مقالات

Read this in English

البلدان العربية تحصّن نفسها لمواجهة فيروس كورونا المستجدّ  كوفيد - 19

نشرت بتاريخ 18 مارس 2020

عبر كل بلدان المنطقة، يتأكد وقوع عدد متزايد من الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مع اتخاذ تدابير للحدّ من انتشار الفيروس.

صوفي كَزِنز

بيروت، لبنان
بيروت، لبنان
amer ghazzal / Alamy Stock Photo
من المحتمل أن تواجه البلدان في جميع أنحاء المنطقة العربية معدلات أعلى من حالات الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) مقارنةً بالأرقام الرسمية، وفق قول الخبراء، مع تحرُّك الدول لإغلاق الحدود في محاولة للحد من انتشار المرض.

"إننا نعلم أن هناك حالات غير مكتشَفة، ولا نعلم حجم رأس جبل الجليد"، وفق قول عالِم الأوبئة سايروس شهبار، مدير فريق الوقاية من الأوبئة في منظمة »مصمِّمون على إنقاذ الأرواح «Resolve to Save Lives، وهي منظمة توفر تمويلًا محفزًا للدول المهتمة بتحسين الاستعداد لمواجهة الوباء. "هناك اختلاف كبير في القدرات على إجراء الاختبار".

في الوقت الحالي، تبلِّغ المنطقة عن عدد أقل بكثير من الحالات المبلغ عنها في أجزاء أخرى من العالم، ومن ضمنها أوروبا وآسيا. حتى تاريخ  17 مارس، أبلغت 1٧ دولة عربية عن وجود حالات إصابة بفيروس كوفيد-19 على بواباتها الحكومية وعبر وسائل إعلامها الرسمية، كما يلي: قطر: 439 حالة، مصر: 166 حالة و4 وفيات، البحرين: 147 إصابة وحالة وفاة واحدة، الكويت: 130 حالة، العراق: 124 حالة و9 وفيات، لبنان: 109 حالات و3 وفيات، المملكة العربية السعودية: 103 حالات، الإمارات العربية المتحدة: 98 حالة، الجزائر: 48 حالة و4 وفيات، فلسطين: 39 حالة، المغرب: 37 إصابة وحالة وفاة واحدة، عُمان: 24 حالة، تونس: 18 حالة، الأردن: 12 حالة، السودان: إصابة واحدة وحالة وفاة واحدة، الصومال: إصابة واحدة، موريتانيا: إصابة واحدة.

ومصر هي إحدى الدول التي تثير القلق بشكل خاص. فاستنادًا إلى إيزاك بوغوتش، المختصّ بالأمراض المعدية بجامعة تورونتو، الذي عمد مع زملائه إلى تحليل بيانات الرحلات وبيانات المسافرين ومعدلات الإصابة بالعدوى، فقد يكون الرقم الحقيقي أكبر بكثير من التقارير الرسمية.

فقد جاءت نتائج الاختبار إيجابية لعشرات السواح بعد عودتهم إلى بلدانهم من زيارة الأقصر في مصر. ومع ذلك، بقيت المواقع السياحية مفتوحة لأسابيع بعد تفشّي المرض، في بلد تمثِّل السياحة حجر الزاوية في اقتصاده.

وفي إشارة إلى أن الحكومة تتعامل مع الوباء بجدية، أوقفت مصر المدارس والجامعات لمدة أسبوعين -كما فعل العديد من البلدان الأخرى في المنطقة- وستغلق مجالها الجوي اعتبارًا من 19 مارس وحتى نهاية الشهر الجاري.

ويعكس تحرّك مصر لتعليق الحركة الجوية ما تفعله بعض بلدان المنطقة. فقد أوقفت السعودية وقطر رحلاتهما الدولية لمدة أسبوعين، في حين منعت الإمارات دخول غير المقيمين وعلقت رحلاتها إلى العديد من البلدان. كما أن الأردن ولبنان والعراق تغلق حدودها أيضًا، كما تعتزم إغلاق مطاراتها في غضون أيام.

"هناك اختلاف كبير في القدرة على إجراء الاختبارات". سايروس شهبار

لكن قيود السفر لن تتمكن من تحقيق الكثير إذا لم تتوافر البنية التحتية الملائمة للرعاية الصحية في هذه البلدان للتعامل مع تدفق الحالات.

"بشكل عام ليس في منطقة الشرق الأوسط بنية تحتية قوية للرعاية الصحية. فالمستشفيات لا تضم عددًا كافيًا من الأسرّة أو وحدات العزل كتلك التي تجدها في البلدان ذات الدخل الأعلى"، وفق قول عالِمة الأوبئة أميرة رويس، من جامعة جورج ماسون بالولايات المتحدة، التي تدرس الأمراض المعدية الحيوانية العالمية.

