مقالات

Read this in English

رؤية مبرّدة لخليج فائق الحرارة؟

نشرت بتاريخ 16 مارس 2016

قد تكابد المنطقة موجات حرارة تصل إلى 75 درجة مئوية مع حلول نهاية القرن، وفق توقعات دراسة.

باكينام عامر

من المتوقع أن يكون الخليج العربي مركز موجة شديدة الحرارة
من المتوقع أن يكون الخليج العربي مركز موجة شديدة الحرارة
© Getty Images/iStockphoto Thinkstock Images

قد تصبح منطقة الخليج الفارسي/العربي وأجزاء من جنوب غرب آسيا غير صالحة للسكنى قبل نهاية القرن؛ إذ يُتوقَّع أن ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات لا يمكن تحمّلها. ومن المتوقع أن يصبح هذا السيناريو المرعب حقيقة إذا استمرت التغيرات المناخية دون تراجع، في غياب الجهود لإبطال تأثيراتها الضارة، استنادًا إلى توقعات دراسة جديدة نُشرت في أواخر أكتوبر في دورية Nature Climate Change.

ومن المرجح أن تحدث الظروف القاسية في وقت أكثر بكورًا مما كان يُظَن سابقًا. 

المدن التي يُتوقَّع أن تتضرر بشدة هي: دبي وأبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدوحة في قطر، والظهران في المملكة العربية السعودية. 

تصف الدراسة الظروف الجوية المتطرفة بأنها "عتبة حرجة ... يمكنها تجاوز ما يستطيع الجسم البشري تحمّله"، وفقًا لقول الفاتح أ. ب. الطاهر، أحد مؤلفي البحث، وأستاذ الهندسة البيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. 

وتستخدم الدراسة درجة الحرارة الرطبة لقياس التغيُّرات المحتملة، وهو المتغير الذي يصف مقياس الحرارة والرطوبة المشترك. في موجة حرارة يُتوقَّع استمرارها 30 عامًا، بين عامي 2071 و2100، من المتوقع أن تؤدي الظروف القاسية إلى رفع درجة الحرارة الرطبة إلى 35 درجة مئوية - أي أكثر من 75 درجة مئوية على مؤشر الحرارة القياسي. وفي بعض المناطق، حتى هذه العتبة المرتفعة سيتم تجاوزها، وفق ملحوظة جيريمي س. بال، المؤلف الرئيسي للبحث، وأستاذ الهندسة المدنية والعلوم البيئية في جامعة لويولا ماريماونت، كاليفورنيا.

موجات الحرارة الشديدة قد تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وخاصة لدى المسنين والمؤهلين للإصابة. ويمكن لموجة حرارة لها الأبعاد والتأثيرات الموصوفة في البحث أن تسبب وفيات بين أفراد بكامل الصحة واللياقة البدنية، حتى في الظل وبوجود تهوية جيدة.

"ستشكل ظروفًا شديدة الخطورة بالنسبة لمعظم البشر"، وفقًا لقول بال. ستكون درجات الحرارة التي تتجاوز 53 درجة مئوية -وهي الظروف الحرارية الشديدة التي تحدث مرة كل 20 عامًا في الخليج عادة– هي درجة الحرارة الطبيعية في الصيف في منطقة الخليج، وفقًا لهذا السيناريو المستقبلي.

يستطيع الجسم التعامل فقط مع قدر معين من الحرارة فوق مستوى محدد، وإذا استمرت لفترات طويلة، يصبح من المستحيل بالنسبة للبشر التخلّص من الحرارة. قد يؤدي هذا إلى الإصابة بفرط الحرارة، وربما الموت. 

"الإجراءات المخففة عبء يجب أن يتحمله الغرب، وليس نحن. ليس لدينا خيار هنا سوى التأقلم".

يحدد العلماء المنطقة المحيطة بالخليج الفارسي ووسط شبه الجزيرة العربية مركزًا لهذه الحالة الجوّية. ويشكل المناخ في المنطقة وسطًا مثاليًّا لهذا السيناريو المتطرف، بسبب توفر عوامل كعدم وجود الغيوم وشدة الإشعاعات الشمسية القادمة، وحالة الرطوبة مسبقة الوجود فيه، والأجسام المائية الدافئة في مناطق منخفضة نسبيًّا، مما يزيد من امتصاص الأشعة الشمسية، وزيادة إجمالي التدفق الحراري.

إن سيناريو هذا الصيف الذي سيدوم 30 عامًا سيكون ممكنًا فقط في حال عدم إنقاص المستويات الحالية لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لن يكثر تكرر [موجة الحرارة الشديدة] أو قد لا يكون حدوثها مرجحًا ضمن ظروف السيناريو المخفف الذي له اعتبار في دراستنا"، وفق قول الطاهر.

استخدم الباحثون نموذجًا مناخيًّا مع مدرّج مصمّم خصيصًا ليناسب المنطقة، مع محاكاة عالية الدقة تسمح بالتمثيل المفصّل للتضاريس، والسواحل، والأحداث المناخية المتطرفة، والعمليات الفيزيائية.

الحج

يمكن لطقوس الحج السنوية -حج المسلمين إلى مكة، حيث يتعرض الحجاج لأشعة الشمس لفترات طويلة- أن تحدث خلال فصل الصيف عدة سنوات متتالية. وقد تميّز في الدراسة بوصفه حدثًا رئيسيًّا إلزاميًّا للمسلمين، قد يتعطل نتيجة لموجة الحرارة المتوقعة.

ستكون منطقة مكة وما حولها، وفقًا لهذا السيناريو، من بين المناطق الأكثر تأثُّرًا بموجة الحر؛ إذ ستصل درجات حرارة إلى 66 درجة مئوية. وكانت أعلى درجة حرارة سُجلت في مكة المكرمة منذ عام 1980 قد بلغت 49 درجة مئوية خلال فصل الصيف في عام 2010. وبالإضافة إلى الفعاليات الأساسية في الهواء الطلق، من المتوقع أن تتأثر عمليات البناء، وعمليات النفط والغاز والقطاعات الأخرى بشدة.

التخفيف والقدرة على التأقلم هما مفتاح البقاء على قيد الحياة
التخفيف والقدرة على التأقلم هما مفتاح البقاء على قيد الحياة
© Getty Images/iStockphoto Thinkstock Images

وتتوقع الدراسة أيضًا زيادة في حالات الوفاة المبكرة بين الأطفال وكبار السن، وتشريد مجموعات سكانية كبيرة. تستطيع البلدان ذات الموارد العالية اللجوء إلى تكييف الهواء لمواجهة الحرارة، وفق قول الطاهر، ولكن هذا يؤمن حمايتهم داخل البيوت فحسب.

يقدّم الباحثون الاقتراحات المخففة بشكل عابر فقط، لكن الخيار المنطقي هو الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتوظيف تدابير تكيُّفية للحماية من موجات الحرارة. إنها مسؤولية عالمية، كما يشيرون.

"الإجراءات المخففة عبء يجب أن يتحمله الغرب، وليس نحن. ليس لدينا خيار هنا سوى التأقلم"، كما يقول وديد عريان، كبير مستشاري الحد من مخاطر الكوارث والتغيُّر المناخي في جامعة الدول العربية.

يقول وديد -المعلق المستقل-: إن المنطقة بحاجة إلى توحيد الجهود في مجال الأبحاث؛ تحسين رصد المناخ الحالي وتوفير نظم للإنذار المبكر. "حتى الآن، لا تزال مجموعة المعارف المتوفرة لدينا في هذه المنطقة ضحلة جدًّا".

إذا تحول الوضع وأصبح مأسويًّا، فقد تكون الهجرة هي الخيار الوحيد، كما يقول محمود مدني، الباحث في مركز البحوث الزراعية ومقرها القاهرة، الذي لم يكن مشاركًا في الدراسة.

"في الوقت الراهن، تُعَد دبي مركزًا ناشطًا، ولكنها ربما تصبح امتدادًا مهجورًا للصحراء، لا يصلح للحياة، لا يختلف عن الربع الخالي بسبب الحرارة [الشديدة]".

doi:10.1038/nmiddleeast.2016.32


Pal, J.S. et al. Future temperature in southwest Asia projected to exceed a threshold for human adaptability. Nature Clim. Change. http://dx.doi.org/10.1038/NCLIMATE2833 (2015)