أخبار

هل نجحت الولايات المتحدة حقًا في تدمير برنامج إيران النووي؟

نشرت بتاريخ 29 يونيو 2025

يوضح لنا ديفيد ألبرايت اختصاصي السياسات النووية كيف ترصد منظمته حجم الخسائر التي لحقت بمواقع إيران النووية عقب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على هذه المواقع.

دافيديه كاستلفيكي

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أعضاء من طاقمه الوزاري عقب الهجمات على إيران.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أعضاء من طاقمه الوزاري عقب الهجمات على إيران.
Carlos Barria/Pool/AFP via Getty Defense


استيقظ كثيرون في أنحاء شتى من العالم على نبأ بأن الولايات المتحدة قصفت في الثاني والعشرين من يونيو الجاري مواقع نووية في إيران، بهدف تدمير قدرات البلد على إنتاج سلاح نووي. استهدفت الغارات تدمير منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية  في قرية فوردو ومدينة نطنز، والمركز البحثي النووي في مدينة أصفهان، بقاذفات قنابل خفية تلقي قنابل هائلة مخترقة للتحصينات وصواريخ جوالة على هذه المواقع.

ورغم أن إيران تزعم أن برنامجها النووي يخدم أغراضًا سلمية، لطالما خلصت تقديرات الخبراء إلى أن البلد كان على بعد خطوة من الوصول إلى القدرة على بناء سلاح نووي إذا اختار القيام بذلك. وقد جاءت الهجمات الأمريكية بعد حملة قصف نفذتها إسرائيل، التي شنت في أعقاب ذلك مزيدًا من الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية.  وحول نتيجة الهجمات، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثالث والعشرين من يونيو الجاري، بأنه "من المتوقع أن موقع فوردو النووي القابع تحت الأرض قد لحق به ضرر جسيم".

كذلك يعمل باحثون في عدد من المعاهد الأكاديمية ومراكز الأبحاث على تقييم التأثير المحتمل للهجمات على القدرات النووية الإيرانية. ويفيد محللون للوضع بأن الهجمات عطلت كثيرًا على الأرجح تقدم البرنامج النووي الإيراني، لكن بشكل مؤقت. وبالأحرى، يُحتمل أن إيران نقلت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وبعض أجهزة الطرد المركزي التي تُستخدم في تخصيب هذا العنصر إلى موقع آخر. وعلى خلفية تلك الأحداث، أجرت دورية Nature حوارًا مع ديفيد أُلبرايت اختصاصي السياسات النووية ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن حول ما خلص إليه الباحثون في هذا الشأن.

ما تقييمك لتأثير عمليات قصف منشآت إيران النووية؟

لا يمكن لكثير من الباحثين تقييم التأثير الذي خلفته هذه العمليات. نتمتع بخبرة تمتد لعقود فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، ونحن على دراية واسعة بمنشآته وأنشطته النووية. كما نتمتع بقدرة كبيرة على الوصول إلى صور الأقمار الصناعية، ونحاول يوميًا شراء بعض مما يجب شراؤه منها. كما نستعين بخبرات محللين يمتلكون عقودًا من الخبرة لدراسة هذه الصور. وفضلًا عن ذلك، تجمعنا صلات بكثير من الأشخاص في الحكومات وبزملاء لديهم بدورهم صلات بالحكومات.

صور من القمر الصناعي لشركة «ماكسار للتقنية» Maxar Technologies تظهر دمارًا واسعًا بمجمع فوردو الواقع تحت الأرض.  توضح الصورة عدة فوهات صدمية كبيرة على امتداد الأخدود الذي يحوى المجمع، ومساحة شاسعة غطاها رماد أزرق مائل إلى الرمادي كما هو متوقع في أعقاب ضربة جوية.

صور من القمر الصناعي لشركة «ماكسار للتقنية» Maxar Technologies تظهر دمارًا واسعًا بمجمع فوردو الواقع تحت الأرض.  توضح الصورة عدة فوهات صدمية كبيرة على امتداد الأخدود الذي يحوى المجمع، ومساحة شاسعة غطاها رماد أزرق مائل إلى الرمادي كما هو متوقع في أعقاب ضربة جوية.
صورة قمر صناعي، حقوق الصورة لعام 2025 محفوظة لشركة «ماكسار للتقنية».

كان كثير من الدمار الذي لحق بالمنشآت على سطح الأرض. وفي هذه الحالة، تكون المسألة رهن بمعرفتنا بوظيفة المباني التي تعرضت للقصف (أي دورها في البرنامج النووي). ونعتمد على حصيلتنا من المعلومات حول المواقع التي تعرضت للهجوم. لذا، فتقدير الخسائر هنا سهل نوعًا ما.

لكن مما لا شك فيه أن تقدير الخسائر التي لحقت بالمواقع القابعة تحت الأرض يمثل تحديًا أكبر. وعندما شرعنا في تقييم آثار القصف الإسرائيلي لمنشأة نطنز، لاحظت بعدها بثلاثة أيام فوهة صدمية صغيرة جدًا فوق المنشأة القابعة تحت الأرض. وهنا، أمكنني أن أقف على حجم الضرر الذي نزل بالمنشأة وأن أعزو الفوهة لنوع من أسلحة اختراق الأرض المعروف امتلاك إسرائيل لها.  هذا النوع قد يترك فوهة صغيرة جدًا عند اختراقه للمنشأة، ويسبب خسائر تحت الأرض. أما الولايات المتحدة، فقد قصفت المنشأة بسلاح أقوى في اختراق الأرض. لذا، يرجح أن الدمار كان أكثر اتساعًا.

كيف ومتى سنعرف يقينًا حجم الخسائر التي لحقت بهذه المنشآت؟

كخبراء نووين، نأمل أن يأتي الحل عبر اتفاقات دبلوماسية، تسمح فيها إيران لجهات تفتيش بالتدخل في برنامجها النووي. فإن لم يتحقق ذلك على الأرض، ستقع مسؤولية تقدير حجم الضرر على الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية. وهما تسعيان إلى اعتراض الاتصالات الإيرانية أو تجنيد أشخاص من الداخل الإيراني يمكنهم الإفصاح عن معلومات في هذا الشأن.

هل كانت مواد مشعة لترصد خارج منشأة نطنز وأصفهان وفوردو إن نجحت الهجمات؟

حتى الآن، لم تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وقوع مثل هذا التسرب الإشعاعي. ويبدو أن إيران نقلت مخزونها من اليورانيوم المخصب في الأيام السابقة على القصف. وقد صرحت الولايات المتحدة بأن عمليات القصف التي شنتها استهدفت المنشآت النووية، لذا فإن المسؤولون بها يعون أن الهدف ليس المواد النووية.

هل يمكن للموجات الصدمية أن تتلف منشآت التخصيب حتى دون إصابتها مباشرة؟

يُمكن للموجات الصدمية إيقاع ضرر بالغ. فهي ستصطدم بأجهزة الطرد المركزي، التي قد ترتطم الأسطوانات الدوراة بها بجدران الجهاز إذا كان يدور. ومن دون معلومات إضافية، سيُترك تقدير حجم الخسائر التي لحقت بهذه المنشآت للتكهنات. إلا أن الفكرة التي حركت القصف الأمريكي هي أن الهجمات الإسرائيلية ربما لم تلحق ضررًا كافيًا بالمنشآت.

هل قد يشكل قصف محطة بوشهر الإيرانية للطاقة النووية خطرًا بيئيًا أكبر؟

صرحت إسرائيل بأنها لن تهاجم مفاعلات نووية. كما تعهدت في مفاوضاتها مع روسيا بعدم مهاجمة الروس الذين يديرون المحطة. لكن الجواب هو نعم، قد يفضي ذلك إلى تبعات كارثية حقًا. فتراكم نواتج التحلل الناجمة عن انشطار اليورانيوم داخل المفاعلات أخطر كثيرًا من اليورانيوم في حد ذاته. لهذا السبب لا بد من تلافي المساس بالمفاعلات النووية في الحروب.

أُعيد نشر هذا المقال بعد استصدار التصاريح اللازمة لذلك، وقد نُشر أول مرة  في الثالث والعشرين من يونيو عام 2025.

دافيديه كاستلفيكي  هو مراسل في فريق عمل دورية Nature، وقد أسرته ظاهرة اللف المغزلي الكمي على مدى حياته. يمكنك متابعته على منصة «إكس» X على الرابط التالي: @dcastelvecchi

مقالات أخرى بقلم دافيديه كاستلفيكي

دورية Nature  نشرت لأول مرة في عام 1869، وهي أبرز دورية علمية متعددة التخصصات على مستوى العالم. تنشر الدورية أفضل ما خضع لمراجعة الأقران من الأبحاث التي تفجر اكتشافات ثورية، ويقرؤها قادة الفكر وصناع القرار حول العالم.

مقالات أخرى من دورية Nature

هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور في دورية «ساينتيفيك أميريكان» Scientific Americanبتاريخ 24 يونيو عام 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.94