Using AI to control energy for indoor agriculture
30 September 2024
Published online 14 أغسطس 2023
السعادة تجربة ذاتية.. وعلى كل إنسان ممارسة السلوكيات التي تجعله سعيدًا دون النظر إلى تجارب الآخرين
يقول الكاتب الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1954، "إرنست همنجواي": إن "السعادة عيد غير ثابت التاريخ"، في إشارة إلى أن مفاتيح السعادة في يدنا نحن وليست في تتبُّع توصيات أو إستراتيجيات يضعها آخرون.
لمعرفة إن كانت مُسببات السعادة الأكثر شيوعًا ترتكز على أساس علمي موثوق، أم أنها مجرد ادعاءات تُرددها وسائل الإعلام، أجرى اثنان من علماء النفس في جامعة كولومبيا البريطانية دراسة مرجعية نشرتها دورية "نيتشر هيومان بيهيفيور"، فيها فحص الباحثان نتائج دراسات سابقة أُجريت حول أبرز إستراتيجيات السعادة الموصى بها، ومنها ممارسة الرياضة.
ورغم أن بعض تلك الإستراتيجيات فعالة لدى كثيرين، إلا أن الدراسة وجدت أن الأدلة العلمية التي تدعم فاعلية هذه الإستراتيجيات غالبًا ما كانت ضعيفة أو غير مُتّسقة؛ فعلى سبيل المثال، وجدت الدراسة أن هناك بعض الأدلة على أن التعبير عن الامتنان يمكن أن يزيد السعادة، لكن التأثيرات كانت صغيرةً ولم تدم طويلًا.
يقول دونيجان فولك، الباحث بقسم علم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية، وقائد فريق البحث: تخيل أن العلماء طوروا فيتامينًا جديدًا يسمى فيتامين "هـ" بهدف تحسين المزاج وزيادة الرضا عن الحياة، وقبل أن نوصي الناس بتناول هذا الفيتامين، يجب إجراء تجارب صارمة وواسعة النطاق للتأكد من فوائده، وعلى الرغم من عدم وجود مثل هذا الفيتامين، فقد طور العلماء تدخلاتٍ سلوكيةً شبيهةً شقت طريقها إلى الوعي العام من خلال عدد لا يحصى من القصص الإعلامية، فعلى محرك البحث الشهير "جوجل" بات البحث عن عبارة "كيف تكون سعيدًا؟" يفوق البحث عن عبارة "كيف تصبح ثريًّا؟".
يؤكد "فولك" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": "نتائجنا لا تشير إلى عدم جدوى هذه الإستراتيجيات؛ فهي تعمل بالتأكيد مع بعض الأفراد، لكننا لا نعرف سوى القليل عن متى تعمل ولصالح مَن".
لكنه عاد ليؤكد أن الدراسة راجعت فقط الأبحاث التي شارك فيها أشخاص أصحاء، لذلك فإن النتائج لا تنطبق على تأثير مُسببات السعادة على العينات السريرية مثل الأفراد المكتئبين.
500 دراسة
سأل أحد الصحفيين ذات يوم: هل ممارسة الرياضة والتأمل يحققان السعادة كما يروج الإعلام؟ أدرك فولك مباشرةً أنه لا يعرف الإجابة، ما دفعه لإجراء هذه الدراسة بالتعاون مع "إليزابيث دن"، الأستاذة بقسم علم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية، فعملا على مسح الأدبيات العلمية، في محاولة لفهم مدى جودة الأدلة التي تقوم عليها إستراتيجيات السعادة الموصى بها بشكل عام.
قبل إجراء المسح، لجأ الباحثان إلى محرك البحث "جوجل" لمطالعة أبرز القصص الصحفية حول إستراتيجيات السعادة بموقعي "هيلث لاين" و"فوربس"، وصحيفة "نيويورك تايمز"، ووجدا أن أبرز 5 إستراتيجيات هي: التعبير عن الامتنان، وتعزيز التواصل الاجتماعي، وممارسة الرياضة، وممارسة تمارين اليقظة الذهنية/التأمل، وزيادة التعرُّض للطبيعة.
بعد ذلك، راجع الباحثان الأدبيات العلمية المنشورة التي تناولت جدوى هذه الإستراتيجيات، وتناولت الدراسة المرجعية 532 ورقةً بحثيةً تفحص فاعلية هذه الإستراتيجيات الخمس على أفراد أصحاء، لا يعانون من أمراض نفسية أو اكتئاب.
نتيجة صادمة
يقول "فولك": كانت النتيجة صادمة، لقد وجدنا أن حوالي 95٪ من الأوراق البحثية افتقرت إلى القوة الإحصائية الكافية فيما يتعلق بعدد المشاركين، كما أنه لم يتم تسجيل مسببات السعادة بشكل مُسبق للتوصل إلى استنتاجات ذات مغزى في نهاية الدراسات.
ويتابع: كانت هناك بعض الأدلة على أن التعبير عن الامتنان والتواصل الاجتماعي قد يسبب شعورًا بالسعادة، تأتي بعدهما ممارسة الرياضة ثم تمارين اليقظة/التأمل ثم التعرض للطبيعة.
وأشار الباحثان إلى أن 57 دراسة فقط كانت مسجلة مُسبقًا أو لديها تجارب جيدة القوة، واستندت إلى بيانات قابلة للتقييم يمكن استخدامها لقياس فاعلية نهج معين، كانت النتائج متواضعة؛ إذ يشعر الناس بالسعادة بعد نوبة واحدة من التمرين، خاصةً إذا جاء التمرين بعد أنشطة مُملة مثل الجلوس في صمت أو مشاهدة فيلم وثائقي عن تجليد الكتب.
إن الدراسات المُتاحة حول إستراتيجيات السعادة لا تقدم أدلةً صارمةً تثبت جدواها وفاعليتها بالنسبة للأصحاء، "ولكن إذا جلبت إحداها لك السعادة فهذا رائع، لا تتوقف عن الأخذ به"، وفق فولك.
ويؤكد فولك احتمال وجود أدلة قوية على أن بعض هذه الإستراتيجيات كممارسة الرياضة أو التأمل فعالة للغاية في علاج أمراض مثل اضطراب القلق، لذا على المريض الالتزام بتلك الإستراتيجيات إذا أوصى بها الطبيب.
جرب كل شيء
أما الأشخاص الأصحاء الذين يحاولون أن يصبحوا أكثر سعادة، فعليهم البحث عن الشيء الذي يسعدهم من بين الإستراتيجيات المختلفة، أو يجربوا جميع الإستراتيجيات حتى يحققوا غايتهم.
ينصح فولك الأشخاص بالانخراط في سلوكيات يدركون بالفعل أنها تجعلهم سعداء، "أنا في الواقع أمارس الرياضة يوميًّا، وأدرك تمامًا أن ذلك يزيد من شعوري بالسعادة، ولن أتوقف عن ممارسة الرياضة بسبب نتائج الدراسة، لكن ربما منحني هذا البحث فرصةً للمراجعة، وإدراك أن هذه الإستراتيجية المفيدة بالنسبة لي، ربما لا تكون مفيدةً بالقدر ذاته للآخرين".
مُسببات السعادة
من جانبه، يقول وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي ومؤسس الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية: إن "علماء النفس لم يصلوا حتى الآن إلى تعريف محدد لمُسببات السعادة التي يمكن أن تنطبق على جميع البشر؛ لأن تلك المسببات ببساطة هي أشياء تختلف باختلاف الأشخاص، فالبعض يرى أنها تتمثل في إثبات الذات، في حين يرى البعض الآخر أنها تنحصر في الشعور بقدرتهم على إسعاد الآخرين".
يضيف "أبو هندي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": بالرغم من اختلاف مُسببات السعادة بين الشعوب، فإن هناك أمورًا يمكن أن يتفق عليها الجميع، منها شعور الإنسان بقيمته في المجتمع ودوره في الإنتاج، وما ينعكس على ذلك من تحسُّن دخله المادي، وهذا بدوره يتيح للإنسان وقتًا أكبر للترفيه عن نفسه والسيطرة على ضغوط الحياة وتحدياتها، بالإضافة إلى استقرار حياته العائلية التي من خلالها يشعر بالحب وبالسعادة.
وتجسيدًا لعبارة للفيلسوف الروماني لوكيوس سينيكا بأن "السعادة هي الرضا عن ما لديك"، يقول هاشم بحري -أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": السعادة تجربة ذاتية تختلف باختلاف المجتمعات والأفراد والشعوب، تتنوع وفق الموقف والمزاج الشخصي، فهناك شخص يسعده المال، وآخر يسعده الأبناء والعائلة، وثالث يرى سعادته في الصحة، لكن هناك مظلة كبرى للسعادة يمكن أن يتفق عليها الجميع وهي "الرضا"، الذي يجعل شخصًا ما يشعر بالسعادة حتى مع أشياء بسيطة للغاية مثل تناول "قطعة خبز" أو أن يمارس هواية يحبها مثل السفر أو التطوع أو ممارسة طقوس وشعائر دينية.
السعادة في الشرق الأوسط
رغم أن السعادة تجربة ذاتية، لكن مؤشر السعاة للدول يُعد عاملًا مهمًّا يسهم في سعادة الشعوب، ويوفر نظرة ثاقبة حول العوامل التي قد تؤثر على معدلات السعادة، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة الأقل سعادةً بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي تأتي في ذيل القائمة على مستوى العالم، وفق تقرير السعادة العالمي لعام 2023.
يقيس التقرير مستويات السعادة وجودة الحياة لدى شعوب 137 دولة حول العالم، بناءً على عدة معايير أبرزها متوسط الدخل، والصحة، والدعم الاجتماعي، والكرم، ومعدلات الفساد، والشعور بالحرية لاتخاذ قرارات الحياة، بالإضافة إلى مستوى الإحسان تجاه الآخرين.
وللعام السّادس على التوالي، تصدّرت فنلندا القائمة، وتلتها الدّنمارك، وآيسلندا، وجاءت أفغانستان (137) في ذيل القائمة.
وعربيًّا، تصدّرت دولة الإمارات التصنيف، مع احتلالها المرتبة الـ26 عالميًّا، تلتها المملكة العربيّة السعوديّة (30)، ثم البحرين (42).
وكانت الإمارات أول دولة بالمنطقة تعيِّن وزيرًا للسعادة في 2016، كما اتخذت عدة خطوات لتعزيز معدلات السعادة، منها البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية الذي يضم مجموعة من السياسات والخدمات التي تعزز من أنماط الحياة الإيجابية.
في المقابل، احتلّ لبنان المرتبة الأخيرة في تصنيف الدول العربيّة (136)، وقبله الأردن (123)، ومصر (121).
ووجد التقرير أن الدول الأكثر سعادةً هي تلك التي تتمتع بمستويات عالية من الدعم الاجتماعي والحرية والكرم، ومستويات منخفضة من الفساد، في حين تُسهم بعض العوامل في تراجُع مستوى السعادة، خاصةً في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أبرزها الحروب والصراعات المسلحة، والفساد، وعدم المساواة، والبطالة، والفقر، وتراجُع الرعاية الصحية والتعليم.
كما وجد التقرير أن السعادة لا ترتبط بالثروة؛ لأن هناك دولًا غنية جاءت بمرتبة متأخرة، ومنها اليابان التي حلت في المرتبة 47 بالتصنيف.
ويشير التقرير إلى أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن للحكومات والأفراد عملها لتعزيز السعادة، مثل الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز المساواة، ودعم التفاعل الاجتماعي، ومكافحة الفساد.
وفي هذا السياق، يشير "أبو هندي" إلى أن السعادة ليست مجرد حلم نتوق إليه وننتظر حدوثه بشكل قدري، وإنما هي علم ومهارة وقدرة وأشياء محددة يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها لكي نحقق السعادة في حياتنا.
ورأى أن تقدم بعض الدول في مؤشر السعادة نابع من سعيها لتغيير أنظمتها وطرق تفكيرها وممارساتها، بهدف تعزيز معدلات السعادة لمواطنيها، وربما يكون هذا من خلال اتخاذ إجراءات وخدمات من شأنها أن تسهل على الناس حياتهم، وتخفف عنهم الضغوط والأعباء والتوتر.
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.132
Stay connected: