أخبار

مشادة مع مُراجع علَّمتني درسًا في الغرور والتواضع

نشرت بتاريخ 11 يونيو 2025

كان عليَّ أن أتريث وأواجه نفسي بالأسئلة الصعبة.. لكني لم أفعل، وشرعتُ مباشرةً في كتابة الرد.

بابك ذو القدر أصلي

كتب بابك ذو القدر أصلي ردًّا غاضبًا على أحد مراجعي ورقته البحثية، متخذًا من النقد الموجَّه إليه فرصةً للدفاع عن عمله. 

كتب بابك ذو القدر أصلي ردًّا غاضبًا على أحد مراجعي ورقته البحثية، متخذًا من النقد الموجَّه إليه فرصةً للدفاع عن عمله. 
حقوق الصورة: SilviaJansen/Getty

لم أكد أحصل على درجة الماجستير في هندسة المياه من جامعة طهران، في شهر فبراير من العام 2017، حتى عُيِّنت في ذات الجامعة باحثًا مساعدًا. بحلول لذلك الوقت، كنتُ قد شاركتُ في كتابة عدة أبحاث، في إطار العمل على تلبية متطلبات نيل الدرجة، وأصبتُ في ذلك نجاحًا ملموسًا.

كنتُ قد انتهيتُ للتوِّ من آخر مشاريعي البحثية، وقدَّمته للنشر بإحدى الدوريات العلمية المرموقة في مجال تخصصي، الذي يتضمن تصميم وإدارة البنى التحتية الخاصة بمشاريع المياه. وبعد عدة أشهر، نما إلى علمنا — أنا وزملائي الثلاثة المشاركين في كتابة البحث — أن الجولة الأولى من التحكيم البحثي (أو مراجعة الأقران) قد انتهت. وما لاحظته آنذاك أن الورقة لاقت استحسانًا، وبدا أن جميع المراجعين يتفقون مع ما جاء فيها، ما عدا مراجعًا واحدًا، كانت له ملاحظة على أحد جوانب البحث.

أُدرِك الآن أن تعليقاته كان من شأنها أن تحسِّن البحث على المدى البعيد. لكن هذا المراجع علَّمني أيضًا، ودون أن يدري، واحدًا من أهم الدروس وأعمقها أثرًا في مسيرتي المهنية: علَّمني كيفية التعامل مع المجال الأكاديمي عمومًا، وما علَّمني إياه يفوق ما تعلَّمته من أي كتاب.

عندما فتحت الرسالة البريدية التي وصلتني من المحرر، مررتُ سريعًا على تعليقات المراجعين، وفي نفسي يقين أن كل شيء على ما يُرام. بدا أن الملاحظات بسيطة: أثنى أحدهم على المنهجية المتَّبعة، وقدَّم آخر بعض المقترحات البنَّاءة. ثم أتيتُ على تعليقات المُراجع رقم 2، الذي تركَّزت ملاحظاته على جانب فني بعينه من البحث.

كنتُ أعتقد في نفسي أنني لستُ ممن يمانعون مطلقًا في مراجعة عملي استجابةً لمثل هذه الملاحظات. لكن شيئًا ما في تعليق ذلك المُراجع أثار حفيظتي: ربما النبرة، أو ربما لما بدا لي حينها من أنه يركز على نقطة رأيتها هامشية، ويتجاهل الإسهامات الجوهرية للبحث — أو ما رأيتُ أنها كذلك. أن يأتي إليك مَن يطالبك، بعد شهور من العمل، بإجراء تعديلات تبدو غير ضرورية، أو غير ذات قيمة، فهذا مما يثير الأعصاب حقًا. وما هي إلا أن تملَّكَتْني الرغبة في الثأر لكرامتي.

كان يسيطر عليَّ شعور بالإحباط والتصميم عندما جلستُ لأصوغ الرد. رؤيتُها فرصةً سانحةً لأنبري مدافعًا عن بحثي. كتبتُ ردًّا فنّيًا مطوَّلًا، لكنني أنظر إليه الآن بأثر رجعي، فأجد أن نبرته كانت أبعد ما تكون عن الإيجابية. عمدتُ في الرد إلى التقليل من الرأي الآخر، ولم أترك متسعًا للنقاش. كنتُ أدافع عن عملي، ليس بالحجاج العقلاني، ولكن بحساسية مفرطة، قد تُعطي انطباعًا بالغرور، أو حتى التهجُّم.

أرسلتُ الرد إلى زملائي المشاركين في كتابة البحث، متوقعًا ألا أجد منهم اعتراضًا ذا بال. وإذا بأحدهم يرد في الحال: "النبرة حادة، أرجو أن تخففها بعض الشيء".

راجعتُ الرد، فلم أقف على سبب الاعتراض. ودافعتُ عن موقفي أمام المشرف على رسالتي، منطلقًا من أن المُراجع أخطأ في فهم عناصر أساسية في البحث، وأن ردي عليه له ما يبرره. استمع المشرف في تأنٍّ وصبر قبل أن يرد عليَّ ردًّا لن أنساه ما حييت: "لا أتفق مع طريقتك في صياغة حُجتك، ومع ذلك فإنْ كنت حقًا مقتنعًا بها، فنحن معك. لكني أريدك أن تتذكر هذه اللحظة، وأن تعود لتتفكَّر فيها مليًّا بعد انقضاء هذا الأمر".

رفعتُ الرد على بوابة التحكيم البحثي بعد إجراء تعديلات طفيفة.

وما هي إلا أسابيع قليلة حتى جاءني القرار: جولة أخرى من التعديلات المقترحة. كان المراجع رقم 2 لا يزال غير مقتنع. فما كان مني إلا أن تمسكت بموقفي، واكتفيتُ بإدخال تعديلات طفيفة، ثم أعدتُ تقديم الورقة. ولعله مما لا يثير العجب أن القرار النهائي جاء برفض الورقة.

كان تركيزي منصبًّا على "الفوز" في هذا السجال، على نحوٍ جعلني أغفَلُ عن القيمة الحقيقية للتعامل بإيجابية مع تعليقات المراجعين، وعن الضرر الذي قد يترتب على عدم الخوض في حوار بنَّاء. والحق أن ردّي لم يفعل شيئًا غير أنه زاد المُراجع إصرارًا وتمسُّكًا بموقفه.

بابك ذو القدر أصلي باحث متخصص في هندسة المياه بجامعة كوينزلاند في مدينة بريزبِن الأسترالية.

بابك ذو القدر أصلي باحث متخصص في هندسة المياه بجامعة كوينزلاند في مدينة بريزبِن الأسترالية.
حقوق الصورة: Theo Moye

ما كان ينبغي فعله

رفض البحث كان بمثابة جرس إنذار. دفعتني هذه التجربة دفعًا إلى مراجعة طريقتي في تلقِّي النقد، بحيث لا أراه هجومًا، ولكن فرصة لتنقيح البحث. مرت خمس سنوات، تعلمتُ خلالها أن الدفاع عن فكرة لا يعني رفض أي فكرة أخرى أو التقليل منها. فالباحثون الأعلى إنتاجًا هم القادرون على الانخراط في حوار نقدي إيجابي، دون حساسية شخصية تشوش على قدرتهم على الحكم.

هذا لا يعني ألا تدافع عن أفكارك ومعتقداتك، وإنما العبرة بطريقة التعامل مع النقد. فلتدافع عن عملك كما تشاء، لكن لا تجعل كرامتك حائلًا بينك وبين تحسين بحثك. وإذا افترضنا حسن النية، فما من نقدٍ إلا ويكون نافعًا على نحوٍ ما. وإذا جاءك يومًا نقد قاس، تأنَّ قليلًا حتى تزايلك الحمولة الشعورية، واسأل نفسك: ماذا لو كان مُحقًا؟

ليس من السهل الجمع بين الثقة والتواضع: فإن كانت ثقتك في نفسك أقل مما يجب، أصبحت نهبًا للشك والتردد، وإن كانت أعلى مما يجب، أعمَتْك عن الأفكار السديدة والنصائح القيمة. والتوسُّط بين هذين، والحفاظ على شعرة معاوية بينهما، وإن لم يكن بالأمر اليسير، إلا أنه من أقيَم المهارات التي يمكن لباحث أن يتسلَّح بها. وأستطيع أن أقول إن هذه من المهارات التي أتيتُ بها معي إلى جامعة كوينزلاند، الكائن مقرها في مدينة بريزبن الأسترالية.

أمضيتُ بضعة أسابيع في مراجعة سلوكي، ثم قدَّمنا نسخة منقَّحة من الورقة البحثية، بعد الاستماع إلى نصائح ومقترحات المراجع رقم 2، وتقدَّمنا بها إلى دورية أخرى، ونُشرت أخيرًا. لكن ما يهمني أكثر من نشر البحث، هو ذلك التصوُّر الجديد الذي اكتسبتُه أثناء تلك الرحلة، وذلك الدرس الذي تعلَّمته حول الصورة التي ينبغي أن أكون عليها كباحث.

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 13 مايو 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.83