو أرشيف يجمع البيانات الفلكية من أنظمة الطول الموجي المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء القريبة.

ويعمل "القمر الصناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة" على حساب قدر الضوء الصادر من النجوم البعيدة على مدى زمني طويل، وإذا انخفض هذا القدر بكمية قليلة كل فترة زمنية محددة فهذا يعني مرور كوكب أمام هذا النجم، ولغرض التقريب، تخيل أنك مرَّرتَ كرةً معدنيةً صغيرةً في طرف إصبعك أمام مصباح ما، سيقل قدر الضوء القادم من المصباح.

تصادم كوكبي

ووفق الدراسة، تُظهر "الكواكب بحجم نبتون" مجموعةً واسعةً من التراكيب والكثافات، تبعًا للعوامل المتعلقة بتشكُّلها وتطوُّرها، مثل المسافة التي تفصلها عن نجومها المضيفة، ويمكن أن تتراوح هذه الكواكب من كواكب ذات كثافة منخفضة نسبيًّا مع غلاف جوي سميك من الهيدروجين والهيليوم، إلى كواكب ذات كثافة أعلى تحتوي على كمية كبيرة من الماء أو نواة صخرية مع غلاف جوي أقل كثافة، مثل كواكب "إتش دي 95338 ب"، و"توي-849 ب"، و"توي- 2196 ب".

ويقدم اكتشاف الكواكب التي تقع في منطقة "صحراء نبتون الساخنة" -وهي منطقة قريبة من النجوم المضيفة بعيدة عن الكواكب بحجم نبتون- نظرةً عن تشكُّل الأنظمة الكوكبية وتطوُّرها، بما في ذلك وجود هذه المنطقة نفسها.

وتشير الدراسة الحديثة إلى أن التحليلات الطيفية كشفت أن كثافة الصخور في كوكب "توي 1853 ب" ترجح فرضية أنه نشأ من تصادم كوكبي حدث لمجموعات من الكواكب المتوسطة والصغيرة قبل ملايين السنين، الأمر الذي أدى إلى تبخُّر كثير من الماء في أغلفتها الجوية وطبقاتها، ما يجعل صخوره أكثر كثافةً من غيره.

يقول "كارتر": هناك فرضية أخرى تحتمل أن الكوكب الأولي الذي نشأ منه الكوكب "توي 1853 ب" مر في مداره بمنطقة حافلة بالقطع الصخرية الكبيرة التي كانت فيما سبق كوكبًا ضخمًا كالمشتري، ومع تصادُم تلك القطع به ازدادت كثافته بشده.

ولغرض التقريب، يشبِّه "كارتر" الأمر بأن يستخدم الشخص يده لضغط كَمٍّ من الدقيق في علبة أسطوانية، فمع الضغط إلى الأسفل يتقلص حجم الدقيق، ولكنه يزداد كثافة.

تاريخ الأرض

تفتح الدراسة الجديدة الباب لفهم تاريخ الأنظمة النجمية مثل مجموعتنا الشمسية؛ إذ تشير إلى أن اصطدامات الكواكب كانت جزءًا من بنية تلك الأنظمة، ويعتقد العلماء أن قمر الأرض نفسه قد تكوَّن بسبب عملية شبيهة.

وتفترض النظرية الأكثر قبولًا بين العلماء حاليًّا أن كوكبًا صخريًّا اسمه "ثيا" ارتطم بالأرض قبل أكثر من 4 مليارات سنة، وكناتج من عملية التصادم الملحمي تلك، خرجت قطعة تحمل في تركيبها جانبًا من تركيبي الكوكبين، وصنعت ما نعرفه الآن باسم القمر.

يقول "كارتر": نطمح إلى الاستمرار في دراسة كوكب "توي 1853 ب"، وسيكون من الرائع إجراء عمليات رصد في المستقبل لمحاولة اكتشاف أي غلاف جوي متبقٍّ على الكوكب وفحص تكوين الغلاف الجوي، وهذا من شأنه أن يخبرنا بالمزيد عن كيفية نشوء هذا الكوكب الغريب!

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.158