أخبار

أزمة المياه:كيف يمكن للتقنيات المحلية أن تسهم في حل مشكلة عالمية؟

نشرت بتاريخ 12 أغسطس 2023

تشتد وطأة الإجهاد المائي على مليارات البشر حول العالم في ظل التغيُّر المناخي.. وفي مواجهة هذا التحدي، لابد من التسلُّح بكل الحلول الممكنة، الجديدة والتقليدية على السواء.

شبكات التقاط
البخار (التي تظهر في هذه الصورة، الملتقَطة في ليما، عاصمة بيرو) يمكن أن تجمع من
الماء ما يكفي للاستخدامات اليومية. وهي من الطُّرق التي يمكن التوسع في الاعتماد
عليها.

شبكات التقاط البخار (التي تظهر في هذه الصورة، الملتقَطة في ليما، عاصمة بيرو) يمكن أن تجمع من الماء ما يكفي للاستخدامات اليومية. وهي من الطُّرق التي يمكن التوسع في الاعتماد عليها.


Credit: Klebher Vasquez/Anadolu Agency/Getty

Enlarge image
عقدت الأمم المتحدة هذا العام مؤتمرًا حول المياه، هو الأول منذ زهاء خمسين عامًا. وصحيحٌ أن هذا المؤتمر، الذي استضافته مدينة نيويورك الأمريكية في مارس الماضي، لم ينته إلى اتفاق ملزم، إلا أنه دق ناقوس الخطر، وبعث رسالةً مفادها أن أزمات المياه تشتد، ولابُد أن نُوليها الاهتمام الكافي عاجلًا وليس آجلًا.

في نهاية العام الماضي، قُدِّر عدد الأشخاص الذين لا تتوفَّر لهم مياه شرب آمنة بنحو 2.2 مليار شخص حول العالم، بحسب ما جاء في تقريرٍ صدَرَ في شهر يوليو الماضي عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) (انظر: go.nature.com/3djb6tb)، على حين بلغ عدد الأشخاص الذين لا يملكون في منازلهم مرافق لغسل الأيدي نحوًا من 653 مليونًا.

علاج هذه المشكلات هو من بين مقاصد الهدف السادس من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs): «ضمان إتاحة المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع» بحلول عام 2030. وهذه الافتتاحية تأتيكم ضمن سلسلة مقالاتٍ تُقيِّم فيها دورية Nature ما تحقَّق على صعيد كل هدف من أهداف التنمية المستدامة، التي وُضعت في عام 2015، وببلوغ هذا العام تكون قد قطعت نصف الطريق المؤدي إلى الموعد المحدَّد لتحقيقها في 2030. وينصبُّ تركيزنا في هذه السلسلة على الأسئلة التي يمكن للباحثين أن يُسهموا في الإجابة عنها، والثغرات التي يمكنهم المساعدة على سدِّها.

عندما انطلقت قاطرة أهداف التنمية المستدامة، كان هناك شعورٌ بالتفاؤل في إمكان بلوغ هدف المياه، بلغ وقُطع شوط لا بأس به في تحقيق بعض المقاصد المنضوية تحت هذا الهدف. فمنذ عام 2000، أمكن توفير مياه شرب آمنة لما يزيد على ملياري شخصٍ حول العالم. وبحلول عام 2020، أمكن علاج مياه الصرف الناتجة عن استخدامات 56% من الأُسَر المعيشية تقريبًا.

لكنَّ التقدُّم المُحرَز على هذا الصعيد لم يكن بالسرعة ولا بالوتيرة المطلوبة؛ ما حدا بلجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، وهي المسؤولة عن تنسيق جهود المنظمة فيما يتعلَّق بقضايا المياه والصرف الصحي، إلى أن تُعلن في وقتٍ مبكر – في عام 2018 – إلى أنَّ العالم لم يكن على الطريق الصحيح المؤدي إلى تحقيق هذا الهدف. والحقُّ أن بلدان العالم لا تُولي هذا الهدف الأولوية التي يستحقها؛ لا على المستوى المحلي ولا الدولي. فبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة يستلزم من العالم إنفاق 260 مليار دولار سنويًّا حتى عام 2030، على أن يوجَّه الجزء الأكبر من هذا الإنفاق إلى آسيا وإفريقيا، حيث أعداد المحرومين من مياه الشرب الآمنة هي الأعلى على مستوى العالم. فإذا ما نظرنا إلى ما يحدث على أرض الواقع، سنجد أن حجم المساعدات التنموية الدولية المرصودة لمشروعات المياه في الوقت الراهن لا يتعدَّى 9 مليارات دولار سنويًا. بل إن هذا المبلغ آخذٌ في التناقُص منذ عام 2017. وفي غياب استراتيجية لسياسات الحكومات المعنية بهذا الشأن، يصبح من العسير الخروج بالأبحاث العلمية إلى أرض الواقع، أو تنفيذ مشاريع تجريبية على نطاق واسع. ولكن لا غنى عن هذه الأبحاث وهذه المشاريع، إذا كنا نصبو حقًّا إلى إتاحة المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للبشر أجمعين.

لقد دأبت أجيالٌ متعاقبة، في المجتمعات التي تعاني إجهادًا مائيًّا، على ابتكار طُرُق لتوفير المياه، وتنفيذ ما أمكنهم التوصُّل إليه من معارف تبلّغهم هذه الغاية. لكن النجاح في محاولة تعميم هذه الطُرُق بشكلٍ ممنهج على مستوى المجتمعات المحلية لم يكن، في أحسن الأحوال، إلا نجاحًا جزئيًا أو منقوصًا. ومن هذه الطُّرُق، على سبيل المثال، تكثيف المياه من السُّحب باستخدام شبكات هائلة الحجم في تشيلي وبيرو، أو تخزين الجليد للاستعانة به مصدرًا للمياه في أوقات الجفاف، كما يحدث في أجزاء من الصين.

والأمر نفسه ينطبق على التقنيات الأحدث نسبيًا. خذ، مثلًا، التقطير الغشائي، الذي يُعد طريقةً لتحلية المياه عند درجات حرارة منخفضة، فضلًا عن أن هذه الطريقة لا تسبِّب للبيئة أضرارًا كتلك المرتبطة بسائر طُرُق التحلية الأخرى، وذلك لأنها أقلُّ استهلاكًا للطاقة الكهربية، حسبما أفاد محمد رسول قطيشات، الباحث بالجامعة الأردنية، وفريقه في الدراسة التي أعدُّوها العام الماضي1. ومع ذلك، تجد هذه التقنية صعوبة بالغة في الخروج من طور البحث العلمي والتجريب، والانتقال إلى طور التنفيذ الفعلي واسع النطاق. وفي دراسة2 نُشرت في شهر مارس الماضي، أوصت باتريشيا جورجوجا، الباحثة المتخصصة في الهندسة الكيميائية بجامعة سرسقطة الإسبانية، وزملاؤها، بتعزيز التواصل بين المجموعات التي تعكف على إعداد الدراسات على نطاق ضيق، والمسؤولين عن تنفيذ مشروعات البيان العملي الأوسع نطاقًا، بالنظر إلى أن كلا الجانبين له احتياجاته المختلفة عن الآخر.

فإذا انتقلنا إلى الحديث عن البحث العلمي بمعناه الأشمل والأعم، سنجد أن في الإمكان تعميم نتائج الأبحاث، على نحو ما نجد في دراستين أعدَّتهما سيرا يونج، باحثة الأنثروبولوجيا الطبية بجامعة نورث وسترن، الكائنة في مدينة إيفانستون بولاية إلينوي الأمريكية، بمعاونة فريقها3،4. فقد وضع الباحثون مقاييس شاملة لتقييم حالة التعرُّض لإجهاد مائي، أطلقوا عليها «مقاييس تجارب انعدام الأمان المائي» (WISE).

ومن بين مقاصد الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، نجد أن المقصد المتعلق بخدمات الصرف الصحي يحضُّ على "إيلاء اهتمام خاص لاحتياجات النساء والفتيات". إلا أن تقارير الأمم المتحدة التي تقيس حجم التقدُّم السنوي في إنجاز هذه الأهداف لا تتضمن بياناتٍ تخصُّ هذه النقطة على وجه التحديد. ويبدو أن السبب الرئيس وراء غياب هذه البيانات إنما يكمن في أن المسوح الإحصائية عادةً ما تُجرَى على مستوى الأُسَر المعيشية – لا على مستوى الأفراد – ومن ثم يتعذَّر تمييز البيانات على أساس الجنس أو النوع الاجتماعي. ولعل من المفيد هنا الاستعانة بمقاييس تجارب عدم الأمان المائي، التي يمكن الاعتماد عليها في جمع بيانات على مستوى الأفراد كما الأُسَر. فهي تقيس تأثير عدم الأمان المائي في الأنشطة اليومية، وكذا تأثيرها في صحة الأفراد وسلامتهم. ويشمل ذلك تقييم أنشطةً عدة، منها الطبخ، وغسل اليدين، وتنظيف الملابس، وإجراءات النظافة الشخصية، فضلًا عن مشاعر الغضب والقلق. والمشاركون في هذه المسوح الإحصائية يتم تصنيفهم حسب العمر، والنوع الاجتماعي، ومستوى الدخل، إلى غير ذلك من الخصائص والمحدِّدات الإحصائية.

يُذكر أن مقاييس تجارب عدم الأمان المائي أصبحت الآن قيد الاستخدام من قِبل مئة منظمة ومؤسسة تقريبًا على مستوى العالم؛ منها الوطني، ومنها الحكومي، ومنها منظمات المجتمع المدني. لقد أُعلن عن استخدام هذه المقاييس، بوصفها أداةً يستعملها واضعو السياسات، خلال العام المنصرم في أستراليا، التي تُعد معدلات انعدام الأمان المائي فيها – بحسب الأرقام الرسمية – منخفضةً نسبيًا، لا تتعدَّى ١٪ من إجمالي السكان. لكن بعض المجتمعات لا ترى الصورة على هذا النحو. وفي عام ٢٠٢٢، قامت شراكة تحمل اسم «يوايا نجارا لي» Yuwaya Ngarra-li بين جمعية «داريوا إلدرز جروب» Dhariwaa Elders Group، وهي جمعية معنية بثقافة السكان الأصليين في بلدة ريفية تُدعى والجِت، وبين جامعة نيو ساوث ويلز في مدينة سيدني الأسترالية، وطبَّقت هذه الشراكة طريقة قياسات تجارب عدم الأمان المائي في دراسة مسحية شملت ٢٥١ مشاركًا، أفاد نحو ٤٤٪ منهم بأنهم يتعرضون لعدم أمان مائي، فيما أفاد ٤٦٪ منهم بتعرُّضهم لعدم أمان غذائي (انظر: go.nature.com/3dciovf). وحاليًا، تتباحث الجمعيات المحلية مع مجلس الحكم المحلي في والجت شاير سُبُل تحسين هذه الأوضاع.

ما من شكٍ في أنه، مع اقتراب العالم من عام ٢٠٣٠، المحدَّد موعدًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، سوف تظهر أفكار جديدة، تفتح آفاقًا جديدة للنجاح. لكن لن يكون في الإمكان إحراز النجاح الذي نصبو إليه في تحقيق الهدف السادس من هذه الأهداف ما لم نفطن إلى أهمية الاعتناء بحجم العمل ونطاقه. والواضح أن ثمة حلقة كبيرة مفقودة في الجهود المبذولة على صعيد قضية المياه والصرف الصحي. فالعبرة، في الأخير، إنما تكون بما يُنفَّذ على أرض الواقع.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.125


Qtaishat, M. R. et al. Sci. Rep. 12, 13564 (2022).

López-Porfiri, P. et al. npj Clean Water 6, 18 (2023).

Young, S. L. et al. BMJ Glob. Health 4, e001750 (2019). 

Young, S. L., Bethancourt, H. J., Ritter, Z. R. & Frongillo, E. A. BMJ Glob. Health 6, e006460 (2021). 

https://nature.com/articles/d41586-023-02442-7