بعد الإطاحة بالنظام: هذه خارطة طريق للعلم في
سوريا
11 December 2024
نشرت بتاريخ 16 مايو 2019
دليل من عمليات تعدين الرصاص-الفضة القديمة يشير إلى الدهاء غير الاعتيادي للقرطاجيين في أثناء الحروب البونية التي خاضوها بين 264 و146 ق.م.
تمكن باحثون يستكشفون آثار الحضارة القرطاجية التي تعود إلى أكثر من 2500 عام مضت من إماطة اللثام عن أول دليل على استخلاص المعادن الخام في شمال إفريقيا. وتشير النتائج التي توصلوا إليها إلى أن القرطاجيين كانوا أكثر دهاءً وقدرةً على التكيّف مما كان يفترض سابقًا.
في أوجها، كانت قرطاج التي أسسها الفينيقيون في القرن التاسع قبل الميلاد في تونس الحالية، إمبراطوريةً قوية، امتدت عبر شمال إفريقيا وغرب البحر المتوسط. وقد أدى موقعها الإستراتيجي باعتبارها ميناءً مهيمنًا على التجارة إلى جعلها هدفًا للهجمات المتكررة من قبل الرومان.
يلقي الدليل الجديد ضوءًا جديدًا على القصة التي توضح كيف تمكنت قرطاج من تمويل حروبها الطويلة والمكلفة قبل سقوطها النهائي أمام روما عام 146 قبل الميلاد.
بقياس تركيبات نظائر الرصاص الموجودة في الرواسب المأخوذة من مناطق عميقة تحت دلتا ميدجيردا المحيطة بمدينة يوتيكا الواقعة إلى الشمال من قرطاج في تونس، وضع الفريق جدولًا زمنيًّا لنشاط التعدين ذي الصلة بسك العملات المعدنية البونية (البونيقية) التي كانت أساسية من أجل التجارة القديمة.
يقول المؤلف المناظر هوغو ديلايل، من جامعة ليون: "لقد بدأت أول نشاطات التعدين، ليس في وقت تأسيس يوتيكا، بل في وقت لاحق خلال الحروب اليونانية البونية (480- 307 قبل الميلاد)". هذا التصور يستبعد فكرة كون الموارد المعدنية هي العامل المحفّز وراء الاستقرار الفينيقي الأصلي في يوتيكا وقرطاج. "من المثير للاهتمام أن هذه المرحلة الأولية من التعدين تزامنت مع سك العملات الأولى في قرطاج"، وفق قوله. "وانطلاقًا من ذلك الحين، ازداد تعامل الاقتصاد القرطاجي بالنقود".
وجد الفريق أن مرحلة التعدين الأكثر كثافةً حدثت في أثناء الحروب البونيقية. هذا الاكتشاف يعزّز الرأي القائل بأن القرطاجيين -على الرغم من عدم تمكُّنهم من الوصول إلى المصادر التقليدية للفضة في سردينيا وصقلية وجنوب إسبانيا- كان لا يزال بإمكانهم استغلال الموارد الأقرب إلى بلدهم.
"هذه الإستراتيجية التكيفية تدلّ على المرونة الاقتصادية القوية للقرطاجيين، والمعتمدة على معرفتهم الجيدة بمواردهم المعدنية"، وفقًا لقول ديلايل، الذي يضيف: "كانت الإستراتيجية مثمرة؛ لأنها أتاحت لهم محاربة الرومان لأكثر من قرن".
كانت زيادة إنتاج العملات المعدنية في أثناء الحروب البونيقية مدفوعةً بحاجة عسكرية قوية، نظرًا إلى أن قرطاج كانت معرّضة لضغط احتياجها؛ لا لتعزيز جيوشها فقط، بل أيضًا من أجل دفع تعويضات الحرب لروما.
ولكن المدهش أيضًا، وفق إشارة ديلايل، أن نرى هذه المعدلات العالية من نشاط التعدين خلال فترات الاضطرابات الجيوسياسية. بشكل عام، فإن العكس هو الحال، فقد اشتهر الرومان بنشاطهم الحضري المكثف في أثناء فترات الازدهار والاستقرار. ولكن يبدو أن القرطاجيين كانوا استثناءً لهذا النموذج الكلاسيكي.
يقول شيلدون سكاجز، المتخصص في علم الآثار الجيولوجي بجامعة سيتي في نيويورك، والذي لم يكن مشاركًا في الدراسة: إن هذه النتائج تضيف "دعمًا كبيرًا للفكرة القائلة بأن الفضة والرصاص كانا يُستخرجان في شمال إفريقيا بكميات كبيرة خلال العصر البوني".
"إن الدليل الجيولوجي يملأ الثغرات التي لا تغطيها الوثائق التاريخية"، وفق قوله. "إنها معلومات جديدة مهمة؛ فهي تسلط الضوء على طريقة مفيدة للنظر في إنتاج المعادن في مناطق أخرى على امتداد جنوب البحر المتوسط وشرقه".
يعتزم ديلايل وفريقه مواصلة توثيق النشاطات البشرية القديمة، والتي تعتبر مهمة -كما يقول- للحصول على "قراءة طويلة الأجل للعصر الجيولوجي البشري (الأنثروبوسين)".
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.72
Delile, H. et al. Economic resilience of Carthage during the Punic Wars: Insights from sediments of the Medjerda delta around Utica (Tunisia). PNAS http://dx.doi.org/10.1073/pnas.1821015116 (2019).
تواصل معنا: