أيهما أكثر ابتكارية: الأفكار وليدة الذكاء الاصطناعي أم وليدة البشر؟
01 December 2024
نشرت بتاريخ 29 سبتمبر 2014
بينما يتوسع تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق كبيرة من شمال العراق، يعاني البحث العلمي والتعليم تحت حكمهم.
قبل خمسة أيام من سقوط ثانية كبرى مدن العراق تحت سيطرة الدولة الإسلامية (IS)، الجماعة المسلحة التي كانت تُعرف سابقًا باسم ’داعش‘، توجه محمد الأطرقجي -أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة الموصل- إلى عمله للمرة الأخيرة. ولم يعد منذ ذلك الوقت، وهو لا يخطط للعودة.
بدأت الدولة الإسلامية بفرض سيطرتها على الأراضي العراقية في ديسمبر انطلاقًا من محافظة الأنبار في غرب العراق، وانتقلت بسرعة إلى الشمال في أوائل يونيو. لقد توقَّف البحث بشكل كامل في مدن الموصل والرمادي وتكريت وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية سيطرة كاملة، مما أصاب المجتمع الأكاديمي بالشلل، ووسع فجوة المعرفة العلمية بين العراق وبقية العالم.
وقد أوقفت الحكومة المركزية في بغداد تمويل الجامعات والمدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية إلى حين حل النزاع.
قال أحمد سمير النعيمي -رئيس مكتب بحوث طبية مستقل في بغداد، وأستاذ مساعد في كلية الطب في بغداد-: إنه يخشى أن يصبح إجراء البحوث النوعية في العراق مستحيلاً عما قريب.
وقبل اجتياح الدولة الإسلامية بوقت طويل، كان البحث العلمي في العراق قد تأثر سلبًا بالفعل. فالبلاد لم تتعافَ بعد من الهجرة الجماعية للباحثين والأكاديميين خلال فترة العقوبات في تسعينيات القرن الماضي، والتي تكررت ثانية على مستوى أكبر في فترة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
ويفكر العدد القليل من المهنيين المهرة المتبقين في البلاد جدّيا في المغادرة، وفق النعيمي. "لا يمكننا البقاء وانتظار أمر قد لا يحدث على الإطلاق. لن يرغب الكثيرون بالعودة حتى لو انتهى الصراع. فالحياة هنا صعبة، حتى بالنسبة للمهنيين المهرة والمتعلمين. لا يود الناس المخاطرة بحياتهم أو حياة أسرهم"، استنادًا إلى قول الأطرقجي.
أما بالنسبة للذين ما زالوا في العراق، فيقول النعيمي: إن الشعور العام بالضيق في كل جوانب الحياة يجعل السعي وراء البحوث الجيدة أمرًا صعبًا. "لقد أصبحت المهارات اللازمة لمهمة من هذا النوع نادرة في العراق منذ عام 2003؛ لأن النظام التعليمي لدينا كارثة"، كما يتابع.
إن ما يحدث كارثة، ليس فقط للبحث العلمي، بل لجميع الطلاب من المرحلة الابتدائية إلى التعليم العالي أيضًا
في محافظة نينوى، أصبح مشروع الزراعة المحافظة على الموارد -الذي يرعاه المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والذي يهدف إلى مساعدة المزارعين المحليين على زيادة إنتاج الغذاء- معرّضًا للخطر منذ استولت الدولة الإسلامية على السلطة. يقول ستيفن لوس -الذي أشرف على المشروع منذ عام 2012-: إنهم تعطلوا بسبب انعدام الأمن ونقص الوقود وعدم توفر المعدات اللازمة.
وقد سحبت وزارة الزراعة العراقية -التي دعمت هذا المشروع- دعمها في انتظار عودة الاستقرار. وهذه نكسة خطيرة في البلاد التي تعاني انعدام الأمن الغذائي.
في بغداد يفرّ الباحثون بسبب التهديدات المتوقعة. في المحافظات التي تقع في أقصى الجنوب، والمهددة أيضًا بالدولة الإسلامية وإن لم تكن موجودة بشكل مباشر، أدى تزايد انعدام الأمن إلى جعل العمل الميداني متعاظم الخطر، أو ربما مستحيلاً.