إلا أن رويس تؤكّد أن هذا ليس هو الحال في دول الخليج العربي، التي كانت قد تأثرت سابقًا بالفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV)، ولديها، نتيجةً لذلك، آليات أقوى للتأهُّب والاستجابة جاهزة للتطبيق. تم تحديد الفيروس التاجي (كورونا) المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية لأول مرة في المملكة العربية السعودية في عام 2012، وربما  انتقل إلى البشر عن طريق الجمال.

"لقد دفع فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية الكثير من دول المنطقة إلى تكثيف بروتوكولات الاستجابة وإعادة إحياء أنظمتها الصحية، لذا أصبح لديها الآن بروتوكولات جاهزة للتطبيق"، وفق قولها. "بلدان المنطقة الأخرى تفعل ما يفعله الآخرون في جميع أنحاء العالم: إغلاق الحدود، والحدّ من الحركة، وفرض الحجر الصحي الذاتي".

"بشكل عام ليس في منطقة الشرق الأوسط بنية تحتية قوية للرعاية الصحية. وهذا يعني أن المستشفيات لا تضم عددًا كافيًا من الأسرّة أو وحدات العزل كتلك التي تجدها في البلدان ذات الدخل الأعلى". أميرة رويس

تقول سوسو زغيّر، عالِمة الأحياء الدقيقة بجامعة قطر: إن قطر كانت مستعدةً للوباء بشكل جيد، بعد أن أعدت نفسها قبل تأكيد أي حالة في البلاد بوقت طويل. فبينما بدأ تفشِّي المرض في ووهان، أوقفت قطر جميع الرحلات الجوية إلى الصين ومنها، وبدأت وزارة الصحة العامة حملة إعداد للعاملين في مجال الرعاية الصحية بشأن أعراض كوفيد - 19 وتدابير الوقاية من العدوى والسيطرة عليها.

في مطار حمد الدولي في الدوحة، أُعِدّت كاميرات حرارية، وبحلول منتصف يناير، بدأت توعية المجتمع.

"برأيي، إن قطر تفعل كل ما تحتاجه لمكافحة كوفيد- 19. فهي توفر اختبارًا مجانيًّا ورعاية صحية مجانية، وتحرص على شفافيتها العالية فيما يختصّ بعدد الإصابات"، استنادًا إلى قول زغيّر.

لكن الوباء اتخذ منعطفًا مثيرًا للقلق في كلٍّ من قطر والبحرين خلال الأسبوع الماضي، بعد أن أبلغ البَلَدان عن حالات مؤكدة بين العمال المهاجرين. في يوم واحد ، كان نتيجة اختبار 238 مهاجرًا يقيمون في مجمع سكني واحد في قطر إيجابيةً للفيروس. وهناك مخاوف من أن يتكرر الوضع نفسه في أجزاء أخرى من الخليج، حيث يعيش المهاجرون ويعملون في أوساط ضيّقة، مما يجعل التباعد الاجتماعي مستحيلًا تقريبًا.

"يشعر العديد من المهاجرين بالقلق من ترحيلهم إذا ثبتت إصابتهم بـ"كوفيد- 19"، لذا فهناك خوف من عدم إبلاغهم عن الأعراض أو خضوعهم للفحص، وشعورهم بالاضطرار إلى العمل مع الفيروس وتعريض صحتهم وصحة الآخرين للخطر"، وفق قول إليزابيث فرانتز، التي يهدف عملها في مبادرة الهجرة الدولية والمجتمع المفتوح إلى منع ممارسات العمل الاستغلالية التي تؤثر على المهاجرين واللاجئين.

وتتابع قائلة: "لدى دول الخليج أنظمة رعاية صحية متطورة، ولكن لمجموعة متنوعة من الأسباب، فإن عددًا كبيرًا من العمال المهاجرين لا يمكنهم الوصول إليه. وهذا يشمل الخوف من الإبلاغ عن أمراضهم للمشرفين عليهم، ومحدودية النقل من مواقع العمل إلى المرافق الصحية. وفي بعض الحالات، يفشل أصحاب العمل في إصدار البطاقات الصحية لموظفيهم".

وفي غضون ذلك، يتعاظم القلق من أن سوريا واليمن قد يواجهان تفشي المرض، الأمر الذي من شأنه أن يعمّق تدهور حال هذين البلدين، اللذَين تتهاوى أنظمة الرعاية الصحية فيهما.

"يعيش اللاجئون والنازحون داخليًّا، والموجودون في أوساط مزقتها الحرب، في مناطق مزدحمة، وهم مرهقون بالفعل، والتمكُّن من الوصول إلى الرعاية الصحية محدود حقًّا"، وفقًا لقول رويس.

ومع استمرار تفشي الوباء، ينبغي أن تقوي المنطقة نفسها؛ استعدادًا لوقت صعب قادم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2020.38