هل هؤلاء حقًّا هم طلاب الدكتوراه الأسعد حالًا في العالم؟
03 November 2025
نشرت بتاريخ 3 نوفمبر 2025
في استطلاع عالمي أجرته دورية Nature العام الجاري حول مدى شعور الطلاب بالرضا عن برامج الدكتوراه، حلَّت البرازيل وأستراليا وإيطاليا في المراكز الأولى على مقياس الرضا الطلابي؛ ولكن هل هذه بالفعل هي أفضل أماكن الدراسة لنيل درجة الدكتوراه؟
استطلاع دورية Nature لعام 2025 حول برامج الدكتوراه
هذا المقال هو الأول ضمن سلسلة قصيرة من المقالات التي تناقش نتائج استطلاع عالمي أجرته دورية Nature حول برامج الدكتوراه. سيُركز المقال القادم على الطلاب الدوليين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستطلاع جرى إعداده بالشراكة مع «ثينكس إنسايت آند استراتيجي» Thinks Insights & Strategy، وهي مؤسسة استشارات بحثية تتخذ من لندن مقرًّا لها. وانطلق الاستطلاع في شهر يونيو الماضي وأُعلن عنه على موقع nature.com، ضمن المنتجات الرقمية لشركة «سبرينجر نيتشر» Springer Nature، وعبر حملاتها الترويجية على البريد الإلكتروني. شمل الاستطلاع 3785 مشاركًا بادروا بالمشاركة طوعًا من 107 دول. بلغت نسبة الإناث 44% من إجمالي المشاركين، ووصف 25% من العينة أنفسهم بأنهم ينتمون إلى أقلية عرقية في الدولة التي يدرسون بها، كما أوضح 33% من العينة أنهم يدرسون خارج موطنهم الأصلي. يمكن الاطلاع على مجموعات بيانات الاستطلاع بالكامل على الرابط التالي go.nature.com/4ncsuo1.
كانت السنوات القليلة الماضية ثقيلة الوطأة على كاميلا بينتو، التي حصلت في شهر مارس الماضي على درجة الدكتوراه من جامعة أمازوناس الفيدرالية في ماناوس في البرازيل. فخلال دراستها لنيل هذه الدرجة العلمية، فُجِعت بفقدان والديها وعانت إرهاقًا شديدًا واكتئابًا. ومع ذلك، كانت تجربتها للحصول على درجة الدكتوراه إيجابية في مجملها.
تقول بينتو، عالمة المواد التي شرعت حاليًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه وتتقاضى راتبًا نظير عملها كواحدة من أعضاء هيئة التدريس في معهد أمازوناس الفيدرالي في بريزيدنتي فيجيريدو، وهي بلدة صغيرة في قلب غابات الأمازون المطيرة في البرازيل: "في مختبري، المتعارف عليه بيننا أن 'فترة الدكتوراه هي حياة'، تتكشف خلالها العديد من المآسي الشخصية". وتضيف: "ما ساعدني على الاستمرار هو الدعم الشخصي من مشرفي، وتضامن مجتمعنا العلمي الوطني، والإيمان بأن أبحاثي تخدم الصالح العام”.
ربما تكون نظرة بينتو الإيجابية سمة وطنية تُميِّز البرازيل. فعندما أجرت دورية Nature استطلاعًا ضم أكثر من 3700 طالب دكتوراه حول العالم في وقت سابق من العام الجاري، تصدَّرت البرازيل المشهد، حيث أفاد 83% من المشاركين الذين يدرسون في تلك الدولة بأنهم راضون بدرجة متوسطة على الأقل عن برامج الدكتوراه. وتُعد البرازيل الدولة الوحيدة التي سجلت نسبة رضا أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 75%. كما كان الطلاب في البرازيل الأكثر سعادةً بتجربتهم، إذ صرَّح 80% بأنهم استمتعوا بدرجاتهم العلمية، وشعر 78% بالرضا عن عملهم، مقارنةً بالمتوسطين العالميين 70% و72% على التوالي.
ويمكن القول إن الدولة الوحيدة التي تقترب من البرازيل هي أستراليا التي تُعادلها في الاستمتاع والرضا وتَنقُص عنها بنقطة واحدة فقط على مقياس الشعور بالرضا. كما أن الطلاب في أستراليا والبرازيل هم الأكثر ميلًا إلى وصف تجربة الدكتوراه بأنها كانت موافقةً لتوقعاتهم، إذ وافق على هذا الوصف 68% من طلاب الدكتوراه في أستراليا (29% منهم وافقوا بشدة) و65% من نظرائهم في البرازيل (27% وافقوا بشدة).
هل يعني هذا أن هاتين الدولتين لديهما أسعد طلاب الدكتوراه حالًا في العالم؟ في الواقع، المشهد أكثر تعقيدًا من ذلك.
قبل التعمق في تحليل بيانات الاستطلاع، من المهم تسليط الضوء على بعض المحاذير. إن المشاركة الطوعية التي هي سمة أساسية ميَّزت استطلاع الدكتوراه الذي أجرته دورية Nature تعني أن بعض الدول ممثَّلة بشكل أفضل من غيرها. فقد تلقينا ردودًا قليلة جدًا من بعض الدول البالغ عددها 107. وكان لدى 8 دول أكثر من 100 مشارك، مما يجعل المقارنات بينها قوية: أستراليا (101 مشارك)، والبرازيل (113)، والصين (312)، وألمانيا (247)، والهند (430)، وإيطاليا (111)، والمملكة المتحدة (201)، والولايات المتحدة (568). وكان لدى 10 دول أخرى ما بين 50 و100 مشارك (كندا، وإثيوبيا، وفرنسا، وإيران، وهولندا، ونيجيريا، وبولندا، وجنوب إفريقيا، وإسبانيا، وسويسرا) وقد جرى إدراجها أيضًا في هذا التحليل. وبالنسبة إلى الدول المتبقية فقد كانت لديها عدد قليل جدًا من المشاركين بحيث تتعذر دراسة كل منها على حِدة (انظر "كياسة دول الشمال الأوروبي"). لذلك، يلزم توخي الحذر عند مقارنة النتائج بين الدول، حسبما تقول إلسي لوكلان، مديرة التحليلات الكمية في مؤسسة الاستشارات البحثية «ثينكس إنسايت آند استراتيجي» ومقرها لندن، والتي أدارت الاستطلاع مع دورية Nature. وتنشأ تعقيدات أخرى من ميل الأشخاص المقيمين في دول أو مناطق مختلفة إلى الإجابة عن أسئلة تتعلق بالرضا والرفاهية بطرق مختلفة؛ وهو تأثير يُعرف باسم تحيز الاستجابة الثقافي.
كياسة دول الشمال الأوروبي
تحتل دول الشمال الأوروبي - السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا وأيسلندا - عادةً مراكز متقدمة في استطلاعات السعادة العالمية. ومع ذلك، لم تقدم أي منها سوى عدد قليل جدًا من الردود على استطلاع دورية Nature، مما حال دون إدراجها في تحليلنا لمستويات الشعور بالرضا. إلا أنها قدمت مجتمعةً عددًا من الردود يماثل الدول الأخرى الواردة في هذا المقال، فقد أظهر مشاركوها وعددهم 97 مستوى شعور بالرضا مثيرًا للإعجاب بلغ 85%؛ وهو أعلى حتى من مستوى الشعور بالرضا في البرازيل.
تقول إلهام بدلزاده أغدام، وهي طالبة دكتوراه إيرانية تدرس صحة الغابات في جامعة لينيوس في فاكسيو، السويد، إن تجربتها تُثبِت صحة هذه الأرقام. وتوضح قائلة: "أحد أسباب ارتفاع مستوى الشعور بالرضا عن برامج الدكتوراه في دول الشمال الأوروبي هو بنية وثقافة دراسات الدكتوراه في تلك الدول". فطلاب الدكتوراه يُعامَلون بوصفهم موظفين لا بوصفهم طلابًا، إذ يتقاضون رواتب ويحظون بمزايا ضمان اجتماعي ويتمتعون بتوازن جيد بين العمل والحياة، مما يجعل الوضع أكثر استقرارًا واحترافية مما هو عليه في أي مكان آخر. وتضيف الطالبة الإيرانية أن الثقافة الأكاديمية الغير الهرمية والقائمة على التعاون تُعد عاملًا مهمًا أيضًا.
ولا تقدم بيانات الاستطلاع في البرازيل أي سبب واضح لبلوغ هذه الدولة أعلى مستويات الرضا. فالمشاركون من البرازيل لا يُظهرون ميلًا كبيرًا إلى الشعور بالقلق بشأن نقص التوجيه مقارنةً بالمتوسط العالمي (15% مقابل 26%)، بينما يُظهرون ميلًا إلى الشعور بالرضا عن التحديات الفكرية يفوق بدرجة طفيفة المتوسط العالمي (92% مقابل 81%). كما يُعبِّرون عن مستويات شعور بالرضا أعلى بقليل من المتوسط عن رواتبهم، وعلاقتهم بالمشرفين، والتوجيه البحثي، واستقلاليتهم؛ وإن لم يكن ذلك ملحوظًا بدرجة كبيرة. في الوقت نفسه، هم يُظهرون مستويات أقل من المتوسط من الشعور بالرضا عن التوازن بين العمل والحياة وفرص السفر، ويُظهرون مستويات أعلى من الرضا عن ثقافة العمل لساعات طويلة في جامعتهم. وفي حقيقة الأمر، عند الاستناد إلى العديد من المقاييس الفردية، تتفوق المملكة المتحدة على البرازيل، حيث سجَّلت مستوى إجماليًّا للشعور بالرضا بلغ 76%؛ وهذه النسبة تقترب من المتوسط العالمي (انظر "مستويات الشعور بالرضا بين طلاب الدكتوراه في خمس دول").
على الصعيد العالمي، يُحدد الاستطلاع ثلاثة مقاييس مرتبطة بمستويات الشعور بالرضا. فطلاب الدكتوراه الذين يقضون ساعة واحدة على الأقل أسبوعيًا مع مشرفيهم أكثر سعادةً من المتوسط، وكذلك الحال بالنسبة إلى أولئك الذين لم يُكملوا عامين بعد في دراستهم لنيل درجة الدكتوراه. ويرتبط قضاء أكثر من 60 ساعة أسبوعيًا في أطروحة الدكتوراه ارتباطًا عكسيًا بمستوى الشعور بالرضا. وعلى الرغم من شدة الشواغل المالية في معظم الدول التي شملها الاستطلاع، فإنها لا ترتبط ارتباطًا واضحًا بمستويات الشعور بالرضا. ففي ألمانيا التي أعرب فيها عدد من الطلاب عن مخاوف تتعلق بالنواحي المالية (27%)، كان مستوى الشعور بالرضا العام (70%) أقل من المتوسط. فما حقيقة ما يحدث إذن؟
تعتقد ساندرا دياس، الباحثة في مجال السرطان في المركز البرازيلي لأبحاث الطاقة والمواد في كامبيناس، أن التركيز الثقافي في بلدها على المجتمع ربما يلعب دورًا، كما لا يمكن إغفال دور هياكل الدعم الاجتماعي، وتقول: "الرعاية الصحية الشاملة، ودعم وسائل النقل العام، وقرب الكثيرين من عائلاتهم الممتدة، كلها عوامل تُخفف الضغط المالي والعاطفي". وتضيف أن المناخ المعتدل الذي يُتيح ممارسة الأنشطة الخارجية على مدار العام يُساعد أيضًا.
على الصعيد العالمي، يُحدد الاستطلاع ثلاثة مقاييس مرتبطة بمستويات الشعور بالرضا. فطلاب الدكتوراه الذين يقضون ساعة واحدة على الأقل أسبوعيًا مع مشرفيهم أكثر سعادةً من المتوسط، وكذلك الحال بالنسبة إلى أولئك الذين لم يُكملوا عامين بعد في دراستهم لنيل درجة الدكتوراه. ويرتبط قضاء أكثر من 60 ساعة أسبوعيًا في أطروحة الدكتوراه ارتباطًا عكسيًا بمستوى الشعور بالرضا. وعلى الرغم من شدة الشواغل المالية في معظم الدول التي شملها الاستطلاع، فإنها لا ترتبط ارتباطًا واضحًا بمستويات الشعور بالرضا. ففي ألمانيا التي أعرب فيها عدد من الطلاب عن مخاوف تتعلق بالنواحي المالية (27%)، كان مستوى الشعور بالرضا العام (70%) أقل من المتوسط. فما حقيقة ما يحدث إذن؟
تعتقد ساندرا دياس، الباحثة في مجال السرطان في المركز البرازيلي لأبحاث الطاقة والمواد في كامبيناس، أن التركيز الثقافي في بلدها على المجتمع ربما يلعب دورًا، كما لا يمكن إغفال دور هياكل الدعم الاجتماعي، وتقول: "الرعاية الصحية الشاملة، ودعم وسائل النقل العام، وقرب الكثيرين من عائلاتهم الممتدة، كلها عوامل تُخفف الضغط المالي والعاطفي". وتضيف أن المناخ المعتدل الذي يُتيح ممارسة الأنشطة الخارجية على مدار العام يُساعد أيضًا.
ولا ترى إيزادورا مينيزيس، التي تدرس الهندسة في جامعة ساو كارلوس الفيدرالية في البرازيل، أن طلاب الدكتوراه في البرازيل هم الأكثر سعادة في العالم، إذ تقول: "على الرغم من شعوري بالرضا عن تجربتي الشخصية مع برنامج الدكتوراه، فإنني لا أعتقد أنها تعكس الواقع في البرازيل". وتُشير إلى أن النواحي المالية تُعد مشكلة رئيسة. ففي ظل حكومة الرئيس جايير بولسونارو اليمينية المتطرفة آنذاك - الفترة من عام 2019 إلى عام 2023 – أصاب الركود المنح الدراسية وتقلَّص تمويل العلوم. وتُشير مينيزيس إلى أن المنحة الدراسية التي حصلت عليها من مؤسسة ساو باولو للأبحاث (FAPESP) سخية نسبيًا، لكن البَدلات التي يحصل عليها طلاب الدكتوراه في البرازيل منخفضة جدًّا بحيث تصل أحيانًا إلى 3100 ريال برازيلي شهريًا. وعلى الرغم من أن هذا المبلغ يعادل بدلًا شهريًا قدره 1250 دولارًا أمريكيًا في الولايات المتحدة، فإنه "عادةً ما يكون غير كافٍ لحياة مريحة"، على حد وصف مينيزيس. (جرى تعديل قيم الرواتب في الدول المختلفة وفقًا للدولار الأمريكي باستخدام مقياس تعادل القوة الشرائية).
تعتقد بينتو أن ارتفاع معدل الشعور بالرضا في البرازيل يمكن عزوه جزئيًا على الأقل إلى حالة الارتياح العام لانتهاء رئاسة بولسونارو، التي تصفها بـ"الفصل المظلم" في مجال البحث العلمي. وتقول: "ما زلنا نكافح لإعادة بناء الكثير مما فقدناه، ولكن لأول مرة منذ فترة طويلة، ثمة شعور متجدد بالتفاؤل. فالتفاؤل طابع أصيل لدينا".
مستوى الشعور بالرضا في أستراليا
مثل البرازيل، لا تعطي بيانات دورية Nature تفسيرًا مباشرًا لارتفاع مستوى الشعور بالرضا في أستراليا. ويُظهر المشاركون في الاستطلاع من أستراليا وعددهم 101 مستوى شعور بالرضا أعلى من المتوسط في معظم المقاييس؛ على سبيل المثال، يشعر 58% من طلاب الدكتوراه المقيمين في أستراليا بالرضا عن التوازن بين العمل والحياة مقارنةً بالمتوسط العالمي وقدره 51%. لكن النتائج الأعلى بكثير من المتوسط العالمي سُجِّلت فقط في الأسئلة المتعلقة بالدعم المخصَّص للصحة النفسية وفرص السفر.
يقول إيدي أتينبورو، الذي يدرس الغذاء والعمليات الحيوية وعلوم البوليمرات في جامعة موناش في ملبورن، أستراليا، إن العوامل المرتبطة بنمط الحياة، بما في ذلك الثقافة المرتكزة على الأنشطة الخارجية وظروف المعيشة الآمنة نسبيًا، تُسهم أيضًا في تعزيز الشعور بالرفاه. ويضيف: "عندما تكون أكثر سعادة خارج المختبر، فالأرجح أنك ستشعر بالرضا داخله". من جانبها تعتقد جيسي جاردنر-راسل، طالب الدكتوراه في طب العيون بجامعة ملبورن والرئيس الوطني للمجلس الأسترالي لجمعيات طلاب الدراسات العليا (CAPA)، أن شبكات الأمان الاجتماعي في أستراليا مهمة، بما في ذلك إتاحة الرعاية الصحية المجانية أو المدعومة لمعظم طلاب الدكتوراه، وتنوع الثقافة الجامعية التي يشعر في ظلها الطلاب الدوليون بأنهم مرحَّب بهم، هذا إلى جانب تحقيق التوازن الجيد بين العمل والحياة. "أعتقد أن كل هذه العوامل تتضافر معًا لتعزيز الشعور بالرضا".
كما أن النسبة العالية لطلاب الدكتوراه الدوليين في عينة أستراليا (63%) ربما تؤثر أيضًا في مستوى شعورهم بالرضا. فعالميًّا، يُظهر الطلاب الذين يُتابعون دراساتهم في الخارج مستويات من الشعور بالرضا أعلى بكثير من أولئك الذين يدرسون في أوطانهم (78% مقارنة بـ 74%).
مع ذلك، تُعد الحياة في أستراليا مُكلفة. فعلى الرغم من أن نسبة الطلاب الذين أعربوا عن مخاوف تتعلق بالنواحي المالية (47%) أعلى بقليل من المتوسط العالمي (42%)، تُشكِّل تكاليف المعيشة دائمًا الشاغل الأكبر في استطلاعات المجلس الأسترالي لجمعيات طلاب الدراسات العليا، وفقًا لجاردنر-راسل. فالبدل الاعتيادي الذي يتقاضاه طالب الدكتوراه، والذي يبلغ 33,500 دولار أسترالي سنويًا (24,300 دولار أمريكي)، يقل عن الحد الأدنى للأجور في أستراليا الذي يُقدَّر بنحو 49,000 دولار أسترالي. علاوة على ذلك، وعلى عكس الوظائف ذات الراتب الثابت، لا تُساهم هذه الرواتب في خطة التقاعد، مما يضع طلاب الدكتوراه في وضع غير مواتٍ بالمقارنة مع أقرانهم غير الأكاديميين، حسبما يوضح إيدي أتينبورو الذي يقول: "هذا من شأنه أن يُشعر طلاب الدكتوراه بأنهم فئة يُستهان بها".
وفي حين أحرزت أستراليا والبرازيل درجات عالية في جميع الجوانب، قدمت إيطاليا صورة أكثر دقة. فبوجه عام، سجَّلت إيطاليا درجات مشابهة للدرجات التي سجَّلتها أستراليا: حيث أعرب 82% من المشاركين البالغ عددهم 111 عن شعورهم بالرضا عن برامج الدكتوراه بدرجة متوسطة على الأقل. ولكن عند سؤالهم عما إذا كانوا يستمتعون بدرجاتهم العلمية ويشعرون بالرضا عن العمل، سجَّل الطلاب في إيطاليا درجات أقل بكثير من الدولتين الأخريين، إذ أجاب 68% فقط بنعم على كلا المقياسين. كما أنهم أعربوا عن شعورهم برضا أقل بكثير من المتوسط عند سؤالهم عن الأجر والاستقلالية والتوازن بين العمل والحياة وكانت لديهم مخاوف أكبر تتعلق بصحتهم النفسية.
تقول ماريا روبرتا بيلاردو، التي تدرس العلوم الرياضية والفيزيائية في مدرسة سكوولا سوبيريور ميريديونالي في نابولي في إيطاليا، إن نتائج بلدها تعكس المشهد الأكاديمي المعقد. وتوضح أن الجامعات الإيطالية توفر تعليمًا جيدًا، لكن الأجور منخفضة - يبلغ متوسط الراتب الشهري 1200 يورو (1960 دولارًا أمريكيًا) بعد الاستقطاعات - والمجتمع البحثي صغير وفقًا للمعايير الأوروبية. وتضيف بيلاردو أن العديد من طلاب الدكتوراه في إيطاليا يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على شغفهم بموضوعهم البحثي. "بعبارة أخرى، ربما يشعر طلاب الدكتوراه الإيطاليون بالفخر بالدرجة العلمية التي يحصلون عليها، بينما يجدون في الوقت نفسه أن التجربة نفسها أقل متعةً والمستقبل المهني أقل أمانًا، وهو ما يُفسر، في رأيي، عدم اتساق نتائج الاستطلاع".
تقول جمعية طلاب الدكتوراه ومرحلة ما بعد الدكتوراه في إيطاليا (ADI) إن استطلاع الجمعية لعام 2024 الذي شارك فيه نحو 7000 طالب دكتوراه في عام 2023، توصَّل إلى أن نسبة تقترب من نصف هؤلاء الطلاب معرضون بشدة للقلق والاكتئاب والتوتر، ويعود ذلك في المقام الأول إلى انعدام الأمن الاقتصادي وأعباء العمل المفرطة وعدم اليقين بشأن المستقبل. "نرى أنه إذا أعلن طلاب الدكتوراه الإيطاليون عن شعورهم بالرضا [في استطلاع دورية Nature]، فلا يمكن تفسير هذا الشعور على أنه مؤشر على ظروف مثالية في المعيشة والعمل. بل ربما يعكس بدلًا من ذلك نوعًا من "المرونة" أو شيوع "الشغف" بالأبحاث، وهو ما يخفي الصعوبات اليومية،" حسبما يقول ديفيد كليمنتي، الأمين الوطني للجمعية، والذي يقيم في باليرمو في إيطاليا.
واقع كئيب لدراسات الدكتوراه في الصين
إذا كانت النتائج التي سجَّلتها إيطاليا في استطلاع دورية Nature قد انطوت على رسائل غير متسقة، فإن استجابة أقوى جاءت من الصين، التي سجَّلت أدنى درجة للشعور بالرضا (60%) بين الدول ذات التمثيل الجيد. فمشاركوها البالغ عددهم 312 كانوا أقل شعورًا بالرضا بكثير من المتوسط في العديد من المقاييس الأخرى، بما في ذلك علاقاتهم بالمشرفين، والتوجيه البحثي، وفرص السفر، والاستقلالية. واتضح أن الصين لديها أدنى نسبة من الطلاب الذين يستمتعون بدراسات الدكتوراه (53%) ويشعرون بالرضا (63%). كما أن رواتب الدكتوراه منخفضة مقارنةً بالدول الأخرى، إذ تبلغ قيمة المنحة الحكومية نحو 42 ألف يوان صيني سنويًّا (11,900 دولار أمريكي).
يقول يانبو وانج، الباحث في سياسات العلوم بجامعة هونج كونج، إن جزءًا كبيرًا من انخفاض الشعور بالرضا يمكن عزوه إلى ساعات العمل الطويلة التي يعملها طلاب الدكتوراه في الصين؛ "80 ساعة على الأقل في الأسبوع"، وهو ما يتجاوز حتى جدول العمل "996" المطبَّق في بعض الأماكن، والذي يتضمن العمل من الساعة 9 صباحًا حتى 9 مساءً، 6 أيام أسبوعيًا. ويعتقد وانج أن هذا الاضطرار إلى العمل لساعات طويلة ينبع من المنافسة الشديدة في سوق العمل. ووفقًا لتقديراته فإن عدد طلاب الدكتوراه في الصين قد تضاعف على الأقل خلال العقد الماضي، لكن عدد الوظائف الأكاديمية لم يواكب ذلك. ونظرًا إلى تزايد الطلب على حاملي الدكتوراه لشغل الوظائف رفيعة المستوى في الحكومة والمؤسسات المملوكة للدولة، يواجه الطلاب ضغوطًا شديدة. يقول وانج: "الحياة بالتأكيد ليست سهلة".
ولكن ربما تُسهم عوامل أخرى بخلاف تجارب الطلاب في انخفاض مستويات الشعور بالرضا في الصين وارتفاعها في البرازيل. فقد وجدت دراسات استقصائية عالمية أخرى، بما في ذلك تقرير السعادة العالمي، وهو تصنيف سنوي للرفاه، أن الشعور بالرضا الذاتي الذي يعبر عنه الأفراد يتأثر بالمعايير الاجتماعية والجغرافية والثقافية. فعلى سبيل المثال، تُظهر دول أمريكا اللاتينية، مثل البرازيل، باستمرار مستويات أعلى من الرفاه الذاتي مقارنةً بالدول الأخرى ذات الظروف الاقتصادية المشابهة أو الأفضل (الباحث بابلو بيتايا في «دليل أبحاث السعادة في أمريكا اللاتينية» Handbook of Happiness Research in Latin America؛ 2016). على النقيض من ذلك، انخفضت مستويات الشعور بالرضا عن الحياة في الصين خلال فترة التوسع الاقتصادي الوطني من عام 1990 إلى عام 2005. وصحيح أن ترتيب الصين على قائمة تقرير السعادة العالمي شهد تحسُّنًا منذ عام 2010، لكنها لا تزال تحتل المركز 68 فقط، على الرغم من كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتنعكس آثار هذه الأنماط في النتائج التي توصلت إليها دورية Nature: فطلاب الدكتوراه في البرازيل أكثر ميلًا بكثير من المتوسط إلى التصريح بأنهم "راضون للغاية" (17% مقابل متوسط عالمي قدره 8%) و"موافقون بشدة" على أنهم يستمتعون ببرامج الدكتوراه عمومًا (42% مقابل 30%). في الوقت نفسه، فإن الطلاب في الصين أكثر ميلًا إلى التصريح بأنهم "معارضون بشدة" (10% مقابل متوسط عالمي قدره 7%) للفكرة القائلة بأنهم يستمتعون ببرامج الدكتوراه. وقد سجَّلت المملكة المتحدة درجة إجمالية متوسطة من الشعور بالرضا، على الرغم من إحرازها درجة مرتفعة في كل مقياس من مقاييس الاستقلالية والتحدي الفكري والتوازن بين العمل والحياة وفرص السفر الجيدة. كما يتقاضى الطلاب هناك أيضًا راتبًا مرتفعًا نسبيًا، مع مخصَّص سنوي للدكتوراه لا يقل عن 20,780 جنيهًا إسترلينيًا (30,600 دولار أمريكي). ويمكن تفسير الدرجة الإجمالية المتوسطة للشعور بالرضا في المملكة المتحدة بأنها مثال نموذجي على التحفظ البريطاني.
تشرح ماري بريجوجليو، خبيرة الاقتصاد السلوكي في جامعة مالطا في مسيدا، دور علم النفس في استطلاعات الرفاه: حتى عند طرح الأسئلة نفسها، تختلف طريقة إجابة المشاركين. "فربما يقارن البعض منهم مشاعره بما يعتقد أن الآخرين يشعرون به قبل أن يُجيب. وقد يعمد فريق ثانٍ إلى مقارنة الوضع الذي هو عليه بتوقعاته. وربما يفكر فريق ثالث في شعوره الحالي، بينما قد ينصب اهتمام فريق رابع على مشاعره خلال فترة دراسته للدكتوراه في مجملها.
وتوضح بريجوجليو أن الثقافة تؤثر أيضًا في ردود المشاركين. "ففي بعض الثقافات، قد تكون التقييمات المنخفضة أكثر شيوعًا، حيث تكون الشكوى أمرًا مقبولًا اجتماعيًا. وفي ثقافات أخرى، ربما يبالغ الطلاب في التعبير عن مشاعرهم الإيجابية حتى لا يُنظر إليهم بأنهم انتقاديون". حتى مقاييس التقييم الرقمية يمكن أن تؤدي إلى تشويه النتائج. فبحسب ما تقول بريجوجليو: "يتعامل بعض الأشخاص مع الاستبيانات بقاعدة ضمنية أساسها تجنب اختيار الإجابات المتطرفة، فيما يميل آخرون إلى تبسيط العملية باختيار الإجابات المتطرفة فقط". فربما تكون الدرجة 7 التي أسجِّلها مساوية للدرجة 5 التي تسجِّلها أنت".
لذلك، على الرغم من وجود عدد كبير من طلاب الدكتوراه الذين يشعرون بالرضا في البرازيل وأستراليا، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الطلاب في هاتين الدولتين أفضل حالًا من غيرهما. فربما توحي بيانات دورية Nature بمستويات من الشعور بالرضا أعلى قليلًا في تلك الدول، ولكن من الصعب الجزم بما إذا كان ذلك نتيجة عوامل خارجية أم مواقف داخلية.
ومع هذا، تُظهر البيانات أن الشعور بالرضا يمكن أن يزدهر حتى في ظل الظروف الصعبة، وهو ما تشهد به بينتو. فهي تُقدِّر بشدة زملاءها في الفريق، وتُقدِّر "بالأخص حقيقة كوننا شبكة دعم رئيسة لبعضنا البعض"، لأنها وزملاءها يعيشون بعيدًا عن المراكز الأكاديمية في البرازيل. هذا العام، حصلت مجموعتها البحثية على تمويل لتوسيع نطاق عملها في استخدام سيراميك العناصر الأرضية النادرة في تقنيات انتقال الطاقة. تقول بينتو: "سيساعدنا هذا على اجتياز بعض القيود التي تفرضها عزلتنا الجغرافية، كما سيسمح لنا بتوسيع بنيتنا التحتية وجهودنا التعاونية".
لا يُمكن لاستطلاع دورية Nature أن يُحدد لنا بشكل قاطع أي دولة تضم أسعد طلاب الدكتوراه حالًا. لكن تجربة بينتو تُسلط الضوء على أهم الأبعاد: الروابط الإنسانية القوية، والعمل الهادف، والتوجيه الفعَّال. ففي النهاية، تلك هي الظروف التي تجعل سنوات الدكتوراه مُجزية ومُثمرة بغض النظر عن مكان إقامتك.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 20 أكتوبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.194
تواصل معنا: