بالأرقام: التنافس يحتدم على المنح البحثية الأوروبية
04 November 2025
نشرت بتاريخ 4 نوفمبر 2025
تزايَد الطلب على المنح البحثية الأوروبية في عام 2025، والباحثون يشعرون بوطأة المنافسة.
مع ارتفاع عدد الطلبات المقدمة للحصول على المنح البحثية الأوروبية على نحو غير متناسب مع حجم التمويلات البحثية المتاحة في القارة، بدأت معدلات قبول هذه الطلبات تتراجع، وانخفضت في بعض البرامج البحثية إلى أقل من 10%. وتشير البيانات التي جمعتها دورية Nature في هذا الإطار إلى أن الباحثين يواجهون في الوقت الحالي منافسة محتدمة في سعيهم إلى شق مشوارهم المهني البحثي، وبالأخص إن كانوا في مقتبل مسيرتهم الأكاديمية.
على سبيل المثال، خلال الشهر الماضي صرحت المفوضية الأوروبية بأن «البرنامج الإطاري للاتحاد الأوروبي لتمويل البحث والابتكار» European Union's reseach aand innovation framework قد تلقى هذا العام أعلى عدد من المقترحات البحثية للحصول على تمويل منه على مدى تاريخه الذي يمتد لأربعة عقود.
وبلغ عدد الطلبات المقدَّمة إلى «برنامج زمالة ماري سكلودوفسكا-كوري للباحثين ما بعد الدكتوراة» Marie Sklodowska-Curie Actions (اختصارًا MSCA) أكثر من 17 ألف طلب، مسجِّلًا بذلك ارتفاعًا نسبته نحو 65% عن عام 2024. وقد اقترحت خطة هذا البرنامج ميزانية قدرها 404.3 مليون يورو (471 مليون دولار أمريكي) لتمويل حوالي 1650 مشروعًا بحثيًا، ويُتوقع أن تنخفض نسبة النجاح في الحصول على هذه المنح إلى أقل من 10% بعد أن بلغت تقريبًا 17% العام الماضي.
كذلك أفاد مجلس البحوث الأوروبي، وهو الهيئة الأوروبية الأبرز في تمويل البحوث الأساسية، بارتفاعات مماثلة في عدد طلبات المنح البحثية المقدمة إلى جميع برامجه. فحتى الآن، تلقى المجلس لمنحه المقدمة ضمن فئة «منح الباحثين الناشئين» نسبة أعلى بـ13% من المقترحات البحثية مقارنة بعام 2024 (وهي منح للباحثين الذين يتراوح عدد سنوات خبرتهم ما بين عامين إلى سبع سنوات بعد الحصول على درجة الدكتوراة). وانخفضت نسبة ما سوف يُمول من المشروعات البحثية ضمن هذه الفئة من المنح إلى 12% مقارنة بـ14% العام الماضي.
أما الطلبات على منح مجلس البحوث الأوروبي في فئة «منح الباحثين الأعلى خبرة»، فقد ارتفعت نسبتها بحوالي 31% عنها في عام 2024، وبحوالي 82% عنها في عام 2023. ووفقًا لتقديرات، انخفضت نسبة المشروعات البحثية التي ستمُول ضمن هذه الفئة من المنح إلى 8% مقارنة بـ11% العام الماضي.
تعقيبًا على هذا، تقول ماريا ليبتين رئيسة مجلس البحوث الأوروبي: "نحن سعداء جدًا بهذا الارتفاع الكبير في الطلب على منح مجلس البحوث الأوروبي. فهو يظهر أن لدى البعض أفكار لأبحاث متقدمة في مجال العلوم الأساسية، وأن هناك حاجة إلى هذه العلوم ورغبة فيها. لكن على الجانب السلبي، نحن لا نملك مزيدًا من المال، ما يتسبب في انخفاض معدلات قبول طلبات المنح المقدمة للمجلس، وفي إحباط يضرب في المجتمع البحثي".
كذلك تلقت «منظمة علم الأحياء الجزيئي الأوروبية» (EMBO)، وهي منظمة أوروبية لعلوم الحياة، عددًا غير مسبوق من طلبات المنح على زمالاتها لمرحلة ما بعد الدكتوراه هذا العام، بحسب كارين دومستري، رئيسة برنامج المنح في المنظمة.
وكنتيجة، بات كثير من الباحثين يحاربون من أجل البقاء في المنظومة الأكاديمية التي تتزايد تنافسيتها يومًا بعد يوم. فتقول كريستينا كارليسي، اختصاصية علم الأعصاب الإدراكي من كلية لندن الجامعية، والتي ظلت تتقدم بطلبات للحصول على منح بحثية هذا العام، ما جعلها تشعر بحدة المنافسة: "المسألة رهن بالحظ. ويرجح أنك لا تملك من أمرك شيئًا. وأعتقد أن هذه فكرة يصعب أحيانًا تقبلها في السعي إلى الإبقاء على حماسك وحافزك".
انخفاض في معدلات قبول طلبات المنح
تواجه هيئات التمويل البحثي الوطنية على مستوى أوروبا ارتفاعات مماثلة في عدد طلبات المنح البحثية المقدمة إليها. على سبيل المثال، في تصريح لدورية Nature، أفادت «مؤسسة البحوث الألمانية»، وهي كبرى هيئات تمويل الأبحاث المستقلة في ألمانيا بأن الطلبات على منحها المقدمة إلى الباحثين الناشئين ارتفعت بين شهري يناير وأغسطس من هذا العام بنسبة 20% عنها في الفترة نفسها من العام 2024.
كذلك ذكرت «مؤسسة ألكساندر فون هومبولت»، وهي إحدى أبرز هيئات تمويل البحوث في ألمانيا، أن عدد طلبات منح ما بعد الدكتوراه التي تلقتها هذا العام ارتفع بما لا يقل عن 20% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وبحسب ما أفاد به ممثل عن المؤسسة لدورية Nature، شكلت الطلبات المقدَّمة من الهند والصين النسبة الأكبر من هذه الزيادة، كما ارتفع عدد الطلبات المقدَّمة من الولايات المتحدة أيضًا، لكن بدرجة أقل.
أما أهم هيئات التمويل البحثي في المملكة المتحدة، هيئة البحث والابتكار البريطانية (UKRI)، فقد تضاعف عدد طلبات المنح التي تلقتها منذ العام 2017-2018، وفقًا لتقرير نُشر هذا العام. لكن في الفترة نفسها، انخفض معدل قبول طلبات المنح تلك بواقع النصف تقريبًا؛ فانخفض من 36% في العام 2017-2018 إلى 19% في العام 2024-2025، ليصل إلى أدنى مستوياته على مدار عقد. ومن واقع بيانات شاركها مع دورية Nature مجلس البحوث الطبي التابع لهيئة البحث والابتكار البريطانية، يتبين أن اثنين من برامج المنح لدى المجلس قد تلقيا هذا العام أعلى عدد من طلبات المنح منذ عام 2020.
أيضًا صرح مجلس الأبحاث السويدي لدورية Nature بأنه رصد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد طلبات المنح المقدمة إليه خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في حين أفاد مجلس البحوث النرويجي أنه لم يرصد تغيرات كبيرة في عدد ما تلقاه من طلبات منح.
منافسة أوروبية
يرى باحثون ومسؤولون أنه من السابق لأوانه الجزم بما يحرك هذا الارتفاع في عدد طلبات المنح البحثية. غير أنه يُذكر أن الاقتطاعات من ميزانية البحث العلمي والاضطرابات السياسية قد دفعا بالباحثين الأمريكيين إلى البحث عن فرص عمل في القارة الأوروبية. ويمكن للأكاديميين في الولايات المتحدة التقدم للحصول على المنح الأوروبية، شريطة إجراء أبحاثهم في مؤسسات داخل أوروبا. من جانب آخر، يُحتمل أن الباحثين الأوروبيين ممن بنوا مسيرة مهنية في الولايات المتحدة يبحثون عن فرص للعودة إلى أوطانهم.
وتدل بيانات من «برنامج زمالة ماري سكلودوفسكا -كوري للباحثين ما بعد الدكتوراه» أن الجزء الأكبر من فيض طلبات المنح الذي تدفقت على البرنامج (15,820 طلب منحة من 17,058) جاء من الاتحاد الأوروبي ودوله، حيث شكلت طلبات المنح الصادرة عن المملكة المتحدة 21%. أما ما تبقى من طلبات المنح (وعدده 1238 طلب)، فجاء من 48 دولة أخرى غير مشاركة في هذا البرنامج البحثي البارز التابع للاتحاد الأوروبي لتمويل البحوث. وقد تقدم باحثون من الولايات المتحدة بحوالي نصف هذا العدد.
وتعليقًا على الانخفاض المرصود في معدلات قبول طلبات المنح، يقول ماريك كويك، الباحث في الشؤون الأكاديمية من جامعة آدم ميتسكيفيتش في مدينة بوزنان البولندية: "إنه باعث بلا شك على الإحباط، لأن الوضع أحيانًا يصبح أقرب إلى المشاركة في يانصيب". ما تؤكده كارليسي بقولها: "المجال البحثي أصبح شديد التنافسية".
وتضيف: "هذا بلا شك مثبط للعزائم؛ إذ يتقدم أشخاص رائعون بهذه المقترحات البحثية الرائعة، لكن لا يوجد ببساطة تمويل كاف لدعمهم".
ضغوط تمويلية
مع تزايد حدة المنافسة على التمويلات البحثية، بات الحصول على المنح البحثية يستهدف الحفاظ على البقاء في المضمار العلمي أكثر مما يستهدف تطوير العلوم 1. والحصول على تمويل خارجي، من جهات التمويل الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، أصبح ضرورة أساسية للباحثين، لا فقط لتمكينهم من إدارة مختبراتهم، لكن للسماح لهم بالبقاء في وظائفهم. في هذا الإطار، تقول كارليسي: "تواجه الجامعات بصورة متزايدة ضغوطًا تمويلية. فإن لم يكن لديك مصدر تمويل خارجي، لن يسعك فعل شيء. سيكون كل ما لديك هو راتبك".
وهنا، يقول كويك إن العودة بميزانيات المؤسسات البحثية إلى تلبية الحاجات البحثية الأساسية قد يسمح للباحثين بإجراء مزيد من الأبحاث المستدامة طويلة الأمد. وتتمثل مشكلة أخرى في أن بعض المتقدمين للمنح لا ينتمون إلى أي من المراحل المهنية التي يحددها برنامج المنحة. من ثم، تقترح كارليسي أن تعدل جهات التمويل الشرائح المؤهلة لمنحها أو أن تطرح برامج موجهة لتقديم دعم أفضل لهؤلاء الباحثين.
وقد اقترحت المفوضية الأوروبية زيادة حجم إنفاقها على البرامج البحثية ليصل تقريبًا إلى الضعف في دورتها التمويلية التالية والتي تبدأ في عام 2028، وهو إجراء، وصفته ليبتين بأنه "خطوة جيدة نحو علاج المشكلة". وحال اعتماد ميزانية كتلك، من المتوقع أن ترصد 44 مليار يورو لبرامج مثل «مجلس البحوث الأوروبي» و«برنامج زمالة ماري سكلودوفسكا-كوري للباحثين ما بعد الدكتوراه». غير أن ليبتين تضيف: "يبقى من غير الواضح كيف سيُدار مبلغ كهذا"، وتلفت إلى أن منح «مجلس البحوث الأوروبي» لم تُعدل لتضع في حسبانها التضخم منذ تأسيس المجلس في عام 2007.
لكنَّ بعض الباحثين ينوه إلى أنه حتى مع زيادة الميزانية المرصودة للمنح البحثية، تبقى هناك حاجة إلى خفض التكاليف المرتبطة بالتقدم للمنح وإلى تحقيق توزيع أفضل للموارد.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 17 أكتوبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.193
تواصل معنا: