أخبار

الذكاء الاصطناعي يكشف مئات الدوريات العلمية المشبوهة

نشرت بتاريخ 16 سبتمبر 2025

نظام يبحث عن العلامات الدالة على ممارسات غير منضبطة، ليساعد بذلك في استبعاد الدوريات المشبوهة.

ميريام ندّاف

أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي تستطيع فحص آلاف الدوريات، وكشف الدوريات التي لا تتقيد بمعايير الجودة.

أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي تستطيع فحص آلاف الدوريات، وكشف الدوريات التي لا تتقيد بمعايير الجودة.
حقوق الصورة: PaulPaladin/Alamy

أعدَّ الباحثون قائمةً تضم أكثر من ألف دورية ذات وصول مفتوح تحوم حولها الشبهات، وذلك باستخدام أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي مشَّطت نحو 15 ألف دورية بحثًا عن دلائل تشير إلى ممارسات نشر مشبوهة.

يمكن أن تسهم هذه الطريقة، التي عُرضَت في دراسة1 منشورة بدورية «ساينس أدفانسز»Science Advances  بتاريخ السابع والعشرين من أغسطس الماضي، في مواجهة الظاهرة المتنامية التي يُطلق عليها مؤلفو الدراسة «دوريات الوصول المفتوح المشكوك فيها»؛ وهي تلك التي تتقاضى أموالًا لنشر الأبحاث، ولا تُخضعها لعملية تحكيم بحثي مُحكمة، ولا تراعي فيها اعتبارات الجودة.

واللافت أن أيًّا من الدوريات التي تضمُّها هذه القائمة لم يكن مُدرجًا في أي قائمة أخرى مشابهة، بل إن بعض هذه الدوريات مملوكة لدور نشر كبرى وذائعة الصيت. وقد نشرت هذه الدوريات مجتمعة مئات آلاف الأوراق البحثية التي حصدت ملايين الاستشهادات.

تقول جنيفر بيرن، محققة النزاهة البحثية وأستاذة أبحاث السرطان بجامعة سيدني في أستراليا: "تكشف هذه الدراسة النقاب عن عدد كبير من الدوريات المشبوهة التي تقدِّم نفسها على أنها مجلات مرموقة، لكنها في الحقيقة لا تستحق هذا الوصف".

الأداة متاحة على الإنترنت في نسخة تجريبية غير متاحة لعموم المستخدمين، ولكن يمكن للجهات المتخصصة في فهرسة الدوريات أو لدور النشر الاستعانة بها في مراجعة قوائمها، وفقًا لما ذكره دانيال أكونيا، المؤلف المشارك للدراسة وعالِم الحاسوب بجامعة كولورادو بولدر. ومع ذلك، فهو يستدرك بالقول إن الذكاء الاصطناعي ليس محصَّنًا من الخطأ، وإنه ليس مصممًا ليحل محل التقييمات التفصيلية للدوريات والمنشورات الفردية. يقول: "ينبغي أن تتضمن عملية التدقيق مراجعة بشرية قبل اتخاذ أي إجراء".

تمشيط الدوريات

بإمكان الأداة تحليل كمّ هائل من المعلومات من مواقع الدوريات والأوراق المنشورة فيها، والوقوف على الشواهد التي تثير الريبة، مثل قِصر فترة التحكيم قبل النشر، أو ارتفاع معدلات الاستشهاد الذاتي. وتقيِّم هذه الأداة أيضًا ما إذا كان أعضاء هيئات التحرير منتمين إلى مؤسسات بحثية معروفة وذات سمعة، وتتحقق من مدى شفافية الدوريات بشأن الترخيص والرسوم. وتجدُر الإشارة إلى أن كثيرًا من المعايير المعتمَدة في تدريب الأداة مستمَدة من الإرشادات التي تحدد أفضل الممارسات البحثية، والواردة في «دليل الدوريات ذات الوصول المفتوح» (DOAJ)، وهو فهرس تديره مؤسسة غير ربحية في روسكيلده بالدنمارك.

تقول سينيو شين، نائبة رئيس تحرير الجودة في الدليل المذكور التي تقيم في هلسنكي، إن عدد الدوريات المشبوهة آخذ في الازدياد، وأن "أساليبها تزداد تعقيدًا"، مضيفة: "يومًا بعد يوم، نرصد مزيدًا من الحالات التي تستحوذ فيها جهات نشر مشبوهة على دوريات شرعية، أو التي تشتري فيها منصات الأبحاث المفبركة مجلات لنشر أوراق رديئة الجودة" (علمًا بأن هذه المنصات هي جهات تجارية تبيع أبحاثًا وهمية أو منشورات زائفة).

يعتمد الدليل في عمليات التدقيق الخاصة به على المراجعة البشرية في الغالب، ولا يشرع فيها إلا بعد تلقي شكاوى. ففي عام 2024، حقق الفهرس في 473 دورية، بزيادة قدرها 40% مقارنةً بعام 2021. تقول شين: "الوقت الذي قضاه فريقنا في هذه التحقيقات ارتفع هو الآخر بنسبة تقارب 30%، ليبلغ 837 ساعة".

يشير أكونيا إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُسهم في تسريع بعض هذه التقييمات. فقد درّب هو وزملاؤه نموذجهم على 12,869 دورية مدرجة في الدليل حاليًا باعتبارها شرعية، بالإضافة إلى 2536 دورية صنَّفها الدليل على أنها مخالِفة لمعايير الجودة.

وعندما طلب الباحثون من الأداة تقييم 15,191 دورية ذات وصول مفتوح مدرجة في قاعدة البيانات العامة «أنباي وول» Unpaywall، حدّدت 1,437 منها باعتبارها دوريات مشبوهة. وقد قدّر الفريق أن نحو 345 من هذه الحالات كانت إشارات في غير محلها، شملت دوريات متوقفة عن الإصدار، وسلاسل كتب، ودوريات صادرة عن جمعيات علمية صغيرة. كما وجد الباحثون أن الأداة عجزت عن اكتشاف 1,782 دورية مشبوهة أخرى، بناءً على تقديرات معدلات الخطأ.

واختبر الفريق أداء الأداة تحت مستويين من الصرامة. فعندما ضُبطت على أضعف مستوى، خرجت بقائمة تشمل 8800 دورية، وأفلت منها نحو 150 دورية مشبوهة، وفي المقابل كانت إشاراتها في غير محلها بشأن 6100 دورية. أما عند الضبط على مستوى أكثر صرامة — يقلل من مستوى عدم الدقة — فقد تقلَّص عدد الدوريات المشبوهة التي خرجت بها إلى 240 دورية فقط، لكن أفلت من الرصد حوالي 2600 دورية مشبوهة.

وذكر أكونيا أن الأداة "يمكن أن تُعطي الأولوية إما للمسح الشامل، أو للكشف الدقيق. وما قدمناه في الورقة البحثية هو نهج يحقق التوازن بين الاثنين". وتقول بيرن إن مرونة الأداة في الضبط تُعد "ميزة تثير الإعجاب".

مخاوف بشأن التحيز

يقول الباحثون إن أداتهم لا تزال في بداية الطريق، ويأملون في تحسينها أكثر. وإلى جانب المخاوف المتعلقة بالدقة، ترى شين أن الفحوص الآلية "قد تتحيز ضد الدوريات غير الناطقة بالإنجليزية، وأن تصنيف المحررين وفق الانتماء المؤسسي قد يُقلل من قيمة محررين ينتمون إلى مؤسسات أقل تمويلًا أو يقيمون في بلدان نامية".

وتضيف: "التحدي الأساسي يكمن في اختيار الخصائص التي يمكن للذكاء الاصطناعي قياسها بموثوقية ومن دون تحيز، وفهم مدى دقة هذه الخصائص عندما تُدمج في نموذج تنبؤي".

ومع ذلك، فإن هذه الأدوات يمكن أن تساعد المسؤولين على التقييم في التعامل مع الحجم الهائل من الدوريات التي تتطلب تدقيقًا. تقول شين: "ضمان نزاهة النشر بنظام الوصول المفتوح يتطلب في النهاية إشرافًا بشريًا وتقييمًا صارمًا قائمًا على الأدلة". لكنها تستدرك قائلة: "إذا تحسنت الدقة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي بالتأكيد دورًا داعمًا مفيدًا، يساعدنا على إدارة الكم وتقليل عناء المراجعة".

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 29 أغسطس 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.158


1.   Zhuang, H., Liang, L. & Acuna, D. E. Sci. Adv. 11, eadt2792 (2025).