مقالات
Specials

Read this in English

قطر تنضم إلى الفريق العالمي لاستكشاف الفضاء

نشرت بتاريخ 29 مارس 2018

يغرس الباحثون القطريون العائدون من الخارج في بلدهم بذور الرغبة في فهم الكون.

سارة عثمان

تحتل قطر المرتبة الأولى بين الدول العربية في البحث عن الكواكب الخارجية.
تحتل قطر المرتبة الأولى بين الدول العربية في البحث عن الكواكب الخارجية.
© Getty Images/iStockphoto/Thinkstock Images

منذ أن أطلقت دولة قطر برنامج قطر للبحث عن الكواكب النجمية الخارجية في عام 2010، أصبحَتْ لاعبًا في الفريق العالمي للبحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية.

حتى اليوم، جرى اكتشاف أكثر من 3700 كوكب خارج المجموعة الشمسية، يرجع الفضل الأول في اكتشاف معظمها إلى مرصد كيبلر الفضائي وبعثات K2، وكلاهما تابع لوكالة ناسا. وتتضمن المشروعات الأخرى البارزة -وإن كانت أصغر نطاقًا- برنامجَ الباحث الكوكبي بالسرعة الشعاعية عالية الدقة (هاربس)، وبرنامجَ البحث عن الكواكب واسع الزاوية (واسب). والآن، وفي إطار السعي الحثيث للدولة الخليجية صغيرة المساحة للمشاركة في جهود البحث العالمية، أطلقت قطر برنامجها الخاص "برنامج قطر للبحث عن الكواكب النجمية الخارجية" في عام 2010؛ لسبر أغوار السماء بحثًا عن الكواكب.

والمقصود بالكواكب الخارجية الكواكب التي تدور حول نجم آخر خارج المجموعة الشمسية، وتوجد هذه الكواكب في نطاق مسافات من النجوم التي تتبعها تجعلها صالحةً للسكن، وربما تكون قادرةً على دعم وجود حياة على ظهرها. وثمة العديد من الأسباب التي تدفعنا للبحث عن هذه الكواكب التي تتناثر بوفرة في أرجاء الكون: أحد هذه الأسباب هو سبب مترسخ في الجانب النفسي من الطبيعة البشرية، هو التحقق من شعور البشر بأنهم وحيدون في هذا الكون، وثمة سبب آخر يتمثل في البحث عن مفر من مستقبل الأرض الذي قد يخيِّم عليه استنزاف مواردها، أو ربما هو السعي لفهم كيف بدأ الكون ومن أين أتى البشر، الذي يؤجج نيران ذلك البحث الحثيث في السماء المظلمة.

تأسس برنامج قطر على يد خالد السبيعي، الذي عاد إلى قطر بعد حصوله على درجة الدكتوراة في علم الفلك في المملكة المتحدة، حيث نجح في جمع التمويل اللازم والعلاقات لاستخدام خبرته في مشروع البحث عن كواكب خارجية في وطنه.

لكن ما الذي يحفز دولة صغيرة الحجم من دول الخليج العربي تتمتع باقتصاد مزدهر قائم على الوقود الحفري على أن تدعم مساعي البحث الفلكي؟

يقول زهير بن خلدون، رئيس اللجنة الوطنية لعلم الفلك بالمغرب: "من وجهة نظري، يبدو أن دول الخليج العربي، بل ودول الشرق الأوسط كلها، أدركت أخيرًا أهمية الاستثمار في البحث العلمي بصورة عامة، وفي علم الفلك وعلوم الفضاء بصورة خاصة، نظرًا لما يحمله هذا الاستثمار من فوائد لا تُقدَّر بثمن فيما يتعلق بالتنمية".

ويوافق أندرو كاميرون -أحد أعضاء الفريق العلمي في برنامج قطر للبحث عن الكواكب النجمية الخارجية، وأستاذ علم الفلك بجامعة سانت أندروز- على هذا الرأي، قائلًا: "إن تمويل المشروعات العلمية المرتبطة باستكشاف السماء (وفي حالة برنامج قطر فإن التمويل مصدره الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي) دائمًا أمر جدير بالاهتمام من حيث إلهام الأجيال الجديدة من العلماء وتحفيز السبل الجديدة المبتكرة في استخراج المعرفة من مجموعات هائلة من البيانات. إن فوائد هذه المشروعات عملية، وهي كذلك ملهِمة فلسفيًّا".

