مقالات
Commentary

Read this in English

دعوة لتقديم خدمات وراثية محسّنة في البلدان العربيّة

Published online 22 يونيو 2014

يُظهر تقدير لمعدّلات العيوب الولادية ارتفاع إمكانية حدوث التشوّهات بين المواليد الأحياء في البلدان العربية مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. وتتعقّد المشكلة بنقص الخدمات الوراثية الموثوق بها في كل البلاد العربية إلا قلة منها.

لحاظ الغزالي وحنان حمّامي

لحاظ الغزالي
لحاظ الغزالي
يسهم زواج الأقارب، المتعارف عليه في معظم المجتمعات العربية، والروابط داخل الأسرية التي تشكل 20– 50% من جميع حالات الزواج1، في ظهور العيوب الولادية بمعدّل أعلى من الطبيعي، في حين يُعَد نقص تمويل الأبحاث والخدمات الصحية عاملاً آخر. 

ويُقدّر انتشار التشوهات الخلقية في نسل الأزواج من أبناء العمومة/ الخؤولة من الدرجة الأولى بأكثر من 1,7– 2,8% من إمكانية حدوثها بين مجموعات الأفراد الآخرين، وتُعزى في معظمها إلى اضطرابات جسمية متنحية2. إن تقاليد الأسر الكبيرة المُفضّل اتباعها في بعض الأماكن تعرّض المزيد من الأطفال لخطر الإصابة بحالات جسمية متنحية نادرة. بالإضافة إلى ذلك، تستمر المرأة في معظم الدول العربية بالإنجاب حتى وقت متأخّر من حياتها، مما يؤدي إلى زيادة معدّل المواليد المصابين بمتلازمات تثلث الصبغيات، مثل متلازمة داون3 4.

تشمل الاضطرابات الخلقية أو العيوب الولادية جميع الفئات المسببة للأمراض الوراثية، كالاضطرابات أحادية الجينات مثل الثلاسيميا، والحالات الكروموسومية مثل متلازمة داون، والاضطرابات متعددة العوامل والتي تتمثل في التشوهات الخلقية الشائعة مثل عيوب الأنبوب العصبي، وانشقاق الشفة والحنك، وعيوب القلب الخلقية، بالإضافة إلى التشوهات داخل الرحم الحادثة بسبب المُشوّهات البيئية أو عوز المغذيات الزهيدة المقدار.

ويقدِّر تقرير عالمي العيوب الخلقية بأكثر من 69.9/1000 بين المواليد الأحياء في معظم البلدان العربية، مقابل أقل من 52.1/1000 بين المواليد الأحياء في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا5.

تقتصر الخدمات الوراثية المتاحة في هذه المنطقة عادة على مراكز الإحالة التي تُسهم بتقديم الاستشارة الوراثية وعلى المرافق التشخيصية. وقد بدأت بعض البلدان بوضع برامج فحص حديثي الولادة لقصور الغدة الدرقية الخلقي وبيلة الفينيل كيتون وعدة اضطرابات أخرى، بالإضافة إلى برامج الفحص السابق للزواج لحاملي الاعتلالات الهيموغلوبينية. ويتوافر لدى بعضها سجلات فعّالة للعيوب الولادية.

في العديد من البلدان العربية، يجرى المسح بالموجات فوق الصوتية على الأجنة بشكل روتيني لأية امرأة خلال أول زيارة لها في المرحلة السابقة للولادة. وفي حين يتمكن هذا الإجراء من تحديد التشوهات الخلقية الرئيسية وبعض التشوهات الكروموسومية، إلا أنه يجرى عادة دون تقديم أية معلومات إلى الوالدين قبل إجرائه عن إمكانية إيجاد خلل، ودون تقديم أي تفسير للعواقب المتوقعة. 

يقدّم بعض أطباء التوليد اختبار الواسمات في مصل الأم، ولكنه ليس إلزاميًّا. إذا كانت نتائج الاختبار تشير إلى تشوُّه، عندئذ يتعيّن على الزوجين أن يقررا ما إذا كانا يريدان متابعة إجراء اختبارات باضعة وما إذا كانا سينهيان الحمل لو كان الجنين مصابًا. على أي حال، تختلف المفاهيم الدينية والقانونية بشأن الإنهاء الانتقائي للحمل باختلاف البلدان العربية. وهناك نقص في عدد استشاريي الوراثة الخبراء الذين يمكنهم تفسير النتائج غير الطبيعية وتقدير المخاطر وفقًا لنتائج المسح الجنيني والواسمات البيوكيميائية.

لا تتطلب الاستراتيجيات بالضرورة تسهيلات معقدة تقنيا
ومن البدائل التي تلاقي ترحيبًا في الدول العربية هناك التشخيص الوراثي السابق للانغراس؛ لأنه لا يجبر الزوجين على اتخاذ قرار يتعلق بالإجهاض، ولكن هذا الإجراء لا يزال في مراحله الأولى، وعليه الكثير من القيود، وهو يتوفر فقط في عدد قليل من المراكز كما في المملكة العربية السعودية6 7

في الماضي القريب إلى حد ما، حقّقت السلطات الصحيّة والمؤسسات الطبيّة الأكاديمية والقطاع الخاص تقدمًا في إدخال خدمات وراثية مختارة في بعض الدول العربية. ولكن هذه الخدمات في كثير من البلدان غير مكتملة، وانتقائية وغير كافية. والأهم من ذلك، أنه لم يجرِ تبسيطها.

ويبقى شيوع الحصول على خدمات كهذه محدودًا بندرة مواردها وقلة عدد المهنيين الصحيين المدربين في مجال علم الوراثة الطبية. فالتشخيص الوراثي غالبا ما يكون صعبًا، نظرًا لتنوع الحالات المعنيّة.

إلى جانب تقدّم الخدمات الطبية، هناك حاجة لبذل الجهود التثقيفية لتوعية الناس من الناحية الوراثية، ويجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية الأولية إجراء دورات وحملات شاملة لتحسين المهارات الاستشارية التي تتعلق بزواج الأقارب على وجه التحديد8 9.

تراجعت معدلات وفيات الرضّع بشكل ملحوظ في العديد من الدول العربية، وبالتالي، يمكن القول إن نسبة الوفيات الناجمة عن الاضطرابات الخلقية قد ارتفعت. وفي ضوء ارتفاع معدّل البقاء على قيد الحياة، من المهم توجيه عناية فعّالة لأولئك الذين يولدون باضطرابات كهذه. 

في الدول العربية بصفة عامة، هناك برامج جيدة في مجال الخدمات الصحية الإنجابية وسواها من الخدمات الأولية؛ حيث يمكن عمليا دمج الخدمات الصحية الوراثية المجتمعية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المعدلات المرتفعة لاضطرابات الهيموغلوبين وغيرها من الاضطرابات أحادية الجين في بعض البلدان تشير إلى إمكانية كبيرة لوضع برامج الرعاية والوقاية المجدية اقتصاديا.

ولوضع برنامج للتدخل الصحي على الصعيد الوطني، هناك مطلبان أساسيان: تحديد الأولويات، والتأكد من أن المشكلة الصحية ذات حجم كبير؛ والتأكد من أن تدخلات الرعاية والوقاية ممكنة التنفيذ ومجدية اقتصاديا. 

إن جمع البيانات الموثوقة المتعلقة بوبائيات الأمراض وأعبائها، إلى جانب التحليل المناسب للحالة، سيساعد صانعي القرار على وضع خطة للأولويات وتنفيذ الخدمات الوراثية المجتمعية على مستوى الرعاية الصحية الأولية. 

كما يجب أن تكون البيانات المتعلقة بحجم وفعالية الخدمات الوراثية المجتمعية والقوى العاملة ومرافق المختبرات المتوفرة حاليا في بلد ما، متاحة أيضًا.

من الأهمية بمكان إقناع صانعي السياسات أن هناك حاجة إلى مثل هذه الخدمات، وأنها مطلوبة من قبل الجمهور. ويجب توفير التمويل لمثل هذه البرامج. وهناك أمثلة على نجاح بعض البرامج في الحد من وطأة الاضطرابات الخلقية في البحرين وقبرص وإيران10 11 12 13 وبإمكانها إثبات أن التدخلات ممكنة عمليا وفعّالة في الحد من وطأة الاضطرابات الخلقية على المجتمع.

لا تتطلب الاستراتيجيات بالضرورة تسهيلات معقدة تقنيا، ولكنها تستند بشكل أولي إلى تطوير خدمات فحص حديثي الولادة وحاملي الاضطرابات، مع تعزيز تعليم العاملين في المجال الصحي وتدريبهم، وزيادة الوعي العام في الوقت نفسه.

وتشير البيانات إلى أن النظم الصحية في كثير من البلدان العربية قادرة على تقديم بعض الخدمات الوراثية المجتمعية الأساسية ضمن برامج الرعاية الصحية الأولية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للبلدان العربية متوسطة الدخل ومرتفعته أن تعمل على تطوير مستوى الخدمات التشخيصية الوراثية؛ لمواكبة الثورة الجزيئية، ولإدراج التكنولوجيا الحالية المستخدمة في تشخيص الاضطرابات الخلقية وعلاجها.

لِحاظ الغزالي أستاذ في علم الوراثة السريري وطب الأطفال في قسم طب الأطفال في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وقد أسست سجلاًّ لرصد عيوب الولادة في الإمارات العربية المتحدة، وعملت بنشاط على مدى أكثر من 17 عامًا لتوعية سكان الشرق الأوسط حول علم الوراثة السريرية. وتركّز أبحاثها بشكل رئيسي على تعريف وتحديد الاضطرابات والمتلازمات الوراثية السائدة في الإمارات العربية المتحدة وبين الشعوب العربية على المستوى السريري والجزيئي. وقد تمكّنت من التعرّف على عدة متلازمات جديدة، وأسهمت في التوصيف السريري والجزيئي للعديد من الاضطرابات.

حنان حمامي ملتحقة حاليا بقسم الطب والتطور الوراثي في جامعة جنيف في سويسرا. كانت في السابق المختص المسؤول عن عيادات الاستشارة الوراثية في بغداد وعمّان. وقد شاركت في عدد من استشارات منظمة الصحة العالمية لتوفير الخدمات الجينية المجتمعية في البلدان النامية، وهي مهتمة بالبحوث الخاصة بزواج الأقارب والعيوب الخلقية.

doi:10.1038/nmiddleeast.2014.156


  1. Tadmouri,G.O. et al. Consanguinity and reproductive health among Arabs. Reprod. Health 6, 17 (2009).
  2. Hamamy, H. et al. Consanguineous marriages, pearls and perils: Geneva International Consanguinity Workshop Report. Genet. Med. 13, 841-847 (2011).
  3. Sawardekar,K.P. Profile of major congenital malformations at Nizwa Hospital, Oman: 10-year review. J. Paediatr. Child Health 41, 323-330 (2005).
  4. Christianson, A., Howson, C. & Modell, B. Global Report on Birth Defects. The Hidden Toll of Dying and Disabled Children. March of Dimes Birth Defects Foundation: White Plains, New York  (2006).
  5. Murthy, S. et al.  Incidence of Down syndrome in Dubai, UAE. Med. Princ. Pract.  16 (1): 25-28  (2007). 
  6. Qubbaj, W. et al. First successful application of preimplantation genetic diagnosis and haplotyping for congenital hyperinsulinism. Reprod. Biomed. Online. 22, 72-79 (2011).
  7. Hellani, A., et al. Successful pregnancies after application of array-comparative genomic hybridization in PGS-aneuploidy screening. Reprod. Biomed. Online. 17, 841-847 (2008).
  8. Hamamy, H. Community genetic services in Arab countries. Middle East Journal of Medical Genetics 2 (1), 6-10 ( 2013). 
  9. Al-Gazali, L., Hamamy, H., & Al-Arrayad, S. Genetic disorders in the Arab world. BMJ 333, 831-834 (2006).
  10. Bozkurt,G. Results from the north cyprus thalassemia prevention program. Hemoglobin 31, 257-264 (2007).
  11. Khorasani, G., Kosaryan, M., Vahidshahi, K., Shakeri, S., & Nasehi, M.M. Results of the national program for prevention of beta-thalassemia major in the Iranian Province of Mazandaran. Hemoglobin 32, 263-271 (2008).
  12. Samavat, A. & Modell, B. Iranian national thalassaemia screening programme. BMJ 329, 1134-1137 (2004).
  13. Al-Arrayed, S. & Al-Hajeri, A. Newborn Screening Services in Bahrain between 1985 and 2010. Adv. Hematol. 2012, 903219 (2012).