أخبار

بالأرقام: البشرية تخسر معركتها ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

نشرت بتاريخ 28 أكتوبر 2025

من واقع بيانات، يبرهن هذا التحقيق الإخباري على الفشل العالمي في التصدي لتحد خفض الوفيات وحالات العدوى الناجمة عن البكتيريا المقاومة للعقاقير.

أدرجت منظمة الصحة العالمية بكتيريا المكورة العنقودية الذهبية staphylococcus aureus  كأحد مسببات الأمراض ذات الأولوية الكبيرة. 

أدرجت منظمة الصحة العالمية بكتيريا المكورة العنقودية الذهبية staphylococcus aureus  كأحد مسببات الأمراض ذات الأولوية الكبيرة. 
National Institute of Allergy and Infectious Diseases (NIAID)

على مدى الأعوام الخمس والعشرين القادمة، يُتوقع أن تتسبب ظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات في 39 مليون وفاة على مستوى العالم. ووفقًا لتقريرين أصدرتهما منظمة الصحة العالمية (WHO) في الثاني من أكتوبر الجاري، فإن الجهود العالمية لاكتشاف علاجات لحالات العدوى المقاومة للعقاقير قد  انحرفت عن مسارها 1، 2. فيبرهن تقرير على أن مسارات تطوير المضادات الحيوية على مستوى العالم تواجه عقبة على جانبين. أولهما ندرة العقاقير قيد التطوير في الوقت الحالي. وثانيهما يتمثل في ضعف حركة ابتكار الأساليب الجديدة لمكافحة البكتيريا المقاومة للعقاقير.

فحسبما ورد في بيان صرحت به يوكيكو ناكاتاني، المديرة العامة المساعدة لشؤون الأدوية والمنتجات الصحية في منظمة الصحة العالمية في مدبنة جبنبف البسويسرية: "فإن أزمة مقاومة مضادات الميكروبات تتفاقم، في الوقت الذي لا تتمتع فيه الأنظمة الحالية لإنتاج العلاجات الجديدة والأدوات التشخيصية بالإمكانات الكافية لمواجهة انتشار حالات العدوى البكتيرية المقاومة للعقاقير ". وأضافت ناكاتاني: "من دون ضخ مزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير، وتكريس الجهود لضمان وصول الأدوية الجديدة والقائمة لمن هم في أمس الحاجة إليها، من المتوقع أن يستمر انتشار حالات العدوى المقاومة للعقاقير".

في الوقت نفسه، سلطت بعض أبحاث الصحة العامة الضوء على حجم أزمة مقاومة مضادات الميكروبات. على سبيل المثال، وجد تقرير نُشر في دورية «ذا لانسيت» The Lancet3 العام الماضي أن تعداد الوفيات السنوي لحالات العدوى المقاومة للعقاقير قد يرتفع  من مليون حالة وفاة سنويًا بين عامي 1990 و2021 إلى حوالي مليوني حالة وفاة سنويًا بحلول عام 2050. وبتعبير أدق، من المتوقع أن يبلغ إجمالي عدد الوفيات السنوي الناجم بصورة مباشرة عن ظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات 1.91 مليون حالة وفاة في عام 2050، يُضاف إليها 8.22 مليون حالة وفاة أخرى مرتبطة بصورة غير مباشرة بالظاهرة. (انظر "تفاقُم أزمة مقاومة مضادات الميكروبات").

في هذا الإطار، تقول ريتي فينتر، اختصاصية علم الأحياء الدقيقة من جامعة جنوب أستراليا في مدينة أديلايد: "يتنامى الوعي بهذه القضية. رغم ذلك، لا تزال مقاومة مضادات الميكروبات تمثل وباءً صامتًا، يحصد العديد من الأرواح ويفلت من الاتهام".

المصدر: المرجع رقم 3 من قائمة المراجع أدناه.

شًح في العقاقير

تلفت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن العالم يواجه في الوقت الحالي فشلًا في تحقيق هدف منظمة الأمم المتحدة المتمثل في الحد من الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030، بسبب بطء خطى إنتاج المضادات الحيوية الجديدة. فوفقًا لتحليل للمنظمة، قيد التطوير في الوقت الحالي 90 من العقاقير المضادة للبكتيريا (انظر الشكل: "أزمة ابتكار"). لكنَّ 15 عقارًا فقط منها يُصنف على أنه مُبتكر، أي يحقق فائدة إكلينيكية إضافية ملموسة، وخمسة فقط منها يتسم بالفاعلية في مواجهة نوع واحد على الأقل من أنواع "البكتيريا عالية الخطورة" المدرجة على قائمة منظمة الصحة العالمية لمسببات الأمراض البكتيرية ذات الأولوية. وقد انخفض منذ عام 2023 عدد العقاقير المضادة للبكتيريا في الخطوط الإكلينيكية لتطوير هذه العقاقير بعد أن قضى حكم صادر عن منظمة الصحة العالمية بأن بعض هذه العقاقير لم يكن مبتكرًا.

إلا أن خطوط التجارب قبل الإكلينيكية لا تزال نشطة، ويُدير 148 فريقًا بحثيًا على مستوى العالم في الوقت الحالي 232 برنامج بحثي لتطوير هذه العقاقير. لكن بحسب التقارير، فإن 90% من الشركات المشاركة في هذه التجارب من الشركات الصغيرة، وهو ما يبرز هشاشة بيئة أبحاث هذه العقاقير وعمليات تطويرها. إذ أخذت الشركات الدوائية الكبرى منذ سنوات في ترك سوق إنتاج المضادات الحيوية بسبب نقص الاستثمارات المالية وانخفاض معدلات اعتماد المضادات الحيوية الجديدة.

المصدر: go.nature.com/48evg3p

ارتفاع في أعداد حالات العدوى

لكن حتى إن توفرت هذه العقاقير، لن يكون ما يجري تطويره منها كافيًا للحد من تزايُد عدد الوفيات الناجمة عن العدوى المقاومة للعقاقير. تنشأ مقاومة مضادات الميكروبات عندما تُطورِّ البكتيريا وغيرها من الكائنات الدقيقة المُمرِضة آليات تمكنها من مقاومة ما تتعرض له من عقاقير. وبالتالي، يُضطر منتجو العقاقير إلى خوض لعبة مطاردة دائمة لهذه الممرِضات، قوامها إنتاج المضادات الحيوية الجديدة للتغلُب على هذه المقاومة الناشئة.

لكن يبقى المحرك الرئيس لنشأة مقاومة مضادات الميكروبات هو إساءة وفرط استخدام هذه المضادات لأغراض التداوي البشري والزراعة. لهذا، يُعد الحد من استخدام المضادات الحيوية وتطوير مضادات حيوية علاجية جديدة ضرورة لتقليص انتشار حالات العدوى المقاومة للعقاقير. في هذا الإطار، ترى جوين نايت وكاثرين هولت، المديرتان المشاركتان لمركز مقاومة مضادات الميكروبات في كلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة، أن البيانات المتوفرة غير كافية للمقارنة بين دور استخدام المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية واستخدامها في البشر، من حيث مدى إسهام كل منهما في نشأة مقاومة مضادات الميكروبات.

ورغم أن قادة العالم تعهدوا بتقليص الاستخدام العالمي للمضادات الحيوية من أجل خفض معدل الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات بنسبة 10% بحلول عام 2030، لا يبدو أن هذا الهدف قريب المنال، بالنظر إلى أن التوقعات تشير إلى أن استخدام المضادات الحيوية في البشر والثروة الحيوانية سيزداد في الأعوام القادمة (انظر "استعمال مضادات الميكروبات في الحيوانات"). في ذلك الصدد، تقول فينتر: "لا يمكننا الحيلولة دون نشأة مقاومة مضادات الميكروبات، لكن بإمكاننا تنفيذ تدابير تُبطئ من تطورها. وعلى هذا الصعيد، فإن جهودنا لا تحقق في الوقت الحالي نجاحًا كبيرًا ".

المصدر: المرجع رقم 5 من قائمة المراجع أدناه.

ويُعد الحد من استخدام المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية من الأولويات، بالنظر إلى أنه يشكل 73% من المبيعات العالمية لمضادات الميكروبات على اختلافها4. ويُذكر أن الاستخدام السنوي للمضادات الحيوية في الثروة الحيوانية قد ارتفاع خلال العقود الأخيرة، رغم تعهدات بخفضه، ويُتوقع أن يرتفع بحوالي 30% بحلول عام 2040 عنه في عام 2019 5. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تزايُد الطلب على اللحوم في دول العالم النامي، لا سيما في دول مثل الصين وتايلاند. ففي آسيا تحديدًا، تزايد معدل إنتاج اللحوم بـ15 ضعفًا عنه في عام 1961، ليتجاوز بدرجة كبيرة متوسط النمو السنوي العالمي لهذا الإنتاج ومقداره 4 أضعاف سنويًا.

وقد ظل استخدام المضادات الحيوية في مجال رعاية الصحة البشرية مرتفعًا منذ عام 2000 6، ويشهد في الوقت الحالي ارتفاعًا في الدول التي لا تتمتع ببنية تحتية عالية الجودة في هذا المجال، وهو ما يسهم في إساءة استعمال المضادات الحيوية (انظر "استعمال المضادات الحيوية").

المصدر: المرجع رقم 6 من قائمة المراجع أدناه.

مسببات الأمراض ذات الأولوية

عام 2024، نشرت منظمة الصحة العالمية قائمتها لمسببات الأمراض البكتيرية ذات الأولوية، وهي تسلط الضوء على البكتيريا المقاومة للعقاقير حسب درجة تهديدها للصحة العامة (انظر "مسببات الأمراض البكتيرية ذات الأولوية). والكثير من أشد حالات العدوى فتكًا كان سببه مجموعة من البكتيريا التي تتمتع بقدرة عالية جدًا على مقاومة العقاقير، تُسمى مجموعة البكتيريا سالبة الجرام. تشمل هذه الفئة بكتيريا الإشريكية القولونية Escherichia coli، والراكدة البومانية Acinetobacter baumannii، وهي ممرض تُعزى إليه حالات عدوى ناشئة في المستشفيات. ولا يتسم بالفاعلية في مواجهة هذه الأنواع البكتيرية ذات الأولوية إلا خمسة عقاقير من بين المضادات البكتيرية قيد التطوير حاليًا.

وتسلط تقارير منظمة الصحة العالمية أيضًا الضوء على قصور جوهري في أدوات تشخيص مسببات الأمراض البكتيرية ذات الأولوية وعلى نقص حرج في المضادات الحيوية الفعالة ضد البكتيريا المقاوِمة للعقاقير، وبالأخص في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. في هذا السياق، تقول نايت وهولت إن المحرك الأكبر للوفيات المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات هو "عدم وفرة المضادات الحيوية والرعاية الصحية اللازمة لمواجهة العدوى المقاومة للعقاقير، والعدوى المستجيبة للعقاقير".

المصدر: المرجع رقم 6 من قائمة المراجع أدناه.

بصيص من الأمل

في الوقت الذي تظهر فيه حاجة مُلحة إلى تطوير مضادات حيوية، يستمر بطء خطى منظومة تطوير العقاقير. فتفيد منظمة الصحة العالمية بأن كبرى العقبات على طريق التغلُب على مقاومة مضادات الميكروبات ترتبط بالاستثمارات في شتى الأدوات التشخيصية والأدوية المضادة للبكتيريا.

وتنعقد آمال على قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على إسراع وتيرة الاكتشاف. لذا، أخذ باحثون في استخدام هذه الأدوات لمساعدتهم في تصميم الجيل القادم من المضادات الحيوية، غير أن إنتاج هذا الجيل مختبريًا قد ينطوي على تحديات ، ما قد يضفي صعوبة على التنبؤ بموعد دخول هذه العقاقير حيز التجارب الإكلينيكية.

ختامًا، تقول أماندا كرويدر المدير المشارك لشؤون الاستراتيجيات والبرامج البحثية في المعهد الوطني المعني بأبحاث مقاومة مضادات الميكروبات والتوعية بها في مدينة آيمز بولاية آيوا الأمريكية: "يبقى جانب كبير من الآليات البيولوجية الأساسية المرتبطة بنشأة مقاومة مضادات الميكروبات وانتشارها غير مفهوم لنا".

لهذا، كما تضيف كرويدر، من الضرورة بمكان مواصلة تمويل الدراسات حول العديد من القضايا المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات، و"يشمل ذلك كل شيء من الآليات البيولوجية الجزيئية البسيطة وراء هذه المقاومة إلى العوامل الاجتماعية وراء استخدام ممارسي الطب لمضادات الميكروبات في البشر وفي الحيوانات".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 7 أكتوبر عام 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.190


  1. World Health Organization. Landscape Analysis of Commercially Available and Pipeline In Vitro Diagnostics for Bacterial Priority Pathogens (WHO, 2025).

  2. World Health Organization. Analysis of Antibacterial Agents in Clinical and Preclinical Development: Overview and Analysis 2025 (WHO, 2025).

  3. Naghavi, M. et al. Lancet 404, 1199–1226 (2024).

  4. Van Boeckel, T. P. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 112, 5649–5654 (2015).

  5. Acosta, A. et al. Nature Commun. 16, 2469 (2025).

  6. Browne, A. J. et al. Lancet Planet. Health 5, e893–e904 (2021).