يستخدم برنامج قطر نهجًا في استكشاف الفضاء يُعرف باسم "رصد الأجسام العابرة" لاكتشاف الكواكب الخارجية الجديدة من خلال التلسكوبات البعيدة التي تقع في ولاية نيومكسيكو (الولايات المتحدة) ومدينة تنريف (إسبانيا) ومدينة أورومتشي (الصين). وتعمل هذا التلسكوبات على التسجيل المستمر للضوء في السماء، وإذا ما عبر أحد الكواكب طريقَ الضوء يَظهر تذبذبٌ في الضوء، والتذبذب غير المتوقع يشير إلى عبور جسم لم يكتشفه أحد من قبل. 

ومنذ إطلاق البرنامج في عام 2010، اكتشف برنامج قطر ستة كواكب خارجية جديدة بهذه الطريقة، أطلق عليها "قطر – 1 بي" و"قطر – 2 بي" و"قطر – 3 بي" و"قطر – 4 بي" و"قطر – 5 بي" و"قطر – 6 بي"، وجميعها من نوع كوكب "المشتري الحار"، الكواكب الغازية الضخمة الحارقة، التي لا تسمح بوجود الأشكال الأساسية للحياة.

والكواكب التي تركز الجهودُ البحثية على استكشافها هي كواكب في حجم مماثل لحجم الأرض، وظروفها تسمح بوجود ماء سائل على سطحها، غير أن جميع المساعي التي تُبذل لفهرسة جميع أنواع الكواكب الخارجية قيّمة للغاية من أجل التوصل إلى فهم أساسي للكون من حولنا.

وفي غضون العامين القادمين، من المتوقع أن يكتشف مشروع ناسا البحثي المكثف الذي يحمل اسم "القمر الصناعي لرصد الكواكب الخارجية العابرة" (TESS) -والذي من المُزمَع إطلاقه في شهر مارس 2018- معظم الكواكب الخارجية المتبقية من نوع "المشتري الحار" (والتي تبلغ 3000 كوكب آخر على الأقل) في نطاق درجة السطوع وعمق العبور المتاح لتلسكوبات برنامج قطر. ولدى مشروع وكالة ناسا ميزة إضافية، تتمثل في أن التلسكوبات التي يعتمد عليها موجودة في الفضاء، مما يوفر إشارةً أفضل ونطاقَ وصولٍ أفضل من التلسكوبات على الأرض. غير أن كاميرون يثق بأن المشروعات الأصغر نطاقًا والموجودة على الأرض -مثل مشروع "واسب" وبرنامج قطر- ستقدم معلوماتٍ ذات قيمة هائلة أيضًا.

ويضيف كاميرون: "بمجرد تحقق ذلك الهدف، سيكون ثمة دور جديد شديد الأهمية لمشروعات مثل برنامج قطر في الاستمرار في مراقبة عبور الكواكب بعد انتقال TESS إلى ميادين أخرى لمسحها، فمن الضروري وضع توقُّعات دقيقة حول عمليات عبور الكواكب لسنوات قادمة في المستقبل".

وفي ظل ثراء السماء بالكثير من الأسرار التي تحتاج إلى مَن يكشف عنها النقاب، ونظرًا لأن التمويل لا يمثل مشكلةً لبرنامج قطر، فغالبًا ما ستظل تلسكوبات قطر موجهةً إلى السماء على مدار السنوات القادمة. وربما يكون التركيز على علم الفضاء تحديدًا أكثر من مجرد تطوُّر في التحوُّل إلى الاقتصاد المستدام القائم على المعرفة؛ إذ ربما يمثل أيضًا إحياءً للتراث التاريخي في المنطقة العربية.

ويشهد على هذا أيضًا تطوير برنامج الفضاء لدى جارتها دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يتضمن العديد من مشروعات الأقمار الصناعية، ومشروع الإمارات لاستكشاف المريخ. 

doi:10.1038/nmiddleeast.2018.37