أخبار

البحث الميداني في ست صور تخطف الأنظار

نشرت بتاريخ 19 يونيو 2025

الفائزون بمسابقة Nature لأفضل صورة لباحثٍ في عمله في عام 2025 ركبوا الأمواج واعتلوا شواهق الجبال ليفتحوا لنا نافذة نُطلُّ منها عليهم وهم يعملون.

جاك ليمنج

كل الصور الفائزة بمسابقة Nature لأفضل صورة لباحث في عمله في عام 2025 (#ScienceAtWork) هي صور لباحثين يؤدُّون بحثهم الميداني. إنها تأخذ المُشاهد في رحلة استكشاف علمي آسرة: من القطب الشمالي إلى الجنوبي، ومن أقصى المحيط الهادئ إلى أقصاه، ومن هذه وتلك إلى المشهد كما يبدو من قمة جبل يوناني. تلقَّى فريق قسم العمل العلمي بدورية Nature أكثر من 200 صورة من باحثين يعملون في شتى أنحاء العالم. والمُلاحظ أن الفائز الأول بالمسابقة، إضافةً إلى اثنين من الفائزين الخمسة الآخرين، كانوا طلبة دكتوراه حين التقطوا صورهم. وقد تم الاختيار بواسطة لجنة تحكيم مختارة من العاملين بمجلة Nature، بينهم خمسة من محرري الرسوم والوسائط لدى المجلة. كل فائز يتلقى مكافأة مقدارها 500 جنيه استرليني (ما يعادل 670 دولارًا أمريكيًا)، إضافةً إلى اشتراك مدته عام في المجلة بنسختيها الرقمية والمطبوعة.

إذا كنت ترغب في المشاركة في مسابقة العام القادم، ما عليك إلا الاشتراك مجانًا في نشرة Nature الأسبوعية للمهن العلمية، لتصلك التحديثات الضرورية في هذا الشأن.

الصورة الفائزة

تتصايح النوارس فوق رأسه بينما هو يُصارع بقاربه الأمواج الهوجاء المتلاطمة في خليج شمالي النرويج. ولا شيء يُنير له الطريق إلا ذلك الضوء الأصفر الصادر من سفينة صيد تُبحر منه غير بعيد. عند مطلع الفجر، التُقطت هذه الصورة لعالِم الأحياء أَوْدِن ريكاردسِن بعدسة واحدة من طلبة الدكتوراه الذين يتولى الإشراف عليهم، اسمها إيما فوجل، وكان ذلك في شهر نوفمبر من عام 2020. حصدت هذه الصورة الجائزة الأولى في مسابقة أفضل صورة لباحث في عمله لهذا العام.

تتخصص فوجل في دراسة حركة الحيوانات والتوزيع المكاني للبيئات الحيوية. حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة ترومسو (أو جامعة النرويج القطبية الشمالية) في عام 2023. وهي مستمرة في التعاون مع ريكاردسن في ذات الجامعة كباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه. وهذه الصورة، في عين صاحبتها، تجسد لحظة وادعةً نادرة في صباحٍ كان فيما عداها صاخبًا.

واصفةً الصورة، قالت: "تشعر فيها بشيء من السكينة. أقول ذلك وأنا معتادة على التعامل مع تفاصيل كثيرة في أثناء العمل الميداني. لكن هذه الصورة تبدو لي متفكرةً للغاية، تدعوك إلى أخذ نفس عميق، والاستلقاء والتأمل".

كان بحثهما الميداني يقتضي منهما الإبحار في إثر مراكب الصيد في الخلجان الواقعة شمال النرويج، حيث تكثُر أسماك الرنجة. وهذه الأسماك تجتذب أعدادًا كبيرة من الحيتان القاتلة (Orcinus orca) والحيتان الحدباء (Megaptera novaeangliae). يتتبَّع ريكاردسن وفوجل حركة الحيتان عبر أجهزة التتبُّع المتصلة بالأقمار الصناعية، والتي تُزرع في الحيتان باستخدام البندقية الهوائية واسعة الفوهة التي يُمسك بها ريكاردسن في الصورة.

بالاستعانة بهذه الأجهزة، نستطيع جمع بيانات عن مواقع الحيتان وسلوك الطفو لديها، وبعضها ينقل إلينا بيانات عن سلوك الغطس أيضًا، تشمل مدة الغطس، وأقصى عمق يصل إليه الحوت. وفي أحيان كثيرة، يعمد الباحثان إلى أخذ خزعة، أو عينة من أنسجة الحيتان، لفحصها ومراقبة صحة الحوت عن طريقها.

هكذا يبقى الباحثان قريبَين من أهدافهما. تقول فوجل: "نستطيع أن نشمَّ رائحة أنفاس [الحيتان]، وأن نسمع أصواتها قبل أن نراها، وهو الأمر الذي يملؤنا دهشة دائمًا".

بالتدقيق في صورة فوجل، يظهر في خلفية الصورة حوت قاتل طافيًا على سطح الماء، تحدُّه قضبان الحاجز المعدني خلف ريكاردسن؛ وهو أمر غفلت عنه لجنة التحكيم لدى مشاهدتها للصورة أول مرة. تقول فوجل: "سرَّني أن ألتقط تلك اللحظة. إنه مكان رائع بحق لإجراء البحث الميداني".

جميع الصور أعلاه ملتقَطة بعدسة إيما فوجل.


وفيما يلي بقية الصور الفائزة في المسابقة.

حفنة من الضفادع

بهذه اللقطة، فاز رايان فاجنر للمرة الثانية في مسابقة أفضل صورة لباحث في عمله (وقد فازت لقطةٌ له في مسابقة العام الماضي أيضًا). هذه المرة، التقط فاجنر، طالب الدكتوراه بجامعة ولاية واشنطن في فانكوفر، صورة للباحثة كيت بيليفيل وسط الخضرة الكثيفة التي تحيط بغابة لاسن الوطنية، الواقعة شمال ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وفاجنر وبيليفيل، المتخصصة في الأبحاث البيئية بإدارة الثروة السمكية والحياة البرية في مدينة ريدنج، ومعهما مجموعة من المتخصصين في علم الأحياء والمتطوعين، جعلوا يتجولون لساعات سعيًا إلى التقاط مجموعة من صغار الضفادع، وغسلها بمحلول مضاد للفطريات مصمَّم للقضاء على الفطر الكيتريدي (Batrachochytrium dendrobatidis) المسؤول عن انخفاض أعداد الكائنات البرمائية حول العالم. وهذه الصورة، الملتقطة في شهر سبتمبر من العام الماضي، توثِّق لحظة إعادة الضفادع إلى البرية مرةً أخرى، بعد غسلها وتزويدها بواسمات التتبُّع.

ولما كان حجم الضفدع لا يسمح باستخدام أجهزة تتبُّع كتلك المستخدمة مع حيتان فوجل، فقد عمد باحثو علم الأحياء بالجامعة إلى حقن الضفادع بسلسلة من الأصباغ المصنوعة من البوليمرات المرنة، التي تشكِّل معًا رمزًا تعريفيًّا غير قابل للتكرار. وهذه الأصباع تلمع إذا ما تعرضت للأشعة فوق البنفسجية.

إنها حيوانات صغيرة الحجم، ويسهُل فقدان أثرها. يقول فاجنر: "لولا أنك تبحث عن الضفادع، لربما خُيِّل إليك أنها صراصير تتقافز أمامك. لكنها ضفادع، ضفادع ضئيلة الحجم. ولذا نتوخَّى الحرص في الإمساك بها".

رايان فاجنر

أعمال حفر في هدأة ليل قطبي

في أرخبيل سفالبارد النرويجي، التقطت دجمارا فويتانوفيتش، التي تعمل فنيةً بحثية حرة، هذه الصورة لكتلة جليدية أثناء ثقبها بمعرفة باحث البيولوجيا الأرضية جيمس برادلي، وباحثة الأحياء الدقيقة كاثرين لاروز. وفويتانوفيتش، التي تقيم في مدينة لونجييربين بأرخبيل سفالبارد منذ ثماني سنوات، تعمل أكثر الوقت مع المعهد القطبي النرويجي، ومقرُّه مدينة ترومسو، إلا أنها شاركت أيضًا في مشاريع أخرى.

أما برادلي فيعمل بمعهد البحر المتوسط لعلوم المحيطات في مدينة مارسيليا الفرنسية، وأما لاروز فتعمل بمعهد علوم الأرض البيئية بمدينة جرينوبل الفرنسية أيضًا.

التُقطت الصورة في أثناء ساعات النهار في ديسمبر من عام 2020. وحسبما ذكرت فويتانوفيتش، تبقى الشمس في سفوسفالبارد منخفضةً عن خط الأفق بمقدار 6 درجات بين منتصف نوفمبر وأواخر يناير. وأعمال ثقب اللُّب الجليدي الذي يظهر بالصورة يأتي في إطار مشروع يشترك فيه برادلي ولاروز سعيًا إلى معرفة كيف تعيش الميكروبات وغيرها من الكائنات الحية في الجليد، وكيف تتكيَّف مع البرد والظُّلمة في الليل القطبي الطويل.

دجمارا فويتانوفيتش

متعقِّب الضباب

بالنسبة لليونيل فافر ورفاقه بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، توجيه منطاد إلى قمة جبل غارقة في الضباب ليس ترفًا، وإنما يدخل في صميم عملهم. ذلك أن عملهم البحثي أعلى جبل هيلموس في اليونان يأتي ضمن مبادرة بحثية أوروبية. وهذه المبادرة، التي تحمل اسم «كلين كلاود» CleanCloud، وتتلقى تمويلها من برنامج تمويل البحث والابتكار البحثي بالاتحاد الأوروبي «هورايزون يوروب» Horizon Europe، تسعى إلى الحصول على معرفة أوفى وفهم أفضل لظاهرة تكوُّن السحب في القارة الأوروبية.

وهذه اللقطة تجسد لحظة الختام لرحلة عمل ميداني طويلة؛ فقد كان على فافر وزملائه أن ينتظروا مدةً تقارب الشهر في طقس معتدل — لسوء حظهم! — حتى بدأت السحب أخيرًا في التكوُّن. وعندما لاحظوا الظروف الجوية باتت مناسبة لبحثهم، هُرعوا إلى موقع القياس أعلى جبل هيلموس، مصطحبين معهم ما يلزمهم من معدات. وأهمُّها هذا المنطاد الجوي المثبَّت بحبل، والذي يحمل معه، أسفل منه مباشرةً، صندوقًا من الأدوات العلمية، التي تجمع بدورها البيانات على ارتفاعات مختلفة.

يقول فافر: "شهدنا بالفعل تكوُّن السحب في مرحلة ما، وإن جاءت تلك المرحلة في وقت متأخر جدًا من عمر المشروع، فكانت سعادتنا بذلك غامرة. لذا انطلقنا قبل طلوع الشمس لتعقُّب السحب. وبقينا هناك يومًا كاملًا، والمنطاد طافٍ فوق رؤوسنا طوال الوقت".

وما إن التُقطت هذه الصورة في نهاية المهمة التي استمرت 15 ساعة، حتى أخذ فافر، وهو فني، وزميله مايكل لوناردي، الذي يتخصص في دراسة تفاعلات الهباء الجوي في السحب بالمناطق القطبية، في جمع أدواتهما، قبل أن يهبطا الجبل عائدَين إلى مقر إقامتهما.

ليونيل فافر

لمعة الذهب

في نهاية يوم طويل من البحث الميداني في شرق سيبيريا، عاد إلى كابينته هاو تشنج يو، الباحث في مجال الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة الصين للعلوم الجيولوجية في بيجين. وجياي وانج، الذي التقط هذه الصورة، يشارك مع يو في تحديد الخصائص الجيولوجية للمناطق الواقعة غير بعيد من رواسب الذهب، لمساعدة جهود الاستخراج المستقبلية.

يقول وانج، وهو طالب دكتوراه بالجامعة نفسها: "ما يجذب الانتباه إلى منطقة التعدين هذه أكثر من غيرها أن بعض الرواسب هنا لا تحتوي على الذهب فقط، وإنما تحتوي كذلك على كميات لا بأس بها من النحاس، وبعضها غني بمعدن التنجستين".

ويقول أيضًا: "علماء الجيولوجيا يعملون عادةً لسنوات طويلة في مناطق نائية، أو لا يسهُل الوصول إليها، وهذا يستلزم منهم، لا إتقان منهجيات وطرائق العمل بالمختبر فحسب، ولكن أيضًا مهارات الحياة في البرية".

في بعض الأحيان، تكون السماء بهذا الصفاء على امتداد الساحل الشرقي لسيبيريا، حيث تكاتفت صدوع القشرة الأرضية والتكوينات الجيولوجية لتكوين جيوب من الذهب. ثم إن الجو قارس البرودة؛ فلا عجب أن يُشعل يو نارًا متوهجة في الكابينة، طلبًا للدفء. ولسان اللهب يصل إلى عنان السماء عبر هذه المدخنة التي تظهر خلف الباب مباشرة.

واصفًا حالة الرتابة والضجر التي يشعر بها بعض الباحثين الزائرين في ذلك الموقع النائي، يقول وانج: "هذه المنطقة غير مغطاة بشبكات الاتصالات. وليس في وسعك أن تفعل شيئًا سوى تأمُّل الصخور. أما أهل المنطقة فهم يذهبون في رحلات صيد، ويستمتعون بهذه الحياة".

جياي وانج

غرائب القطب الجنوبي

هذه الصورة لمرصد القطب الجنوبي العملاق، المثبَّت بمحطة «أموندسن–سكوت للرصد الفضائي في القطب الجنوبي»، التقطها أمان تشوكشي بعد قضائه ستة أشهُّر في هذه المحطة التي تجري أبحاثًا في القطب الجنوبي، وتديرها الولايات المتحدة، وهو الذي أقام في المحطة 14 شهرًا.

الطقس هناك من البرودة بحيث لا يستطيع أحد البقاء بالخارج وقتًا طويلًا. لكن لم يكن يمر يوم على تشوكشي، ومعه زميله آلن فوستر، طالب الدكتوراه بجامعة كيس ويسترن ريزيرف في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية، وباحث آخر كانت تركيزه منصبًّا على المرصد، دون أن يخرجوا في تمشيةٍ لمسافة كيلومتر، متحدِّين برودة الجو التي تصل إلى ما بين 50 و70 درجة مئوية دون الصفر، لتنضيف طبق المرصد من الجليد المتراكم عليه. وإضافةً إلى ذلك، كان الباحثون يعمدون إلى تشحيم تروس المرصد كل بضعة أسابيع، لتمكينه من مواصلة مهمته في رصد إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، القادم من مراحل الكون المبكرة.

يعمل تشوكشي الآن باحثًا زميلًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة ماكجيل في مدينة مونتريال الكندية، لكنه وقت البقاء في المحطة كان طالب دكتوراه في جامعة ملبورن الأسترالية.

إنه مكان غريب. يقول تشوكشي: "كنا 44 فردًا بالمحطة، بينهم ثمانية باحثين أو عشرة، على ما أذكر، يُجرون التجارب". ومع انعدام الرطوبة في الجو تقريبًا، تنعدم كذلك حاسة الشم.

وقد اصطنع الباحثون تقليدًا واظبوا عليه وحرصوا على عدم مفارقته، وهو أن يفعلوا شيئًا بعينه بمجرَّد أن يحطُّوا في نيوزيلندا في طريق العودة من المحطة؛ يقول تشوكشي: "كنا جميعًا نقصد الحدائق الغنية بالنباتات في يوم عودتنا، لقضاء الوقت بين الخضرة، ولتنشيط حاسة الشم".

أمان تشوكشي

 

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 13 مايو 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.89