أخبار

جائزة نوبل في الاقتصاد ذهبت إلى باحثين أثبتوا دور العلم في تعزيز النمو الاقتصادي

نشرت بتاريخ 29 أكتوبر 2025

تقاسم جول موكير، وفيليب أجيو، وبيتر هاويت جائزة نوبل في الاقتصاد عن عملهم الذي يشدد على أهمية الاستثمار في البحوث والتطوير.

فيليب بال

جول موكير، وفيليب أجيو، وبيتر هاويت 

جول موكير، وفيليب أجيو، وبيتر هاويت 
Credit: Northwestern University, Patrick Imbert/Collège de France, Ashley McCabe/Brown University

مُنحتْ جائزة نوبل المرموقة في الاقتصاد، والمعروفة رسميًّا باسم "جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل"، لثلاثة باحثين تقديرًا لإسهامهم في توضيح كيف يدفع الابتكار العلمي والتكنولوجي، مقرونًا بالمنافسة السوقية، بعجلة النمو الاقتصادي.

يذهب نصف الجائزة إلى المؤرخ الاقتصادي جول موكير، من جامعة نورث ويسترن في مدينة إيفانستون بولاية إلينوي؛ أما النصف الآخر فيتقاسمه المنظّران الاقتصاديان فيليب أجيو من كوليدج دو فرانس وكلية لندن للاقتصاد، وبيتر هاويت من جامعة براون الواقعة في بروفيدنس بولاية رود آيلاند الأمريكية.

أعرب أجيو عن فرحته قائلًا: "تعجز الكلمات عن التعبير عما يختلج في نفسي". وذكر أنه سوف يستخدم قيمة الجائزة في تمويل أبحاثه داخل مختبره بكوليدج دو فرانس.

ومن جانبها تقول عالمة الاقتصاد دايان كويل من جامعة كامبريدج: إن الجائزة "تبرز أهمية الاستثمار في العلوم بوصفه ركيزة للابتكار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل". ويضيف ريتشارد جونز باحث سياسات الابتكار بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة قائلًا: "من المفرح أن تعترف جائزة نوبل بالقيمة الكبيرة لهذا الموضوع". وتابع: "من الأهمية بمكان أن يعي الاقتصاديون ظروف وملابسات التقدم التكنولوجي". وجدير بالذكر أن الفائزين "كانوا منذ أمد طويل من بين أبرز المرشحين لنيل الجائزة"، حسبما أشارت كويل.

أسرار النمو الاقتصادي بين الماضي والحاضر

في العادة، يتراوح معدل النمو الاقتصادي السنوي في البلدان الصناعية في الوقت الراهن بين نسبة تقترب من 1 و2 في المئة. لكن مثل هذه المعدلات لم تتحقق في الأزمنة الغابرة، رغم ما شهدته من ابتكارات تكنولوجية مثل طواحين الهواء وآلات الطباعة.

أظهر موكير أن الاختلاف الجوهري بين الحاضر والماضي هو ما أطلق عليه "المعرفة النافعة"، أي الابتكارات المبنية على الفهم العلمي1. وقد ضرب مثالًا على ذلك بما تحقق من إنجازات أثناء الثورة الصناعية التي انطلقتْ في القرن الثامن عشر، حين أمسى تطوير محركات البخار عملًا منهجيًّا مدروسًا بعد أن كان خاضعًا للمحاولة والخطأ.

وأما أجيو وهاويت، فمن جانبهما أماطَا اللثام عن آليات السوق التي تنهض بأسس النمو المستدام في الأزمنة الحديثة. ففي عام 1992 طرحَا نموذجًا يبيّن كيف تتيح المنافسة بين الشركات المنتجة لسلع جديدة دخول الابتكارات إلى السوق وإزاحة المنتجات الأقدم، في عملية أطلقَا عليها اسم «التدمير الخلّاق»2.

بعبارة أخرى، يقوم النمو الاقتصادي طويل المدى على حركة دؤوبة من صعود شركات ومنتجات جديدة وانحسار أخرى. وهكذا، أظهر الباحثان كيف تستثمر الشركات في البحوث والتطوير لتعزيز فرصها في ابتكار منتجات جديدة، وتنبآ بالمستوى الأمثل لهذا الاستثمار.

الدول ومهمة ريادة البحث والتطوير

وفقًا لاختصاصي علم الاقتصاد، أوفوك أكجيت، من جامعة شيكاغو، يُبرز أجيو وهاويت جانبًا مهمًا في النمو الاقتصادي، ألا وهو أن الإنفاق على البحث والتطوير لا يكفل في ذاته تحقيق معدلات نمو أعلى، فيقول: "ما لم نُزح الشركات ضعيفة الكفاءة من الاقتصاد، فلن نتمكن من إفساح المجال لوافدين جدد بأفكار خلّاقة وتقنيات أكثر تطورًا".

ويضيف: "حين يُطل رائد أعمال جديد، تكون لديه كل الحوافز للإتيان بتكنولوجيا جديدة ثورية. وما إن يرسّخ أقدامه في السوق ويصير شركة مهيمنة، حتى تتلاشى حوافزه"، فلا يعود يستثمر في البحث والتطوير للنهوض بالابتكار.

وهكذا، لما كانت الشركات لا تتخيل بقاءها في طليعة المبتكرين إلى الأبد، يتراجع حافزها للاستثمار في البحث والتطوير المدفوع بقوى السوق مع تزايد حصة الشركة في السوق. ولضمان المنافع المجتمعية للابتكار المستمر، يشير النموذج إلى ضرورة دعم الدولة للبحث والتطوير الذي يصبّ في مصلحة المجتمع، شريطة ألا يقتصر العائد على تحسينات تدريجية فقط.

كما يشدد عمل الفائزين الثلاثة على التداعيات الاجتماعية المعقدة المصاحبة للنمو. ولا ننسى أنه في فجر الثورة الصناعية سادت مخاوف من أن يؤدي ظهور الآلة إلى فقدان العمالة اليدوية لوظائفها - وهي مخاوف تتردد أصداؤها اليوم مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بدلًا من الأيدي العاملة البشرية. غير أن موكير أثبت أن الميكنة في مراحلها الأولى أسفرتْ في الواقع عن نشوء فرص عمل جديدة.

في الوقت نفسه، يؤدي التدمير الخلاق إلى إفلاس الشركات وفقدان الوظائف. وأكد أجيو وهاويت أن المجتمع بحاجة إلى شبكات أمان اقتصادية وتفاوض بناء لحل النزاعات من أجل اجتياز هذه المعضلات.

تقول كويل إن نموذجهما "يعكس الفوضوية والتعقيد اللذين يسمان طريقة حدوث الابتكار في الاقتصادات الحقيقية. إن فكرة أن إنتاجية بلد ما تزيد بفعل تعسر شركات ودخول أخرى جديدة إلى السوق من الصعب على الناس تقبلها، لكن الأدلة التي تشير إلى أن هذا جزء من آلية النمو الاقتصادي هي أدلة دامغة".

رسالة في وقتها

تتزامن جائزة هذا العام مع التهديد الذي يتعرض له تمويل البحوث العلمية في الولايات المتحدة وحول العالم. تُعقب كويل: "إنها رسالة تأتي في وقتها المناسب؛ في لحظة نُشاهد فيها الولايات المتحدة وهي تقوّض جزءًا كبيرًا من قاعدتها العلمية". ومن جانبه عبر أجيو عن رفضه للسياسات الاقتصادية التي تحد من التجارة مع البلدان الأخرى قائلًا: "لا تروق لي موجة الحمائية التي تجتاح الولايات المتحدة"، مضيفًا أن "الانفتاح هو المحرك الحقيقي للنمو. أرى سُحبًا سوداء تتكاثف في الأفق".

ونفت المؤرخة الاقتصادية، كيرستين إنفلو، عضوة لجنة منح جوائز نوبل، أن تكون الجائزة قُصد بها التلميح إلى توجهات السياسات الأمريكية. فشددت على ذلك في المؤتمر الصحفي قائلة: "إنما الجائزة احتفاء بالعمل الذي أنجزه [الفائزون]".

النمو الأخضر

في الآونة الأخيرة، بدأ الباحثون يشككون في صحة سردية "النمو بأي ثمن" لا سيما بعدما أدت سبل السعي وراء النمو إلى تدهور بيئي واسع، شمل الاحترار العالمي.

فيتساءل أجيو: "كيف لنا أن نتأكد أننا نبتكر ابتكارات صديقة للبيئة؟ الشركات لا تفعل ذلك من تلقاء ذاتها. فكيف لنا إذن أن نعيد توجيه النمو بحيث يعتمد على خيارات صديقة للبيئة"؟ أظهر عمل موكير أن النمو يمكنه أحيانًا أن يصحح مساره من تلقاء نفسه، بمعنى أنه يولّد ابتكارات ضرورية لمعالجة هذه النوعية من المشكلات. لكن ذلك ليس أمرًا مضمونًا ويقتضي صياغة سياسات محكمة تعزز الابتكار دون أن تفضي إلى تفاقم عدم المساواة أو الإضرار بالاستدامة. يقول أجيو: "علينا أن نحسن توظيف القدرة الإنتاجية وأن نقلّص آثارها السلبية إلى أدنى حد ممكن".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 13 أكتوبر عام 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.191