مقالات

الربيع العربي يمنح الأمل، لكن دون حل سريع

نشرت بتاريخ 4 سبتمبر 2011

تقول رنا دجاني: "إن الثورات في ليبيا وأماكن أخرى أنعشت الآمال في تحسين أوضاع العلم في العالم العربي، لكن التقدم سيكون بطيئاً".

رنا دجاني

جذب النجاح الواضح للانتفاضة الشعبية في ليبيا - بعد أشهر من الصراع - الانتباه من جديد إلى آفاق تغيير جوهري في العالم العربي. إن العِلْم لا يمثل أولوية قصوى للدول التي تخلصت للتوِّ من الحكام الديكتاتوريين، لكن في أعقاب الانتفاضات والاحتجاجات، من الطبيعي أن يرى الباحثون في هذه الدول - وزملاء في الخارج - فرصًا لتحسين الوضع المزري للعلم بصفة عامة في العالم العربي.

ومن غير المرجح حدوث تغيير كبير قريبًا. فبعد مرور ستة أشهر من اندلاع أول هذه الأحداث في العالم العربي، لم يحدث أي تحسن ملموس بالنسبة للعلماء هنا في الأردن. وقد حصلتُ على نفس الانطباع من زملاء في مصر وتونس. إن نوع التغيير المطلوب لتحسين أوضاع العلم سيستغرق بعض الوقت، لكونه يتعلق بإعادة بناء المؤسسات التي توفر البيئة المناسبة، وتمحو العادات السابقة، وتقضي على البيروقراطية، وتغيِّر من طرق التفكير وإعادة تثقيف المواطنين. إن هذا التغيير سيستغرق جيلاً.

وأحد الأمور الإيجابية التي أراها وأشعر بها بالفعل، هو التوجه العام للناس الذي يسوده تفاؤل بأن الأمور ستتغير إلى الأفضل ، في حين أصبح المسؤولون أكثر رفضًا الآن لاستغلال وإساءة استخدام مناصبهم، لأنهم - على الأرجح - سيحاسَبون على أفعالهم. وبالرغم من أن العالم الخارجي ربما يرى عناوين رئيسية في الصحف عن مشروعات كبرى، مثل بناء مؤسسات جديدة، فإن التغيير المطلوب في أوضاع العِلْم في دول العالم العربي لا يتعلق بتحسين بناء المؤسسات، بل ببناء القدرات الفكرية.

إن العالم العربي والإسلامي يذخر بالعقول البارعة، وهو ما يظهر في وجود العديد من العلماء العرب والمسلمين في الجامعات الغربية، حيث يقدمون من خلالها إسهامات علمية عظيمة. تكمن المشكلة في البيئة التي لا تستطيع دعم الإبداع والشغف بالاستطلاع والبحث في عالم المجهول، وهذه كلها عوامل ضرورية لازدهار العلم. ولا يمكن خلق هذه البيئة سوى من خلال التجربة. يجب على المجتمع بأسره أن يمر بتجربة الحاجة للحصول على حلول، وهذا يتطلب حرية. لقد نمت الديكتاتوريات في الدول العربية والإسلامية على الجهل والخوف. غياب االحرية يتسلل إلى المجتمع بأسره؛ ليؤثر ليس فقط على الحياة السياسية، بل على الأمور الأُسَرِيَّة في المجتمع بأسره، وحتى على طريقة تعامل الآباء مع أبنائهم.

أنا واثقة أن الخطوة الضرورية الأولى لتحرير العقول من عادات الماضي هي زرع حب القراءة في أطفالنا الصغار. وبهذه الطريقة سيبحرون في تجارب الآخرين عبر مختلف الأوقات والأماكن، ويدركون أن هناك وسائل أخرى للعيش، ويكتسبوا الاحترام لآراء الآخرين. فحينما يقرأ الأطفال؛ تتوسع آفاقهم، ويبنون الثقة لمواجهة التحديات وخلق الحلول والتفكير بدون عوائق. لقد وضعت برنامجًا يطلق عليه "نحن نحب القراءة" على الإنترنت (www.welovereading.org)، يهدف إلى تعزيز حب القراءة بين الأطفال في العالم العربي، من خلال تدريب السيدات على القراءة بصوت عالٍ أمام الأطفال في بيئاتهم المحلية.

ومن خلال التبرعات والخصومات التي قدمها الناشرون، تمكّنّا من إنشاء 100 مكتبة للأطفال في أرجاء الأردن، وبدأت هذه الفكرة تنتشر في أنحاء المنطقة. وبحلول العالم المقبل، سيكون قد استفاد من هذا البرنامج نحو عشرين ألف طفل.

يتعلم الأطفال كيف يمكنهم تكوين آرائهم بناء على المنطق والاستنتاج. ولكن هذا الأمر يتطلب ممارسة، وهذا ما ينبغي علينا تشجيعه. العديد من الطلاب في جامعتي ام يقوموا بتكوين آراء مستقلة تعكس أفكارهم الأصيلة أبداً. وفي اليوم الذي طلبت فيه من طلابي كتابة مقالات تعبر عن آرائهم، كان هو اليوم الذي أبلغني فيه أحد الطلاب بأنه يشعر أنه إنسان.. إنسان بمعنى الكلمة. هؤلاء هم الأشخاص الذين سيبنون مجتمعاتنا ودولنا، وهم مَنْ سيصنعون الفرق، وسينقلوننا إلى القرن الواحد والعشرين بثقة وتقدم.

وبجانب هذه النقلة الثقافية، فإننا أيضًا بحاجة إلى أن نقيِّم بعناية العلاقة بين الإسلام والعلم، خاصة في مجالات ذات محتوى أخلاقي، مثل الأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعية. ويجب أن تقوم لجنة تضم علماء، وفيزيائيين، ورجال دين مسلمين، ومتخصصين في اللغة العربية بوضع إرشادات أخلاقية لعلوم الهندسة الوراثية والحيوية الطبية.

ولقد شكلنا مثل هذه اللجنة في جامعتي. وتشير مناقشاتنا إلى أن الأبحاث في الخلايا الجذعية مباحة في الإسلام، طالما أنها تنفذ بغرض تحسين صحة البشر. ويجب إعادة النظر في هذا الاستنتاج مع استمرار التقدم في هذا المجال.

وهذا النهج متعدد التخصصات ـ وهو جديد على العالم الإسلامي ـ ضروري لمواجهة الركود الفكري الذي يستند إلى التفسيرات الحرفية لمصادر التشريع الإسلامي. إن القرآن ليس كتابًا للحقائق العلمية. إنه يحتوي على آيات تصف الظواهر الحياتية، لكن هذه الآيات تقدم كأدلة على رُقِيِّ وبساطة الخلق. إن الإسلام مرشد روحي للحياة، فهو يعلمنا كيف نعيش في انسجام مع أنفسنا وأقراننا من البشر والعالم. ولا يوجد أي تعارض بين الإسلام والعلم.

يطالبنا الإسلام باستخدام عقولنا لاكتشاف العالم من حولنا. ويدعو الإسلام إلى استخدام المنهج العلمي والمنطق في مقاربتنا للعلم. والبشر هم مَنْ يفسرون آيات القرآن، وهم مقيدون بالمعرفة العلمية السائدة في الحقبة التي تم خلالها تفسير الآية. إن الطريق أمامنا ليس مفروشًا بالورود، والتغيير لن يحدث بين ليلة وضحاها، بيد أن الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تُحَقِّرَنَّ مِنَ المعروفِ شيئاً".

إننا نأمل ـ بشكل معقول ـ أن نرى في ليبيا وفي أماكن أخرى غيرها انتشار أفعال الخير.

doi:10.1038/nmiddleeast.2011.116