يقول محمد جواد الحيدري -عالم البيئة بجامعة الكوفة في النجف-: إنه لم يعد بوسعه استعادة النظام البيئي وإدارة العمل الميداني بسبب الوضع الأمني، "إني أحاول إنجاز الأعمال المعملية في الوقت الحاضر، ولكن الحقيقة أنني لا أستطيع الاستمرار في بحثي ما لم أتمكن من الخروج إلى الميدان"، كما يضيف.
ومع إلغاء الاجتماعات والمؤتمرات، ونظرًا لأن خدمات الإنترنت في مناطق النزاع لا يعوّل عليها، إن لم تكن منقطعة تمامًا، فإن روابط الاتصال المهمة بين الأوساط الأكاديمية العراقية آخذة بالتقطع، كما يشرح الحيدري.
يقول عبد القادر جليل محمد -رئيس قسم الفيزياء في جامعة كركوك-: إن الأكاديميين يترددون في بدء المشاريع في ظروف عدم الاستقرار هذه؛ لأن الباحثين يخشون على سلامتهم.
بالإضافة إلى ذلك، فالمؤسسات أقل استعدادًا للاستثمار في الأبحاث في أوقات تصاعد المخاطر وعدم اليقين. يقول أوميد المهندس -مدير الشؤون العلمية في جامعة كركوك-: "إن الأبحاث ستبقى محط اهتمام ضئيل" طالما أن العراق يعاني دمارًا كهذا في جميع القطاعات.
"إن ما يحدث كارثة، ليس فقط للبحث العلمي، بل لجميع الطلاب من المرحلة الابتدائية إلى التعليم العالي أيضًا" استنادًا إلى الأطرقجي.
لقد جرى تأجيل السنة الأكاديمية -التي كان من المفترض أن تبدأ هذا الشهر- إلى يناير 2015 على أقرب تقدير في الموصل وتكريت، كما يؤكد، مما يترك آلاف الطلاب في حالة ضياع.
أدت مصادرة الحاسوب الخاص بأحد أعضاء الدولة الإسلامية في سوريا في وقت سابق من هذا العام، وكشف ما يحتويه من تعليمات تتعلق بطرق صنع أسلحة بيولوجية، إلى إثارة التكهنات حول ما إذا كان الإرهابيون يستخدمون مرافق البحوث المستولى عليها لتنفيذ مآربهم الخاصة.
ولكن نافذ مصدق أحمد -المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياسات والتنمية، لندن، والمدرس المساعد في جامعة ساسكس- يقول: إنه لا تتوفر أدلة دامغة على أن الجماعة الإرهابية لديها الخبرة اللازمة لإجراء البحوث العلمية التي يمكن أن تؤدي إلى تطوير أسلحة متقدمة للدمار الشامل.
"لا تُجري (جامعة) الموصل والجامعات العراقية الأخرى أي نوع من البحوث لتطوير أسلحة كيميائية أو بيولوجية، ولا تمتلك أي مكان بالقرب من الموارد والبنى التحتية أو المرافق اللازمة لتطوير هذه الأسلحة" كما يضيف. "إن أي جهود لتطوير أسلحة كهذه في هذه الجامعات، ستكون بالضرورة، بدائية تمامًا، ارتجالية، وغير احترافية".
في حين تعدّ البحوث العلمية أمرًا حيويًّا لجهود تعافي العراق وتطويره مستقبلاً، إلا أن الاستثمارات البحثية وضعت جانبًا تحت وطأة عقود من الاضطرابات السياسية والأزمات الإنسانية.
وسواء أمكن وضع حدّ للصراع الحالي في وقت قريب أم لا، فستكون تداعياته على العلم والبحث العلمي في العراق ملموسة في كل جوانب الحياة لفترة طويلة بعد انطلاق الرصاصة الأخيرة.
doi:10.1038/nmiddleeast.2014.242
تواصل معنا: