أخبار

النفايات البلاستيكية قنبلة موقوتة آن أوان تحمل الدول مسؤولية نزع فتيلها

نشرت بتاريخ 6 أغسطس 2023

مفاوضات الأمم المتحدة بشأن معاهدة القضاء على النفايات البلاستيكية تسير نحو منعطف حرج، مما يحتم على الباحثين أن يُسهموا بدورهم في تصميم أنظمة القياس والمراقبة والامتثال اللازمة لنجاح هذه المعاهدة.

تُدمِّر
النفايات البلاستيكية النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم.

تُدمِّر النفايات البلاستيكية النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم.



Mark Rightmire/MediaNews Group/Orange County Register/Getty Enlarge image
يُنتج العالم نحو 400 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنويًا1. وقد تسرَّب هذا النوع من النفايات إلى بعض أكثر المناطق النائية بُعدًا وأقلّها تلوثًا على سطح الكوكب، بحسب ما كشفته دراستان نُشرتا حديثًا في مجلة Nature ونوقشت فيهما العواقب الوخيمة لهذا الأمر 2,3.

في الدراسة الأولى، أجرت فيرونيكا نافا وفريقها البحثي تقييمًا منهجيًا لمدى التلوث بالنفايات البلاستيكية في بحيرات المياه العذبة المختلفة وخزاناتها بـ23 دولة حول العالم، لتظهر النتائج انتشارًا واسعًا للتلوث بالنفايات البلاستيكية في تلك المناطق 2. وتزامنًا مع ذلك، كشف فريق الباحثين القائم على الدراسة الثانية بقيادة هدسون بينيرو أن قِطَع النفايات البلاستيكية الكبيرة، المعروفة باسم "الماكروبلاستيك"، تُشكل الجزء الأكبر من النفايات الناتجة بفعل النشاط البشري التي عُثِر عليها بين الشعاب المرجانية في المياه الضحلة والعميقة بـ25 موقعًا عبر أحواض المحيطات الهادي والأطلنطي والهندي. وتضيف الدراسة أن التلوث لم يتوقف انتشاره عند المياه العميقة فحسب، بل طال أيضًا الشعاب المرجانية القابعة في المياه الأكثر عمقًا، على عمق يتراوح بين 30 و150 مترًا، علمًا بأن عدد الدراسات التي نظرت إلى تأثير النفايات البلاستيكية في هذا النوع من الشعاب لا يزال محدودًا 3.

ومن المتوقع أن تلعب كلتا الدراستين دورًا مهمًا في المفاوضات الجارية بالأمم المتحدة حاليًا بخصوص إبرام معاهدة للقضاء على التلوث بالنفايات البلاستيكية، الذي يُعدّ بدوره هدفًا صعب المنال لما يتطلبه تحقيقه من إعادة التفكير بصورة جذرية في عملية إنتاج البلاستيك وإعادة تدويره ومعالجته والتخلّص منه. ومن واقع الخبرة التي تراكمت عبر عقود أُبرم خلالها عديد من المعاهدات البيئية تحت مظلّة الأمم المتحدة، فإن وضع آليات فعّالة وموثوقة لقياس مدى التلوث لدى الدول الموقِّعة على هذه المعاهدات ودرجة امتثالها لأهداف المعاهدات أمر لا يقل أهمية عن صياغة المعاهدات نفسها. ومع ذلك، لا تتضمَّن أجندة المفاوضات حتى الآن خطة واضحة المعالم تضمن خضوع الدول للمساءلة عن الالتزامات والوعود التي تقطعها على نفسها نيابةً عن مواطنيها من مُنتجي البلاستيك ومُصدِّريه ومُعالجيه. ومن هذا المنطلق، تُحتِّم الضرورة تغيير هذا الوضع بسرعة.

مشكلة متعدِّدة المستويات

تُسلّط الدراستان المنشورتان هذا الأسبوع الضوءَ على المشكلة متعدّدة المستويات التي يواجهها القائمون على المفاوضات. فمن ناحية، اكتشف بينيرو وفريقه البحثي نفايات في 77 من أصل 84 موقعًا للشعاب المرجانية حول العالم شملتها دراستهم الاستقصائية. كذلك، بيَّنت الدراسة أن القِطَع الأكبر من النفايات (أي تلك التي يتجاوز حجمها خمسة سنتيمترات وتتكوَّن في معظمها من معدات صيد مهملة أو مكسورة) كانت أكثر شيوعًا من غيرها بين الشعاب المرجانية الموجودة في المياه الأكثر عمقًا. ولكن، من ناحية أخرى، تُبرز نتائج الدراسة مدى تعقيد وحساسية المفاضلات التي يتعيَّن على المفاوضين أن يجروها كي يتمكَّنوا من تقديم حل شامل لمشكلة البلاستيك؛ فالتسرع في فرض الحظر على استخدام شبكات الصيد ومعدّاته الأخرى المصنوعة من البلاستيك قد يُلحق ضررًا كبيرًا بسُبل عيش المجتمعات التي تعتمد على الصيد، الأمر الذي قد يستدعي توفير الدعم أو الحوافز المالية لهذه المجتمعات بما يُمكِّن أفرادها من الامتناع عن استخدام الأدوات التي تضرّ بالشعاب المرجانية في المياه العميقة.

أما دراسة نافا وزملائها فتلفت النظر إلى زاوية تفاوضية أخرى لا تقلّ أهمية عن الزاوية المذكورة سلفًا ولا تخلو منها أي معاهدة بيئية مُجدية، ألا وهي ضرورة تحديد معايير دقيقة لقياس مدى التلوث. وعليه، ستحتاج الدول المشاركة في المفاوضات إلى مناقشة إمكانية الخروج بمعيار أو نظام موحَّد يحدد آليات قياس مدى التلوث بالنفايات البلاستيكية، ومن ثمَّ الاتفاق على الالتزام بهذا المعيار أو النظام الموحَّد. وقد وضع الفريق القائم على الدراسة بروتوكولًا لتصنيف درجات التلوث وقياس شدّته في عيّنات المياه العذبة، وطبّقوه على عيّنات جمعوها من سطح 38 بحيرة وخزانًا، يقع معظمها في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. جمع الباحثون كذلك بيانات عن كل بحيرة ترصد تعداد السكان بالقرب منها وعمقها والمساحة التي تشغلها المناطق الحضرية من رقعة الأراضي التي تمدّ البحيرة بالمياه المتدفقة. وقد صنَّف الباحثون البلاستيك الذي وجدوه في العينات حسب الشكل واللون والحجم، كما أخضعوا عددًا من عينات فرعية للتحليل الطيفي بغرض تحديد التركيب الكيميائي لما فيها من بوليمرات. وبالتأكيد، يجب أن تُدرج هذه المعلومات وغيرها ضمن أجندة المفاوضات بخصوص المعاهدة.

يُذكَر أن مفاوضات معاهدة النفايات البلاستيكية تسير وفق جدول زمني مكثّف وسريع؛ إذ بدأت في مارس 2022، ومن المتوقّع أن تتمخَّض عن نص نهائي للمعاهدة عام 2024. وحال حدوث ذلك، يُنتَظر من الدول المُوقِّعة أن تعمل على أن تكفل قوانينها المحلية بنود المعاهدة بحلول عام 2025.

وقد جرت العادة أن تستغرق المعاهدات البيئية فترات طويلة تتراوح بين خمسة وخمسة عشر عامًا لاستكمالها، بيد أن تسريع العملية قد يدفع الدول إلى التركيز على الجوانب الأساسية من المعاهدة الراهنة. ومع ذلك، ففي الجلسة الأخيرة للمفاوضات، التي انعقدت الشهر الماضي في باريس، أمضى ممثلو الدول معظم الوقت خلال الأسبوع المخصص للجلسة في مناقشة كيفية اتّخاذ القرارات (ثم تعثّروا في الاتفاق عليها). ومن هنا، فإن الالتزام بالجدول الزمني السريع يقتضي أن تكون الجلسات القادمة أسرع وأكثر اختصارًا في تناولها للتفاصيل محلّ النقاش، عِلمًا بأن أحد عيوب هذا النهج السريع في التفاوض يتمثّل في أنه لا يمنح الباحثين والنشطاء الوقت الكافي للمشاركة بصورة فعَّالة وملموسة في عملية صياغة المعاهدة.

يُنظِّم برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ومقرّه نيروبي، جلسة المفاوضات القادمة بخصوص المعاهدة. وهو يدعو المراقبين، ومن ضمنهم الباحثون، للمشاركة بتقديم مذكرات خطّية قبل 15 من أغسطس، تمهيدًا لنشر المسوَّدة الأولى للاتفاقية، المعروفة باسم "المسوَّدة صفر". وعليه، ينبغي للباحثين الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة لحثّ المفاوضين على تعيين مجموعة من الخبراء المتخصصين في القياس والامتثال وضمّهم إلى طاولة المفاوضات.

وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد أكَّد لمجلة Nature عدم وجود مجموعة خبراء متخصصين للنظر في قضيتي القياس أو المساءلة. ومع ذلك، قال ممثلٌ للبرنامج إن المفاوضين "سينظرون إلى آليات المراقبة المعمول بها في الاتفاقيات متعددة الأطراف الأخرى بغية اقتراح أفضل الممارسات بهذا الصدد". ومع أهمية هذه الخطوة، فالمراقبة لا تساوي الامتثال؛ إذ يهدّد الحرص الشديد على الانتهاء من بنود الجدول الزمني المكثّف بالسرعة المطلوبة بأن يكتفي المفاوضون بمعاهدةٍ مطالبها محدودة أو منعدمة تمامًا فيما يتعلق بامتثال الدول لها.

إن نجاح المفاوضات الخاصة بالمعاهدة يتطلَّب التزام الدول بالخضوع للمساءلة. ولذا، فإن عدم وجود مجموعة من المتخصصين على طاولة المفاوضات لضمان وضع معايير للقياس والامتثال قد يمثل خطأً فادحًا. ومع ذلك، فلا يزال هناك متسعٌ لتدارك هذا الخطأ إذا ما انتهز الباحثون الفرصة الثمينة والحاسمة المتمثّلة في ذلك الوقت المتبقّي لحين انعقاد الجلسة القادمة في نيروبي شهر نوفمبر، والذي يمكنهم استغلاله للتعبير عن آرائهم وأفكارهم. عندها، سيكون في استطاعتنا أخيرًا الحدّ من الأضرار الجسيمة للتلوث بالنفايات البلاستيكية التي تعانيها البيئة في جميع أنحاء العالم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.118


1.     Lampitt, R. S. et al. Nature Commun. 14, 2849 (2023). 

Article PubMed Google Scholar 

2.     Nava, V. et al. Nature 619, 317–322 (2023). 

Article Google Scholar 

3.     Pinheiro, H. T. et al. Nature 619, 311–316 (2023).