أيهما أكثر ابتكارية: الأفكار وليدة الذكاء الاصطناعي أم وليدة البشر؟
01 December 2024
نشرت بتاريخ 24 أغسطس 2015
نيتشر مِدِل إيست تتحدث إلى أبرز موصلي العلوم في المنطقة عن جهودهم في نشر المعرفة ودحض الخرافات في العالم العربي.
في عام 2014، كان الإعلان عن تمكّن مصر من اختراع "أجهزة" تستطيع تشخيص الإيدز وفيروس الالتهاب الكبدي C وعلاجهما في أكثر من 90% من الحالات بمنزلة صدمة كبيرة لعالم الفيروسات المصري، إسلام حسين.
وقد جاء الادعاء العاري عن الصحة، والصادر عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية أمام جمهور ضمّ حينها الرئيس المؤقت عدلي منصور، والمشير عبد الفتاح السيسي، القائد العام السابق للقوات المسلحة المصرية، والذي أصبح فيما بعد رئيسًا للجمهورية.
وجاء في الادعاء أن العلاج الجديد سيتوفر في المستشفيات العسكرية في يوم 30 يونيو.
أثار الخبر زوبعة على منصات وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي في مصر، وجذب انتباه حسين، الذي كان في مقره في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. "بعد متابعة المؤتمر الصحفي والدعاية الإعلامية الضخمة التي تلته، أيقنت أن في الأمر خطأً فادحًا. لم يسبق لي طيلة حياتي الشعور بخيبة أمل كهذه"، كما يتذكر. "كنت أعرف أن هذه الأجهزة تفتقر إلى أي أساس علمي سليم. وكنت أعرف أيضًا أن التأثير سيكون ضخمًا بالنظر إلى مدى انتشارعدوى الالتهاب الكبدي C في مصر".
استطلع حسين المقالات الصحفية والإنترنت للحصول على معلومات حول الأجهزة والفريق الذي ادعى ابتكارها والحصول على براءة اختراعها. وأعدّ عرضًا تقديميًّا باستعمال برنامج PowerPoint، ووقف أمام كاميرا فيديو، وبدأ بتفنيد تلك الادعاءات معتمدًا على خبرته كعالم فيروسات. وخلال ثلاثة أيام، كان الفيديو الذي أعده وحمّله على يوتيوب ومدته 80 دقيقة قد حقق 50,000 مشاهدة.
فجأة يظهر هذا الرجل بهدوء على وسائل التواصل الاجتماعي، ويَعِدُ بنبرة واثقة ومهنية بتقديم نقد علمي محايد لادعاءات القوات المسلحة.
"فجأة يظهر هذا الرجل بهدوء على وسائل التواصل الاجتماعي، ويَعِدُ بنبرة واثقة ومهنية بتقديم نقد علمي محايد لادعاءات القوات المسلحة"، وفق قول حسين، مفسّرًا الأسباب التي يعتقد أنها وراء شعبية الفيديو الذي أعدّه.
يقول حسين إن المؤرخ المصري المرموق الدكتور خالد فهمي أبلغه بأن الفيديو الذي أعدّه قد غيّر مسار العمل. "لقد مهّد الفيديو الذي أعددتُه الطريق لنقاش عام صحي، بعيدًا عن الدعاية الإعلامية المحمومة. لقد شكّل الحديث العلمي والعلمي فقط فارقًا كبيرًا، حتى بالنسبة لمانحي التأييد الأعمى من أصحاب الأجندات السياسية القوية".
على الرغم من أن التواصل العلمي العام يأتي بأشكال كثيرة في الغرب، فإنه متخلّف في العالم العربي. "لقد فشلت وسائل الإعلام العربية التقليدية، وخاصة التلفزيون، في توصيل العلوم بشكل جيد للجمهور العام"، كما يقول عالم الفيزياء الفلكية نضال قسوم، من الجامعة الأمريكية في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة. "ليس لدينا أشخاص مثل نيل دي غراس تايسون أو براين كوكس".
من خلال تغريداته التي يتبعها 18,000 شخص وأصدقائه على الفيسبوك البالغ عددهم 8,000، يوصل قسوم معلومات تتعلق بعلم الفلك وسواه من الموضوعات العلمية التي يشعر بأنها ذات صلة بالجماهير العربية. وقد أنتج قسوم أيضًا 52 حلقة على يوتيوب عن علم الفلك. "كان يمكن تنفيذها بشكل أفضل، ولكن مع ميزانية إجمالية قدرها صفر بالضبط من الدراهم، فأنا فخور جدًّا بما أنتجناه".
خطت الطبيبة المصرية علياء جاد -المقيمة في سويسرا- خطوة أخرى إلى الأمام، بمبادرتها الخاصة ذاتية التمويل في التواصل العلمي. فقد أطلقت بالاشتراك مع منتج سويسري، منصة تواصل إعلامي مرئي باللغة العربية على الإنترنت تحمل اسم Afham.TV (تلفزيون أفهم) في عام 2013، وأطلقت في وقت لاحق تلفزيون iUnderstand.TV باللغة الإنجليزية.
والهدف هو نشر التوعية الصحية للوقاية من الأمراض في العالم العربي، والإجابة عن الأسئلة الطبية "المحرجة" التي غالبًا ما يُحجم العرب عن طرحها بسبب الحواجز الثقافية، وفق ما أخبرت نيتشر مِدِل إيست. هذه القناة، التي قدمت أكثر من 200 مقطع فيديو توعوي/ تعليمي، تحملت د. جاد تكلفتها جميعًا، لديها نحو 150,000 مشترك، وحققت أكثر من 30 مليون مشاهدة، وفق قولها.
"أريد أن أجعل العالم مكانًا أفضل، وهذه هي مساهمتي"، تقول جاد. "لا أؤمن بالثورات الدموية، لذا أقود ثورتي الهادئة. التعليم هو مفتاح التغيير. لا شيء سوف يحسّن وضعنا قبل التعليم".
لقد كان الإقبال على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واحدًا من أفضل الأسس التي اعتمد عليها العلم في هذه المنطقة، استنادًا لقول مهندس الكهرباء الكويتي محمد قاسم. "من دونها، كنا سنبقى مع القليل جدًّا من الخيارات، إن وُجدت".
يقول قاسم إنه من المخيب للآمال أن نرى كيف يتبع عدد قليل من الناس في العالم العربي الرموز والشخصيات المعروفة غير العلمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقارنة بالعالم الغربي، مشيرًا إلى أن العرب ربما يميلون إلى الابتعاد عن النقاش العلمي.
"قد يرجع هذا إلى عدم الاستقرار الإقليمي. إني سعيد لمجرد تمكننا من استخدام هذه الأدوات لإيصال العلوم"، وفق قوله.
وينتج قاسم بتمويل ذاتي، مدونات صوتية (بودكاست) شبه منتظمة على موقع Sciwarepod.com تغطي العديد من الموضوعات، متضمنة الفيزياء والصحة والتكنولوجيا والبيولوجيا. وفي بعض هذه المدونات يطور سردًا شائقًا لجذب انتباه المستمعين. وفي بعضها الآخر يستضيف خبراء للإجابة عن أسئلة تتعلق باختصاصاتهم.
"حققت حلقات التطور نجاحًا كبيرًا. لقد أحبها المستمعون على الرغم من كونه موضوعًا جدليًّا"، وفق قوله. "لقد تجنبت الخوض فيه مدة طويلة؛ لأنني خشيت أن ينفِّر المستمعين".
واضطر قاسم إلى وضع بيان تحذيري في بداية كل حلقة؛ "لقطع الطريق على أي رد فعل عاطفي"، كما يقول. "كان هدفي هو شرح التطور بصدق دون طلب وجوب تصديقه من قِبل أي مستمع. أعتقد أن هذا الأسلوب وضع المستمعين في منطقتهم المريحة في أثناء تمكني من شرحه لهم".
وفي الواقع، لم يتلقَّ قاسم أي شكوى تتعلق بحلقاته التي قدمها عن التطور، على الرغم من كون الأمر مثيرًا للجدل عادة بين المسلمين. وقد أبلغه بعض المستمعين بمدى امتنانهم لأنه أوضح فكرة التطور دون أي تحيُّز. "لقد صُدم بعضهم نظرًا للكذب الذي تعرضوا له طيلة ذلك الوقت عن موضوع التطور. كانوا شديدي الغضب... بسبب المعلومات المضلِّلة التي كانوا يتلقونها طوال حياتهم".
وقد عبر البعض عن تحفظهم، مع احتفاظهم بالتهذيب. "هذا الأمر مفهوم" كما يقول قاسم. "فمن الصعب التغلب على سوء الفهم. ومع ذلك، فإن هدفي لم يكن تحويل الناس إلى مؤمنين بالتطور، بل تثقيفهم؛ ليتمكنوا بعدئذٍ من التقرير بأنفسهم".
لم يكن هدفي تحويل الناس إلى مؤمنين بالتطور، بل تثقيفهم؛ ليتمكنوا بعدئذٍ من التقرير بأنفسهم
في نوفمبر 2014، شرع طبيب الأمراض الجلدية المصري محمد الناظر في نشر مقاطع فيديو قصيرة مدتها خمس دقائق على يوتيوب حول مجموعة متنوعة من القضايا الصحية باللغة العربية، ولديه العديد من التجارب الإيجابية المماثلة. لم يقتصر الأمر على تلقيه رسائل شكر من المشاهدين، لكنه يقول إن 90% من المرضى الذين يزورونه في عيادته تعرفوا عليه من خلال أشرطة الفيديو. "يقول لي الناس: ’لقد وجدنا أخيرًا من يشرح الأمور بأمانة‘" وفق قوله.
ولكن ردود الفعل ليست إيجابية كلها. فقد أتت معظم متاعبه أيضًا بسبب اثنين من أفلامه القصيرة، والذين تصادف أنهما حققا أعلى نسبة مشاهدة. ففي أحدهما، يشرح الناظر طريقة عمل المنتجات المختلفة لتمليس الشعر وما هي سلبياتها، مما أثار سخط مصففي الشعر. "جاءني أحدهم إلى عيادتي ليخبرني بأني أضلل الناس بهذه المعلومات"، كما يقول.
كما كشف مقطع فيديو آخر المفاهيم الثقافية المغلوطة الشائعة بأن للاستمناء آثارًا صحية سلبية، كالتسبب في آلام الركبة. تلقى الناظر العديد من الشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب هذا الفيديو، مع وصف الناس له بأنه كاذب، "معادٍ للإسلام"، و"شيعيّ". لكنه يضيف: "ولكن في الوقت نفسه، كانت ردود الفعل الإيجابية التي حصلت عليها عن هذين المقطعين أكثر بكثير من تلك السلبية، مما يشجعني على الاستمرار".
على الرغم من الوقت والتكلفة اللازمين للاستمرار في جهودهم للتواصل، فهم جميعًا يعتزمون المتابعة، ويرغبون في تطوير مشاريع لعدد أكبر من وسائل الإعلام الرئيسية.
يستخدم معن قطان -اختصاصي التخدير السعودي- تويتر، وإنستاجرام، وسناب شات للحديث عن التخدير وتدبير الألم، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الموضوعات الأخرى المتعلقة بالصحة. وهو يجمعها كلها في ستوريفاي Storify، مما يسهل على الجمهور العربي الوصول إلى الموضوعات التي يتحدث عنها وفق الموضوع. لديه قرابة 32,000 متابع على تويتر وأقل من 5,000 متابع بقليل على شبكات التواصل الأخرى. "أعتقد أن التوجه إلى وسائل إعلام أكثر انتشارًا سيكون أبلغ أثرًا"، كما يقول. والجميع يوافقه الرأي.
في هذه الأثناء، يواصل إسلام حسين تصوير مقاطع الفيديو من الاستوديو الصغير الذي أسسه في قبو منزله. "لقد تم تسجيل سلسلة أفلام الإيبولا في مكتب منزلي قبل الانتقال إلى الطابق السفلي"، كما يقول، "وقد كان ابني هو المصور والمخرج".
انقر على الرابط التالي للاطلاع على لمحة كاملة عن كل متواصل علمي، تتضمن روابط موصلة إلى صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم:
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.146
تواصل معنا: