أخبار

استراتيجية من ست خطوات لاجتياز مرحلة الدكتوراه بسلام

نشرت بتاريخ 27 مايو 2025

طلاب الدراسات العليا ليسوا آلات صماء، وعندما يسلك الطالب سلوك الآلة خلال برنامجه الأكاديمي سيُصاب الإحباط وعدم الرضا، حسبما يفيد جوتييه فايسبارت.

جوتييه فايسبارت

خلال سعيك لنيل الدكتوراه، تذكر أنك لست باحثًا فحسب، بل إنسانًا أيضًا.

خلال سعيك لنيل الدكتوراه، تذكر أنك لست باحثًا فحسب، بل إنسانًا أيضًا.
حقوق نشر الصورة: Hxdbzxy/Getty

عندما بدأتُ دراستي لنيل درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية في ألمانيا قبل أربع سنوات، توقعتُ أن أواجه الكثير من الصعوبات بعدما رأيت غيري من طلاب الدكتوراه يقضون ساعات طويلة في العمل ويجدون مشقة كبيرة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. والآن بعد أن انتهيتُ من برنامجي الأكاديمي لنيل الدكتوراه، أدركت أن أصعب اللحظات قلَّما ارتبطت بالعمل نفسه بل كانت متعلقة أكثر بالتحديات النفسية التي صاحبته؛ مثل الحيرة والتخبُط، والنقد الذاتي، والضغط النفسي.

تعلُم كيفية إجراء البحوث هو إحدى ركائز الدراسة لنيل الدكتوراه، ولكن النصائح المقدمة للطالب غالبًا ما تركز على الإنتاجية؛ أي على التنظيم، والتخطيط، والقراءة، وما إلى ذلك. وصحيح أن هذه المهارات مهمة، لكن من الضرورة بمكان أن نتذكر أن طلاب الدكتوراه ليسوا آلات، بل بشر لديهم احتياجات نفسية وعاطفية.

وتلبية هذه الاحتياجات ضرورية لتحسين سلامة طلاب الدكتوراه النفسية والنتائج البحثية التي يتوصلون إليها. وبالنسبة لي، كانت بداية برنامجي الأكاديمي صعبة بسبب التحديات النفسية التي واجهتها إلى جانب عوامل أخرى مثل التكيف مع الإقامة في دولة جديدة خلال جائحة «كوفيد-19». لكن هذه التجربة دفعتني إلى إعطاء الأولوية لسلامي النفسي، وعلى طول الطريق، استعدتُ الدافع والشعور بالرضا. إليك ست قواعد لاجتياز مرحلة الدكتوراه بنجاح ليس فقط كباحث، بل كإنسان أيضًا.

تقبُّل المجهول

دروب البحث العلمي حافلة بالكثير من الأسئلة غير المجاب عنها والنتائج غير المتوقعة، لا سيّما في البداية. وهذا يمكن أن يكون باعثًا على الشعور بالحيرة والتخبط، ما يجعل المسار الذي تسلكه غير واضح المعالم. ومن المهم أن ندرك أن هذا الشعور ليس عدوًا، بل جزءًا أصيلًا من البحث والدراسة. فلو أن العلماء كان لديهم كل الإجابات، لما دعت الحاجة إلى إجراء بحوث. ببساطة، نحن نجري البحوث لأننا بحاجة إلى إجابات.

خلال رحلتي لنيل الدكتوراه، درست النظام البيولوجي المعقد لطبقات الأوراق النباتية، بهدف فهم الكيفية التي تُشكِّل بها أنواع الخلايا المختلفة أنماطًا مكانية أثناء النمو. وشعرت بالإحباط لأنني عجزت عن شرح هذه الآلية شرحًا وافيًا. لكن تعقيد هذا النظام البيولوجي جعلني أشعر أنه يستحيل فهم جميع العمليات المتضمنة فهمًا تامًّا، لذلك تخلّيتُ عن الحاجة إلى إيجاد كل الإجابات وركزت عوضًا عن ذلك على طرح الأسئلة الصحيحة. فبدلًا من البحث عن إجابات قاطعة مفادها مثلًا أن "الخلايا العملاقة تنتظم بهذه الطريقة" أو أن "تكوين الخلايا محكوم بهذه الآلية"، طرحتُ أسئلة مفتوحة من قبيل: "كيف تُنتظَّم الخلايا العملاقة؟" أو "كيف يتأثر نمط انتظام الخلايا في هذه الطفرة؟"

وقد ساعدني التخلي عن الحاجة إلى فهم كل شيء على تجنب الإحباط الذي يصيب المرء عندما لا يصل إلى جميع الإجابات. ففي المقابل، يجب أن تتقبل وجود مجاهيل وتستعين بها في تبني منهجية "شك صحي" يغذي فضولك ويدفعك لمزيد من البحث بدلًا من أن يعيق مسيرتك.

  جوتييه فايسبارت يقدم نصائحه لتحقيق التوازن بين السلام النفسي والسعي لنيل الدكتوراه.

جوتييه فايسبارت يقدم نصائحه لتحقيق التوازن بين السلام النفسي والسعي لنيل الدكتوراه.
حقوق نشر الصورة: Daniel Majic

تحقيق التوازن بين التفكير والفعل

تحتاج بمجرد قبولك للمجهول أن تسبر أغواره وتتعامل معه. وحتى يتسنى لك ذلك، ينبغي تحقيق التوازن بين التأمل والفعل. صحيحٌ أن المرء يحتاج إلى الجلوس والتفكير ليتفتق ذهنه عن أفكار جديدة، لكنني وجدتُ أنني في مرحلةٍ ما خلال رحلة الدكتوراه، استغرقتُ في أفكاري أكثر من اللازم حتى أصبحتُ أفكر في كل نموذج وفرضية ممكنة، وانتهى بي الحال إلى عدم فعل أي شيء آخر. فالتعمق في التفكير وتدوين أفكاري حول المسارات الجينية المحتملة لم يقوداني دائمًا إلى رؤى جديدة. وما زلت أذكر ما قاله لي المشرف على رسالتي: "أنت مولعٌ بالتفكير" وكان مقصده حسبما فهمت: "أنت بحاجة إلى مزيد من الفعل". دفعني هذا إلى إجراء تحليلات جديدة للبيانات التي جمعتها بالفعل، وأثمرت النتائج في النهاية عن رؤى جديدة حول التنظيم المكاني لمسام الأوراق، على الرغم من أن أبحاثي كانت تتصدى لسؤال مختلف.

وهكذا فإن التأمل - على فائدته - قد يؤدي الإفراط فيه إلى حالة من الجمود. في مثل هذه الحالات، يكون من الأفضل غالبًا اتخاذ إجراء ما للمضي قدمًا في أبحاثك، وإن اعتراك شك. وعندما تصوغ خطة بحثية، فإن هذا يساعدك في تحديد اتجاهك، على ألا تتضمن الخطة تعليمات صارمة تحد من تفكيرك، بل يجب أن تشتمل على إرشادات مرنة تهتدي بها. باختصار، عندما لا تعرف ماذا تفعل، فكر. وإذا ظللت على حالك من عدم المعرفة، افعل شيئًا. فكلا الأمرين يؤديان إلى أفكار جديدة.

التخلي عن الكمال

يُعد النقد الذاتي من العقبات النفسية الشائعة الأخرى التي تواجه الطالب خلال سعيه لنيل الدكتوراه. فالعديد من العلماء ينشدون الكمال، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإحباط والمشاعر السلبية والنتائج غير البنَّاءة. القصور جزء طبيعي من كونك إنسانًا وهو يفسح مجالًا للتحسُن. ولكن بالنظر إلى أن كل شيء قابل دائمًا لتحسينه، فإن السعي إلى الكمال يمكن أن يُشعرنا دومًا بعدم الرضا.

عانيت من طلب الكمال خلال دراساتي، ربما بسبب الخوف من الفشل أو عدم التقدير. ففي بعض الأحيان كنت أعمل أكثر من اللازم على أشياء غير مفيدة. إلا أنني عندما سمعت النصيحة القائلة بأن "الإنجاز أفضل من الكمال" — أو أن "السعي إلى المثالية ربما يحرمك من الأشياء الجيدة" — تعلمت أن ثمة دروب شتى للوصول إلى تحقيق إنجاز. وفكرة الانتهاء إلى الكمال مجرد وهم، لا سيّما عند كتابة أطروحة. فلكي تستكمل مسيرتك أنت بحاجة إلى إنجاز بعض الأشياء فحسب. لذا يجب أن تتوقف عن طلب الكمال وأن تقنع بما هو "جيد بالقدر الكافي".

الموازنة بين النقاش والإصغاء

تنطوي مسيرة البحث العلمي على العديد من التفاعلات؛ مع مشرفك وزملائك وغيرهم. وكل هؤلاء لديهم احتياجات نفسية وعاطفية. في بعض الأحيان، ربما يكون بناء نقاش مثمر أمرًا صعبًا، ولكن هذا النقاش يمكن أن يُثري بحثك. وبين الفينة والأخرى، كنت أجد صعوبة في التعبير عن أفكاري للآخرين، على نحو ما كان يحدث عندما أقتنع بفرضيتي وأعجز في الوقت نفسه عن إقناع زملائي بها. ولكي أكسب تأييدهم، كان هذا يتطلب مني تقديم أدلة وتحليلات قوية مثلما يجب على جميع العلماء أن يفعلوا.

وكنت أجد مشقةً أحيانًا في الإصغاء بصدقٍ للآخرين. فمثلًا، اقترح أحد المشرفين على أطروحتي ذات مرة إطارًا بديلًا للنمذجة، ورفضته لأنني رأيته حينها غير ذي صلة بموضوع بحثي. ولكن عندما عدت إلى المنزل، تأملت وأدركت كيف يمكن لفكرته أن تقدم رؤى قيمة. فالانفتاح على وجهات نظر الآخرين ضروري لاستكشاف آفاق جديدة.

لدينا جميعًا أفكار تُشكِّلها خلفيات وخبرات واهتمامات وطرق تفكير مختلفة. ويكمن جمال العلم في ما يقوم عليه من جهد جماعي لفهم ما نرصده من أشياء. لهذا السبب، فإن التنوع الأكبر — سواء في الثقافة أو النوع الاجتماعي أو المنظور — يشجع على الابتكار ويثمر نتائج أفضل1. ومن الأهمية بمكان إيضاح أن تنمية مهارات التواصل اللازمة للنقاش القائم على الاحترام والإصغاء تتيح لنا تحقيق الاستفادة القصوى من تفاعلاتنا. ففهم أفكار الآخرين لا يقل أهمية عن نقل أفكارك إليهم.

الاستمتاع بقسط من الراحة

النصيحة التي يقدمها الجميع هي أننا يجب أن ننال قسطًا من الراحة من آنٍ لآخر، غير أن قلة قليلة من الناس هم من يطبقونها إلى أن يدركوا فوائدها. ولكن كيف تكون الراحة المفيدة؟ إنها تلك التي تُريح عقلك وتحررك من الضغوط عن طريق تحويل تركيزك بعيدًا عن العمل. فالإفراط في التفكير من شأنه أن يؤثر في صحتك النفسية، كما يمكن أن يؤدي إفراطك في العمل وشعورك بضآلة قيمة ما تقدمه إلى استنزافك2.

ثمة خطأ ارتكبته كثيرًا وهو انخراطي في العمل خلال عطلات نهاية الأسبوع — حتى ولو لبضع ساعات فقط — وقد حرمني هذا من متعة التحرر من ضغوط العمل وشعرتُ بأني صرتُ مستنزفًا. ولكن في المرات التي ابتعدتُ فيها عن العمل، سواء لكوني في إجازة أو برفقة عائلتي، كنت أعود دائمًا أكثر حماسًا وإنتاجية (بافتراض أنني حصلت على قسط مفيد من الراحة بالطبع). فأخذ قسط من الراحة من آنٍ لآخر لا يمنحك أفكارًا جديدة ويجعلك مرنًا فحسب، بل يضع أيضًا هدف نيل الدكتوراه في منظوره الصحيح. وقد ذكرتني فترات الراحة بأن ثمة جوانب أخرى مهمة في الحياة. وإعطاء الأولوية لصحتك العقلية والجسدية ضروري لأن كل شيء آخر، بما في ذلك الدراسة والبحث، مرهون بها.

إضفاء معنى للحياة يتجاوز العمل

الحفاظ على سلامك النفسي خلال فترة الدكتوراه يتجاوز إتمام البرنامج الأكاديمي في حد ذاته. فعندما يصبح العمل المصدر الوحيد الذي تستمد منه الحياة معناها، ربما يزداد تأثرك عندما لا يسير العمل على ما يرام. ومن ثمّ،َ فإن تبنيك لاهتمامات أخرى في الحياة — مثل بناء العلاقات والرياضة والهوايات — يحقق نوعًا من التوازن عن طريق توزيع سلامك النفسي على جوانب حياتية مختلفة3. وبهذا، فإن اليوم السيئ في العمل لا يعدو كونه يومًا سيئًا في العمل، دون أن يمتد ليطغى على الجوانب الأخرى من حياتك.

من المهم أيضًا بناء علاقات وروابط تتسم بالعمق. فوجود أشخاص مقربين في حياتي، حتى لو لم يفهموا تمامًا ما يعنيه الحصول على درجة الدكتوراه، منحني دعمًا عاطفيًا وساعدني على التحرر من ضغوط العمل. في أصعب اللحظات، يكون أكثر ما نحتاجه هو الدعم العاطفي وليس الدعم الأكاديمي. لا تجعل درجة الدكتوراه عذرًا لإهمال علاقاتك الشخصية وأنشطتك الهادفة. فكثيرًا ما نظن أنه سيُتاح أمامنا مزيد من الوقت لاحقًا، ولكن من المحتمل ألا تكون أقل انشغالًا في الخطوات القادمة من حياتك المهنية.

 

هذه ترجمة للمقال المنشور في «مجتمع حديث المهن» Nature Careers community، وهو مساحة يتبادل عليها القراء خبراتهم المهنية ونصائحهم. منشورات الزائرين مرحب بها.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.71


1. AlShebli, B. K., Rahwan, T. & Woon, W. L. Nature Commun. 9, 5163

(2018).

2. Montero-Marín, J., García-Campayo, J., Mera, D. M. & López del Hoyo,

Y. J. Occup. Med. Toxicol. 4, 31 (2009).

3. Sirgy, M. J. & Lee, D. J. Appl. Res. Qual. Life 13, 229–254 (2018).