مقالات

"تشات جي بي تي" يشعل الجدل بين الطلاب والمعلمين

نشرت بتاريخ 5 سبتمبر 2023

الذكاء الاصطناعي يتفوق على الطلاب في نتائج التقييمات.. والمعلمون يتخوفون من تزايُد احتمالات "السرقة الأدبية"

محمد منصور

التحديات
التي يفرضها المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في النشر الأكاديمي كبيرة

التحديات التي يفرضها المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في النشر الأكاديمي كبيرة


Guillaume/ iStock / Getty Images Plus


Enlarge image
في يونيو 2018، تم تقديم النموذج الأول من سلسلة "تشات جي بي" (Chat GPT)؛ إذ أظهر إمكانيات واسعة النطاق لفهم اللغة الطبيعية والتحدث بها، ما دفع كثيرين لوصفه بـ"ثورة تشات جي بي تي"، ورغم أن ذلك النموذج كان يستطيع توليد نص متماسك، إلا أنه أظهر أيضًا مجموعةً من القيود؛ إذ كان يُنتج استجابات غير صحيحة أو لا معنى لها.

 

وبعد عامين فقط أعلنت مؤسسة "أوبن إيه آي" (Open AI) -وهي منظمة غير ربحية لأبحاث الذكاء الاصطناعي تستهدف تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها- عن الجيل الثالث من سلسلة تشات جي بي تي المعروف بـGPT-3، في يونيو 2020، وكان ذلك النموذج ضخمًا للغاية؛ إذ يحتوي على 175 مليار معلمة، مما يجعله أكبر نموذج لغة معروف للعامة في ذلك الوقت، وأظهر GPT-3 قدرات رائعة في إنشاء نص يشبه نص الإنسان وتنفيذ مجموعة واسعة من المهمات المتعلقة باللغة.

 

والآن، تسلط ورقة بحثية نشرتها دورية "ساينتفك ريبورتس" الضوء على القدرات الضخمة لـChatGPT بعد أن أثبت قدرةً كبيرةً على مطابقة -أو حتى تجاوز- متوسط درجات طلاب الجامعة عند الإجابة عن أسئلة التقييم التي تغطي مختلِف التخصصات، مثل علوم الكمبيوتر والدراسات السياسية والهندسة وعلم النفس.

 

وتسلط الدراسة الضوء أيضًا على الديناميكيات المثيرة للاهتمام المحيطة بتصورات الطلاب حول فائدة "تشات جي بي تي"، على الرغم من مخاوف المعلمين بشأن تزايُد احتمالات "السرقة الأدبية".

 

ووفق الدراسة التي أجراها باحثون بجامعة نيويورك أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أدى ظهور نماذج لغوية كبيرة إلى تطوير أدوات قوية مثل تشات جي بي تي (ChatGPT)، يمكنها إنتاج نص لا يمكن تمييزه عن العمل الذي ينشئه الإنسان، ومع تزايُد إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا، يمكن للطلاب في جميع أنحاء العالم الاستفادة منها للمساعدة في واجباتهم المدرسية، وهو احتمال أثار نقاشًا مستفيضًا حول سلامة عمليات تقييم الطلاب في عصر الذكاء الاصطناعي.

 

ما هو ChatGPT؟

 

يشير GPT إلى "المحولات التوليدية المدربة مسبقًا"، وهو نوع من نماذج الذكاء الاصطناعي الذي اكتسب اهتمامًا وشعبية كبيرة في مجال معالجة اللغات الطبيعية (NLP)، ويشير الجانب "التوليدي" لـ"تشات جي بي تي" إلى قدرة النموذج على إنشاء نص متماسك وذي صلة بالسياق المراد الاستفسار عنه، أما عبارة "مدربة مسبقًا" فتعنى أنه جرى تدريب نماذج "جي بي تي" مسبقًا على مجموعة ضخمة من النصوص من الإنترنت، وفي أثناء التدريب المسبق، يتعلم النموذج فهم الأنماط الإحصائية والقواعد وسياق اللغة.

 

وتُعد بنية "المحول" مكونًا مهمًّا في "جي بي تي"، فالمحولات هي نوع من بنية الشبكات العصبية العميقة المصممة لمهمات التسلسل، مما يجعلها مناسبة تمامًا لمهمات البرمجة اللغوية العصبية، وتشتمل بنية المحول على آليات انتباه تتيح للنموذج تقييم أهمية الكلمات المختلفة في الجملة عند إجراء التنبؤات.

 

وتم تصميم نماذج "جي بي تي" للاستفادة من مبادئ نقل التعلم، وبعد التدريب المسبق على مجموعة نصية كبيرة، يمكن ضبطها بدقة على مهمات أو مجالات محددة، ويتيح نهج التعلم بالنقل تكييف نماذج "جي بي تي" لمختلِف التطبيقات، مثل ترجمة اللغة وتلخيص النص والإجابة عن الأسئلة وغيرها من المهمات.

 

وقد حققت نماذج "جي بي تي" نجاحًا ملحوظًا في مجموعة واسعة من مهمات البرمجة اللغوية العصبية (NLP) وتطبيقاتها، وغالبًا ما تُستخدم لروبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين، وإنشاء المحتوى، وإكمال النص والمزيد، وأظهرت سلسلة "جي بي تي" -بدءًا من GPT-1 واستمرارًا للإصدارات اللاحقة- تقدمًا سريعًا في قدرات توليد اللغة، وأسهمت في تطوير نماذج لغة الذكاء الاصطناعي المتطورة على نحوٍ متزايد.

 

تقييم ChatGPT ومقارنته بالطلاب

 

تضمنت الدراسة الجديدة عرضًا لأسئلة التقييم من موضوعات متنوعة على "تشات جي بي تي"، متبوعةً بتقييم إجاباتها.

 

وشملت هذه الموضوعات علوم الكمبيوتر، والدراسات السياسية، والهندسة، وعلم النفس، ومجموعة واسعة من المجالات الأكاديمية، واختار الباحثون عينةً تمثيليةً من الأسئلة لتقييم معرفة "تشات جي بي تي" وقدراته المنطقية.

 

وللتحقق من أداء "تشات جي بي تي" عند كتابة التقييمات الجامعية مقارنةً بالطلاب، دعا الباحثون أعضاء هيئة التدريس الذين قاموا بتدريس 32 دورة مختلفة في جامعة نيويورك أبو ظبي لتقديم ثلاثة طلبات للطلاب لكلٍّ منها لعشرة أسئلة تقييم قاموا بوضعها.

 

ثم طُلب من "تشات جي بي تي" بعد ذلك إنتاج ثلاث مجموعات من الإجابات عن الأسئلة العشرة، والتي تم تقييمها بعد ذلك جنبًا إلى جنب مع الإجابات المكتوبة من قِبل ثلاثة طلاب لم يكونوا على علم بمصدر الإجابات.

 

وحققت الإجابات التي تم إنشاؤها بواسطة "تشات جي بي تي" متوسط درجات مماثلًا -أو أعلى- لدرجات الطلاب في 9 من 32 دورة تدريبية.

 

وشهدت دورات الرياضيات والاقتصاد تفوق الطلاب باستمرار على برنامج "تشات جي بي تي"، في حين تفوق البرنامج على الطلاب بشكل ملحوظ في دورة "مقدمة في السياسة العامة"؛ إذ بلغ متوسط درجاته 9.56 مقارنةً بـ4.39 للطلاب.

 

صراع جديد

 

يقول "طلال رهوان"، الباحث بقسم العلوم بجامعة نيويورك أبو ظبي، والمؤلف المشارك في الدراسة: إن تفوق "تشات جي بي تي" ظهر في العديد من مجالات العلم، مضيفا في تصريحات لـ"نيتشر ميدل ايست": أكدت الدراسة أن العديد من الطلاب على استعداد كامل لاستخدام تلك الأداة للمساعدة في مهماتهم، على الرغم من أن العديد من المعلمين يعتبرون استخدامها سرقة أدبية.

 

قام الباحثون أيضًا باستقصاء وجهات النظر حول ما إذا كان من الممكن استخدام "تشات جي بي تي" للمساعدة في المهمات الجامعية بين 1601 فرد من خمس دول حول العالم، هي البرازيل والهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.

 

ووفق نتائج الدراسة، أشار 74% من الطلاب إلى أنهم سيستخدمون "تشات جي بي تي" في عملهم، وفي المقابل، قلل المعلمون من تقدير نسبة الطلاب الذين يخططون لاستخدام "تشات جي بي تي"، وأفاد 70٪ من المعلمين أنهم سيتعاملون مع استخدامه على أنه سرقة أدبية.

 

خلافات أخلاقية

 

على الرغم من قدرات تلك الأداة المثيرة للإعجاب، تَسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي في خلافات أخلاقية، فبما أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية يتم تدريبها على كميات هائلة من البيانات المتاحة على الإنترنت، فقد كان هناك نقاش مستمر بشأن ملكية هذه البيانات، إضافة إلى تزايُد التحديات المتمثلة في تحديد ما يُنشأ بواسطة البشر وما يُنشأ بواسطة الخوارزمية.

 

في سياق التعليم، أثارت قدرة "تشات جي بي تي" على كتابة المقالات وإيجاد حلول للمهمات نقاشًا مكثفًا بشأن انتهاكات النزاهة الأكاديمية من قِبل طلاب المدارس والجامعات؛ فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة تم حظر استخدامه من قِبل المناطق التعليمية في مدينة نيويورك، ولوس أنجلوس، وبالتيمور، وبالمثل، أعلنت الجامعات الأسترالية عزمها العودة إلى امتحانات "الورقة والقلم" لمكافحة الطلاب الذين يستخدمون هذا البرنامج في كتابة المقالات.

 

ووفق الدراسة، أعرب العديد من المعلمين عن مخاوفهم بشأن الانتحال؛ إذ اختار أساتذة من جامعتي "جورج واشنطن" و"روتجرز" الأمريكيتين التخلص التدريجي من واجبات الكتاب المفتوح التي يجيب عنها الطلاب في المنزل.

 

وفي مجال النشر الأكاديمي، حظر عدد من المؤتمرات والمجلات أيضًا استخدام برنامج "تشات جي بي تي" لإنتاج الكتابة الأكاديمية، وهو أمر غير مفاجئ؛ نظرًا إلى أنه تبين أن الملخصات المكتوبة بواسطة هذا البرنامج لا يمكن تمييزها عن الأعمال التي أنشأها الإنسان.

 

ومع ذلك، فقد جادل الكثيرون حول الفوائد المحتملة لبرنامج "تشات جي بي تي" كأداة لتحسين مخرجات الكتابة، حتى إن البعض دعا إلى الدفع باتجاه إصلاح الأسس التربوية للعملية التقييمية في نظام التعليم، بما يضمن الاستفادة من ثورة هذا البرنامج.

 

وقد أفاد المؤلفون أن أداتين لاكتشاف النص الذي تم توليده بالذكاء الاصطناعي وهما -أداة GPTZero وأداة -AI text classifier أخطأتا في تصنيف إجابات "تشات جي بي تي" التي تم إنشاؤها في هذا البحث على أنها مكتوبة بواسطة الإنسان بنسبة 32% و49% من الوقت على التوالي.

 

تعطيل عملية التعلم

 

يقول "رهوان" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن الصراع المتأصل بين حرص الطلاب على استخدام برنامج "تشات جي بي تي" وتعامُل المعلمين مع استخدامه على أنه سرقة أدبية يُمكن أن يخلق بيئة متصارعة؛ إذ يُحاول الطلاب إخفاء استخدام الأداة، في حين يتوق الأساتذة إلى اكتشاف استخدامها.

 

ويرى "رهوان" أن النتائج التي توصلوا إليها تؤكد أن برنامج "تشات جي بي تي" يمكن أن "يعطل قدرة التعليم العالي على التحقق من صحة البيانات وقياس مدى معرفة الطلاب وفهمهم، ويمكن أن يقلل من فاعلية ردود فعل المعلم للطلاب"، مضيفًا: في التعليم، من المهم التأكد من أن ما يتم تقييمه تم إكماله من قِبل الشخص الذي سيحصل على الدرجات المرتبطة به؛ لأن هذه الدرجات تؤثر على الوصول إلى المنح الدراسية وفرص العمل، وحتى نطاقات الرواتب في البعض البلدان والصناعات.

 

ويتابع: إن استخدام تلك الأداة يمثل تحديًا كبيرًا للمؤسسات التعليمية لصياغة سياسات النزاهة الأكاديمية المناسبة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاق واسع، وفيما يتعلق بـ"تشات جي بي تي" على وجه التحديد، فإننا نؤمن بأن قدرة الطلاب على التعبير عن تفكيرهم بكلماتهم الخاصة ستظل دائمًا جزءًا لا يتجزأ من رحلتهم التعليمية، وبالتالي فإن الاعتماد على هذا البرنامج بشكل كامل يمثل تهديدًا لقدرتهم على الكتابة والتعبير عن أفكارهم بكلماتهم الخاصة.

 

ومع ذلك، يرى "رهوان" أن تلك الأداة، وغيرها من النماذج التوليدية الأخرى، يُمكن أن تساعد بعض الطلاب على تحسين مهاراتهم في الكتابة، مضيفًا: وجدنا أن هناك إجماعًا عامًّا بين المعلمين والطلاب على أن استخدام "تشات جي بي تي" سيؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للطلاب غير الأصليين المتحدثين باللغة الإنجليزية.

 

"تشات جي بي تي" يفند الاتهامات

 

في تجربة حية، وجهت "نيتشر ميدل إيست" مجموعة من الأسئلة إلى ChatGPT-4، لمنحه فرصة الرد على "الاتهامات" المتعلقة بالمخاوف الأخلاقية.

 

جاء في رد النموذج أنه "لا يمكن إنكار أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية تثير أسئلةً أخلاقية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بملكية البيانات والشفافية، وبالتالي فإن المناقشة حول مَن يملك البيانات المستخدمة لتدريب هذه النماذج أمرٌ بالغ الأهمية، وهو يسلط الضوء على الحاجة إلى التعامل المسؤول مع البيانات والحوكمة لحماية حقوق الخصوصية للأفراد".

 

وأضاف: المخاوف المتعلقة باستخدام "تشات جي بي تي" في التعليم صحيحة؛ فمن المهم الحفاظ على النزاهة الأكاديمية ومنع الانتحال، وتعكس القرارات التي اتخذتها المناطق التعليمية والجامعات لتقييد استخدامها أو حظره في أماكن معينة ضرورة الحفاظ على المعايير التعليمية.

 

وحول النشر الأكاديمي، كتبت الأداة: "إن التحديات التي يفرضها المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في النشر الأكاديمي كبيرة؛ إذ يُعد ضمان صحة البحث والحفاظ على نزاهة عملية مراجعة النظراء أمرًا بالغ الأهمية، وتعكس القرارات التي اتخذتها المؤتمرات والمجلات لتنظيم استخدام المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى مبادئ توجيهية واضحة".

 

وفي الختام، ووفق ما كتبته تلك الأداة، "تُعد المناقشات والمناظرات المحيطة بنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية ضروريةً لتشكيل الاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي؛ فمن الضروري تحقيق التوازن بين الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي ومعالجة المخاوف التي يثيرها المعلمون والباحثون والمجتمع الأوسع، كما يمكن للجهود التعاونية التي يشارك فيها أصحاب المصلحة من مجالات التعليم والتكنولوجيا والأخلاق والسياسة أن تساعد في وضع مبادئ توجيهية وممارسات تعمل على تعظيم مزايا الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من مخاطره المحتملة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.154