كيف آل الحال بشركة سلحت علماءها بأدوات الذكاء الاصطناعي؟
09 December 2024
نشرت بتاريخ 23 مارس 2015
ارتفعت معدلات إنفلونزا الطيور في مصر، ويقول الخبراء الآن إن الممارسات السيئة وقلة المعلومات وتراخي السياسات قد تفضي إلى جائحة Η5Ν1.
بالكاد مضى أسبوع واحد من عام 2015 دون حدوث حالات جديدة من عدوى إنفلونزا فيروس H5N1 البشري في مصر. ومع 46 حالة إصابة على الأقل، و13 حالة وفاة خلال شهرين فقط، تجاوز الرقم عدد الحالات التي جرى الإبلاغ عنها طوال عام 2014.
إذن، ما هي حالة إنفلونزا الطيور في مصر؟
تعود قصة إنفلونزا H5N1 في مصر إلى بدايات عام 2006، عندما جرى الكشف عن أول حالة إصابة بشرية في محافظة القليوبية، بعد فترة وجيزة من الفاشية الأولى التي أثرت على الطيور الداجنة.
بشكل عام، فيروسات الإنفلونزا هي مجموعة كبيرة من العوامل الممرضة التي تستوطن –سلميًّا- الجهاز الهضمي للطيور المائية البرية المهاجرة. تتطور هذه الفيروسات باستمرار، وتكتسب أحيانًا تغيرات جينية معينة تمكنها من تبديل المضيف واكتساب موطئ قدم في الطيور الداجنة والثدييات، وبعضها مزوّد بتركيبات أساسية مناسبة لفكّ تشفير الخلايا البشرية، مسببة حالات العدوى التي قد تتراوح بين حالات مرضية معزولة ومرض معتدل الشدة إلى جائحات مهلكة.
في حالة الجائحة الأولى في مصر، يُعتقد أن فيروس H5N1 كان يحمله أحد طيور البط البري المهاجرة1 في أثناء مروره بدمياط، آتيًا على الأرجح من أوراسيا. وعند وصوله إلى مصر، وجد فيروس H5N1 القادم حديثًا ترحيبًا من مضيف سمح له بالانتشار والتطور إلى مجموعة متميزة وراثيًّا من الفيروسات "المتأقلمة". أُعلِن المرض متوطّنًا عام 2008، وبعد هذا الارتفاع الأخير في عدد الحالات البشرية، في مصر الآن أكبر عدد من حالات عدوى H5N1 البشرية المؤكدة على مستوى العالم.
وثمة نوع فرعي آخر مهم، يُعرف باسم H9N2، جرى الإبلاغ عن تجوله المشترك2 مع H5N1 في الدجاج، مع دليل على التعرّض البشري3 له، وإصابة حديثة لفتى في أسوان.
لحسن الحظ، كان انتقال فيروسات H5N1 من الدواجن إلى البشر غير فعال بدرجة كبيرة حتى الآن، ولم يكشف عن انتقال مستدام من إنسان إلى إنسان. إذا أصبحت فيروسات H5N1 هذه متأقلمة بشريًّا، ومع الكثافة الحالية للأفراد المسافرين جوًّا، يمكن لفاشية معزولة أن تتحول إلى وباء في مدة قصيرة جدًّا.
لا تكتفي الأوبئة بإحداث الوفيات فحسب، وما نعرفه من خلال دراسات النمذجة أنها ستكون الأعلى في البلدان النامية، ولكنها تكبّد أعباء اقتصادية ضخمة. وقد قدرت دراسة حديثة4 نُشرت في PNAS أن تكلفة جائحة الإنفلونزا ستتراوح بين 374 مليارًا إلى 7.3 تريليونات دولار أمريكي، وفق شدَّتها.
في محاولة للكشف عن الطفرات التي يمكن أن تمنح H5N1 إمكانية الانتقال بين البشر، أجبرت دراستان أجرتهما دوريتا Nature5 وScience6 بعض الأشكال المهندَسة من هذا الفيروس على التكيف مع القوارض، وهو نموذج حيواني شائع للإنفلونزا البشرية. دراسات من هذا النوع تقدم بصائر عميقة للحواجز البيولوجية التي تبقي فيروسات H5N1 حبيسة الطيور التي تستضيفها. أحد الاكتشافات المهمة لهذه التجارب تمثل في أن معظم سلالات H5N1 الجوالة في مصر تبعد بمقدار 2- 3 طفرات عن الفيروسات التي يمكن لها الانتقال عن طريق القوارض. لذا تُعَد مصر الآن مركزًا للإنفلونزا7، حيث يمكن لشرارة وباء H5N1 أن تندلع.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الوضع العالمي الراهن للإنفلونزا متغير، وبشكل خاص لسلالات H5N1 في مصر. تطرح الزيادة الأخيرة المفاجئة أسئلة، لا تقتصر على أوساط المجتمع العلمي فقط.
تمكنت النتائج الأولية الصادرة عن العلماء التابعين لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) من تحديد الطفرات في بروتين سكري محمول على السطح الخارجي للفيروس، يُطلق عليه اسم هيماجلوتين (HA)، ويتميز بقدرته على تعزيز التكيّف مع البشر، في جينومات 52 عزلة حديثة من الدواجن. كما تمكن علماء من الوحدة الثالثة للأبحاث الطبية التابعة للبحرية الأمريكية (NAMRU-3)، ووزارة الصحة المصرية والمركز القومي للبحوث الصحية من دراسة أربع عزلات بشرية حديثة ووضع تسلسلها، ولم يتوصلوا إلى أي دليل على تغيرات يُعرف ترافقها مع زيادة القدرة الإمراضية.
لا تزال أهمية هذه الملحوظات غير واضحة، ونحن بحاجة ماسة لمعرفة المزيد عن فيروسات H5N1. وثمة حاجة أيضًا لدراسة ما إذا كان هناك دور لسلالات H9N2 الجوالة المشاركة في الارتفاع الحالي في عدد حالات الإنفلونزا البشرية.
تقول منظمة الصحة العالمية إن الوضع العالمي الراهن للإنفلونزا متغير، وخاصة في مصر.
إن وضع H5N1 في مصر معقّد ومتعدد الأوجه، ولكن الارتفاع المستمر في الخسائر الاقتصادية والبشرية ذات الصلة بالإنفلونزا في مصر يمكن عزوه إلى ثلاثة عوامل رئيسة.
الأول هو بيولوجيا الإنفلونزا، التي لا سيطرة لنا عليها على الإطلاق. ستستمر فيروسات الإنفلونزا بالتطور طالما بقيت دورة انتقالها متواصلة دون انقطاع -وهو ما يُترجم إلى ظهور أنواع جديدة من الإنفلونزا. وتُعَد مصر أيضًا بقعة ساخنة8 لإعادة تشكيل الإنفلونزا، ويوفّر التجول الراهن المشترك لسلالات H5N1 وH9N2 مستودع جينات يجري تعديلها باستمرار؛ ويمكنها في أي وقت أن تطلق العنان لوحش جديد تمامًا. وفرصتنا الوحيدة في التفوّق على هذا الفيروس معتمدة على المراقبة المستمرة لتغيراته الجينية عن طريق تعزيز جهودنا في المراقبة. يستطيع العلماء اقتراح تخمينات واعية، وتوجيه النصح لصناع القرار لاتخاذ التدابير المضادّة في الوقت المناسب، ولكنهم بحاجة للمعلومات.
العامل الثاني المساهم هو العامل البيئي. فغالبية المصريين تعيش بكثافة في القرى النائية على امتداد نهر النيل. وتشكل تربية الدواجن في الساحات الخلفية للبيوت وتداولها في أسواق الطيور الحية عنصرًا رئيسًا في التقاليد الريفية المنتشرة، مما يجعل البشر أكثر عرضة لخطر انتقال H5N1 من الطيور المريضة.
ويقول أحدث تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: إن 87% من حالات فاشية H5N1 التي أُبلغ عن حدوثها خلال الشهور القليلة الماضية حدثت بين الدواجن المنزلية، ومعظم حالات H5N1 البشرية سبق أن كانت قد تعرضت للدواجن.
يمكن لحملات التوعية العامة، التي تصل إلى جميع طبقات المجتمع، أن تعين بشكل كبير على تعزيز السلوك الصحي.
وأخيرًا، فالطريقة المختارة للسيطرة على فاشيات فيروس H5N1، إذا ما طُبقت بشكل صحيح، هي فحص جميع الطيور وإعدام المصاب منها. ولكن هذه الطريقة فشلت في احتواء المرض عندما أفيد عن حدوثه أولاً في مصر عام 2006.
وقد فشل التطعيم الجماعي أيضًا كاستراتيجية لأسباب متعددة. يمكن للتطعيم أن يساعد في الحدّ من انتقال فيروس H5N1 فقط إذا تكامل مع التدابير الأخرى لمكافحة الأمراض، كالمراقبة الفعالة، وتحسين إجراءات الأمن الحيوي، والتدبير السليم للفاشيات.
ربما يكون تحصين الدواجن المنزلية شديد الصعوبة؛ لأنه يعتمد على الانتقال من بيت لآخر، ولأن خليط أنواع الطيور التي تربى في ساحات الدور الخلفية قد لا يستجيب للقاح بشكل متماثل. لفترة طويلة، اعتمد تحصين الدواجن التجارية على لقاحات مستوردة1 لم تقدم الحماية الكافية ضد السلالات الجوالة محليًّا. وفي نهاية الأمر، جرى إعداد لقاح استنادًا إلى سلالة مصرية محلية، ولكنه لم يُنتَج بكميات ضخمة تلبي احتياجات السوق.
كما أن التجار منتجي الطيور لا يتلقون تعويضًا كافيًا عن خسائرهم من الطيور، لذا فهم يميلون لعدم إبلاغ الجهات الحكومية المحلية عن تفشي الإنفلونزا. الإشراف البيطري الذي يخضعون له محدود جدًّا، والأمر متروك لهم للاختيار بين أنواع اللقاحات وبروتوكولاتها المختلفة، مما يؤدي إلى درجات متفاوتة من التغطية بين مجموعات الدواجن على امتداد البلاد.
يعمد بعض المزارعين إلى وضع مضادات الفيروسات في طعام دواجنهم السليمة، ومن المعروف أن هذه الممارسة تزيد إمكانية توليد سلالات من الإنفلونزا مقاومة للعقاقير.
تمت صياغة القوانين لتنظيم تجارة الدواجن الحية، ولكنها لم تدخل حيّز التطبيق على الإطلاق. ولكي تصبح أي خطة وطنية لمكافحة الإنفلونزا فعالة، فإننا بحاجة لإعادة النظر في جميع النقاط التي ذُكرت آنفًا.
ما زالت الإنفلونزا كعهدها دائمًا، لا يمكن التنبؤ بها إطلاقًا. لا يمكن للعلماء أبدًا تحديد متى قد تبدأ الجائحة أو أين، أو حتى ما هي السلالة التي ستسببها. ومع ذلك، فالعديد من النتائج العلمية تؤكد أن إنفلونزا H5N1 في مصر بركان يغلي. وإلى أن تتوفر اللقاحات العالمية، موضع الأبحاث النشطة حاليًّا، يجب التأكد من أن لقاحات H5N1 البشرية في متناول اليد. نحن نعلم أن تصنيع لقاحات الإنفلونزا يستغرق نحو ستة أشهر. وتخبرنا تجربتنا مع أحدث جائحة لفيروس H1N1 عام 2009 بأن الإنتاج المتعجّل لمليارات من جرعات لقاح الوباء لن يضمن تسليمها في الوقت المناسب، وخاصة للبلدان النامية. إننا بحاجة إلى نظام لضمان سلاسة الإمداد فيما لو حدث وباء. كما أن تطعيم المصريين المعرّضين لخطر كبير من الإصابة بإنفلونزا H5N1 هو أيضًا نهج جدير بالاعتبار.
من مصلحة الإدارة إعداد خطة تأهب لمواجهة الجائحة التي ستجمع الجميع، من الهيئات الحكومية والصناعات الخاصة، محليًّا ودوليًّا. إننا بحاجة إلى الاستعداد لأسوأ سيناريو محتمل.
إسلام حسين باحث واختصاصي الفيروسات بمعهد ماساتشوستس للتقنية، وهو مشارك في العديد من المشاريع العلمية المختصة بالتعرف على أية تغييرات جينية قد تؤدي إلى ظهور جيل من سلالات الإنفلونزا الوبائية المحتملة وتعقبها وتفحصها.
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.54
تواصل معنا: