أخبار

Read this in English

نجم قريب يحتضن سبعة كواكب قد تكون صالحة للحياة

نشرت بتاريخ 28 فبراير 2017

إن وجود أرض ثانية ليست مسألة ’لو‘ بل ’متى‘، وفق قول العلماء.

سارة هيدلستون

يُظهر مفهوم الفنانين كيف يمكن أن يبدو نظام الكواكب ترابيست-1، استنادًا إلى البيانات المتوفّرة عن أقطارها، وكُتَلها، وبُعدها عن النجم المضيف.
يُظهر مفهوم الفنانين كيف يمكن أن يبدو نظام الكواكب ترابيست-1، استنادًا إلى البيانات المتوفّرة عن أقطارها، وكُتَلها، وبُعدها عن النجم المضيف.
© NASA/JPL-Caltech 
على بُعد أربعين سنة ضوئية، يُشرق نجم صغير هادئ بلون قرمزي داكن على سبعة كواكب تدور حوله وتُماثِل في الحجم والكتلة كوكبنا. ولأنه أبرد من شمسنا، فهو يحتفظ بكواكبه على مسافة أقرب، وطاقة الأشعة تحت الحمراء التي يمكننا الشعور بها كدفء حتى على جلدنا، تكفي لوجود مياه على كلٍّ منها، وربما بالتالي، الحياة.

"هذا الاكتشاف يعطينا إشارة إلى أن العثور على "أرض" ثانية ليست مجرد مسألة لو، بل متى"، وفق قول توماس زوربوشن، المدير المشارك لإدارة المهام العلمية في مقر ناسا في واشنطن، "ما بحوزتنا يمثِّل خطوة كبيرة إلى الأمام للإجابة عن السؤال: هل نحن وحدنا في الكون؟".

يُعرَف هذا النجم باسم ترابيست-1، واكتشاف الكواكب السبعة التي تدور حوله هو حصيلة أكثر من ألف ساعة من الرصد من قِبَل علماء الفلك من التلسكوبات الأرضية في كل من تشيلي، والمغرب، وهاواي، وجزر الكناري، وليفربول، وجنوب أفريقيا، و20 يومًا من المراقبة المستمرة من تلسكوب سبيتزر الفضائي التابع لناسا.

"هذه هي المرة الأولى التي يُعثر فيها على هذا العدد الكبير من الكواكب من هذا النوع حول نفس النجم. إنها تشكل نظامًا مصغّرًا جدًّا؛ فالكواكب قريبة بعضها من بعض وقريبة من النجم، وهو ما يذكّر بنظام الأقمار حول كوكب المشتري"، استنادًا إلى قول الباحث مايكل جيلون، من معهد علوم الفضاء وبحوث التكنولوجيا والفيزياء الفلكية (STAR)، بجامعة لييج، بلجيكا.

باستخدام تقنية تسمى قياس الضوء العابر، يستطيع جيلون وفريقه التقاط معلومات عن كوكبٍ ما بقياس كمية الضوء الذي يحجبه عند مروره أمام نجمه المضيف. في مرصد لا سيلا في الصحراء التشيلية، بدأ العلماء برصد النجوم القريبة قبل ست سنوات باستخدام تلسكوب روبوتي قطره 60 سم مخصص لهذا الغرض. التلسكوب الصغير لرصد الكواكب العابرة والكويكبات (ترابيستTRAPPIST ) -السبب في تسمية النظام الكوكبي المكتشف حديثًا. أما توأمه، مرصد أوكايمدن في المغرب، فقد جرى تطويره مؤخرًا لتغطية نصف الكرة الشمالي، وكذلك الجنوبي.

في العام الماضي، اكتشف الفريق ثلاثة كواكب، ولكن الأخطاء في الحسابات أعادتهم إلى لوحة الرسم. وتُظهر نتائج حملة الرصد التي تلت ذلك، ونُشرت أمس الأول في دورية Nature، 34 مرورًا واضحًا، يمكن عزوها إلى سبعة كواكب مختلفة. وقد أمكن التقاط مرور الكوكب الأخير مرة واحدة فقط.

عوالم أخرى

النجم ترابيست-1، قزم فائق البرودة، وتدور حوله سبعة كواكب بحجم الأرض.
النجم ترابيست-1، قزم فائق البرودة، وتدور حوله سبعة كواكب بحجم الأرض.
© NASA/JPL-Caltech 
الكواكب المحيطة بـ(ترابيست-1) صخرية، ترابية، تتراوح درجة حرارتها بين الصفر و100 درجة مئوية، وفقًا للتقديرات الأولية. انطلاقًا من هنا، لا تزال هناك حاجة إلى ملحوظات إضافية من أجل وضع توصيف دقيق هذه الكواكب، وخاصة السابع منها، الكوكب الأبعد الذي لا تزال مدة دورانه وتفاعلاته مع الكواكب الداخلية مجهولة. 

ستأتي المعلومات التفصيلية المتعلقة بتكوينها الكيميائي وغلافها الجوي من تلسكوب الفضاء هابل، ومن تلسكوب جيمس ويب الذي سيدشّن في عام 2018، وغيرها من الأدوات خلال الشهور والسنوات المقبلة.

من الممكن أن يكون الغلاف الجوي لهذه الكواكب مماثلًا له في الأرض أو الزهرة، "أو قد يكون مختلفًا تمامًا"، وفقًا لقول جيلون.

وتشمل المؤشرات الرئيسية للحياة وجود مزيج من غازات الميثان والأكسجين والأوزون وثاني أكسيد الكربون. الكوكب المبشّر أكثر من غيره من بين الكواكب السبعة هو ترابيست-1(f)، الموجود في وسط النظام، وهو أبرد قليلًا من الأرض، لكنه مع غلاف جوّي مناسب وكمية كافية من الغازات الدفيئة سيكون صالحًا للسكن، كما يقول الباحثون. كما أن ترابيست (e) و (g) أيضًا مرشحة قوية للحياة.

والأمل هو التمكُّن من تأكيد الحياة، إن كانت موجودة، خلال عقد من الزمن.

"لقد قطعنا خطوة أساسية نحو اكتشاف ما إذا كانت الحياة موجودة هناك. لا أعتقد أنه كان لدينا فيما مضى الكوكب المناسبة لاكتشاف ومعرفة وجود الحياة عليها"، استنادًا إلى قول أموري تريو، من معهد الفلك في جامعة كامبردج. هنا، إذا تمكنت الحياة من الانتعاش وإطلاق غازات مماثلة لتلك التي على الأرض، فسنعرف.

يقدم نظام النجوم فرصة فريدة لمقارنة ظروف الكواكب السبعة والمفاضلة بينها؛ لفهم كيف تتشكل الحياة؛ لأن الكواكب تتميز بكونها متقاربة ومنظمة أيضًا.

باستثناء الكوكب السابع غير المعروف، يشكّل النظام ’سلسلة أصداء‘؛ حيث يدور كوكب بتزامُن مع الكواكب الأخرى -إذ يشكل الكوكب الأول والأكثر مركزية ثمانية مدارات، والثاني خمسة، والثالث ثلاثة، والرابع مدارين.

ولكن خلافًا للنظام الشمسي، فإن نظام ترابيست-1 مقيّد مدّيًّا، أي أن نفس الجانب من الكواكب يكون دومًا مواجهًا للنجم أو بعيدًا عنه - نهار دائم على أحد الجانبين، وليل دائم على الجانب الآخر.

وفقًا لجيلون، تثبت النظرية الفيزيائية أن المناخ المماثل لمناخ الأرض، حتى وإن كان أقل كثافة، يبقى قادرًا على نقل الحرارة من جانب النهار إلى جانب الليل. لذا حتى على الرغم من أنه سيكون أكثر برودة، فإن التدرج الحراري لن يكون كارثيًّا على الحياة.

التطلّع قدمًا

"هذا الاكتشاف يتيح لنا التوقُّف عن التفكير بأننا مركز الكون".

تمثل النجوم الصغيرة أهدافًا جيدة للعثور على كواكب بحجم الأرض؛ لأن نسبة كبيرة من ضوئها تُحجب عند مرورها بمواجهة النجم.

قد يكون من السهل نسبيًّا العثور على عدد كبير من كواكب كهذه في المستقبل. "لم يكن أحد ينظر إلى هذه النجوم الصغيرة الباردة من قبل"، وفق قول إيمانويل جيهين، الباحث المشارك في معهد أبحاث العلوم والتكنولوجيا والفيزياء الفلكية الفضائية، الذي يتابع: "ويبدو أنها تنتج الكثير من الكواكب الصغيرة. هنا، بوجود نجم واحد فقط [في ترابيست-1] لدينا الكثير من الكواكب الشبيهة بالأرض". 

هناك دلائل على أن ما بين 30-50٪ من هذه النجوم القزمة الباردة قد يكون لديها كواكب شبيهة بنظام ترابيست-1. ولأن تلك النجوم تمثل الغالبية العظمى من المجرة، فإن هذا أمر كبير، وفق قول تريو.

إن استطلاع ترابيست-1 هو جزء من المشروع الأكثر طموحًا، سبيكولوس، الذي يهدف إلى البحث عن كواكب بحجم الأرض بين أقرب ألف نجم قزم بني فائق البرودة. جوهر هذا المشروع هو مرصد سبيكولوس الجنوبي، وهو مرصد جديد يتكون من أربعة تلسكوبات، قُطر كلٍّ منها متر واحد، مجهزة بكاميرات شديدة الحساسية للمنطقة القريبة من تحت الحمراء، وهو نطاق الطول الموجي الذي ترسل إليه النجوم والأقزام البنية فائقة البرودة معظم ضوئها. ويجري حاليًّا بناء هذه التلسكوبات في مرصد بارانال في صحراء أتاكاما التشيلية.

كما سيشارك في هذا المشروع تلسكوبا ترابيست الروبوتيان، البالغ قطر كلٍّ منهما 60 سم، الموجودان في مرصد لاسيلا في تشيلي، ومرصد أوكايمدن في المغرب.

الحياة ليست حكرًا على الأرض

إن نتيجة كل هذا العمل مربكة بالضرورة. هناك الكثير من الإمكانات في الخارج، والحياة قد لا تكون حكرًا على الأرض. 

"هذا الاكتشاف يتيح لنا أن نتوقف عن التفكير بأننا مركز الكون؛ فإذا كان شكل حياتك موجودًا في مكان آخر، فهذا يعني أنه لا توجد نقطة واحدة للخليقة، وهذا أمر شديد الأهمية من وجهة نظر فلسفية. ومن وجهة نظر علمية، تتجلى [قيمة البحث] في جميع الطرق المختلفة التي تطورت إلى اكتشاف هذه العوالم الجديدة"، وفق قول زهير بنخلدون، مدير مرصد أوكايمدن، جامعة القاضي عياض في المغرب، والذي شارك في وضع الدراسة.

الأهم من ذلك، وفقًا لقول تريو، هو أن لدينا فرصة اليوم لدينا لاستقصاء هذه الكواكب، غلافها الجوي وإمكانية وجود الحياة فيها، ويمكننا أن نفعل ذلك باستخدام الأدوات والتقنيات الحالية الموجودة قيد التطوير. "إذا كان هناك من حياة، فهذا جيّد لأننا لم ننتظر طويلًا. أما اذا لم يكن هناك من حياة، فنكون قد تعلمنا أمرًا له من العمق ما يكفي حول أين يمكن أن تظهر الحياة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2017.40


  1. Gillon, M. et al., Seven temperate terrestrial planets around the nearby ultracool dwarf star TRAPPIST-1. Nature http://dx.doi.org/10.1038/nature21360 (2017).