مقالات
Specials

Read this in English

ديزرتيك: مشروع مجهَض أم مجرد تغيير اتجاه؟

نشرت بتاريخ 22 يناير 2015

تبددت طموحات ديزرتيك في تلبية طلب المنطقة وتوفير 15% من احتياجات أوروبا من الكهرباء بحلول العام 2050 عن طريق شبكة عملاقة خلال خمس سنوات فقط من المشروع، وفيما يلي الأسباب.

لويز سارانت

© Macmillan New Zealand 

شهد اجتماع عُقد في روما في شهر أكتوبر الماضي نهايةً لرؤية مشروع ديزرتيك لاستغلال الطاقة الشمسية العظيمة في صحارى شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبموافقة ثلاثة فقط من أصل 19 من المساهمين، وهم ACWA Power من السعودية، و SGCC من الصين، وRWE من ألمانيا، سيجري توظيف "الشكل المعدل" من مبادرة ديزرتيك الصناعية (Dii) كمزود خدمات وكجهة استشارية لمشاريع هذه الشركات في المنطقة.

يسمّي مؤسسو ديزرتيك تقليص مجال المشروع: "تغيرًا في الوجهة"، ولكن يبدو أن مشروع ديزرتيك -الذي كان حتى وقت قريب من أكثر مشاريع الطاقة الشمسية العابرة للأقاليم طموحًا، بميزانية بلغت 400 مليون يورو- قد تعثّر. لقد بدأ ديزرتيك يفقد أهميته منذ 2012، بتباطؤ بلغ غايته منذ شهر، عندما انسحب كافة الشركاء عدا ثلاثة منهم. 

في اجتماع روما، حاول بول فان سون -الرئيس التنفيذي السابق لمبادرة ديزرتيك الصناعية- أن يشرح أسباب تعثّر المشروع؛ قائلاً: "كانت التكاليف مرتفعة جدًّا"، وموضحًا أن " بعض الشركات أفادت بأنها ليست مهتمة اهتمامًا كافيًا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

2012: نقطة تحول

أدى التطور إلى طرح سؤال عما إذا كان الارتباط الكهربائي بين أوروبا من ناحية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ناحية أخرى فكرة مثالية، بالنظر إلى فقدان الثقة بين الجيران في المنطقة، وحالة عدم الاستقرار المستمرة. ما الذي أودى تدريجيًّا بثقة أصحاب المصلحة؟

في عام 2012، عندما بدأ سقوط ديزرتيك، كان من المفترض أن توقع إسبانيا على إعلان نوايا بإيصال خطوط الطاقة العالية بين المغرب وبقية أوروبا. ولكنها بدلاً من ذلك، امتنعت عن حضور مراسم التوقيع، معرّضة بذلك اتفاقية تتعلق بثلاث محطات طاقة شمسية مغربية للخطر.

ربما كان سبب غياب إسبانيا راجعًا إلى قدراتها الفائقة، وحقيقة أن أسعار الكهرباء فيها هي الأرخص في أوروبا كلها. "تتلقى إسبانيا طلبات كثيرة لتصدير الكهرباء من دول شمال أفريقيا ذات القدرات الإنتاجية المحدودة نوعًا ما"، وفق شرح دومينيك روديرير، من مبادرة ديزرتيك الصناعية، الذي يتمثل دوره فيها في الترويج للطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية الإقليمية، وتكامل الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويضيف: "تواجه معظم هذه البلدان صعوبة في جذب الاستثمارات الكافية إلى مجال توليد الطاقة، وهذا هو السبب في أن الاستيراد من إسبانيا [لا يزال] يمثل الخيار الأرخص".

ولكن ربما أتت الضربة الكبرى لديزرتيك عندما انسحبت شركتا بوش وسيمنز من المبادرة في عام 2012، وهما شركتان من كبريات الشركات الصناعية المساهمة والمؤيدة لديزرتيك. وقد ألقت سيمنز باللوم على إجراءات خفض التكاليف، وانسحبت في وقت لاحق من جميع مشاريع الطاقة الشمسية، وألغت جميع أقسام الطاقة الشمسية لديها، لتركز فقط على الاستثمار في طاقة الرياح، الآخذ سعرها بالتراجع منذ سنوات. 

ألفونس بنزنجر -متحدث باسم سيمنز- أخبر Nature Middle East بأن السعر المتهاوي لتوليد الطاقة من الفولتية الضوئية (PV) هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى انسحابها من صناعة الطاقة الشمسية، مضيفًا: لقد كانت تغيرات السوق "دراماتيكية" وغير منتظرة. ومفسرًا: "كان قرارنا بالانسحاب من مشاريع الطاقة الشمسية مشفوعًا بقرارنا بالانسحاب من ديزرتيك".

 بانضمامها إلى المبادرة، لم تعلن سيمنز التزامها بمشروع ما، بل بمبادرة كان من المفترض أن تمهد الطريق -تقنيًّا وماليًّا وسياسيًّا- لتحقيق الرؤية. "في المرحلة الأولى (ثلاث سنوات)، دعمنا المبادرة بالخبرة التقنية، وكان هذا كل ما يمكننا القيام به. كنا نعتقد في ذلك الوقت أن المبادرة ستتمكن من جعل رؤية ديزرتيك حقيقة".

قررت سيمنز في تلك المرحلة أنها لا تستطيع القيام بأكثر من ذلك، خاصة أنه اتضح أنه "لم يكن أحد على استعداد للاستثمار" في تكنولوجيا باهظة الثمن كالطاقة الشمسية المركزة، التي كانت سيمنز تدعمها، عندما كانت أسعار الفولتية الضوئية في أدنى مستوياتها. لقد أدى تضاؤل الدعم من الحكومة الألمانية -التي كانت تعاني وطأة الأزمة المالية العالمية- إلى غياب فرص النجاح.

ديزرتيك: الوقت الراهن

تواجه معظم هذه البلدان صعوبة في جذب الاستثمارات الكافية إلى مجال توليد الطاقة، وهذا هو السبب في أن الاستيراد من إسبانيا يمثل الخيار الأرخص.

تركز مبادرة ديزرتيك الصناعية في شكلها الجديد على المغرب وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر من أجل خدماتها. وقد تبنت هذه الدول مصادر الطاقة المتجددة في استراتيجياتها الوطنية لتنمية الطاقة، وكان وزير الكهرباء المصري قد أعلن قبل شهر، القرار الذي طال انتظاره باعتماد تعريفة التغذية لشراء طاقة الشمس والرياح التي تنتجها الشركات الخاصة.

يوضح مسؤول الاتصال في مبادرة ديزرتيك الصناعية، كلاوس شميدتكه، أن "حجم الطاقة الكهربائية التي تم توليدها من الطاقة الشمسية قد زادت من 70 ميجا واط في عام 2000 إلى 3 جيجا واط في عام 2014. في السنوات الماضية، أدركت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة المترتبة على تطوير الطاقة المتجددة، وأطلقت مشاريع، ووافق معظمها على أهداف أساسية بالتوسع تصل إلى 35 جيجا واط بحلول عام 2020".

في حين لم تشارك مبادرة ديزرتيك الصناعية في كل هذه المشاريع، يعتقد شميدتكه أنها تثبت جدواها، وأن السياسات والبحوث التي أجرتها مبادرة ديزرتيك الصناعية في السنوات الماضية عالية القيمة. وفي حين يعتقد أن عمل مبادرة ديزرتيك الصناعية قد أدى إلى تحسين تقبّل الطاقات المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى السنوات الخمس الماضية، لكنه يقرّ أيضًا بأن العديد من البلدان لا تزال غير مستعدة لاحتضان المشروع.

وفي حين جرى إضعاف رؤية ديزرتيك للمستقبل، يصر شميدتكه على أن كمية الطاقة التي ستكون ألمانيا بحاجة إليها بحلول عام 2050 –وفق دراسة حديثة أجرتها وكالة البيئة الاتحادية الألمانية، تتوقع تضاعف الاستهلاك خمس مرات- لا يمكن توليدها من طاقة الرياح وطاقة الشمس المنتجة محليًّا فحسب.

كما يقول: "يمكن تلبية الطلب المتنامي بقوة على الطاقة فقط بالاشتراك مع بلدان ومناطق أخرى"، وفي دراسة سابقة، كانت مبادرة ديزرتيك الصناعية قد قدرت أن شمس الصحراء يمكنها أن توفر خلال ست ساعات طاقة تفوق ما يمكن استهلاكه في سنة.

وتستورد أوروبا حاليًّا نحو 40% من احتياجاتها من الفحم، و 67% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، و85% من احتياجاتها من النفط، ونحو 96% من احتياجاتها من اليورانيوم. وفي حين تعتمد معظم البلدان في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على استيراد الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، فإن تسخير قوى الصحارى قد يساعد في درء الاعتماد على الوقود الأحفوري وأسعاره غير المستقرة. 

ومن المزايا الأخرى لنظام طاقة مستقبلي يتضمن القوى الصحراوية، كما يشرح شميدتكه، "سيكون إنشاء نظام شمولي تتمكن فيه جميع الدول من الحصول على إمداداتها من الطاقة من مجموعة متنوعة من مصادر الطاقة". خلافًا للوضع الحالي، حيث لا تتمكن جهة مصدّرة واحدة من توفير أكثر من 10% من إمدادات الطاقة الأوروبية، وهو ما يعدُّه سببًا كافيًا لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي من جهة، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جهة أخرى.

ويوجز روديرير المنحى الجديد الذي اعتمدته مبادرة ديزرتيك الصناعية بأنه نقلة من البحوث النظرية إلى العمل الملموس على أرض الواقع. "أصبح الآن بوسعنا إبلاغ صانعي السياسات بأن عمل الإجراءات اللازمة ليس وحده الذي تستطيع الصناعة القيام به، بل إن تغيير اللوائح والصراع من أجل ترابط الطاقة يرجع إليها أيضًا".

doi:10.1038/nmiddleeast.2015.11