رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 30 يوليو 2023
الحر الشديد برًا وبحرًا خلال الشهر الماضي خلَّف تبعات كارثية وبيلة في بعض المناطق.
شهد شهر يونيو الماضي حرًا غير مسبوق في أنحاء الكوكب. إذ قفزت أرقام عدد من أهم المؤشرات المناخية، مثل درجات حرارة الهواء السطحي ودرجات حرارة سطح البحر لتتجاوز أعلى مستوياتها السابقة لهذا الشهر (انظر الشكل "درجات حرارة غير مسبوقة"). كذلك انخفضت خلال الفترة نفسها نطاق مساحة الجليد العالمي لتبلغ أدنى مستوياتها. وواجهت مناطق عديدة حرًا لافحًا، تحطمت فيه الأرقام القياسية لارتفاع درجات الحرارة عن شهر يونيو في شتى بلدان العالم العربي وجنوب أوروبا، وجنوب آسيا، والصين واليابان.
وفي عدة بقاع، جاء هذا الحر بتبعات كارثية وبيلة، تباينت صورها ما بين دمار وتلوث من جراء حرائق الغابات غير المسبوقة في كندا، وارتفاع حصيلة حصاد الأرواح بسبب موجات الحر المطولة التي شهدتها المكسيك. أما في الولايات المتحدة، فيرى باحثون أن التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية يقف وراء تزايُد "ذروة الحر" الذي ضرب جنوبي البلد.
تعقيبًا على ذلك، يقول إريك هولتهاوس، اختصاصي علم الأرصاد ومؤسس خدمة الأرصاد الجوية المعروفة باسم «كارانتلي» Currently في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأمريكية: "يدعم هذا الأدلة التي تشير إلى اضطراب نظام المناخ العالمي".
ارتفاع درجات حرارة منقطع النظير
تحطمت الأرقام القياسية لظواهر مناخية مفردة خلال السنوات الماضية، غير أنه بدا أنها سلكت جميعها منحى مختلفًا يونيو الماضي، على حد ما يفيد به توماس سميث، اختصاصي جغرافيا المناخ من كلية لندن للاقتصاد، والذي أضاف: "في الوقت الحالي، تحطمت الأرقام القياسية السابقة على شتى الأصعدة، ولا أعتقد أن أيًا منا شهد مناخًا مماثلًا". فخلال العقد الماضي، تزايد شيوع الظواهر المناخية العاتية، المرتبطة بالتغير المناخي، وشهدت السنوات الثمانية الماضية درجات الحرارة الأكثر ارتفاعًا على الإطلاق.
إذ ارتفعت درجات حرارة المحيطات أكثر من أي وقت مضى. ففي يونيو الماضي، بلغت قيمة الانحراف الحراري في درجات حرارة سطح البحر على مؤشره، الذي يرصد باستمرار مدى هذا الانحراف عن متوسطاته السابقة، 1.1 درجة مئوية فوق متوسطات درجات حرارة سطح البحر منذ عام 1982 وحتى وقتنا الحالي.
ويعلل سميث لذلك قائلًا: "يمكن أن نعزو هذا الارتفاع في درجة حرارة سطح البحر لكثير من الأسباب، وأهمها مقدار أشعة الشمس التي يتلقاها سطح البحر". وقد شهد هذا العام قدرًا أقل من الغبار الصحراوي. وكانت الرياح عبر المحيط الأطلنطي أضعف من المعتاد، وهو ما يعني أن درجات الحرارة المرتفعة العاتية تلك قد تعود في جانب منها إلى تغيرات طفيفة في الظروف المناخية. غير أن سميث يضيف: "حتى بفرض هذا، بطريقة أو بأخرى، تحطمت الأرقام القياسية لارتفاع درجات الحرارة التي باتت أعلى من أي وقت مضى. وكل هذه الاتجاهات الرئيسية تحركها زيادة انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، التي تؤثر بدورها بلا شك في درجة حرارة سطح المحيطات لأنها تستقبل الأشعة الحمراء من الغلاف الجوي".
كذلك انحسرت وحادت كمية الجليد العالمي كثيرًا عن متوسطاتها المعتادة خلال شهر يونيو. فقد سجل التاسع والعشرين من يونيو الماضي أدنى نطاق لمساحة الجليد العالمي، بلغ 21.78 مليون كيلومتر مربع، ليشكل انحرافًا قوامه 3.84 كيلومترات عن المتوسطات السابقة لهذه المساحة، وفقًا لبيانات واردة عن مركز بيانات الثلوج والجليد التابع لوكالة «ناسا». أما في القارة القطبية الجنوبية، حيث يحل منتصف الشتاء في شهر يونيو، فقد بلغ جليد البحر هناك أدنى مستوياته لذاك الشهر. وفي هذا السياق، تقول كارولين هولمز، التي تدرس جليد البحر في المسوح البريطانية للقارة القطبية الجنوبية في جامعة كامبريدج: "مستويات جليد البحر لم تهبط فحسب إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق لشهر يونيو، بل يأتي هذا على أثر انخفاض غير مسبوق في مستويات هذا الجليد لعدة أشهر خلال الثمانية عشر شهرًا السابقة. ويصعب التنبؤ بمستويات جليد البحر، لكن بالنظر إلى هذه الآونة الأخيرة، من المستبعد أن تقفز مستوياته لتستعيد نطاقها السابق خلال العام المقبل. ويعد جليد البحر ذا أهمية لكثير من الأنظمة الإيكولوجية التي تعتمد عليه، لا سيما في توقيتات تكوُنه وذوبانه، وهي توقيتات طرأت عليها مؤخرًا اضطرابات".
موسم الحرائق
واجهت أيضًا مناطق عديدة من كندا درجات حرارة تصل إلى 14 درجة مئوية فوق المتوسط لشهر يونيو، ناهيك عن حرائق غابات كارثية. وتبرهن بيانات من نظام كوبرنيكوس الأوروبي لرصد الغلاف الجوي أن إجمالي كمية انبعاثات الكربون التي أطلقتها هذه الحرائق في الغلاف الجوي شهر يونيو الماضي تجاوزت الكمية القصوى التي ينتجها عادةً موسم حرائق الغابات على امتداده، وصولًا إلى أواخر شهر أغسطس (انظر الشكل انبعاثات حرائق الغابات"). وهو ما يعلق عليه سميث بقوله: "تنشب هذه الحرائق عادة في كندا في شهر يوليو أو أوائل شهر أغسطس، لتهدأ وطأتها بعد ذلك، لكننا هنا نجد أن وطأة شهر يونيو تزايدت في جسامتها بمقدار عشر مرات عنها خلال الشهر نفسه سابقًا". ويضيف أن لهذا دلالة مباشرة على موجات الحر.
أما في المكسيك، فقد استمرت الحر الشديد لعدة أسابيع، بلغت فيها درجات الحرارة 49 درجة مئوية، وامتدت موجات الحر تلك إلى جنوبي الولايات المتحدة.
بعبارة أخرى، فإن الكوكب على أعتاب فترة ظاهرة إل نينيو، التي تعزز ارتفاع درجات الحرارة، أي أن درجات الحرارة يُتوقع استمرار ارتفاعها، على ما يبدو. وفي ذلك الصدد، يقول سيمث: "يستغرق ظهور التأثيرات العالمية لظاهرة إل نينيو عادة بضعة أشهر. وعلى أحسن الفروض، ستبدأ هذه التأثيرات في الظهور العام التالي".
أما هولتهاوس، فيقول: "النبأ السار هو أننا على دراية بما ينبغي لنا القيام به. وليس الأمر كما لو أننا نتعرض لغزو كائنات فضائية أو لزحف ثقب أسود نحو كوكبنا أو ما شابه. نحتاج إلى تحقيق ما لم تنفك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن المطالبة به، وهو انخفاض ملموس ومستدام في انبعاثات الوقود الأحفوري، وفي أقرب وقت ممكن".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.108
تواصل معنا: