مقالات
Specials

Read this in English

قلب التقاليد رأسًا على عقب

نشرت بتاريخ 20 مارس 2017

رامي كرم عزيز يُحدِث تموجات في محيطه بلجوئه لأساليب التوجيه غير التقليدية. ولكن هل تؤتي مخالفة الاتجاه السائد ثمارها؟

باكينام عامر

كان من الواضح بالنسبة لرامي كرم عزيز أن مصيره لا يتوقف عند كونه عالِم أبحاث "يقبع في أحد المختبرات المظلمة في القاهرة، أو يجلس في برج عاجي" -بل في التدريس، رئيسًا لقسم علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في كلية الصيدلة، جامعة القاهرة. "ليس هناك أمل كبير للعلماء في مصر إذا لم تكن معلّمًا أو موجّهًا مشرفًا".

عزيز، الذي تتجلى اهتماماته في بيولوجيا الأنظمة الميكروبية، والجينوميات وما وراء الجينوميات (الميتاجينوميكس) وتحليل الريزستوم، والذي درس المعلوماتية الحيوية والبيولوجيا الحاسوبية، كان قد حصل على درجة الدكتوراة من جامعة تينيسي في الولايات المتحدة. 

عاد عزيز إلى القاهرة يراوده حلم.

باعتباره واحدًا من قلة من العلماء الذين تخصصوا حصرًا في المعلوماتية الحيوية والجينوميات في مصر، فقد رغب في مشاركة هذا الشغف مع الطلاب. "إنه استثمار طويل الأجل. حلمي هو أن يكون لديَّ مركز للمعلوماتية الحيوية في مصر"، وفق قوله، في إشارة إلى الهند كنموذج محتمل تستطيع مصر تقليده. 

وتزخر مواقع التواصل الاجتماعي لعزيز بتعليقات الطلاب الممتنّين والذين يشيدون بطرقه في التعليم، ويقولون إن شغفه مُعْدٍ. حتى إن بعضهم يقول إنه يُدخل "تجربة" جديدة من العلوم إلى جامعة القاهرة. 

ولكن عزيز يتجاهل المديح، معترفًا بأنه يبذل جهدًا لتحسين خبرة التعلم لكنه "لم يحقق ذلك بعد". وهو يخبر NME أنه لا يحب أن يبدو خائب الأمل إزاء حالة العلم في مصر. فهو يقول إنه ليس متفائلًا جدًّا، لكنه يصر على أن التاريخ ليست خطًّا طوليًّا، و"ربما حدث شيء ما ليغير هذا الوضع".

ولكن ما الذي يفعله عزيز ويختلف جدًّا عن الكثير من أقرانه لكي يلهم طلابه؟ تحدثت NME مع العالم عن طريقة ابتكاره لـ"نظام جديد" من التوجيه يعتقد أنه قد يساعد الباحثين الشبّان على شق صفوف التيار السائد. وناقش ما إذا كانت جهوده تستطيع أم لا تستطيع أن تتضاعف أو أن تقوم بما يكفي لوقف "نزيف الأدمغة" الذي ابتليت به الدوائر الأكاديمية في مصر.

رامي، أنت تحاول أن تؤثر على طلابك عن طريق تحديث نظام التدريس في كليتك، وإدخال أمور كالتعلم الإلكتروني، المألوفة في الغرب ولكنها غريبة على الجامعات الحكومية في مصر، وتطبيق أساليب تدريس غير تقليدية. ما مدى صعوبة الخروج على التقاليد؟ 

لا أومن بالإصلاح من القمة إلى القاعدة أو بالثورات المفاجئة. لا أعتقد أن التغييرات الكبيرة تحدث بإسقاط النظام. لذا فإني أركز على البشر. أنا أقول لنفسي لو تمكنت من تغيير حياة طالب واحد فقط، فهذا يكفيني. أريد مساعدتهم على زيادة معرفتهم وأن يصبحوا علماء. بطبيعة الحال، قد ينتهي الأمر بالطلاب الذين أدرسهم إلى مغادرة مصر، ولكن دومًا آمل أنهم سيعودون لإصلاح النظام. وآمل بحدوث تأثير الدومينو. ليس دوري انتظار النتيجة، ولا أن أرطم رأسي بالحائط. 

إني لا أصلح النظام تمامًا هنا، ولكني أحاول إبطاء الضرر. أحد الأمور التي أحاول أن أزرعها في طلابي هو في الواقع جزء أساسي من المنهج العلمي: ممارسة العلم، ثم توفير النتائج. أريدهم أن ينشروا خلال سنوات دراستهم، وهو أمر نادر جدًّا هنا.

أخبرنا عن بعض التحديات التي واجهتها في هذا المجال؟

حسنًا، إننا بالطبع خارج المنافسة [نتيجة] نقص الأموال ونقص الموارد المادية. في سان دييغو، يمكنني أن أطلب مَشْرَعًا لتضخيم الـDNA (الحمض النووي) قبل السادسة مساء وأحصل عليه قبل ظهر اليوم التالي. في مصر، نحصل عليه بعد 3– 4 أسابيع، ونتكلم هنا عن كواشف أساسية. ما أفعله في ثلاثة أسابيع هناك يتطلب ثلاثة أضعاف الوقت هنا، إن لم يكن أكثر. وهذا لا يتضمن المشكلات الأخرى مثل البيروقراطية وتراجع الاقتصاد.

يحاول بعض الناس التغلب على المنافسة. إنهم يلعبون نفس اللعبة -بشق الأنفس، في محاولة للقيام بما يفعله العالم الأمريكي تمامًا ولكن مع بعض التأخير. وفي رأيي، فإن الطريقة الوحيدة للتغلب على المنافسة هو أن نسبق الزمن بسنتين، وأن نقوم بأمر مبتكر للغاية.

إذن ما أفعله مع طلابي هنا "رمزي". إنه يستهدف تعليمهم طريقة أداء العلم، وطريقة إنتاج المعرفة. لكننا لسنا على قدم المساواة، وخاصة في ذلك النوع من البيولوجيا التجريبية.

عزيز مع بعض طلابه.
عزيز مع بعض طلابه.
 ما هو الثوريّ في طريقتك في التدريس؟

إني أحاول إثارة فضول الطالب بإعطائه المزيد دائمًا. إن الأمر لا يتعلق بالدرجات، وهي ليست القاعدة هنا، بل بإثراء الشغف. حتى إني أطرح أسئلة لها نقاط مكافأة على الطلاب المجتهدين لتحدي الشغوفين بالدرس. أنا أستهدف الجميع ولكني أوجه جزءًا من تركيزي إلى الأقلية الاستثنائية –البارزة. إني أحاول أن جعل الطلاب المتفوقين أكثر فضولًا. ولكني أحاول إشراك أولئك الذين يريدون أن يتعلموا.

مما أقوله لطلابي في المحاضرة الأولى [في بداية العام الدراسي] أننا لم نَعُد في عصر توجد كل المعرفة فيه لدى الأستاذ. إني أقول لهم إن التعليم عملية تعاونية؛ وأن المعرفة الجماعية لديهم تفوق ما لديَّ من معرفة. وكان المعلم الثوري باولو فريري قد قال ذات مرة إن التعليم التقليدي -وهو المألوف في مصر- يشكل جزءًا من ثقافة القمع وغسل الدماغ. وأنا أتفق معه. أنا أقول لطلابي: عندما أنتهي من قول ما سأخبركم به، سيصبح قديمًا. عندما تصبح معلومة ما في الكتب المدرسية، ستغدو قديمة. إن مجالنا ديناميكي. لا يسعني إلا تعليم كيفية الوصول إلى المعرفة.

إذًا بطريقة ما، لست أكثر من وسيط، جسر بين العلم والطلاب. إنها طريقة مجدية والطلاب يقدّرونها. إنهم يحصلون على جوهر ما أحاول أداءه، وهو أني أعاملهم كأقران، وأحترمهم. أنا أحب العلم وأحاول أن أجعلهم يحبونه. هم لا يقولون أبدًا إنني خطيب مفوّه، فأنا لست جذابًا. ولكن العديد من الأساتذة يحطّون من شأن الطلاب ويشكون ضحالة ثقافتهم، خلافًا لما أفعله. إنها مفارقة. فأنت كالطبيب الذي يقول للمريض إن مرضه أشدّ من قدرته على علاجه.

يركز أسلوبك في التدريس بشكل كبير على إجراء البحوث، وإن كانت على نطاق ضيق، وأنت تقول إنها جزء من ثقافة ترغب بتعميمها. كما تشجع الطلاب على بدء منتدياتهم العلمية وتتابع الأمر معهم. هل هذا جديد حقًّا بالنسبة لجامعة عريقة مثل جامعة القاهرة؟

[في مصر]، نقيم لتدريس المقررات وزنًا أكبر بكثير من الأبحاث... أنا أفعل العكس [في جامعة القاهرة]. إننا مؤسسة بحوث علمية ولسنا مؤسسة تعليمية. نحن مركز للعلم لا للتعليم. إذا كنت تدرس فقط العلوم غير المباشرة، فأنت لا تدرس إذًا بالطريقة الصحيحة. فمعظم الأساتذة يتوقفون عن إجراء البحوث بمجرد حصولهم على الترقية. إن درجة إتاحة البحوث الأساسية منخفضة.

إذا لم نتمكن من إنتاج العلم المبتكر، فأقل ما يمكننا عمله هو التركيز على بعض المجالات البحثية لنتمكن من التدريس. إذا لم تكن راغبًا في إنتاج المعرفة ولو على نطاق ضيّق فأنت لست أهلًا للتدريس على نطاق جامعي. ثمة اختلاف كبير بين تدريس ما توصلت إليه بالبحث وما شاركت فيه عن بعد أو قرأته فقط.

إني أحاول أن أضع العلم حيث يجب أن يكون- في بؤرة التحصيل الأكاديمي.

أتصور أنه ليس بالأمر السهل.

سيبقى نظامًا هشًّا إلى أن تتبناه مجموعة وازنة. يجب أن توجد خارج النظام لتتمكن من إصلاحه، وهذا هو السبب في البدء بالسفر إلى الخارج، ثم العودة لكي تنقل المعرفة. يجب أن يكون الجهد جذريًّا. لأنه في الوقت الذي يصبح فيه العديد من الأساتذة في منصب رفيع أو موقع يمنحهم الصلاحية لإجراء تغيير، يكونون قد أصبحوا عرضة للمساومة؛ أو أصبحوا جزءًا من النظام؛ أو أنهم أصبحوا في سنّ أكبر من أن يغيروا أي شيء. لا يمكن للتغيير أن ينبع من النظام الذي خلق المشكلة.

ما القِيَم العلمية التي تحاول غرسها؟

رامي كرم عزيز: هناك بعض القيم التي تتخطى حدود التقاليد، كالمنهج العلمي والبيئة العلمية، ولكن كل شيء قابل للتفاوض. على سبيل المثال، يجب أن نعزّز العمل الجماعي، ونجعله يتمركز حول قسم البحوث، وليس حول الباحث. وهناك حالات بالطبع تتطلب منك تغيير التقاليد، لا النظام. إنني أسعى لاستحداث نظام هجين. لا أحاول نسخ نظام الغرب أو نظام الولايات المتحدة؛ لأنه لن يصلح في مصر. التجربة الآسيوية غنية جدًّا عندما يتعلق الأمر بالعمل الجماعي المختبري مثلًا. يمكننا الاقتراض من أخلاقياتهم في العمل.

ما هي بعض المجالات الواعدة للعلم هنا التي تعتقد أن الطلاب يمكنهم التركيزعليها، إذا لم يتمكنوا من المغادرة ومتابعة البحوث في مكان آخر؟

أنا منحاز ولكن إحدى الطرق للتحرر من النظام تكمن في تعلُّم المعلوماتية الحيوية. لقد تخصصت فيها في الولايات المتحدة، في البيولوجيا الحاسوبية على وجه التحديد، التي تحاول فهم الجزيئات باستخدام أجهزة الكمبيوتر. نحن لسنا خارج المنافسة في هذا المجال لأنه في الغالب من ألعاب الدماغ. لدينا القدرة البشرية، والطلاب أذكياء ومتحمسون. ولكن يحدّنا أحيانًا عرض النطاق الترددي للإنترنت وعدم توفّر أجهزة الكمبيوتر القوية، ولكنها ليست ما يَعوق تقدمنا. إنها البيئة التي يعمل بها الطلاب، وهذا هو العيب الرئيسي. ولكن تغييره ممكن، وهو أمر في متناول أيدينا. وهذا –بالمناسبة- ما كانت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا تحاول تغييره عن طريق إيجاد بيئة داعمة للطلاب المبدعين. فقد عقدوا ندوات هادفة مع حملة جائزة نوبل، وتعاونوا مع 15 مختبرًا آخر. وإذا تخرجت من هناك، يمكنك أن تصبح جزءًا من نظام فعال جدًّا. في جامعة القاهرة علينا أن نبتكر نظامنا الخاص. وسيتعين علينا دفع الآخرين إلى اللحاق بطريقتنا.

doi:10.1038/nmiddleeast.2017.48