رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 13 ديسمبر 2015
بعد مرور ست سنوات على خطاب أوباما الملهِم في القاهرة، تُلقي العالِمة نافيد مدني الضوء على التغيرات التي أحدثتها كلماته، وما الذي يجب عمله بعد.
أُطلِقَ على المحاضرة التاريخية التي ألقاها الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009 في القاهرة، مصر، حول الولايات المتحدة والتواصل مع المجتمعات الإسلامية، اسم "بداية جديدة". اليوم، مع استمرار توارد الأخبار المفجِعة في كل من العراق وسوريا وأفغانستان ومناطق الصراع الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، من المُجدي التفكير كيف يمكننا بدء دعوات العمل التي وردت في خطاب أوباما وتنفيذها، كبناء الطرق والمدارس والمستشفيات في البلدان التي دمرتها عقود من الاضطرابات، وتقديم المساعدات الضرورية لملايين النازحين، الذين تستمر أعدادهم بالتصاعد.
وأتساءل: كيف يمكننا كسب قلوب وعقول شباب وشابات المنطقة الذين يزداد تهميشهم؟ يتعين علينا إعادة الأمل إليهم.
أعتقد أن أفضل طريقة للمساعدة في استقرار المجتمعات الإسلامية في الشرق الأوسط –من أجل تمكين الفقراء وتقوية الطبقة المتوسطة- هي طريق التبادل العلمي والطبي، الذي سيعود بالفائدة على جميع البلدان المشاركة في نهاية الأمر.
تشير بيانات العقدين الماضيين -على نحو واسع- إلى أن التدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية، وعزل دول معينة في المنطقة تؤثر سلبًا فقط على الناس العاديين، وتسرّع من اضمحلال الطبقة المتوسطة في المنطقة ككل1,2.
العديد من هذه التأثيرات تآزري وذاتي الدعم؛ ففي غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي، تعاني شؤون الصحة والرفاه، والعكس بالعكس.
الحملات العسكرية المستمرة ليست حلولًا طويلة الأجل. بدلًا من ذلك، يجب أن نتبع مسار التعليم، والمشاركة، والتكامل، والتبادل. وقد تكون العلوم والطب طليعة هذه الاستراتيجية.
لقد زُرِعت البذور بالفعل عن طريق مجموعة متنوعة من التبادلات على مر السنين بين الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة.
تفتقر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تعليم العلوم والتوجيه نحوها على المستوى الأساسي للإناث واليافعين، وهذه إحدى الوسائل للخروج من حالة الإحباط.
فعلى سبيل المثال، في عام 2012، وفّر أول مؤتمر دولي وخامس مؤتمر وطني عن فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز في إيران، منبرًا للعلماء الأمريكيين والأوروبيين للتحدث عن التطورات الحديثة في المعركة ضد المرض. وقد أدى هذا المؤتمر إلى ورش عمل دولية كبرى أخرى في كوالالمبور، ماليزيا في عام 2013 وفي فيينا، النمسا عام 2014، إضافة إلى ورش عمل تثقيفية وتبادل طلابي.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك برامج توجيه وتبادل للعالِمات الإناث في العالم العربي تمولها منح مقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية. إن ضوء السنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط (SESAME)، المقرر إطلاقه عام 2016 في عمان، الأردن، مثال رائع آخر في استخدام العلم البحت لتعزيز قدرات البناء العلمي والتكنولوجي بين الدول المجاورة إضافة إلى الولايات المتحدة وأوروبا في الأوقات العصيبة.
هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها، لا تكفي. فهذه البرامج متاحة فقط لنخبة مختارة، قلة محظوظة عادة ما تكون مسلحة فعلًا بما يكفي من المعرفة لتشجيعها على إيجاد فرص للتبادل بدلًا من الصراع.
بالإضافة إلى تمويل برامج التبادل الطبي وفي مجال التعليم العالي، يتوجب علينا تشجيع جهود مماثلة في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية، فهذا سيخلق فرصًا أكثر تنوعًا للشباب ويزيد من اهتمامهم بالعلوم.
في رأيي، تفتقر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تعليم العلوم والتوجيه نحوها على المستوى الأساسي للإناث واليافعين؛ وهذه إحدى الوسائل للخروج من حالة الإحباط. هنا تكمن فرصة للتعاون العلمي الدولي، يمكنها أن تخلق فرصًا لمشاركة طلاب المدارس الابتدائية والثانوية من خلال المسابقات والمنح الدراسية وورش العمل والتدريب.
في إحدى المقابلات، يوجز عالم الفضاء المصري الأمريكي البروفيسور فاروق الباز هذه الفكرة بشكل رائع إذ يقول: "إنه لمن التبسيط أن نفكر في ’برنامج فضاء‘ باعتباره إطلاق الصواريخ إلى الفضاء. في حقيقة الأمر، إنه رفع لمستوى البحوث العلمية والتقدم التكنولوجي لجيل بأكمله من الشباب".
إن الطريقة التي يمكن أن يتم فيها هذا التقدم مفتوحة للنقاش، ولكن هذه البرامج يجب أن تركز بشكل عام على تدريب المدرسين والمعلمين والأطباء والعلماء في كل من المنطقة والولايات المتحدة. والهدف هو المساعدة على إنشاء مؤسسات طبية وعلمية وتربوية، وتقويتها لتعود بالنفع على المجتمع كله.
البرامج التي يمكن بدؤها من قِبل العلماء المقيمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعلماء الأمريكيين ذات قيمة كبيرة، لا للتصدي لتحديات معينة فحسب، لكن لاستخدام التعاون نموذجًا لحل النزاعات.
استراتيجية المشاركة العلمية هي أحد المناهج العلمية. يجب ألا يواجه التطبيق عوائق ومضاعفات رئيسية؛ لأن الاحترام العلمي المتبادل سيكون قد ترسّخ بين المجتمعات. تحقيق المشاركة عن طريق العلم سيقوّي مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذين تقل أعمار الغالبية العظمى منهم عن الخامسة والثلاثين. سنتمكن من دعم جيل يؤمن حقًّا بأنه صاحب مصلحة في مستقبله، وسوف يسعى جاهدًا لجعل بلاده والعالم مكانًا أفضل.
طرح الرئيس أوباما موضوع المشاركة قبل ست سنوات. الآن قد زُرِعت تلك البذور، أصبحت بحاجة للرعاية إذا ما أُريدَ لها أن تزدهر. وعلينا أن نتجاوز إلقاء الخطب ونعمل على تعزيز ثقافة العمل.
في كلمته، أعلن أوباما عن خطة لإطلاق صندوق لدعم التقدم العلمي في الدول الإسلامية. ووعد بتأسيس مراكز امتياز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا. لن يكون تنفيذ هذه الاستراتيجية، التي وُضعت خطتها منذ ست سنوات، بين عشية وضحاها. في رأيي، لا ينبغي أن تكون سباقًا للجري السريع، بل ماراثون تتابع متواصل، يضم أجيالًا من الأمريكيين والشرق أوسطيين.
الرهانات أعلى من أن تكون مُرضية أو مُنذرة بالركود. فالمشاركة بواسطة التعليم في مجالي العلوم والطب تُعَد إمكانات غير مستغلّة إلى حد كبير، خصوصًا فيما يختصّ بالشباب المحرومين، ولكن هذا تحديدًا جزء من السبب الذي يجعل منه أداة قوية للتغلب على الأصولية المضلِّلة بين جميع الأطراف المعنيّة.
إذا كنا نفكر في الموسيقى باعتبارها لغة عالمية، عندئذٍ ندرك أن العلم هو آلية عالمية. المتأصل في العلم هو منهجيته: السؤال، والفرضية، والتوقّع، والتجربة، والتحليل. هذه المنهجية ذاتها يمكن أن تفيد التعاون من خلال توفير البنية التحتية الملائمة للمشاركة. كما أنها طريقة، إذا زُرِعت في مرحلة مبكرة من الحياة، ستساعد على إصلاح الميل نحو التطرف، ذلك الذي يثبط حب الاستطلاع أو الاختبار.
في النهاية، لن يكون الحوار مساعدًا على زيادة تعزيز البنية التحتية العلمية في المنطقة فحسب، ولكنه سيساعد الولايات المتحدة، كأمة، على فهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاقتراب منها. كأمريكيين، ستكون لدينا فرصة لإظهار واحدة من أفضل سماتنا -الإنجازات والتقدم العلمي- وبالتالي تحسين صورتنا في واحدة من أكثر المناطق الجيوسياسية أهمية في العالم اليوم.
أعترف بأني مثالية ومتفائلة في آنٍ معًا، ولكني براجماتية كذلك. وأعتقد جازمة أن العلم والطب لديهما القدرة على محو عقود من انعدام الثقة بين دولنا.
قبل ست سنوات، قال الرئيس: "إن شعوب العالم يمكنها العيش معًا بسلام. إننا نعلم أن هذه هي رؤية الله. والآن، يجب أن يكون هذا هو عملنا هنا على الأرض". لذا دعونا نوقف تكتيكاتنا القديمة المنهَكة من تنفيذ العقوبات، والعزل، والتهديد بالعمل العسكري أو الإقدام عليه. وكما قال الرئيس، علينا أن نتبنّى عهدًا جديدًا من المشاركة المبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وليبدأ عملنا من الآن.
نافيد مدني واحدة من كبار العلماء في قسم مناعيات وفيروسيات السرطان في معهد دانا فاربر للسرطان وقسم الصحة العالمية والطب الاجتماعي في كلية الطب في جامعة هارفرد.
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.241
تواصل معنا: