مقالات

Read this in English

جلب البحوث الطبية الحيوية التنافسية إلى بلدان الاقتصادات الناشئة والنامية

Published online 21 ديسمبر 2018

يجب أن تنطلق البحوث الطبية الحيوية من بنية تحتية صلبة. ولكن لا يزال الكثير مطلوبًا لوضع المراكز البحثية على الخارطة الدولية، وفقًا لما كتبه محمد بوجلال1 .

محمد بوجلال

تتبارى البلدان ذات الأسواق الناشئة والنامية لكي تحوّل اقتصاداتها، ويؤدي البحث العلمي دورًا مهمًّا في إزكاء الإبداع والابتكار الضروريَّين لضمان الاستقرار طويل الأمد. ثمة استثمارات ضخمة في دول كالمملكة العربية السعودية والبرازيل وسنغافورة وماليزيا لبناء مرافق حديثة ومبتكرة لإجراء البحوث الطبية الحيوية، بيد أن البنية التحتية ليست هي المطلوبة فحسب. يمكن لخمسة إجراءات معينة أن تحوِّل المعدات المتطورة والموهوبين من العلماء المبتدئين والكبار إلى مورد لتحسين صحة المجتمعات السكانية، والبيئة والاقتصاد.

تعيين موظفين أكْفاء في المناصب المناسبة

يعتبر إجراء المقابلات والاختيارات الدقيقة معيارين أساسيَّين لتعيين أعضاء هيئة التدريس على جميع المستويات في أي مركز أبحاث تنافسي ناجح. يُقَيّم معاونو الأبحاث، والتقنيون، ومساعدو وشركاء البحوث لإنجازاتهم الأكاديمية وأخلاقيات العمل. ويُقَيّم باحثو ما بعد الدكتوراة والعلماء لمهاراتهم وقدراتهم على إدارة الفرق الصغيرة وبناء مشاريع أو برامج بحثية مبتكرة، والاهتمام بالعمل في مختبر، والرغبة في العمل لساعات إضافية، والقدرة على التعامل مع ضغط المنافسة.

جميع المناصب مهمة في أي معهد للبحوث، لكن تعيين الموظفين في المناصب الإدارية والتنفيذية قد يكون مفتاحًا للنجاح أو الفشل. لا يمكن التسامح مع الأخطاء أو المحاباة أو التأثير من أي نوع في هذه المناصب. يجب أن تكون رؤية المعهد ورسالته وأهدافه هي الموجهة لقرارات الاختيار، ويجب إجراء مقابلات مطوّلة وشاملة. وينبغي تنفيذ هذه المقابلات من قِبَل لجنة من الأعضاء الداخليين والخارجيين لتجنُّب التحيّز. فمثلًا، لدى معاهد البحوث في كلٍّ من جامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وستانفورد، وكيمبريدج، وأكسفورد، ومعهد باستور، عمليات صارمة للاختيار. ثمة العديد من الموظفين الأكْفاء في الدول ذات الاقتصادات الناشئة والنامية ممَّن بوسعهم تولّي مناصب قيادية على المستويين الإداري والتنفيذي. ويمكن التعرُّف عليهم بسهولة إذا نُفِّذت العمليات بشكل صحيح.

لا تقبل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) في المملكة العربية السعودية إلا باحثين بارزين من الطراز العالمي، ولديها عملية توظيف شاملة وموضوعية جدًّا. هذه الجامعة في طريقها لتصبح مؤسسةً رائدةً في المنطقة. وتشمل الأمثلة الأخرى لمراكز البحوث في أمريكا اللاتينية وأفريقيا التي تطبق هذه المعايير كلًّا من المجلس الوطني للبحوث العلمية والتقنية في الأرجنتين، ومجلس جنوب أفريقيا للبحوث العلمية والصناعية (CSIR). 

إيجاد ميزة تنافسية

تتسم البحوث الطبية الحيوية قبل السريرية والسريرية بأنها تنافسية ومكلفة باطِّراد. اكتسبت المؤسسات الراسخة في العالم المتقدم خبرةً في مجالات بحث محددة جدًّا، مما يجعلها قادرةً على المنافسة. كما أنها تتناول موضوعات بحثية مهمة لبلدانها ومواطنيها.

تحتاج معاهد البحوث المؤسَّسة حديثًا في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية إلى تحديد المجالات التي يمكن أن تجعلها تنافسيةً ومتميزة. تعمل معظم المراكز حول العالم على الأمراض الشائعة. إذا أراد العلماء في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية أن يركِّز المعهد على أيٍّ من هذه الأمراض نفسها، فيجب أن يطرح الأسئلة التالية:

  1. ما الذي يجعل بحثنا تنافسيًّا ومفيدًا لمجتمعنا؟
  2. هل لدينا إمكانية الوصول إلى المعرفة الفريدة، والبيانات والعينات البيولوجية التي ستجعلنا مختلفين؟
  3. هل نريد أن نتبع الآخرين، أم نريد ابتكار أرضية جديدة؟

تحتضن البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية موظفي بحوث مهرة، وموارد وافرة، ومجموعات فريدة من المرضى، وعينات بيولوجية يمكن أن تمنحها ميزات تنافسية في مجالات بحثية معينة، وهي تشمل مجموعةً نادرةً من الأمراض، وحالات العدوى، والنباتات الطبية، والعلاجات المستندة إلى العرق، والطب الشخصي. إن وضع هذه العناصر الفريدة في الاعتبار يمكنه إعطاء معاهد البحوث الطبية الحيوية ميزةً تنافسيةً ويجعل منها شريكةَ تعاوُن جذابة. كما ستفيد البحوث المستهدفة السكان المحليين في أثناء إسهامها في فهم المرض.

من المهم أيضًا ضمان تمثيل النساء والأفراد من الأقليات العرقية بشكل جيد في عملية التوظيف لإثراء الابتكار والإبداع

عمدت IBM Research إلى إنشاء معاهد بحثية للحوسبة والشبكات في كينيا وجنوب أفريقيا لدعم الأبحاث الطبية الحيوية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي. وهي تربط أيضًا بين معاهد IBM في أفريقيا ونظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا والبرازيل واليابان لكي تعمل كمركز. وقد أُعِدّت مبادرة جنوب أفريقيا للقاحات الإيدز لتنسيق البحوث وتطوير لقاحات فيروس العوز المناعي البشري. وأسهَمَ معهد أبحاث الدماغ في جامعة موناش صنواي (BRIMS) في ماليزيا بشكل كبير في هذا المجال منذ إنشائه في عام 2006. ويركِّز مركز البروتين كيناز للبيولوجيا الكيميائية في جامعة كامبيناس (UNICAMP) في ساو باولو، البرازيل على المسابر الجزيئية للكينازات البروتينية المنظمة لربط (تضفير) الحمض النووي الريبي (RNA) والكروماتين، بالتعاون مع كونسورتيوم الجينوميات البنيوية (GSC) في أكسفورد، المملكة المتحدة. إن تخصص هذه المعاهد يمنحها الميزة التنافسية للسيطرة الدولية.

التجديد والتنوع

تقدّم مراكز البحوث الطبية الحيوية المنجزة فرصًا للمواهب الشابة للتميز والتحوّل إلى قادة مستقلين، بينما تستثمر في كبار علمائها البارزين الملتزمين. ويُحافظ على هذه النظم بشكل جيد حتى ضمن القطاع الخاص في العالم المتقدم، فشركات الأدوية مثلًا تحاول جذب أفضل العلماء من الأوساط الأكاديمية. كما أنها تضمن تمويل كبار علمائها، الذين لا تحظى مجالات أبحاثهم بالأولوية، فتشجعهم على مواصلة استقصاءاتهم ضمن الأوساط الأكاديمية إلى حين تأمين تمويلهم الخاص. ومن المهم أيضًا ضمان تمثيل النساء والأفراد من الأقليات العرقية بشكل جيد في عملية التوظيف؛ لإثراء الابتكار والإبداع. يجب أن تضع مراكز الأبحاث في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية هذه العناصر في اعتبارها إذا كانت تسعى للتميز.

تأمين مصادر المعرفة التنافسية

يتطلَّب البحث التنافسي إتاحةَ الوصول المستمر إلى المعلومات والخبرات. يجب أن تضمن معاهد البحوث في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية الوصول إلى الأدبيات والمنشورات العلمية. كانت المعاهد في الصين والهند فعالةً في اجتذاب العلماء الصينيين والهنود المغتربين لتأسيس برامج بحثية.

أسست الجزائر شبكة عن طريق جمعية الكفاءات الجزائرية (ACA)؛ لتشجيع العلماء والمهنيين الجزائريين المغتربين على التعاون مع نظرائهم داخل البلاد. في المملكة العربية السعودية، يعمل مركز الملك عبد الله الدولي للأبحاث الطبية (KAIMRC) على توظيف علماء سعوديين عائدين من الخارج. وقد ذهبت جامعة الملك عبد الله بهذا النهج خطوةً أخرى عن طريق دعوة علماء بارزين من جميع أنحاء العالم لتأسيس مختبراتهم البحثية في الجامعة.

إذا لم يكن تحقيق هذه الأفكار ممكنًا، فيمكن إقامة علاقات تعاون وشراكات مع مجموعات بحثية في البلدان المتقدمة. كما يمكن جذب العديد من العلماء الراسخين في الدول المتقدمة للتعاون من خلال عروض تمويل لمشاريع مشتركة.

تأمين الموارد المستمرة

تُعتبر البحوث الطبية الحيوية استثمارًا طويل الأجل، وهي بحاجة إلى دعم مستمر. قد تستغرق فكرة بحثية مبتكرة 20 سنةً منذ بدء مفهومها إلى تحقيقه عن طريق الاختبار والتقييم والتطوير إلى منتج للسوق. سيضمن الدعم المالي الملتزم الأموال الكافية، حتى في فترات الركود الاقتصادي. يجب التخطيط بعناية للتمويل عند إنشاء مراكز الأبحاث الجديدة. قد تأتي الأموال من مجموعة موارد مشتركة، تتوزع بين مصادر حكومية ومصادر خاصة، بالإضافة إلى الهِبات. وهذه نادرًا ما تظهر في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية، حيث يأتي تمويل البحوث من الإنفاق العام فقط. إلا أن هناك بعض الأمثلة الناجحة التي تُستخدم فيها جميع أشكال التمويل الثلاثة، ومن ضمنها المعاهد التابعة لوكالة سنغافورة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث (A*STAR). في مركز الملك عبد الله الدولي للأبحاث الطبية، نحن نعتبر إطلاق الشركات المنبثقة استنادًا إلى أبحاثنا واكتشافاتنا لتأمين دخل إضافي، نموذجًا طُبّق بنجاح في الولايات المتحدة وأوروبا.

إن البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية تترك بصمةً واضحةً على مسرح البحوث الطبية الحيوية، مع إمكانية هائلة للإسهام في معالجة أنواع الأمراض كافة. ولكن لكي تحقق هذه الاستثمارات نتائج، يجب النظر في عوامل رئيسية، كالأفراد المناسبين، ومجالات البحوث المركزة والتعاون.

doi:10.1038/nmiddleeast.2018.164


  1. Dr. Mohamed Boudjelal is the chair of the Medical Research Core Facility and Platforms at KAIMRC in Riyadh, Saudi Arabia. He is a prominent biomedical researcher, with many years of experience in the US, Europe and the Middle East. He is also the founder of the Algerian Competences Association and of Science Edit for the Developing World, www.sciencedit-dw.org. E-mail: boudjelalmo@ngha.med.sa