كيف آل الحال بشركة سلحت علماءها بأدوات الذكاء الاصطناعي؟
09 December 2024
نشرت بتاريخ 25 يوليو 2023
بعد نحو نصف قرن من استخراج حفرياته.. فريق دولي يُسجل ديناصورًا مصريًّا جديدًا
في أوائل نوفمبر 1977، وفي أثناء مسح قامت به بعثة ألمانية لطريق درب الأربعين القريب من الواحات الخارجة بهدف دراسة المتكونات الصخرية، عثر العلماء على مجموعة من الحفريات، وعلى عُجالة، قاموا باستخراجها دون ترتيب، وخلال 3 أيام فقط، استخرج الباحثون هيكلًا لديناصور، وُضع مع باقي العينات وسافر بصحبتها إلى ألمانيا.
كان الهدف من تلك البعثة تحديد الطبقات والحفريات اللافقارية كالقواقع والأصداف، علاوةً على رسم خرائط للثروات المعدنية، لم يكُن ضمن أولوياتها دراسة الحفريات الفقارية على الإطلاق، لذا لم تحظَ تلك الحفريات بالاهتمام اللازم.
ولعقود، قبعت الحفريات دون دراسة داخل خزانة جامعة برلين التقنية، وحين قررت الجامعة غلق برنامج دراسة تلك الحفريات، انتقلت المجموعة إلى متحف برلين، ثم إلى جامعة ألمانية أخرى، ثم عادت إلى متحف برلين للتاريخ الطبيعي بعد تجديده.
وعلى استحياء، حاولت بعض المجموعات البحثية توثيق الديناصور ودراسته، في عام 1990 نُشر ملخص بحثي عن ذلك الديناصور، ثم نُشر ملخص آخر في عام 1999، وهو العام نفسه الذي بدأ فيه أحد الطلاب "ماثيو ليمانا" دراسة الديناصور في أثناء رسالة الدكتوراة.
والآن، وبعد سنوات طويلة من استخراج حفريات ذلك الديناصور، تمكن فريق علمي دولي -يضم باحثين من مصر- ويضم أيضًا طالب الدكتوراة "ماثيو ليمانا" من دراسة الحفريات بالأساليب العلمية الحديثة، ليتأكدوا أن تلك الحفريات تخص ديناصورًا جديدًا لم يُسجل من قبل.. ديناصور "إيجاي سيمخو" أو "سيد الواحة المنسي".
ديناصورات مصرية
ينضم الديناصور الجديد إلى قائمة مؤلفة من 6 ديناصورات تمت تسميتها من مصر قبل ذلك الاكتشاف، هي: "الإيجيبتوصورس Aegyptosaurus" التي عاشت خلال العصر الطباشيري المتأخر، منذ حوالي 95 مليون سنة، و"باراليتيتان ستروميري Paralititan Stromeri"، وهو ديناصور ضخم يُقدر أنه أحد أكبر الحيوانات البرية التي عاشت على الإطلاق، و"سبيناوصورس إيجيتيكس pinosaurus aegyptiacus"، وهو أحد أشهر اكتشافات الديناصورات في مصر، وهو ديناصور مفترس كبير معروف بهيكله الشبيه بالشراع على ظهره، و"البحرية صورس Bahariasaurus ingens"، وهو ديناصور من ذوات الأقدام، من المحتمل أن يكون مفترسًا لاحمًا، و"منصوراصورس Mansourasaurus"، وهو ديناصور آكل للعشب ويُعد أول ديناصور يكتشفه فريق مصري، وكاركارودونتوصور Carcharodontosaurus، وهو أحد الديناصورات آكلة اللحوم.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة، "بلال سالم" -وهو باحث في معمل "هشام سلام لدراسة الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة"- في تصريحات خاصة لـ"نيتشر ميدل إيست": "إن رحلة ذلك الديناصور لم تكن سهلة على الإطلاق؛ فقد نُسي في خزانة الجامعات والمتاحف فترةً طويلة، والآن يجب إلقاء الضوء عليه".
والديناصور المُسجل حديثًا عاش قبل نحو 75 مليون سنة بالقرب من المكان الذي تشغله الواحات الخارجة حاليًّا.. إلا أن بيئته كانت مختلفةً اختلافًا جذريًّا عن الصحراء القاحلة الموجودة الآن.
كانت أواخر العصر الطباشيري فترةً دراميةً من تاريخ الأرض، تغيرت فيها الحياة باستمرار، واستمرت قارات الأرض في الانجراف وتغيير مواقعها مُشكلةً مناخًا عالميًّا جديدًا، ارتفعت مستويات سطح البحر، وكان المناخ مستقرًّا على نحوٍ نسبي.
عاش الديناصور في المرحلة الأخيرة من العصر الطباشيري، وهي الفترة الثالثة والأخيرة من العصر الوسيطي، وامتدت من حوالي 100.5 مليون سنة إلى حوالي 66 مليون سنة، وانتهت بشكل مُرعب مع حدث انقراض الديناصورات بسبب كارثة مهولة.
في تلك الفترة، استمرت الديناصورات في السيطرة على النظم البيئية الأرضية، وازدهرت بعض مجموعات الديناصورات الشهيرة، مثل السيراتوبسيان (الديناصورات ذات القرون)، والتيرانوصورات الشهيرة، مثل تيريكس، بالإضافة إلى الصربوديات والأنكيلوصورات أيضًا.
وينتمي الديناصور المُسجل حديثًا إلى عائلة "السالتاصورات" العاشبة، التي تنتمي إلى مجموعة الصربوديات، وهي مجموعة متنوعة من الديناصورات ازدهرت خلال أواخر العصر الطباشيري، وخاصةً في أمريكا الجنوبية.
تُعرف تلك العائلة بخصائصها الفريدة والمميزة، التي تميزها عن غيرها من الصربوديات؛ إذ كان لدى العديد منها صفائح عظمية مدمجة في جلدها، تُعرف باسم الجلد العظمي أو الدروع الجلدية، وفرت هذه الصفائح الحماية، وتم توزيعها غالبًا على طول ظهر الديناصور وجوانبه.
كما كانت عظام أطرافها قويةً نسبيًّا، مما يشير إلى أنها تكيفت لدعم الوزن الهائل لأجسامها، وهو الأمر الذي تؤكده بقايا "سيد الواحة المنسي".
منصوراصورس وما بعده
قبل سنوات، استخرج فريق مصري يقوده عالِم الحفريات "هشام سلام" بقايا لديناصور عُشبي سمَّوه "منصوراصورس"، وقتها توقع "بلال سالم" وجود ديناصورات أخرى في المنطقة نفسها، وفي عام 2020 عثر "سالم" على فقرات لديناصور -لم يُسمَّ بعد- تختلف اختلافًا كليًّا عن فقرات منصوراصورس.
وقتها، تواصل الفريق العلمي الأجنبي مع الفريق المصري لعمل تعاون دولي لدراسة حفريات الديناصورات، "نحن نملك الكثير من الحفريات.. وهم يملكون الكثير أيضًا.. من هنا بدأ التعاون"، يقول "سالم".
وخلال الفترة الماضية، فحص الفريق بقايا الديناصور "العينات الأصلية كانت عبارة عن 5 فقرات ظهرية و12 عظمة من الأطراف"، يقول "سالم" في تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست": إنه بسبب تنقل الديناصور خلال السنوات الماضية بين المتاحف ومخازن الجامعات فُقدت قطعتان من الحفريات".
قام الباحثون بفحص الحفريات، وأجروا عليها نوعين من التحليل: تحليل للتشابه بينها وبين الأنواع التي تم التعرف عليها، وتحليل إحصاء لتحديد مكانها في شجرة الأنساب.
ولأن الديناصور الجديد عاش في منطقة لا تبعد كثيرًا عن المكان الذي عاش فيه الديناصور "منصوراصورس"، قام الباحثون في الدراسة بمقارنة عظامهما معًا، يقول "سالم": "عظمة قصبة الساق بالإضافة إلى عظمة من عظام مشط القدم مختلفتان في شكلها الهندسي كليًّا عن بعضهما البعض، كما أن شكل الفقرات الظهرية في الديناصور الجديد يُشبه الحرف إكس، وهو ما يختلف عن شكلها في منصوراصورس".
وحين وضع الباحثون تلك الصفات معًا، وجدوا -باستخدام علوم الإحصاء- أن ذلك الديناصور ينتمي إلى عائلة منصوراصورس نفسها، ولكنه نوعٌ مختلف.
ووفق بيان لمركز الحفريات الفقارية تلقت "نيتشر ميدل إيست" نسخة منه، سُمي الديناصور المصري الجديد، إيجاي سيمخو "Igai semkhu" ، وهو اسم مقتبس من اللغة المصرية القديمة، فكلمة إيجاي تعني "سيد الواحة"، أما سيمخو فتعني "المنسي"، وذلك لتاريخه الطويل من النسيان في خزائن المتاحف الألمانية المختلفة، ليكون بذلك الديناصور المصري السابع الذي يتم اكتشافه.
ويقول "سالم" في تصريحات خاصة: إن الديناصور الجديد كان يعيش على اليابسة وبعيدًا عن البحر، على عكس منصوراصورس الذي كان قريبًا من البيئات المائية، "يُفسر ذلك كبر طول الديناصور الجديد الذي يبلغ نحو 15 مترًا مقارنةً بمنصوراصورس الذي يبلغ طوله 12 مترًا، فكلما كانت الديناصورات بعيدةً عن البحر كانت أطول وأضخم".
وفق ما جاء في البيان، تؤكد نتائج الدراسة أيضًا أن مناطق شمال إفريقيا وجنوب أوروبا كانت تشترك بشكل وثيق في وجود ديناصورات رباعية الأرجل الأرضية في نهاية العصر الطباشيري، كما تشير الورقة العلمية إلى أن التاريخ التطوري للديناصورات في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط كان أكثر تعقيدًا مما كان مُتوقعًا، الأمر الذي يصبح جليًّا مع تزايُد الاكتشافات والتوثيق للحفريات في المنطقة.
ويقول "سالم": إن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البعثات الاستكشافية في شتى البقاع المصرية، "أتوقع اكتشاف ديناصورات آكلة للحوم في مصر.. فالنظام البيئي في مصر يؤكد وجود تلك الأنواع بما لا يدع مجالًا للشك.. اكتشفنا الفرائس ولا بُد من وجود المفترس.. وهذا ما قد تكشف عنه البعثات القادمة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.111
تواصل معنا: