لماذا حصد التنبؤ ببنية البروتينات جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024؟
12 October 2024
نشرت بتاريخ 20 مارس 2017
رجاء المورسيلي، عالِمة الفيزياء النووية المغربية حاصدة الجوائز، تتحدث عن سعيها وراء التميز في بلدها الأم و"الجسيم الإلهي" بعيد المنال في الخارج.
لا تعرف رجاء الشرقاوي المورسيلي -أستاذة الفيزياء النووية- الكلل، سواء أكانت تعمل مع فريقها على إتقان كاشف الجسيمات دون الذرّية، أم تكافح من أجل بيئة بحث علمي أكثر إيجابية في بلدها الأم، المغرب.
يتحدّث سجل إنجازات المورسلي عنها. ففي عام 2015، حصلت على جائزة لوريال –اليونسكو للنساء في مجال العلوم عن الدول العربية وشمال أفريقيا؛ نظرًا لإسهامها الرئيسي في الكشف عن جسيم بوزون هيجز Higgs boson. ويعد بوزون هيجز أحد الجسيمات السبعة عشرة المتوقَّع وجودها، وفق النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات الذي يقدم توصيفًا نظريًا للعالم دون الذري.
وقد جاء هذا الاكتشاف بفضل تعاون آلاف العلماء من مختلِف أنحاء العالم في مصادم الهدرونات الكبير (LHC) في سيرن وتجربة الكاشف أطلس ATLAS، ومن بينهم رجاء المورسلي. كانت العالِمة المغربية وفريقها قد أسهموا في بناء ومحاكاة واختبار وإطلاق المِسعَر الكهرومغناطيسي، أحد كاشفات الجسيمات دون الذرية في تجربة ATLAS.
وبوصفها نائب رئيس جامعة محمد الخامس في الرباط، وعضوًا مقيمًا في أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، فهي تسعى لإثراء الثقافة العلمية في البلاد. لقد ابتكرت المورسلي أول درجة ماجستير في الفيزياء الطبية في المنطقة، ويمكن للطلاب التقدم بطلب للحصول عليها ودراستها مجانًا. وبدلًا من الانتقال بصفة دائمة إلى الغرب الذي يتميز ببنية تحتية علمية أقوى، قبلت المورسلي وظيفة بحثية في المغرب. وهي تتحدث فيما يلي عن بعض هذه الخيارات، وأحلامها للعلوم في منطقة ممزقة.
اخترتِ في وقت مبكر من حياتك المهنية أن تتابعي بحوثك في الفيزياء النووية في المغرب بدلًا من فرنسا. ما الذي دفعك إلى اتخاذ هذا القرار، وهل رأيتِ فيما بعد أنه أدى إلى تعثُّر حياتك المهنية كعالِمة؟
إن عودتي إلى المغرب لم تكن في الحقيقة خيارًا شخصيًّا، فقد عُرضت عليَّ منحة دراسية من قِبل CNRS (المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي) لمواصلة دراستي في فرنسا. ولكن بعد عودتي في فصل الصيف للإعداد لتقديم الطلب، رفض والدي الإصغاء إليَّ وقال: "يتعين عليكِ العودة إلى هنا ومساعدة بلدك". وتلا ذلك عامان من عدم اليقين، تساءلت خلالهما عن مدى [جدِّيّة] هذا الخيار. شعرت بأني أسير إلى الخلف من الناحية العلمية. ولكن ما إن عاودت التواصل مع زملائي في فرنسا مرة أخرى وبدأت التعاون معهم، حتى تحسنت الأمور. كما تمكنت من الحصول على بعض المنح الصغيرة للقيام بمشروعات بحثية مدتها شهر في فرنسا من وقت لآخر، ولجأت أحيانًا إلى الإنفاق من مالي الخاص لإجراء التجارب، فقد كنت مهووسة بالعلم.
لماذا اختار عدد قليل جدًّا من العلماء المغاربة العودة إلى بلادهم من فرنسا. وهل البيئة البحثية في المغرب أفضل حالًا اليوم؟
كل أبناء جيلي –تقريبًا- من الباحثين المغاربة من حملة شهادة الدكتوراة أو ما فوقها قضوا في فرنسا معظم حياتهم المهنية، ففي ذلك الوقت لم تكن أولويات البحث العلمي في المغرب واضحة على الإطلاق، باستثناء مجال الزراعة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الجامعات المغربية أكثر حرصًا على توظيف أساتذة لا باحثين، وهذا ما لم يَرُق لكثير ممن كانوا يجرون بحوثًا علمية متقدمة في فرنسا. ولكني الآن عندما أخبر [أقراني] عن الوثبة التي قطعتها المغرب خلال العقد الماضي في مجالات البحث العلمي، يمكنني القول إنهم يبدون الندم على عدم عودتهم. إن الجزء المخصص للبحوث والعلم والتنمية من الناتج المحلي الإجمالي لا يزال صغيرًا، أقل من 1٪، ولكن الشركات العالمية الكبرى تعمل على تثبيت قواعدها في المغرب... فهم يوظفون باحثين محليين في الأنظمة المدمجة والسيارات المزودة والموصولة بالإنترنت وغيرها من مجالات الإلكترونيات... وتشمل المجالات الحيوية الأخرى للبحوث في المملكة، الزراعة والطاقة المتجددة والطاقة التقليدية، فضلًا عن العلوم الاجتماعية.
كيف وصلتِ إلى العمل مع سيرن؟
في عام 1996، بعد أشهر من مناقشة أمر التعاون مع سيرن أمام لجان الجامعة والدولة، أصبح المغرب رسميًّا أول بلد أفريقي يدخل إلى سيرن. لقد تحدث إلينا العديد من الناس لإخراجنا منه، مُدَّعين أن هذا الحلم لن يصبح واقعًا أبدًا، لكنه تحقق. في سيرن، عمل فريق من علماء الفيزياء النووية -وأنا من بينهم- على بناء أجزاء من مفاعل فرعي للكاشف أطلس ATLAS، بلغ طوله ارتفاع مبنى من خمسة طوابق. أطلس هو كاشف ضخم يتألف من طبقات فرعية من الكواشف، كل منها مسؤول عن الكشف عن جزيئات محددة، وكل مختبر أو بلد مسؤول عن محاكاة أحد الكواشف الفرعية، وتجميع البيانات وتحليلها. وكان فريقنا من العلماء من الرباط والدار البيضاء ووجدة مسؤولًا عن بناء المِسعَر الكهرومغناطيسي للكشف عن أشعة غاما والإلكترونات.
أنتِ عالِمة لها احترامها وتتمتع بشهرة عالمية. هل تستغلين وضعك للتأثير على صانعي القرار في المغرب من أجل خلق بيئة بحثية أفضل؟
لقد مكنتني الجوائز التي تلقيتها من أخذ موعد مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والجلوس معه كلما دعت الحاجة. وساعد على ذلك، وجود جامعة محمد الخامس في الرباط، وقربها من مكتب الوزير الذي يرد إليه مجموعة كبيرة من الأكاديميين والخبراء الموجودين في الجوار كلما برز سؤال على صلة بالعلوم. واحدة من أكبر المشكلات التي نواجهها -فيما يتعلق بتطوير البحوث- على صلة بالقانون. لكننا نجري تغييرات. في كانون الثاني/يناير الماضي، جرى التوقيع على قرار مشترك بين وزارتنا ووزارة المالية، يتيح للجامعة الحصول على أموال خاصة للمشروعات البحثية وإدارتها دون رقابة وثيقة من جهات خارجية. ونعمل حاليًّا على أمر آخر وهو تغيير توقعات الطلاب. يجب أن يتوقفوا عن توقُّع توظيف الدولة لهم بعد تخرجهم من الجامعة. لا وسيلة تمكّن الدولة من استيعاب هذا العدد الكبير. لذلك أنشأنا مركزًا للمشروعات الذاتية الصغيرة، وهو مركز للابتكار، ونحرص على تقديم هذه الطريقة المبتكرة للتفكير [في تفكير الخريجين].
كيف جاءتك فكرة اقتراح أول درجة ماجستير في المنطقة في تخصص الفيزياء الطبية في المغرب ؟
لقد راودتني الفكرة أثناء محادثة أجريتها في عام 2005 مع وزير الصحة وأستاذ متخصص في العلاج الإشعاعي. وكان على وشك افتتاح مركز جديد للعلاج الإشعاعي في أغادير، ولكن الوزير لم يتمكن من العثور على مرشح مدرّب على استخدام الآلة في المركز. ولم يكن لدى أيٍّ من الشباب المغاربة الذين يدرسون هذا المجال في فرنسا أي نية للعودة إلى المغرب، لذا كان يتوجب إجراء التدريب محليًّا. في عام 2009، بعد عقد العديد من الاجتماعات، ابتُكِرت شهادة الماجستير المجانية في الفيزياء الطبية. كان عليَّ إيجاد خبراء وأكاديميين على استعداد للتدريس مجانًا، وحتى إني أحضرت بعض زملائي فيATLAS لعرض كيفية عمل المسرّع، نظرًا لأن مجال الطب هو أحد استخداماته الأكثر شيوعًا. وتزامن ابتكار درجة الماجستير هذه مع مبادرة سمو الأميرة للا سلمى لمحاربة السرطان (الذي قضى على حياة والدتها) من خلال تطوير مراكز العلاج الإشعاعي والطب النووي والأشعة في جميع أنحاء المغرب. فلولا درجة الماجستير هذه -التي دربت أكثر من 50 طالبًا حتى الآن- لما تمكنَّا من العثور على الخبرات اللازمة لتشغيل تلك المراكز.
ليس في المغرب الكثير من النساء ذوات الخبرة في مجال البحث العلمي، مقارنة بعدد اللاتي يدرسن العلوم. ما الإجراءات التي يجب إتخاذها على أرض الواقع لضمان تأمين مسارات مهنية لهن في مجالات البحث العلمي؟
تشكل الإناث 40٪ من طلبة كليات الهندسة في المغرب، وهو رقم يفوق نسبتهن في أوروبا، وهن [بعض] أفضل الطلاب. ومع ذلك، لا يشغلن المناصب الرفيعة، و حضورهن في مجال البحوث ليس كبيرًا . وربما تنهي معظمهن جهودها العلمية عندما تتزوج. و للتأكد من عدم خسارة العلم للموهوبات لصالح الزواج، يجب أن تمنح المؤسسات جوائز أو زمالة للعالِمات الناجحات لأنها تشجعهن على الاستمرار في العمل. حتى لو كان الزوج مترددًا، فعندما يرى أن زوجته معروفة ومقدّرة مهنيًّا سيشعر بالفخر ويصبح أكثر تقبّلًا لاختياراتها. دعيني أخبرك ما حدث لي في يوم زفافي: لقد رفض والدي المهر الذي قدّم لي، ونظر في عيني زوجي مباشرة قائلًا: "ليس لديَّ أبقار للبيع. لديّ ابنة بتحصيل علمي رفيع، وأطالبك بالسماح لها بالقيام بما ترغب فيه مهنيًّا". ولطالما احترم زوجي هذه الرغبة.
doi:10.1038/nmiddleeast.2017.47
تواصل معنا: