وسط الدمار والركام والأنين.. البحث العلمي يصارع من أجل البقاء في غزة
16 February 2025
نشرت بتاريخ 5 سبتمبر 2012
ترك ميليكشي جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا في الجزائر العاصمة في وقت مبكر من التسعينيات من القرن الماضي، وهو اليوم نائب رئيس قسم الأبحاث في جامعة ولاية ديلاوير، والمؤسس والمدير التقني لمركز البصريات التطبيقية.
ونور الدين ميليكشي واحد من 300 عالم في أنحاء الولايات المتحدة يعملون في مهمة مختبر علوم المريخ الذي أشرف على هبوط المسبار "كيوريوسيتي" على سطح المريخ في شهر أغسطس الماضي، وهو أحد أفراد فريق "تشم كام"، الذي أطلق أمس ليزر بالأشعة تحت الحمراء باتجاه أول صخرة بحجم قبضة اليد على سطح المريخ، وسيدرس الآن تكوينها؛ للتعرف على العناصر اللازمة لإمكانية العيش عليه.
وكان لنا هذا الحوار مع الباحث الجزائري.
بعد أن أكملتُ دراستي في جامعة هواري بومدين، أصبحت أستاذًا هناك لمدة 18 شهرًا. واضطررت لمغادرة الوطن بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية الصعبة في الجزائر. وكنت أيضًا حريصًا على مواصلة دراستي في إحدى الجامعات الغربية.
في البداية ذهبت إلى المملكة المتحدة، وحصلت على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة ساسكس، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة، والتحقت بجامعة ولاية ديلاوير الشهيرة، كباحث في استخدام الليزر للكشف المبكر عن السرطان.
لم أواجه أي صعوبات أو عقبات هنا في الولايات المتحدة، فجميع الظروف مثالية لإجراء الأبحاث العلمية المتطورة. وكل ما يحتاجه الباحث فقط هو العمل والتنافس من أجل إثبات ذاته، وهذا الأمر متاح للجميع، دون تمييز.
هذا هو عصر التكنولوجيا والاقتصاد القائم على المعرفة، والبلدان التي لا تهتم بالأبحاث العلمية لن تستمر طويلاً.
كانت هناك عدة بعثات استكشافية للمريخ في الماضي، لكن لا شيء منها بنفس التطور مثلما هو الحال الآن.
وهذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من إرسال المسبار، الذي يمكنه التحرك وعمل مسح لسطح وسماوات المريخ، حيث إنه يمكنه التحرك لمسافة إجمالية تقدر بـ20 كيلومترًا. ويعتبر هذا إنجازًا، لأنه لم يتحرك أي مسبار في أي وقت مضى على سطح المريخ من قبل. ويمكن للمسبار أيضًا التقاط صور دقيقة لنا، نقوم بتحليلها في مركز التحكم في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا NASA".
وتتمثل أهداف هذه المهمة في معرفة ما إذا كانت هناك حياة على المريخ، أو إذا كان قابلاً للعيش عليه بالنسبة إلى البشر. والمعلومات المتاحة حاليًا لا تؤكد أو تنفي إمكانية العيش على سطح المريخ.
وسوف تمكننا هذه المهمة من تحديد وجود عناصر الحياة، التي من بينها النيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، ومصدر للطاقة، وكذلك المياه. ولدينا صور تبدو وكأنها لِوِدْيان جافة، ربما كانت في السابق وِدْيَانًا حقيقية، ولدينا أيضًا صور لكتل جليدية، لكننا لا نعرف طبيعتها. ومع ذلك.. فكل هذا لا يكفي، حيث إنه من أجل تحمُّل الحياة على الكوكب، يجب أن تكون هناك مياه جارية فيه.
وبالإضافة إلى ذلك، تحيط بالمريخ أشعة كثيرة مجهولة، يجب علينا التعرف عليها وتحليلها. وبحسب تقديراتنا، فإن هذه البعثة ستستمر عامين، لكن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات.
أعلم أننا لا نزال متخلفين، بسبب افتقارنا للمؤهلات العلمية، لكنْ هناك اهتمام كبير في هذا المجال من الأبحاث. إنه يتطلب أيضًا توفير ميزانيات كبيرة، لا تزال الدول العربية غير قادرة على توفيرها.
وفي الجزائر، على سبيل المثال، لديَّ علاقات مع باحثين في مجال العلوم من جامعات عديدة مختلفة، لكن ليس لديَّ أي علاقات مع وكالة الفضاء الجزائرية. وهذا يدل على غياب التنسيق بين السلطات المحلية والباحثين المغتربين خارج البلاد. وتظهر هذه المشكلة ذاتها في جميع البلدان العربية.
أعتقد أن الظروف الثقافية والمالية والسياسية الحالية للدول العربية هي السبب الرئيس لتدهور الأبحاث العلمية في المنطقة. وبالنظر إلى الميزانيات المتواضعة المخصصة لقطاعات البحث العلمي، يبدو واضحًا أن حكومات هذه الدول لا تهتم بالعلوم. ويؤدي غياب التخطيط الاستراتيجي وعدم وجود سياسات واضحة ودقيقة إلى ارتباك واسع النطاق، وفوضى في كافة أنحاء وزارات البحث العلمي في هذه الدول.
والمشكلة الأخرى وراء تدهور الأبحاث والتطوير في الدول العربية هو تهميش الباحثين داخل بلدانهم، إذ لا يتلقَّى العلماءُ أيَّ تقدير أو امتنان لهم على مجهوداتهم وإنجازاتهم، وليس هناك أي تشجيع لعملهم. وهذا الأمر يعقِّد من مشكلة الموارد المحدودة المتاحة لديها (هذه الدول).
ويجب على الدول العربية تغيير هذه الأوضاع، لأن هذا هو عصر التكنولوجيا والاقتصادات القائمة على المعرفة. والدول التي لا تهتم بالأبحاث العلمية لن تستمر طويلاً.
أودُّ أن أراهن على ذلك، من خلال تنشئة جيل من الشباب مُدَعَّم بثقافة واسعة في العلوم، ويجب علينا غرس حب الاكتشاف والعلم والاختراع فيهم، لأنَّ هذا هو حجر الزاوية، إذا كنا نريد بناء نظام علمي قوي قادر على إنتاج أبحاث بأعلى مستوى من الجودة.
في الماضي كان العرب هم الرواد في علم الفلك. وقد توافدت إليهم جنسيات مختلفة من أماكن كثيرة من العالَم لمعرفة المزيد عن هذا العلم. لقد كنا متميزين، لأن الباحثين في ذلك الوقت كانوا مهتمين للغاية بهذا العلم، ووجدوا أن كافة الظروف كانت مواتيةً لإجراء الأبحاث.
لذلك، أعتقد أنه ليس مستحيلاً أنْ يأتي اليوم الذي يقوم فيه العربُ باستكشاف الفضاء، فالكفاءات العلمية موجودة، وهناك عديدٌ من الأشخاص الذين لديهم خبرات واسعة في مجال العلوم؛ وهذا ما قد يسهم في تحقيق هذا الحلم.
doi:10.1038/nmiddleeast.2012.128
تواصل معنا: