روبوتات استخلاص البيانات للذكاء الاصطناعي تسبب تعطُل مواقع أكاديمية
25 June 2025
إلى الباحثين عن عمل في ميدان العلوم: الكفاءة والتواضع مفتاحان لاقتناص الوظيفة
نشرت بتاريخ 9 يونيو 2025
الشغف والالتزام، لا المبالغة والثقة الزائدة في النفس.. هذا ما ينتظره مسؤولو التوظيف من طالبي الوظائف.
تصميم:
Tiago Galo
عندما تفحص ريتشل فوستر السير الذاتية للمتقدِّمين الراغبين في الانضمام إلى مجموعتها البحثية المتخصصة في دراسة الأحياء الدقيقة في المحيطات، بجامعة ستوكهولم السويدية، يكون همها الأول هو التفتيش عن أمارات "الاهتمام الحقيقي" لدى المتقدمين. تقول: "أودُّ أن أعرف إنْ كانوا يتقدمون لوظيفة لمجرد الحصول على وظيفة، أم لاهتمامهم الأصيل بالعمل البحثي".
هذه الأولويات، كما عبرت عنها فوستر، تمثل تفضيل نحو 1100 من مديري المختبرات وقادة المجموعات البحثية، بعضهم يعمل المجال الأكاديمي والبعض الآخر بشركات القطاع الخاص، استطلعت مجلة Nature آراءهم للوقوف على الاتجاهات الحالية في التوظيف العلمي. عندما سئل المشاركون عن الصفات التي يفتقر إليها المتقدمون لشغل الوظائف في أغلب الأحيان، كانت الإجابة الأكثر شيوعا هي: التفكير الإبداعي. وحلَّ التفاني في هذه القائمة ثانيًا، والشغف رابعًا (انظر: أصحاب العمل ينتظرون من المتقدمين مزيدًا من الإبداع والشغف). وهي خصال تنعكس بشكل مباشر على قرارات التوظيف. عندما طُلب إلى أصحاب العمل تعديد العوامل التي قد تساعدهم على الاختيار بين طالبي الوظيفة حال التعادل في المؤهلات، كانوا كثيرًا ما يذكرون الشغف والحماس أو الحافزية، أكثر من ذِكرهم لعوامل مثل التوصية أو تنوع المرشحين أو الخبرة العملية السابقة (انظر: العوامل الحاسمة في قرارات التوظيف).
ومع ذلك، فقد وجد الاستطلاع أن أرباب العمل يريدون من المتقدمين للوظائف أن يتحلوا بالواقعية، وأن يقدموا يدللوا على صحة ما يقولونه عن أنفسهم، وألا يفرطوا في الثقة بأنفسهم. قال ما يقرب من ثلث مسؤولي التوظيف إن المتقدمين الذين بدا أنهم يبالغون في مهاراتهم أو خلفياتهم، أو يختلقونها اختلاقًا، كان يشكِّل أحد التحديات الرئيسة التي واجهوها خلال عملية التوظيف؛ وارتفعت هذه النسبة إلى 41% من مسؤولي التوظيف عندما حُصر السؤال في أكبر التحديات خلال مرحلة عقد المقابلات الشخصية.
قد يبدو تحقيق التوازن بين هذين المطلبين — إظهار الشغف والالتزام من جهة، والتحلي بالصدق والتواضع من جهة أخرى — أمرًا شاقًا بالنسبة للباحثين عن عمل، خاصة إذا كانت فكرة إعلان شغفهم بصراحة تدفعهم خارج منطقة الراحة الخاصة بهم. ومع ذلك، ترى كارولين هيل، التي ترأس مختبر الإشارات التنموية في معهد فرانسيس كريك في لندن، أن الانطوائيين ليس عليهم أن يخافوا. تقول: "الناس يربطون بين الشغف والبهجة، ولكن مجرد الحماس الشديد لا يكفي". وترى أن على المتقدمين للوظائف أيضًا إبداء التفاني والاهتمام الصادق من خلال الإشارة إلى الإنجازات ذات الصلة، وإظهار فهم عميق لطبيعة الوظيفة المعروضة ومقتضياتها، فتقول: "إذا زعم أحدهم أنه معجب بأوراقي، لكنه لا يستطيع أن يخبرني بالسبب، فهو لا يبدو صادقًا في زعمه".
الشغف قولًا وفعلًا
أظهر استطلاع Nature أن خطاب التقديم، الذي يُرفق عادةً بالسيرة الذاتية، يُعد وسيلة رائعة لإظهار الشغف والثقة. عندما سُئل أحد علماء الأحياء عما يجب تضمينه في خطاب التقديم، قال إن المتقدمين عليهم "توصيل أصواتهم، والتعبير عن تفرُّدهم". وأشار قائد إحدى المجموعات البحثية المتخصصة في علوم الحاسب إلى أن أهم شيء يجب تضمينه هو إبراز "السبب وراء اهتمامك بالوظيفة المعروضة، وكيف ترى أنك ستفيد الشركة".
وتنصح فوستر بعدم التطرُّق في خطاب التقديم إلى أي تفاصيل شخصية ما لم تكن متصلةً مباشرةً بالوظيفة المعروضة. تقول: "لا تخبرني عن مدى حبك للشاطئ، وتطلُّعك دائمًا إلى العمل في عرض البحر. بالنسبة لي، هذا ليس شغفًا". وأضافت أن الشفافية في عرض دوافعك للتقديم هي الطريق السليم، وقالت: "ما أتطلَّع إليه هو استقدام شخص يرغب حقًا في العمل في مشروع البحث الذي أعلن عنه، إما لأنه يجد الموضوع مثيرًا للاهتمام أو لأن التدريب يتناسب مع أهدافه المهنية على المدى البعيد".
وذكر العديد من أرباب العمل لمجلة Nature أنهم يستندون إلى مقابلات العمل في استكشاف دوافع المتقدمين للوظيفة المعروضة. وهم يعتمدون عليها كذلك في التحقق مما إذا كان الأداء الفعلي للمتقدم يتوافق مع خبراته واهتماماته المدوَّنة في سيرته الذاتية. يقول باحث يعمل قائد فريق في مجال التكنولوجيا الحيوية: "أحاول أن أطرح سؤالًا فنيًا واحدًا على الأقل، ليوضح ما إذا كان لدى المتقدِّم المستوى المناسب من الخبرة. والجواب كفيل أن يوضِّح لي إن كانوا يبالغون في مستوى خبرتهم، أو يعرفون تمامًا ما يتحدثون عنه".
نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين ذكروا أن طالبي الوظائف يفتقرون إلى الشغف والتفاني كانت أقلَّ بين مسؤولي التوظيف في الشركات منها بين الأكاديميين. ومع ذلك، كان اختيار مسؤولي التوظيف للعبارة: "تحلَّ بالصدق والشفافية والأمانة"، لتكون النصيحة الأهم التي يُسدونها للمتقدمين لمساعدتهم على التميز عن الآخرين، تقترب من مِثلَي نسبة اختيار الأكاديميين لهذه العبارة.
يقول روب جاثركول، المعدود من رواد تكنولوجيا المنسوجات من موقعه كمدير أبحاث في شركة ملابس الترفيه «لولوليمون» lululemon، ومقرها مدينة فانكوفر الكندية، إن المتقدمين لوظائف الصناعة يجب أن يفكروا في كيفية إظهار الإبداع في أبحاثهم، وخاصة إذا كان المنصب في مجال الابتكار أو تطوير المنتجات. وأضاف: "خلافًا للوضع القائم في الأوساط الأكاديمية، حيث قد تسبقك سمعتك البحثية، يتعين عليك في مقابلات الشركات إظهار من أنت، وكيف أن لك من الخبرة والاجتهاد والإلمام بعمل الشركة والفريق ما يعينك على تقديم إسهام ملموس في إنجاحها".
يرى جاثركول أن ثمة خطأ شائعًا يقع فيه الأكاديميون لدى التقدم لوظائف خارج أسوار الحرم الجامعي، وهو التركيز على مجال خبرتهم الأكاديمية، الضيق جدًا بطبيعته. ويوضح أن الشركات، لهذا السبب وحده، نادرًا ما تقبل الأكاديميين. وبدلًا من ذلك، فإن ما يساعد المتقدمين على التميز هو المهارات الشخصية: مثل القدرة على توصيل الأفكار المعقدة إلى غير الخبراء، وإلهام الآخرين، والعمل بشكل فعال في إطار فريق. ويقول إن المهارات والخبرات الفنية ضرورية، لا شك، إلا أنها لا تفعل أكثر من وضع صاحب هذه الخبرات تحت أنظار الشركات.
فروق ثقافية وجيليّة
ترى هيل أن إجراءات التوظيف تكون أكفأ ما تكون إذا أفسحت لأنماط مختلفة من المتقدمين فرصة إظهار اهتمامهم وتفانيهم في العمل. وذكرت أن بعض الأشخاص قد يتألقون في ندوة لا تزيد مدتها على نصف ساعة، في حين أن آخرين لا يخرجون من صمتهم إلا عندما تبدأ مناقشة الأبحاث. تقول: "بعض الناس، بحكم طبيعتهم، يتّسمون بالحركة والنشاط، والبعض الآخر يحتاجون إلى يحاول إخراج ما لديهم".
لا تبحث هيل في المتقدَّم لشغل وظيفة عن الشغف بقدر ما تبحث عن الالتزام. واتفق الكثيرون، ممن تحدثت إليهم Nature، على أن العاطفة مصطلح إشكالي، بالنظر إلى أنها تحمل معاني متفاوتة، تختلف من شخص لآخر.
وتقول فوستر، التي بدأت حياتها المهنية في الولايات المتحدة قبل أن تنتقل إلى أوروبا، إن المعايير الثقافية تختلف من بلد لآخر من حيث حجم العمل الذي يُتوقع من الباحثين إنجازه بعد انتهاء ساعات العمل وفي العطلات الأسبوعية؛ وهو عامل ينظر إليه البعض باعتباره مقياسًا للشغف أو التفاني. وتتذكر أنها عندما كانت تعمل في الولايات المتحدة، كانت المختبرات تكتظ بالباحثين في العطلات الأسبوعية. وفي المعهد الذي التحقت به في ألمانيا، لم تلمس هذا الحرص من العمل يومي السبت والأحد إلا من الأجانب. أما في السويد، فعادةً ما تكون وحدها في المختبر إبان العطلات الأسبوعية؛ وهي تصف هذه العادة بأنها بقايا من "التصوُّر الأمريكي".
على أن جيل الألفية (وهم الآن في الثلاثينيات من العمر، أو أوائل الأربعينيات)، وهو الجيل المهيمن على سوق العمل في مرحلة ما بعد الدكتوراه اليوم، ربما ينظر إلى الشغف والتفاني بشكل مختلف عن الأجيال السابقة. وجدت الدراسات أن جيل الألفية يتحلى بقدر من الالتزام في العمل مماثل للزملاء الأكبر سنًا، إلا أنها وجدت أيضًا أن هذا الجيل يهتم أكثر بتحقيق الرضا والدعم في مكان العمل، وهو أقل استعدادًا لتقديم تضحيات شخصية لتلبية متطلبات العمل الزائدة (انظر: go.nature.com/3znhyrv).
حقوق الصورة: Janie Airey
وتقول هيل، بما لها من خبرة في توظيف الباحثين تناهز ثلاثة عقود، إنها لاحظت تحولًا مماثلًا بين الأجيال الأصغر سنًا من طلاب الوظائف. وعلى الرغم من أن الباحثين عن عمل أصبحوا عمومًا أكثر تنوعًا وأعلى مهارةً من ذي قبل، وهو ما تقول إنه أمر إيجابي حقًا، إلا أنهم أصبحوا كذلك أقلَّ تقبُّلًا للعمل ساعات طويلة ترى هيل أنها قد تكون ضرورية لتحقيق مشوار مهني ناجح. وذكرت أن بعض المتقدمين للوظائف يبحثون اليوم عن وظائف أقرب إلى الطابع التقليدي، بساعات عمل ثابتة: من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً. وعلَّقت بقولها: "يصعُب تحقيق ذلك في ميدان العلوم، حيث تعد المرونة أمرًا بالغ الأهمية. أرى أن البحث العلمي مسيرة مهنية أكثر منه مجرد وظيفة، وفيه ترى مردود عملك في التو، أي أنك تحصد بمقدار ما تزرع".
يعتقد كيسي جرين، الباحث المتخصص في المعلومات الحيوية بالحرم الطبي لجامعة كولورادو أنشوتس بمدينة أورورا الأمريكية، أن كلمة المشاركة أو الانخراط (engagement) تعبر بشكل أفضل عما يُفتقد في طلبات التوظيف، من وجهة نظر أصحاب العمل الذين شملهم استطلاع مجلة Nature. ويقول: "يُلحظ هذا النقص في الانخراط في بعض الأحيان، عندما لا يُجري المرشح بحثًا عن المختبر أو الشركة أو منتجاتها" قبل خوض المقابلة. وهو يرى أنه لكي يُظهر المتقدم للوظيفة المشاركة والانخراط، عليه أن يستعد لعملية التوظيف بحرص ووعي. وفقًا للاستطلاع، فإن الجهل بالورقة البحثية التي يعكف عليها صاحب العمل هو الخطأ الذي يقع فيه أغلب طالبي الوظائف (42% من أصحاب العمل اختاروا هذا باعتباره "خطأً أساسيًا")، وجاء في المرتبة الثانية إعطاء إجابات عامة في المقابلات لا تنم عن معرفة عميقة (37%).
ويقول جرين إن المتقدمين يمكنهم التحضير من خلال النظر إلى عدد من أحدث الأوراق أو المنشورات العلمية الصادرة مسبقًا عن المختبر الذي يودّون الالتحاق به للتزوُّد بمعلومات محدثة حول نشاط ذلك المختبر. ويقول إنه إذا كان البحث يتضمن عنصرًا برمجيًا أو معلوماتيًا، فسوف يكون من المفيد البحث عن الفريق ومشاريعه على منصات مشاركة التعليمات البرمجية مثل «جِت هَب» GitHub.
ويقول جرين إن مثل هذا التحضير يمكن ألا يكون وصفة للنجاح فحسب، كما هو موثق في مشاركات أرباب العمل في الاستطلاع، بل من شأنه أن مسلكًا مريحًا أكثر لمعظم الباحثين عن عمل في بداية حياتهم المهنية، "بدلا من الشعور بأنك مضطر إلى رفع مستواك بعد ذلك".
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.81
تواصل معنا: